منذ بدء الحياة النيابية فى مصر والصراع مستمر بين نواب الشعب والحكومة ، فالبرلمان يسعى لأداء دوره الرقابى ومحاسبة الحكومات وفقا للدستور ، وتراوغ الحكومة أحيانا بسبب ضيق الموارد والاعتمادات ، وأحيانا تفشل وتسقط ، وما بين هذا وذاك تظل العلاقة بين الحكومة والبرلمان تتحرك صعودا وهبوطا ، وعلى مدار هذا التاريخ لم تشهد الحياة النيابية استقرارا إلا فى فترات قصيرة ، والسطور القادمة مشاهد من هذه المواجهات . كان أولى تلك المواجهات مع أول استجواب فى تاريخ مصر فى 29 أبريل 1924 فى عصر الملك فؤاد الأول، حول إنفاق الحكومة المصرية فى السودان، وقدم الاستجواب اللواء موسى فؤاد، مستجوبا وزير المالية آنذاك محمد توفيق نسيم. وأشار نسيم فى استجوابه الى أن الخزانة المصرية من عام 1899 وحتى 1912 صرفت أكثر من 5 ملايين جنيه لسد عجز ميزانية حكومة السودان، وأن كل ما بنته مصر فى السودان من السكك الحديدية أو موانئ أو وابورات نيلية وإعمار مدينة الخرطوم يعد دينا على حكومة السودان، ولم تتنازل عنه مصر، وأن التجريدات التى بنيت لقمع الثورات بعد فتح السودان كانت وزارة الحربية هى المسئولة عنها، وعندما سئل عن عدم تسوية الديون حتى الآن، اكتفى برده أن الذنب فى ذلك ليس ذنبه. ومن الاستجوابات، الشهيرة استجواب لوزير الداخلية عدلى يكن، حول تعيينه نائبا للبطريرك، وجاء فى رد الوزير أنه تم ذلك بعد أن ساءت حالة الطائفة القبطية، لذا تم إقامة وظيفة نائب بطريركى خاصة بعد أن حالت شيخوخة البطريرك ومرضه الشديد دون القيام بعمله، وأن تزكيات المنصب قام بها كبار أعيان الطائفة. وفى عام 1924 شهد المجلس جلسة عاصفة لمناقشة استجواب موجه لرئيس الوزراء سعد زغلول بشأن جلاء القوات الإنجليزية عن مصر و السودان ، قدمه النائب السيد فودة وطالب فيه رئيس الوزراء بأن يبين خطة الحكومة المصرية فى المفاوضات ، و لكن جاء رد سعد زغلول متحفزا ” أشك كثيرا فى أن يكون هذا استجوابا ، لأن الاستجواب يرمى فى الحقيقة لنوع من الاتهام .. و مع هذا أجارى حضرة العضو فى اعتباره استجوابا ” . و عندما سأل النائب عما أثارته الصحف عن عدم دخول انجلترا المفاوضات إلا على أساس تصريح 28 فبراير ، رد زغلول ” لا تصدق ما تقرأه فى الجرائد و صدق ما أقوله لك ” و ” لا محل لسوء الظن فكلنا وطنيون و على أى مبدأ انتخبت ” . و اتخذت ردود زغلول نبرة الاستهزاء ، فعندما طالبه النواب بأن ييقول بشكل صريح أنه لن يدخل المفاوضات على أساس تصريح 28 فبراير ، قال فى رده :” قل ما تشاء و أنا أريحك “، و عندما أصر النائب ، قال له زغلول ” و هل إذا أجبتك لذلك ترضى بالمفاوضة ” فساد الضحك فى المجلس . و فى عهد المللك فاروق ناقش البرلمان خلال عام 1937 استجوابا حول حفلة تتويج الملك ، و لم ينشغل النواب وقتها بمعرفة النفقات التى ستصرف على هذا الحفل ، و لكنهم أفردوا الاستجواب كاملا ، لمعرفة سبب رفض الحكومة لقيام حفل دينى ، و لماذا لا يوجد تمثيل سودانى فى الحفل و هم أيضا من رعايا الملك ، و لماذا قرر فاروق الصلاة فى مسجد الرفاعى بالذات ! وجاء جواب رئيس الوزراء أن الحفل الدينى ليس من الدين فى شئ ، والاحتفال وطنى لسائر المصريين مسلمين و غير مسلمين ، أما اختياره لمسجد الرفاعى فذلك لوجود رفات والده الملك فؤاد الأول هناك . و بشأن التمثيل السودانى ، فقال رئيس الحكومة أن هناك بعثة سودانية خاصة ستشارك فى الاحتفال و لكن ليس بصفة رسمية ، و أن لقب الملك بعد معاهدة 36 ، فقد نص الدستور مادة 160 ، أن يعين اللقب الذى سيكون لملك مصر ، بعد أن يقرر المندوبون المفوضون نظام الحكم النهائى للسودان ” ! ومن أهم الاستجوايات ايضا ، استجواب إسماعيل صدقى باشا لرئيس مجلس الوزراء ، بشأن ما اتخذته الحكومة من تدابير لجعل قوة الدفاع المصرية مع عظم الأعباء المطلوبة باعتبارها المسئولة الأولى عن سلامة الحدود المصرية . واستند فى ذلك للمادة الثامنة من المعاهدة المصرية البريطانية ، و التى تسمح للجيش البريطانى بالإقامة زمنا بجوار القناة