بالأسماء.. ننشر تشكيل مجلس أمناء الأكاديمية الوطنية برئاسة السيسي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    حريق هائل بمخزن دهانات في البراجيل والدفع ب5 سيارات إطفاء    اليوم.. استكمال محاكمة متهمي خلية اللجان النوعية    كيف بدأ التقويم الهجري مع العرب؟.. أستاذة تاريخ إسلامي توضح    إيران تعلن إعدام 3 أشخاص مدانين بالتجسس لصالح الموساد    أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الأربعاء 25 يونيو 2025    الاستخبارات الأمريكية: نووي إيران لم يدمر    مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إيران لاستئناف عمليات التفتيش عقب وقف إطلاق النار    الأهلي أم الزمالك؟.. أسامة فيصل يفاجئ الجميع بشأن وجهته المقبلة    الشهر المقبل.. موعد الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» ومقدم جدية الحجز وأماكن الوحدات    الكهرباء: مشروعات الطاقة المتجددة أضافت 2000 ميجاوات قبل الصيف    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في المنوفية بالاسم ورقم الجلوس.. موعد الاعتماد الرسمي    بعد غياب 9 سنوات.. شيرين عبدالوهاب تستعد لإحياء حفل ختام مهرجان «موازين» بالمغرب    السوبر جيت تعلن فتح خط الساحل الشمالي بدءًا من اليوم    أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    تامر عاشور يحيي حفل مهرجان «موازين» ب«بالعكاز» والجمهور يستقبله بالزغاريد المغربية    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    الجيش الإسرائيلي: مقتل ضابط و6 جنود في معارك جنوبي قطاع غزة    أخبار فاتتك وأنت نايم| قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    جيروم باول: الفيدرالي غير مستعد بعد لتخفيض أسعار الفائدة    «بريكس» تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    إعلان النتيجة النهائية لعضوية مجلس إدارة البورصة    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    روسيا: واشنطن وتل أبيب تنتهكان معاهدة حظر الانتشار النووي وحق طهران في الطاقة النووية السلمية    بالأعلام واللافتات.. جماهير الترجي تدعم فلسطين خلال مباراة تشيلسي في مونديال الأندية (صور)    واشنطن تفتح سفارتها في القدس اليوم مع انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران    حملات مسائية وفجرية على المخابز البلدية والمنافذ التموينية بالإسكندرية    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    هي ولا ذكاء اصطناعي؟.. صورة لعبلة كامل تثير الجدل على مواقع التواصل    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    انتشال سيارة ملاكي ابتلعها هبوط أراضي بشكل مفاجئ في التجمع    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مصرع وإصابة 8 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري الأوسطي في حلوان    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏8‏ أبريل‏..‏ العيد القومي للتلميذ المصري
بقلم:د‏.‏ كرمة سامي
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 04 - 2010

