بعد تبدد السحب التي كانت تحجب الرؤى وذلك الغبار الذي أثاره انفجار كنيسة القديسين الأخير علينا أن نطرح التساؤلات التي ربما يراوغ البعض في الإجابة عليها ، وأهم تساؤل يجب أن يطرح في مرحلة ما بعد الانفجار هو ( لماذا ) وذلك في تصوري أهم من التساؤل عن ( كيف ) حدث الانفجار ؟ فإجابة السؤال الأخير ربما تملك جهات الأمن والتحقيق الإجابة عنه ، وسواء ثبت تورط القاعدة أو غير القاعدة في تدبير هذا الانفجار ، فإن ما يجب أن نبحث عنه هو رصد أسباب ومقدمات الاحتقان ( المسلمسيحي ) . فمن المؤكد أن الكثير من الأزمات لا يمكنها أن تطفو على السطح هكذا دون مقدمات تتسبب في حدوثها وإرهاصات تشير إليها ، فثمة عوامل كامنة دائماً لابد من البحث عنها ورصد تاريخها القريب والبعيد ، وهذا ما يحدث عند تشخيص مرض ما ، حيث يقوم الطبيب قبل تشخيص الداء ووصف الدواء بسؤال المريض عن تاريخه مع المرض في محاولة للفهم والتشخيص والعلاج . وإذا نظرنا إلى ملف الاحتقان المسلمسيحي لوجدناه لا يختلف كثيراً عن باقي تلك الظواهر ، فليس من المعقول القول بأن الأزمة ظهرت هكذا بين ليلة وضحاها ، فالمؤكد أن ثمة أسباب وعوامل ، إنها بالأحرى تراكمات ظلت في التتابع حتى أوصلتنا إلى تلك المرحلة . ومن الطبيعي أن نفكر في افتراضات أو سيناريوهات ما بعد الانفجار ، وهي في تصوري لا تخرج عن واحد من الاثنين ، أما الافتراض الأول فهو أن الأزمة مرشحة للتنامي وأن هذا لن يكون الانفجار الأخير ، ونحن لا نتمنى حدوث هذا الافتراض أو ذلك السيناريو ، أما الافتراض الثاني فهو انحسار الأزمة في شكلها العنيف الذي ظهرت به واعتبار أن ما حدث هو مجرد ذكرى مؤلمة وهذا الافتراض هو ما نرجوه ، لكن لكي يحدث ذلك لابد من التحرك على المستوي الثقافي والاجتماعي وليس على المستوى الأمني بطبيعة الحال ، فلن يكفي أن نكثف الحضور الأمني أمام الكنائس أو أمام بعض التجمعات هنا وهناك ، فذلك لن يحل المشكلة بل إنه سيرسخ الإحساس الدائم بوجود المشكلة ، تماماً مثل المريض الذي أصيب بكسر في أحد أطرافه ، فمهما شعر بالتحس وأحس بالتعافي إلا أنه سيظل يرواده الإحساس بالكسر طالما رأى الجبيرة ( الجبس ) موجوداً في أحد أطرافه . ولعل صدمة الانفجار تمنحنا فرصة الوقوف أمام الذات التي اختبأت وراء المشاهدة والتتبع لأحداث تدور ولا نملك أن نوقفها أو حتى نتفهم خلفياتها ، فقراءة الحدث وفهمه تستدعي قراءة ما قبله أي أسبابه والتعرف على ما بعده أي نتائجه ، ومع هذه القراءة فإننا نحتاج إلى المكاشفة ومواجهة الذات عندما نواجه أخطائنا بل وخطايانا ، ولا يمكن أن نسعى لوجود حلول أو علاج لمثل هذا الاحتقان إلا بالاعتراف بخطأ البعض منا في التعامل مع الآخر . والملفت أن النظر إلى الذات ومواجهتها قبل التطرق إلى أخطاء الآخر هو منهج أصيل في كل من الفكر الإسلامي والمسيحي على السواء ، ففي الإسلام نحن نطالب كمسلمين بالتثبت وتحري الدقة قبل إصابة الآخرين بجهالة يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) سورة الحجرات آية 6 ، وقد ورد على لسان يسوع المسيح كما في العهد الجديد أنه قال ( لا تدينوا لئلا تدانوا ، فإنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون ، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ، لماذ تلاحظ القشة في عين أخيك ولكنك لا تنتبه إلى الخشبة الكبيرة في عينك ؟ ) متى 7 : 1-3 لذا سنحاول هنا أن نلاحظ الخشبة الكبيرة في عيوننا حتى نستطيع أن ننزعها قبل أن ننظر إلى تلك القشة في عيون الآخرين . *** الخطابات المضادة ومزيد من الاحتقان : ولعل أول ما نلاحظه من إفرازات حالة الاحتقان والتوتر بين الطرفين المسلم والمسيحي ، هو تبني كل طرف لخطاب يستخدمه ويستحضره للتعبير عن أفكاره أو مشاعره تجاه الطرف الآخر ، وعلينا التأكيد قبل تفكيك هذه الخطابات وتحليلها على أن هذه الخطابات ليست عامة عند كل الأفراد ولكنها موجودة وكان لابد من رصدها والحديث عنها لكي يتم إلغائها واستبدالها بخطابات أخرى أقل استفزازاً واستنفاراً ، أما أحد هذه الخطابات لدى الجانب المسلم فهو خطاب استعلائي أحياناً ، ويقابله في الجانب المسيحي خطاب استقوائي محاط بعقدة الاضطهاد . فمن دواعي الموضوعية أن نقر ونعترف بأن هناك خطابا متعاليا بل عنصري أحياناً تجده شائعاً لدى بعض المسلمين تجاه المسيحيين ، فربما يقول لك قائل ( لا تسلم على فلان أو لا تتعامل معه لأنه مسيحي ) وربما يذهب إلى أكثر من ذلك فيقول ( لا تأكل من عنده أو لا تشرب ما يقدمه لك ) وربما تحس بتذمر بعضهم إذا كان يرؤسه في عمله شخص مسيحي أو غير ذلك مما قد يطرح في بعض المجالس ، وأما أسباب وجود هذا الخطاب المتعالي ، فمنها ما يعود لقراءة خاطئة ومن ثم لفهم خاطئ لأحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بأهل الكتاب والمسيحيين على وجه الخصوص ، وقد يعود لأسباب اجتماعية تخص الجماعات الإنسانية عامة في تعامل بعضها مع البعض الآخر . لكن المتأمل لمثل هذا الخطاب المتعالي الذي يكرس الأفضلية والتفوق سيندهش عندما يجده موجوداً بيننا كعرب ، فبعض أبناء الدول العربية يستخدم هذا الخطاب ويتباهى به ، انظر إلى ما يطرحه البعض من سخرية وتقليل وللأسف عندما تذكر السودان أو الصومال أو اليمن – مع كامل احترامي وتقديري لكل هذه الدول – وانظر إلى ما يطرحه البعض من أبناء الدول العربية عن إخوانهم في دول الخليج العربي من الحديث عن الجهل والبداوة والتخلف ، وبالمقابل انظر إلى ما يطرحه بعض أبناء الخليج عن إخوانهم في بقية الدول العربية من الحديث عن الفقر والنصب والاحتيال وحاجة غيرهم من العرب إلى أموال النفط ، وانظر ما يقوله بعض أبناء المشرق العربي عن إخوانهم في المغرب العربي والعكس أيضاً ... إلى آخر ما يطرحه هؤلاء وأولئك في مجالسهم خفية وسراً في حين يجاهرون بعكسه نهاراً !! وربما ينتج عن مثل هذا الخطاب المتعالي ما نراه في تلك المواقف التي يحتك فيها العرب مع بعضهم خاصة في حالات المنافسة ، ولعل أبرز مثال على ذلك ما نراه في مباريات كرة القدم بين بعض الفرق العربية من استفحال لمثل هذا الخطاب بل وترجمته إلى أفعال صاخبة ومواقف عنيفة !! ولعلك لاحظت أنني استخدمت بكثرة كلمة ( بعض ) وكان ذلك ضرورياً حتى لا نرى المشهد قاتماً ونعمم الأحكام ، فالعقلاء من أمتنا العربية وعالمنا الإسلامي ما زالوا يتعالون على هذا الخطاب المتعالي بل ويقفون ضد أنصاره والمؤمنين به ، وربما نكون قد خرجنا من دائرة علاقة المسلمين بالمسيحيين في مصر عندما ربطناها بدوائر أخرى أوسع ، وكان القصد من ذلك هو التأكيد على أن الخطاب المتعالي الذي يطرحه بعض المسلمين تجاه المسيحيين هو جزء من خطاب عربي عام ، وربما يتردد البعض من المسلمين في الإقرار بوجود هذا الخطاب أو يحاول تبريره وشرعنته ، لكن ذلك مردود عليه فالله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولعلك تلاحظ نداء الآية للناس وليس تخصيص النداء للمسلمين فقط ، وأن الحكمة وراء ذلك هو التعايش وليس الاستعلاء أو الاستئصال ، لذلك فمن المؤكد أن خطاب الاستعلاء ليس خطاباً إسلامياً أصيلاً بل هو خطاب دخيل أفرزته عقود بل وقرون من التمزقات والفتن وأغلال الاستعمار وآثاره . وفي مقابل هذا الخطاب يوجد لدى الشارع