لمعاونة القوات المصرية لحين تصبح تلك القوات فى حالة تستطيع معها أن تكفل بمفردها هذا االدفاع ، مستنتجا من ذلك أن مصر مسئولة بصفة أساسية ليس عن أرضها فقط بل عن القناة التى هى جزء أصيل منها ، و أنها حرة فى تقوية جيشها و تنظيمه بما يتفق مع أعبائها الجديدة . واحتدت المناقشات عام 1946 حينما تقدم البرلمان باستجوابين لرئيس الوزراء بشأن المفاوضات التى حصلت بين الحكومة المصرية و البريطانية بشأن الجلاء . و قال وزير الخارجية مستشهدا بمقولة فكرى أباظة : ” فلتقم الحكومة بواجباتها و لتخرج من وراء الستار ، فليس لها بحال من الأحوال أن تولى الأدبار من أمنا لآئذة بهيئة المفاوضات” ، مؤكدا أن طبقا للدستور على الحكومة الاستجابة للبرلمان ، رغم علمه بأنه لا يصح أن تتقدم الحكومة بمشروع معاهدة إلا أن تكون وقعته مع الحكومة الأخرى ، مضيفا أن لو شاء المجلس أن يناقش الاستجواب دون إيداع النصوص سيكون شاكرا لذلك . و فى نهاية الاستجواب وافق الأغلبية على مناقشة ما وصلت إليه المحادثات ، و طالب رئيس الوزراء مناقشة الاستجواب فى جلسة سرية ، و بعد المناقشة قرر المجلس الثقة فى بالحكومة و طلب إليها المضى فى جهودها المؤدية لتحقيق أهداف الجلاء . وشهدعصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، طرح مجلس الأمة 4 استجوابات برلمانية فقط، منها واحد موجه إلى وزير السياحة من العضو على الششيني، حول أحد مصانع الألبان، والثانى موجه إلى وزير التموين عن سياسة الوزارة فى تصنيع علف الماشية ، وكذلك استجوابًا حول الإهمال الذى لحق بمستشفى الصدر بالجيزة فى عام 1957 وكان رد الدكتور طراف وزير الصحة فى ذلك الوقت أن المستشفى تستوعب اكثر من طاقتها بعد ضرب مستشفى ألماظة فى عام 1956 فى احدى الغارات . وشهد عهد الرئيس الراحل أنور السادات أبرز المواجهات على الاطلاق بين البرلمان ورئيس الجمهورية عندما رفض 13 نائبا اتفاقية كامب ديفيد كان على رأسهم النائب الناصرى كمال احمد وأبو العز الحريرى والمستشار ممتاز نصار ، و لم يحتمل السادات وجود 13 معارضا داخل مجلس الشعب لاتفاقيات كامب ومعاهدة السلام مع إسرائيل وأمر بحل المجلس عام 1979. أما فى عصر الرئيس الاسبق حسنى مبارك، فمن أهم استجواباته، الذى تقدم به النائب أحمد طه أحمد إلى الدكتور على لطفي، رئيس مجلس الوزراء، حول أحداث الأمن المركزي، وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وتمت إقالة اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية، واتخذت العديد من القرارات لتحسين أحوال الجنود المادية والعملية، وكذلك تحديد نوعية الجنود الذين يلتحقون بالأمن المركزى مستقبلا. وفى 20 فبراير عام 1989 تقدمت المعارضة بمجس الشعب باستجوبات ضد وزير الداخلية زكى بدر ، يتضررون فيها من اتباع الوزير لسياسات تضيق على المعارضة ، وخلال رده على الاستجوات هاجم ذكى بدر المعارضة بشراسة وتحدث عن تفاصيل أسرية نال فيها من فؤاد سراج الدين ، وهو الأمر الذى اثار نواب الوفد البالغ عددهم 35 نائبا بدأوا يقاطعون ويهاجمون ذكى بدر بسبب إهانته لفؤاد سراج الدين وانتهى الأمر بصعود النائب طلعت رسلان نحو المنصة لمنع زكى بدر من مواصلة الكلام ثم قام بصفع زكى بدر على وجه فقام الاخير بخلع حذائه ايضرب به رسلان . وفى عهد مبارك ايضا غيّب الموت، إهمالًا وفسادًا، 476 مواطنًا مصريًا، إثر غرق العبّارة سالم إكسبريس فى منتصف ديسمبر 1991، ما جلب على المهندس سليمان متولي، وزير النقل فى ذلك الحين، استجوابات نيابية من أعضاء، بينهم محمد البدرشيني، وإبراهيم شكري، وفاروق السيد متولي، حول «ملابسات الحادث، ودور التفتيش البحرى وموقف المفقودين» وغيرها من تساؤلات طُرِحت على الوزير فى جلسة 22 إبريل 1992. استهلك هذا الاستجواب فى مناقشته وقتًا طويلًا جدًّا، وتكرر المشهد فى حادثة العبارة السلام 98 فى عام 2006 التى راح ضحيتها أكثر من الف شخص ووقتها البرلمان شكل لجنة تقصى الحقائق كشفت مدى الاهمال والفساد الحكومى والتواطؤ .