من بين مشهد الموت والقتل والتدمير فى قطاع غزة، نهض نساء وأطفال من القطاع للإدلاء بشهاداتهم للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، وليرووا ما تعرضوا ويتعرضون له من قتل منظم تمارسه إسرائيل، فضلاً عن الخوف والرعب الذى سيلازمهم طوال حياتهم إن لم تنل منهم طائرات الأباتشى وإف 16 الإسرائيلية والقنابل الفسفورية المحرمة دولياً. قالت فريدة من مخيم النصيرات للاجئين إنها أم لثمانية أطفال تسكن بجوار الجامع المجاور لمستوطنة «نتساريم» شمال قرية المغراقة، وفى ليلة الاجتياح ذهب زوجها لشراء احتياجات المنزل، رغم القصف المتواصل الذى لم يقنع الزوج بأن ناقوس الخطر يدق على عتبات بيته. وأضافت أنه فى الصباح التالى كان الأطفال الثمانية يتناولون إفطارهم، ولم ينتهوا منه عندما عمت الفوضى والصراخ بعد قصف بالطائرات والمدفعية، ولا أحد يعلم من المستهدف حتى اخترقت الشظايا البيت الصغير، وبعد هدنة لدقائق من القصف على المنازل، خرج الزوج لاستطلاع الأمر، وخرج صغيراه يحتميان بوالدهما فما كادت القذائف تشتم رائحتهم حتى هرعت بمباغتتهم، لتشطر الزوج نصفين وكذلك صغيرها الذى يبلغ من العمر 22 شهراً، أما الصغير الثانى فبقى كما هو مفترشا عتبات المنزل مصابا فى الرأس. وتتابع فريدة والدموع تملأ عينيها: القصة لم تنته بعد، فهناك رحلة الهروب من القرية مع الأقارب والجيران فى ظل القصف العشوائى للطائرات والدبابات، مجازفين تارة بالركض وتارة أخرى مختبئين بين أشجار البرتقال، حتى وصلن جميعاً لمركز الإيواء. أما ياسمين أبوالجديان ابنة الخمسة عشر يوماً، فتسكن وعائلتها المكونة من والديها وإخوتها الخمسة فى مخيم جباليا، تروى ما حدث وهم فى منزلهم فتقول: إنها كانت تساعد أمها فى ترتيب المنزل، بينما كان إخوتها الصغار يلعبون فى إحدى الغرف، وفى لحظة ما سقط صاروخ على إحدى زوايا منزلهم، أربكهم لدرجة أنها لم تصدق أن هذا الصاروخ يستهدف منزلهم. وأخذت تبحث عن أخوتها الصغار، بينما سارعت أمها لجلب رضيعها من سريره، الذى أنقذته رحمة الله وحدها، بعدما سقط سقف الغرفة المكون من ألواح الزينكو على سريره، فشكل أحد هذه الألواح حاجزا حال دون سقوط الركام والردم على الطفل الرضيع، انتشلته أمه بصعوبة وهرعت مع ياسمين وباقى أطفالها الخمسة فارين من جوف المنزل والرعب والخوف يتملكهم من هول ما تعرضوا له. وما أن تخطوا عتبات المنزل حتى سقط صاروخ آخر دمر ما تبقى منه، لجأت مع أمها وإخواتها الصغار إلى بيت إحدى أقاربها لعلهم يجدون مأوى من قصف الطائرات الإسرائيلية الذى يستهدف البشر والشجر والحجر دون رحمة أو تمييز. «افتح لى على طيور الجنة» (قناة خاصة بالأطفال).. كانت آخر طلبات أحمد ابن ال4 سنوات قبل أن يفارق الحياة بعد أن أصيب فى صدره عندما اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلته، وترك ينزف من الساعة السادسة صباحاً حتى الخامسة مساء دون أن تتمكن سيارات الإسعاف أو الصليب الأحمر من الوصول إليه لإسعافه، كون الجيش الإسرائيلى لم يسمح لهم بالوصول إلى المنطقة التى كان يتواجد بها. أمينة سلمى طفلة فى الحادية عشرة من العمر كانت تسكن وعائلتها المكونة من سبعة أفراد فى حى الزيتون بجوار عائلة السمونى، استيقظت وباقى أخواتها فزعين على صوت الرصاص والقذائف المتواصل، فكان يوم المجزرة التى أبيدت فيها عائلة السمونى بكاملها، أسرعت وأخواتها إلى حضن أمها، بينما هب والدها ليلقى نظرة عبر نافذة البيت، ويا لهول ما شاهده، حيث الدبابات وجنود الاحتلال يدقون بقذائفهم ورصاص بنادقهم بيت الجيران وهم عائلة السمونى. وفى محاولة لتهدئة الخوف لدى الأولاد اتجهت الأم إلى المطبخ لتصنع لهم الشاى عله يهدئ من حالة الخوف والارتجاف التى سيطرت على أجساد أطفالها الغضة النضرة، وما إن وصلت عتبات المطبخ حتى احتجزت داخله بسبب وابل من الرصاص القادم من بيت عائلة السمونى، لم تستطع معه العودة للغرفة التى جمعت فيها أطفالها وزوجها. وما هى إلا لحظات حتى سقطت شهيدة على الأرض ودمائها تنزف بغزارة من جسدها الذى أثخن بالرصاص.