يأتي هذا المقال اتساقاً واستلهاماً مع ومن ذلك الطرح المتميز والمؤثر للكاتبة الأثيرة إلي قلوب كل من ينتمي لهذا الوطن، المصرية الأصيلة «ليلي تكلا» في مقالها القيم علي صفحة قضايا وآراء بصحيفة الأهرام (31 / 8 / 2010 ) ، تحت عنوان «كلنا مصريون» فالأقباط مصريون، والمسيحيون جزء أصيل منها، لأن المسيحية دخلت مصر في أيامها الأولي علي يد «مرقص» الرسول الذي لم يكن معه جيش أو عتاد وإنما معه رسالة نبيلة تدعو للمساواة والإخاء وتحرير الإنسان وعبادة الاله الواحد، وفيها دخل المصريون أو الأقباط، فكلمة «قبطي» ليس لها مدلول ديني وإنما وطني، وبالتالي فإن المصريين أو الأقباط دخلوا المسيحية، وبهم تأسست الكنيسة القبطية الوطنية كأول كنائس العالم. وهم يعيشون علي أرضهم مصر تحت مظلة تاريخهم، ومن ثم لا يجوز النظر إليهم علي أنهم دخلاء، وإنما هم مصريون لهم جميع حقوق المواطنة، وعليهم التزاماتهم. والمسلمون أيضاً مصريون، فعندما دخل الإسلام مصر علي يد عمرو بن العاص أيام الخليفة عمر بن الخطاب، فكما هو معروف أنه خاض بعض المعارك لفتح مصر، وبعد أن استقر له المقام بها، القي خطبته الشهيرة التي حاول من خلالها أن يطمئن أهل مصر علي نفوسهم وأموالهم ودينهم. وعاد المقوقس نعيم القبط من مخبئه وسمح له ابن العاص ببناء الأديرة والكنائس. وتؤكد حقائق التاريخ أن قبط مصر لم يساندوا الرومان في حربهم مع العرب، بل رحبوا بدخولهم لما سمعوه من أن عقيدة الإسلام هي عقيدة الرحمة والتسامح، فاعتنق أهل مصر الإسلام منهم عن اقتناع، ومنهم تماشياً لدفع الجزية، ومع ذلك ظل الجميع مصريين وتكلموا اللغة العربية بعد اعتبارها لغة البلاد الرسمية. وهذا يعني أن المسلمين مصريون، وليسوا مجموعة وافدة، دخيلة ولاهم غزاة من جنس آخر. باختصار تقول ليلي تكلا إن من ينظر للمسيحي أو المسلم علي أنه غير مصري لا يعرف تاريخ مصر، ولا صحيح عقيدته، وعلي الجميع من المسيحيين والمسلمين أن يعتز بمصريته، فنحن جميعاً مصريون علي قدم المساواة، واستيعاب هذه الحقيقة هي بداية الطريق الصحيح للمواطنة قيماً وسلوكاً. ونحن في هذا المقال قد لا نضيف جديداً علي هذا الطرح المتميز للدكتورة ليلي تكلا، ولكن فقط - نشير إلي بعض أقوال رواد الفكر والاستنارة، وعلي سبيل المثال يقول العقاد «إن الأقباط هم الأشقاء في الوطن والعرق قبل العقيدة والدين، إنهم ومسلمو مصر سواء في تكوين السلالة القومية»، فلا فرق بين هؤلاء وأولئك في الأصالة والقدم والانتماء لهذا البلد، فالجنس والأصل أقدم وأخلد من كل دين، وتقول عاشقة مصر نعمات أحمد فؤاد «إذا صح التشبيه الشائع عن الزواج بين أرض مصر وفيضان النيل، فإنه يصح القول: إن ثمرة هذا الزواج هم المصريون جميعاً فأمهم مصر وأبوهم النيل». ومع كل هذا الوضوح، وما تؤكده حقائق التاريخ، حول عضوية العلاقة بين المسلمين والأقباط المسيحيين، وأنه لا تكتمل رشفة المسلم للماء إلا بارتشاف المسيحيين لها، ولا يمكن تنفس المسلمين للهواء الصحي إلا بتنفس المسيحيين له، ولا تكون «اللقمة» هنية للمسلمين إلا باقتسامهم لها. نقول: إنه بالرغم من كل هذا إلا أن هناك من يري غير ذلك وهؤلاء إنما هم نتاج عصور التخلف والظلام، من شراذمة ممن ينتسبون للإسلام، ومنهم من يعمل وفق أجندات الخارج ممن ينتسبون لقبط مصر ومسيحييها زوراً وبهتاناً. ونقول لهؤلاء وأولئك إن المسلمين والأقباط في مصر ولبعضهم البعض «الزاد والزواد» وهم المصريون بالاسم والفعل، المزاج والطبع، بالوجدان والفكر. إنهم المصريون قبل وبعد الأديان، وأن الأقباط في الوجدان المصري المسلم، كما أن المسلمين في الوجدان المصري القبطي رغم أنف الجهلاء والعملاء من هؤلاء وأولئك.