توقفت طويلا أمام الشاب المصري كفيف البصر إبراهيم عمارة, مشاعري متضاربة بين الفرح بوجود مثل هذا الشاب المتفوق والمبدع, والحزن والإستياء من حالة التردي في نظامنا التعليمي ومؤسساتنا المختلفة والتي تحولت من أداة بناء أجيال قادرة علي الإبداع والرقي, إلي أداة كبح وعرقلة حتي للمتفوقين والمبدعين. قصة إبراهيم في تحدي الإعاقة, والقدرة علي تحقيق النبوغ, تدعو إلي الفخر, فقد نشأ في قرية كفر الشوربجي مركز كفر الزيات بالغربية, ومنذ مولده في عام1987 كان ضعيف البصر, ولأن والديه من التربويين فقد حاولا أثناء دراسته الإبتدائية توفير نصوص الدراسة له بأحرف كبيرة الحجم, ليتمكن من قراءتها, ولم يستسلم إبراهيم لحالة بصره المتدهور, وكان يمارس حياته الطبيعية, ويشترك في كل الالعاب والأنشطة, ولكن في الصف الرابع قرر إبراهيم ووالداه أن يقروا بالأمر الواقع, وأن يتم تحويله إلي مدرسة للمكفوفين, ليواصل دراسته من خلال تعلم طريقة برايل رموز الكتابة البارزة, وكان إبراهيم سعيدا بانتقاله إلي المدرسة الجديدة, وقدرته علي مساعدة أقرانه من فاقدي البصر, ومساعدتهم بما تبقي لديه من بصيص ضوء, أراد أن يشاركه فيه زملاؤه. حقق إبراهيم نبوغا لافتا, بدءا من الزمن القياسي في تعلمه طريقة القراءة والكتابة بالرموز البارزة برايل, ثم تحقيقه المركز الأول في الشهادة الإعدادية بمحافظة الغربية, والثاني علي مستوي الجمهورية, لكنه أصر علي تحقيق المركز الأول في الثانوية العامة, وكان له ما أراد, ليختار كلية الآداب قسم الإعلام لدراسته الجامعية, بل أصر علي دخول قسم الصحافة الذي لا يلتحق به إلا المبصرون, ومع ذلك حقق المركز الأول في كل سنوات الدراسة, وتخرج بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف. وعندما رفضت الكلية تعيينه معيدا لم ييأس, وعمل في مدرسة ابتدائية بأجر لا يتجاوز المائة جنيه, واصر علي استكمال دراسته العليا بكلية إعلام القاهرة, متحملا مشقة السفر اليومي, واختار تخصصا غير مسبوق وهو صحافة المكفوفين إلي جانب عمله في الصحافة, والذي مارسه بأقسام صعبة, فقد كان يعمل في مجال الأخبار والتحقيقات, وسط دهشة المسئولين الذين يلتقي بهم, ولم يعتادوا مشاهدة صحفي كفيف, لكنه كان يصر علي أن الكفيف قادر علي القيام بكل ما يستطيعه المبصر, ويقول إن تحدي الإعاقة يطلق طاقة كبيرة, قادرة علي تحقيق الكثير من الإنجازات, وبهذا الإصرار أصبح مدرسا مساعدا بقسم الإعلام في كلية آداب طنطا, مع حصوله علي الماجستير بتقدير امتياز عن انتاج صحافة المكفوفين, إلي جانب اجتيازه20 دورة تدريبية في الحاسب الآلي, و15 دورة في التنمية البشرية, و10 دورات في اللغة الإنجليزية. سجل إبراهيم دراسته لدرجة الدكتوراه بكلية الإعلام جامعة القاهرة عن تطوير صحافة المكفوفين, وسط انشغاله بالعمل التطوعي في عدة جمعيات أهلية, إلي جانب عمله الصحفي والأكاديمي, وقدم مبادرة لتطوير الشوارع, لتكون ملائمة للمكفوفين وباقي متحدي الإعاقة, حتي لا يضطرون إلي طلب المساعدة. هكذا يسجل إبراهيم عمارة سيرة مضيئة وسط العتمة, ويمضي في مسيرة التحدي التي يري أن بناء الدولة المصرية الحديثة سيشارك فيه جميع أبنائها, وفي مقدمتهم المكفوفون وغيرهم من قاهري الإعاقة, فلديهم إرادة قوية وقدرة علي التغيير والبناء تفوق غيرهم, فمن تمكن من قهر إعاقته سيكون أكثر قدرة علي بناء وطنه القوي المتطور. إبراهيم عمارة وأمثاله نماذج علينا أن نفخر بها, ونمد لها أيدينا لتحقق الكثير, ليكونوا بقامات طه حسين, ويشكلوا كتائب للبناء والتنوير, تكون رافعة مهمة للإرتقاء بمجتمعنا, الذي يحلم إبراهيم عمارة وأمثاله أن يكون قادرا علي شحذ الطاقات, واستغلالها, وليس عرقلة النبوغ والإبداع والعمل الدؤوب, الذي يحقق لمصر مكانتها التي تستحقها.. إبراهيم حصل علي بعثة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية, لكنها من نوع الإشراف المشترك, ويأمل من وزير التعليم العالي أن تتحول إلي بعثة كاملة, فهل هذا قليل علي نموذج مثل إبراهيم؟؟