اربعون يوما مرت علي رحيل البابا شنودة تألقت خلالها وحدة الشعب المصري وأصالته في أنبل صورها أثبت المصريون ان مايجمع بينهما أكثر مما يفرق سقطت مقولات عنصري الأمة و الاقليات التي تعطي أنطباعا أن مصر تجمع بين مجموعات من المواطنين, مختلفة الأصل والجذور. دخلت المسيحية مصر في سنواتها الأولي. جاء بها مرقص الرسول, جاء بمفرده لم يكن يحمل زادا ولا مالا ولا سلاحا, لكنه حمل رسالة نبيلة تدعو للسلام والمحبة والتوحيد, دخل المصريون أو الأقباط إلي المسيحية, أصبحت الكنيسة المصرية الوطنية أولي كنائس العالم, وحافظت علي استقلالها ووطنيتها. رفضت أن تكون تابعا لاي كنيسة أخري... الأقباط إذن مصريون.. المسيحيون جزء أصيل منها, ليسوا أقلية وافدة أو مجموعة من المهاجرين قصدوها واستقروا بها يعيشون علي أرضهم تحت مظلة تاريخهم, وطنيتهم غير مشكوك فيها. لهم جميع حقوق المواطنة وعليهم التزاماتها. لا يجوز النظر إليهم علي أنهم دخلاء أو مختلفون. أي نجاح لأي منهم, يعتبر نجاحا لمصر وأي ظلم يتعرضون له يؤلم المصريين جميعا. ثم جاء الإسلام مصر أيضا في أولي سنواته. عندما خرج عمرو بن العاص في غزوته لمنطقة الشام. بعد ست معارك (آخرها معركة الإسكندرية) استقر به المقام في مصر وألقي خطبته الشهيرة التي بها يطمئن أهل مصر علي نفوسهم وأموالهم ودينهم.. عاد بنيامين بطريرك الأقباط من مخبأه إلي القاهرة. سمح بن العاص ببناء الكنائس والأديرة. ويذكر التاريخ أن المصريين الأقباط لم يساندوا الرومان في حربهم ضد العرب بل أن أقباط مصر رحبوا بدخول العرب لما سمعوا عما بعقيدتهم من رحمة وتسامح.. لم يأت عمرو بن العاص بجيش جديد كان معه أربعة آلاف جندي فقط ثم انضم إليه أربعة آلاف آخرون.. اعتنق أهل مصر الإسلام, لأسباب مختلفة. ظلوا جميعا مصريين يتكلمون لغة البلاد القبطية إلي أن أمر الخليفة أن تكون العربية لغة البلاد استغرق ذلك 200 سنة أخري, وبالتدريج اقتصرت اللغة القبطية علي صلوات الكنائس... زحفت لمصر بعض القبائل العربية واستقرت لكنهم قلة لم تغير شكل وتركيبة الشعب ولم تمس مصريته. والمسلمون في مصر ليسوا مجموعة وافدة أو أغلبية دخيلة أو متطفلة, ولا هم غزاة من جنس آخر. إنهم جزء أصيل من هذا الشعب له نفس التاريخ.... ذلك هو التاريخ لا يمكن تغييره أو تعديله. ذلك التاريخ يؤكد أن المسيحي والمسلم كليهما مصري أصيل. له أن يعتز بمصريته وليس له أن ينكرها علي غيره....هذه الحقيقة تشهد أنه ليس في مصر عنصران للأمة ولابد أن تكون دائما في الأذهان والوجدان لتصبح درعا واقية تحمي المصريين جميعا من محاولات التفرقة التي تسعي إلي الانقسام والصراع. إنها الحقيقة الكامنة في الوجدان المصري التي ظهرت بوضوح عند رحيل; بابا العرب; الذي حقق برحيله بعضا مما عاش حياته يسعي لتحقيقه.. المزيد من مقالات د. ليلي تكلا