أزت طائرات الفانتوم فوق رؤوسهم لمدة عشر دقائق وفي ثوان تهدم مشهد مفعم بالحياة‏.‏ سقط السقف الخرساني ليلتصق بالأرضية ساحقا في عناقهما المحرم أجسادا صغيرة تطايرات الشظايا وسكنت في الأجساد البريئة مذعورة تفر منها الحياة‏,‏ اختلطت الدماء بأوراق الكراريس والكتب المدرسية‏,‏ امتلأت السماء بسحب الدخان والغبار‏,‏ تراكم الركام‏,‏ هرعت الأمهات من بيوتهن الطينية والاباء من الحقول هرول بعضهم حافي القدمين أو زحف علي ركبتيه محاولا الوصول إلي أطلال المدرسة‏,‏ عبثا يحاول التعرف علي ابنه أو ابنته فلذة كبده ترقد هامدة لا يقدر أن يميز هذا من ذاك‏,‏ تتشابه كل الأجساد الصغيرة في براءتها الممزقة‏!‏ كان ذلك في التاسعة والثلث من صباح الأربعاء الثامن من ابريل‏1970‏ أي منذ أربعين عاما استشهد ثلثهم وتشوه الثلثان الآخران جسديا ونفسيا‏,‏ ودمرت المدرسة الابتدائية ذات الدور الواحد والفصول الثلاثة بأكملها استشهد من استشهد ولكن عاش ليروي علينا هول ما حدث من عاش‏.‏ أصبحوا كهولا وشيوخا تحتل ذاكرة الفجيعة جزءا رئيسا من كيانهم‏,‏ تطاردهم لكيلا ينسوا‏,‏ وهل النسيان اختيار؟ اقتحمت براءتهم الفجيعة وهم بعد يتعلمون الأبجدية‏,‏ لم تتجاوز حصيلة مفرداتهم ألف أرنب وباء بطة‏,‏ لا يعرفون بالطبع كيف يكتبون كلمة فانتوم‏,‏ ولم يتعلموا بعد لغة أجنبية لتضاف إلي حصيلتهم اللغوية فانتوم وهي كلمة إنجليزية تعني شبح‏.‏
في عشر دقائق انتهي الدرس ولم يتمكن المعلم من لم الكراريس مات الحلم في مدرسة بحر البقر الابتدائية مركز الحسينية محافظة الشرقية‏,‏ وبعد أربعين عاما يمكن لنا أن نبعثه من جديد أن نجعل من هذا اليوم عيدا للتلميذ المصري أن نجعل من أمسنا يوما متجددا نتوقف عنده كل عام في احترام للذكري وللذاكرة‏,‏ للأسرة المصرية التي تضن علي نفسها بالزاد وتكتفي بلقيمات إيمانا بالغد‏,‏ هذه الأسرة التي أنجبت لنا العلماء والأطباء والمعلمين والسياسة والمفكرين والفنانين انطلقوا من قري ومراكز ومحافظات مصر شمالها وجنوبها‏,‏ نألف ملامحهم المصرية الوسيمة‏,‏ وبشرتهم السمراء‏,‏ ونحول أبدانهم‏,‏ ونعرف كيف عبر السنين تتحول الرقة والضعف والهزال وسوء التغذية إلي صلابة وصبر وجلد وتعفف وإرادة تأبي أن تنهزم‏.‏
في هذا العيد القومي نقف لتحية العلم ثم نقف دقيقة احترام للطفل المصري الأسمر النحيل الذي يرتدي المريلة تيل نادية الصفراء الكالحة و لا أعلم سبب المسمي يحمل حقيبة ثقيلة من القماش القديم أو الجلد الصناعي الرخيص المهترئ التي توارثتها أجيال التلاميذ في أسرته‏,‏ لم يتناول إفطاره بعد بل ليس في قاموسه كلمة إفطار‏.‏ تودعه أم أمية لا تقرأ وتدعو له بالفلاح‏.‏
سيعود لها محملا بالعلم‏,‏ سيحقق الحلم سيصبح طبيبا أو مهندسا‏,‏ أو معلما‏,‏ تلك حدود أحلامها‏.‏ أن يداوي المرضي بالمستشفي الأميري أو يعلم الصغار مثلما كان طالبا للعلم‏,‏ أو يبني المدارس والمصالح ويغير معالم المكان‏.‏
هو يمشي مع أقرانه أميالا في برد الريف المصري كي يصل إلي مدرسته حيث يجلس علي تختة محشورا بين زملائه أو متربعا علي الأرض‏,‏ لا يهم‏,‏ ينصت لما يقوله الأستاذ‏,‏ يكتب ألفا وباء وتاء يتعلم تشابك الأحرف وأصول الصداقة بينها ليكون منها معني يحمله من الريف إلي مقاعد البرلمان أو قاعات المحاضرات في الجامعة أو غرفة العمليات‏,‏ يتذكر كيف كان وكيف أصبح يعود في زيارة للريف‏,‏ يقبل يد الحاج وتدعو له الحاجة بالبركة والصلاح‏.‏ يجلس أمام البيت القديم يحتسي كوب الشاي‏,‏ ويري الصغار ذوي الأعواد النحيلة يحملون الحقائب الثقيلة‏,‏ يتكرر معهم نفس السيناريو‏,‏ كان بالأمس مثلهم تماما‏,‏ يتمني أن يكون غدهم أفضل من يومه‏,‏ هم امتداد له‏,‏ وجودهم يعطيه شرعية‏,‏ أحلامهم تضيف إلي رصيد أحلامه‏,‏ لن يأتي اليوم الذي تتوقف فيه تلك المسيرة الصباحية‏,‏ لأنها إن توقفت يختفي الوطن عن خارطة الوجود‏.‏
