"أنا حمص، حمص يا حلاوة آخر عفرتة كلى شقاوة"، كان هذا مطلع الأغنية التى اعتاد أن يدور بها الزوجان الفقيران المونولوجست حمص وحلاوة أبطال فيلم "سمع هس" شوارع المدينة فى الموالد والأفراح، يجنيان من استعراضهما بعض القروش الصغيرة التى تقيهم شر الجوع، وحين يتبدى لهم ضحك السماء بعرض يبدو سخياً من صفصف صاحب شركه الصوتيات بأن يسجل لهما الأغنية، يفاجآن بغندور المطرب الشهير الذي يسرق لحنهما ويستبدل الكلمات بأخرى وبتوزيع جديد لتصبح "أنا وطني وأحب الوطنية وأتغنى بمجدك يا وطنطن" تنجح الأغنية نجاحًا كبيرًا . يعثر الزوجان على المستندات التي تثبت حقهما المسلوب، لكنهما يصابان بالإحباط عندما يتمكن غندور بسطوته ونفوذه وماله من شراء المحامي والشهود وتدمير المستندات، ولكن حمص وحلاوة يقرران عدم الاستسلام وتستمر الثورة... ثار الوطن "الوطنطن "على الفساد والقهر والديكتاتورية ثم وقع في مستنقع غندور، غندور لكل مواطن.. يسرق حلمه وثورته... سألني صديق، لماذا لا يمكن إصلاح هذا المجتمع؟ لماذا يصر النظام على القهر والديكتاتورية بعد هذه الثورة السلمية الرائعة؟! ألا يكفينا ما حدث؟! لا أظن أن أحداً يرغب في أن يحدث لدينا ما كرهناه من عنف في بلدان أخرى؟! نظرت إليه .. لم أجد إجابة، فالمنطق يقول أن الثورة قد قامت لتقضى على الفساد والقهر، لكن شيئأ لم يتغير رغم النوايا التي تبدو طيبة، هناك شيء خاطئ في تلك المنظومة، منظومة القيم التي تحكم علاقات هذا المجتمع، لازال العنف يسيطر على مجريات الأمور، لازال هناك خلل ، لكن مكمن الخلل واضح للجميع، لا يمكن أن تتغير أوضاع المجتمع إذا لم تتغير عناصر المجتمع... نظر إلى طويلا وبدت عليه الحيرة.. بادرته قائلاً، المشكلة يا عزيزي أن غالبية الناس ينشئون على العنف والقهر منذ نعومة أظفارهم ، كم من مرة هدد الآباء والأمهات أبناءهم بالضرب حتى ينصاعوا لأوامرهم مهما كانت خاطئة والمبرر أنهم آباء وأمهات لابد من طاعتهم بدون مناقشة ، وكم من مرة شاهدوا رجالاً يضربون النساء بحجة التأديب، كيف تنتظر أن ينشأ حوار في مجتمع وأبناؤه ينشئون على الطاعة بالقهر وتحل العصا فيه مكان العقل؟!، هذه ثقافة، توارثناها، الشرطي تعلم منذ طفولته أنه يجب أن يكون قوياً وأن يضرب بقسوة حتى يستطيع السيطرة على المجرمين، المدرس في الفصل يهدد ويتوعد بعصاه ليسيطر على فصل دراسي من المفترض أن يتعلم فيه الطلاب كيف يستخدمون عقولهم من أجل العلم بدون عنف وبلا عصى... طيب سمع "هس بقى" .. موضوع العقل هذا موضوع شيق، كلما حاورت أحداً يناديك أن تُعمل العقل، ثم حين تخرج إليه بمخرجات عقلانية يعيدك مرة أخرى للمشاعر، حين تطالب بأن يتم احترام قوانين العمل وأن يحال الناس إلى التقاعد في موعدهم الطبيعي يقال لك احترس، انتظر قليلاً، لا تجرح مشاعر الشيوخ، أنت تتحدث بالعقل الآن، سنرى مشاعرك حين تبلغ الستين!! طيب "سمع هس" كمان مرة... الحد الأقصى للأجور مائة وخمسة وثلاثين ألف جنيه في مصر بينما الحد الأدنى سبعمائة جنيه فقط... طيب وكمان "سمع هس"... ترشح عدد من أعضاء النظام السابق للرئاسة بعد كل هذا الفشل السياسي الذي أدى إلى ثورة عارمة في مصر... وكمان "سمع هس" ... أحد أهم أقطاب النظام السابق يصرح قائلاً، "إن قانون العزل السياسي الذي يطرحه تيار ما لحرمان آخرين من الدخول بالمنافسة السياسية يكاد يحرم مصر من أفضل أبنائها لأنه يجلب أشخاصا بعينهم نتيجة لوجود التزام عقائدي نحوهم وليس بناء على معيار الكفاءة العملية أو التأهيل المناسب لشغل مثل تلك المناصب الحساسة."... أعتقد أن الفترة الحالية والقادمة وربما لفترة ليست بالقصيرة ستكون مليئة بال "سمع هس" وربما بال "حمص وحلاوة"... حد فاهم حاجة؟! المزيد من مقالات أحمد محمود