مضى منذ أيام احتفالنا بيوم اللغة العربية فماذا فعلنا للغتنا الجميلة السلسلة السمحة لغة جميلة بمفراداتها وسياقاتها وثراء صورها وتراكيبها، جميلة بشعرها ونثرها وأدائها اليومى.. هكذا مثلا يراها الدكتور عبدالله التطاوى أستاذ الأدب العربى ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق وهو ما يدفعنا دفعا كالأمر الواجب إلى تطوير مناهجها وتيسيرها شكلا ومحتوى، وبدلا من الخوف عليها من أى عدوان محتمل لمشروع خارجى أو حتى داخلى لهدمها (اسمعوا لغة الشباب فى الشارع الآن) بدلا من هذا الخوف علينا أن نقوى مشروعنا الداخلى لتجديد المناهج اللغوية، فالعيب ليس عيب اللغة، وكيف يكون ذلك وهى لغة القرآن الذى يحميها وهى لغة أهل الجنة، كيف يكون ذلك والعيب هو عيب هذا الجيل منا الذى ضعفت أدواته وقدراته اللغوية، كما أنه أيضا عيب معلمى اللغة فى المدارس والجامعات الذين حولوا قواعد اللغة الواضحة السمحة إلى لوغاريتمات معقدة رغم أنها لغة القرآن ولغة الشعر العربى الرصين عبر أكثر من سبعة عشر قرنا ويزيد، وهى لغة كل ما أنتجه العقل العربى فى علوم الطب والصيدلة والهندسة والكيمياء والفلسفة وغيرها من علوم الحياة. ويحضرنى سؤال أرى الإجابة عليه غاية فى الأهمية وهو: لماذا كانت الأجيال التى سبقتنا أوفر حظا وتثبيتا منا فى اللغة؟، والإجابة سهلة: لأنهم عرفوا الطريق إلى الكتاب وعريف الكتاب قبل اختراع الحضانات ورياض الأطفال وصولا إلى الكى جى واحد واثنان، ولننظر إلى تجربة اليابان فى تعليم لغتها للناشئة، فلا شىء يقدم للطفل اليابانى خلال سنوات ستة من دراسته سوى لغة وطنه يبدأ بعدها وبالتدريج الدخول لأى من لغات العالم. الأصل فى اللغة العربية إذن أنها وكما قال عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى مطلع القرن الماضى إنها: يسر لا عسر فلماذا نسمعها على لسان بعض إعلاميينا ومسئولينا عسرا وليست يسرا وهو أمر شديد الوضوح فى أخطاء بعض مذيعينا ومذيعاتنا ومقدمى برامج القنوات التليفزيونية، الأمر الذى يندى له الجبين خجلا وأحيانا »قرفا«! كيف إذن نعيد للغتنا الشريفة وجاهتها وقوتها وتفوقها، وألم يحن الوقت بعد لتوظيف التكنولوجيا الحديثة فى خدمة لغتنا كما وظفها غيرنا من أبناء اللغات الأجنبية فى خدمة لغاتهم؟! إن لغتنا بكل المقاييس مجنى عليها خصوصا بعد أن تحول الإنسان العربى إلى مجرد مستهلك ثقافة وليس منتجا للثقافة والفكر، ويكفى أن نعرف أننا نستخدم من لغتنا ما لا يتجاوز مليون مفردة من مفرداتها التى تزيد على اثنين وعشرين مليون مفردة. فى هذا الصدد لابد أن ننبه إلى ما ذكره أستاذنا الكبير يحيى حقى يرحمه الله منذ أكثر من نصف قرن عندما أشار إلى أن مكمن الخطر فى الأمر كله هو أن تدريس اللغة العربية بل والأجنبية أيضا فى هبوط مستمر، ولا يمكن أن تزدهر أى حركة أدبية إلا إذا وصلت اللغة التى هى وسيلة الاتصال والمادة الأولى لأى كاتب مثقف أو مفكر إلى مستوى ممتاز شديد الثراء، وأن اللغة باختصار هى أنت، فأنت من يفكر ومن يتكلم وهى التى ترسم شخصيتك وتميزك عمن سواك! لمزيد من مقالات سامى فريد