يتذكر تلامذة مصريين في مثل عمره سمع باستشهادهم وهو بعد صغير كم سيكون عمرهم الآن؟ يتذكر الآن كيف كان يتذمر عندما تحذره أمه الأمية من التقاط الأقلام والألعاب الصغيرة من الطريق‏,‏ وكيف حكت له أنها انفجرت في وجوه صغار أبرياء مثله فبترت أصابعهم وشوهت أياديهم‏,‏ حرم علي نفسه أن يتمتع بلعبة مجانية ملقاة في الطريق‏,‏ كان يدعو الله أن يحفظ له اصابعه لكي يكتب بها هو يحب الرسم كذلك والأصابع مفيدة في الرسم ثم منعته أمه من الذهاب للمدرسة لأيام بعد تلك المذبحة‏,‏ عندئذ سألها وماذا عن البيت؟ لماذا لا يقصفون البيت؟ فلم تدر بماذا ترد؟ وعندما رفعت عنه الحظر خجل أن يقول لها إنه ظل يخشي الذهاب للمدرسة رغم ذهابه بالفعل‏,‏ كان يتلفت حوله‏,‏ يتطلع إلي السماءالزرقاء‏,‏ يخشي أن تباغته زرقتها وتغدر به عندما تمتلئ بغرابيب الفانتوم التي تفترس الصغار‏,‏ يلهو الصغار بالطائرات الورقية الملونة فيخيل إليه أن الفانتوم ستظهر فجأة من بينها لتفترسه هو ورفاقه يشرح المعلم الدرس ويشرد التلميذ الصغير‏..‏ هي اللحظة إذن‏,‏ سينتهي الحلم الآن‏,‏ ربما بضع دقائق؟ يغمض عينيه‏,‏ لا يحدث شيء‏,‏ ينتبه إلي صوت المدرس‏,‏ بينما يكمل شرح الدرس الذي فاته معظمه‏.‏ عندما وصل الخبر إلي قريته تمني وهو الطفل الصغير لو كان طبيبا ليعالجهم أو مهندسا ليعيد بناء مدرستهم‏,‏ أو مقاتلا ليأخذ بثأرهم‏,‏ أو كاتبا ليروي حكايتهم‏,‏ أو شاعرا ليوجع العالم بمأساتهم أو مثالا ليصمم لهم نصبا يحفر عليه أسماءهم‏:‏ أحمد أنس الباشا‏,‏ وطه عبدالجواد طه‏,‏ وعادل مصطفي خميس‏,‏ وسامي إبراهيم قاسم‏,‏ ومحمد أنور أحمد العناني‏,‏ وكحلاوي صابر فتحي حسين وغيرهم‏,‏ تعلم أنواع الخط العربي من مدرس اللغة العربية ويعرف كيف يحول الكلمة العربية إلي شكل جمالي‏,‏ سيجعل من أحرف الأسماء العربية أعمدة ومنارات وقبابا منقوشة ومزخرفة تصمد لسنوات لتذكره وتذكر الجميع بذلك اليوم‏,‏ وسيقف الجميع أمام نصبه في صمت‏,‏ يقرأون الفاتحة ويمسحون بأكفهم علي وجوهم بينما تتمتم شفاههم آمين‏.‏
سيمر به كل عام يوم الثامن من أبريل وهو يتساءل ماذا فعل لهم أولئك الذين حرموا من الحياة بينما منحها هو؟ وسيأتي غيره آخرون لا يعرفون حقيقة ما حدث‏,‏ هم ماتوا بينما هو نجا محض صدفة‏,‏ احتفظ بأصابع يديه وقدميه‏,‏ وأكمل الدرس حتي النهاية‏,‏ وذاكر دروسه‏,‏ ونجح‏,‏ وأعطاه والده قلما جافا ليس لزملائه مثله‏,‏ وعندما عاد من أداء فريضة الحج أهداه ساعة يد تفاخر بها لسنوات‏,‏ وعندما حصل علي الثانوية العامة التحق بجامعة كبيرة لها قبة ضخمة وساعة تدق بانتظام ومكتبة عامرة بآلاف الكتب‏,‏ وتخرج ولم ينس يوم الثامن من أبريل‏,‏ لحظة أن توقفت المسيرة‏,‏ ثم استؤنفت‏,‏ سيعطي تلك اللحظة من ذاكرته ما تستحقه من جلال وسيؤرخ لها من روحه عندما دفع التلميذ المصري باني مصر القديمة والحديثة ضريبة مصريته‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.