المسيحي العربي والمصري بالتحديد خطاب آخر موجود على الساحة الآن ، وهو خطاب حديث أو جديد ربما ظهر في السنوات العشر الأخيرة وأعني به ( خطاب الاستقواء ) وقد تنامى هذا الخطاب بقوة نتيجة عدة متغيرات طرأت على المنطقة العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة ونستطيع أن نختزل هذه المتغيرات في نقاط منها ( أحداث المنطقة العربية والعالم الإسلامي وما مر بهما من هوان وانكسارات ، ثم قوة وسائل الإعلام المصرية خاصة المستقلة وما أتيح للقضايا المسيحية من ظهور في كثير من الصحف أو كثير من الفضائيات بل وتخصيص عدد منها لطرح القضايا المسيحية ، ثم قوة الإنترنت كوسيلة فعالة للتعبير الحر والمباشر ، ثم ظهور ما سمي بأقباط المهجر ودورهم في تقوية الخطاب المسيحي خاصة وأن أكثرهم يرتكز على مؤسسات غربية قوية ونافذة) هذه هي أكثر الأسباب والعوامل التي منحت الخطاب المسيحي الراهن عنفاً ولا أقول قوة ، وجعلت عباراته تمتلأ بمفردات صاخبة تكيل الاتهامات الواضحة والمباشرة وسوف نضرب على ذلك مثالاً واحداً من كتابات تمثل هذا الخطاب ، وهو مقال لكاتب مصري من الذين يطلق عليهم نشطاء أقباط المهجر ، فقد كتب تحت عنوان ( من هو الطائفي ومن هو الوطني ؟ ) في جريدة الدستور بتاريخ 23 سبتمبر 2009 العدد 236 ، وبعيداً عن مضمون المقال وما احتواه من تعريفات للطائفي وغير الطائفي من وجهة نظر كاتبه المعروف بمواقفه ومرجعيته ، فإن أهم ما لفت نظرنا هو بداية هذا المقال الذي طفح بالكراهية الفجة والمكشوفة للمجتمعات العربية وللتاريخ الإسلامي يقول الكاتب بصيغة الجزم والتأكيد ( تتفشى في المجتمعات التي تطلق على نفسها دولاً إسلامية ظاهرة قمع واضطهاد الأقليات غير المسلمة فيها ، وفي الوقت نفسه تحاول الأقليات المسلمة خاصة في الغرب فرض ثقافتها وقيمها على مجتمعات الأغلبية التي تعيش فيها ولا تتورع عن التمرد وتهديد كيان الدولة ذاتها حينما يتوفر لها ذلك ، حتى أن بعض المحللين قالوا إن المسلمين لا يستطيعون التعايش بسلام مع غير المسلمين وفي أحيان كثيرة الواقع يقول ولا حتى مع أنفسهم ) فالكاتب هنا يسوق الكثير من الاتهامات التي لا مواربة فيها ، بل ويسوقها على أنها حقائق لا ترقى للشك والتكذيب ، وهي اتهامات للمسلمين بالقمع والاضطهاد ليس في بلادهم فحسب بل في أي بلد يحلون فيه حسبما يزعم الكاتب وهو نوع مبطن من الاستعداء وتقليب الغرب على المسلمين ثم يسوق الكاتب – كما يزعم - دلائله وبراهينه وحججه على تلك الاتهامات والمزاعم وأهمها أن ( حجم الحروب الأهلية في الدول التي تسمى إسلامية هو الأعلى في العالم كله .. فالعنف الموجه للآخر أو للذات هو سمة مميزة للدول الإسلامية ، ولهذا أطلق هنتنجتون على هذه الظاهرة عصر حروب المسلمين .. وتاريخ الدول الدينية هو تاريخ من الحروب والصراعات والمنازعات ، فالدول الإسلامية تعيش حالياً مرحلة العصور الوسطى الأوربية ) !!! وسوف نرد لاحقاً في هذه القراءة على بعض ما طرحه هذا الكاتب ، لكن ما أردنا التأكيد عليه هنا هو اختلاف مفردات هذا الخطاب المسيحي عما كان يطرح قبل عشر سنوات تقريباً فلعلك لاحظت هنا تلك العبارات المباشرة والاتهامات القوية والفجة ، ولاحظت أيضاً أن المقال مكتوب في جريدة ناطقة باللغة العربية وصادرة في دولة عربية إسلامية وليس في دولة أوربية أو أمريكية ، وهو ما يدفعنا للقول بأن ( خطاب الاستقواء ) المعاصر لدى بعض المسيحيين قد أصبح لافتاً وواضحاً لا في مقالات تكتب وحسب بل في مؤسسات تدار وتدفع بهذا الخطاب إلى مدى بعيد ، وهي مؤسسات ترعاها جهات غربية أو حتى عربية تستظل بمظلة المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان ، وما يجعلك تدرك ذلك هو حجم القضايا والدعاوى المنظورة أمام القضاء من جانب بعض المسيحيين ضد كاتب أو مؤلف ما طرح وجهة نظره في قضية تخص الدين أو الفكر المسيحي ، ولعلك تستغرب أن هذا لم يكن موجوداً قبل أكثر من عشر سنوات بهذا الكم والزخم الواضح ، ثم انظر إلى عدد مرات الاحتجاج أو الاعتصام أو التظاهر من جانب بعض المسيحيين عند حدوث مشكلة ما تخصهم . لكن من الإنصاف أن نقول بأن وسائل مؤسسات المجتمع المدني ورفع القضايا والدعاوى لنيل الحقوق ، والتظاهر والاعتصامات والاحتجاجات .. كلها متغيرات أو مستجدات طرأت على المجتمع المصري كله وأن الكثير من أبنائه – مسلمين ومسيحيين – قد استخدموا هذا الوسائل في العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة ، لكن ما نلحظه هو استفادة الخطاب المسيحي الراهن من هذه المستجدات واستثمارها بشكل يخص قضايا المسيحيين وحدهم حتى بدا هذا الخطاب أكثر قوة وربما عنفاً مما كان عليه في السابق . ومن الضروري أن نلفت الانتباه إلى أن خطاب الاستقواء المسيحي قد ترافق معه وجود إحساس بعقدة الاضطهاد ، وهي عقدة أصبحت تتضخم لدى بعض المسيحيين حتى تحولت من ( عقدة ) إلى ( عقيدة ) ، وقد تلقف هذه العقدة وأشعل فيها نار الفتنة عوامل كثيرة منها وجود مشاكل حقيقية لدى المسيحيين في مصر ، ومنها قدرة بعض أقباط المهجر على تضخيم هذه المشاكل ، ومنها تعدد وتنوع وسائل الاتصال والإعلام ورغبة هذه الوسائل في ملأ مساحات ورقية أو ملأ الهواء كما يقال بلغة الإعلاميين ، خاصة وأن قضايا الأقباط الآن أصبحت من مستلزمات برامج التوك شو وبعض الصحف المستقلة والكثير من مواقع الإنترنت .. وبالعودة إلى ما قلناه من وجود مشاكل يعيشها الأقباط ، فإن هذه واحدة من النقاط التي يجب مناقشتها هنا ، فهل يوجد فعلاً مشاكل يعيشها المسيحيون في مصر ؟ ولا نملك وقد تحرينا الموضوعية والمكاشفة إلا أن نؤكد على وجود مشاكل وعقبات بل وعراقيل أمام بعض المسيحيين ، لكن التساؤل الأهم الذي فات كثير من المسيحيين خاصة من أقباط المهجر ، هل هذه المشاكل جزيرة منعزلة عن باقي جزر المشاكل التي يعيشها الوطن ، بل وهل هناك وطن بلا إشكاليات ؟! إن إشكاليات المسيحيين في مصر هي جزء من النسيج العام لإشكاليات المواطن المصري عامة – مسلم ومسيحي – فعندما يتكلمون عن مشكلة أو عقبة بناء الكنائس فتلك تعد مشكلة مسيحية معضلة عند البعض ، في حين أن المساجد تعاني هي الأخرى من إشكاليات حتى وصفها البعض بأنها أصبحت تدار من قبل الجهات الأمنية أكثر من إدارتها من قبل الأوقاف ! وانظر إلى ما تعاني منه بعض الجماعات الإسلامية ومنهم الإخوان – بغض النظر عن تأييدنا أو رفضنا لمنهجهم – بل وانظر إلى ما تفعله بعض مؤسسات الدولة تجاه الحجاب والمحجبات !! أليست هذه مشاكل تواجه المسلمين وحدهم إذا رحنا نصنف المشاكل تصنيفاً طائفياً ؟ وحتى ما يقال من وجود تمييز ضد المسيحي في الوظائف والمناصب ، أليس مثل هذا التمييز يحدث لبعض المسلمين ، انظر إلى ما قد يتمايز به أهل المدن عن أمثالهم في الريف المصري ، ثم انظر إلى ما قد يتمايز به أهل الوجه البحري عن أهل الصعيد أو أهل الأطراف من خدمات ومرافق ، وانظر كذلك إلى ما يتمايز به أصحاب الثراء وأبناء المسؤولين في مقابل أبناء الفقراء والمهمشين .. إنها سلسلة ومنظومة من التمايزات التي أصبحت جزءاً أصيلنا من ثقافتنا وسلوكنا اليومي . وحتى هذا الانفجار الأخير الذي حدث في كنيسة القديسين لم يكن هو الوحيد الذي اكتوت بناره مصر في العقود الثلاثة الأخيرة ، فنحن نذكر تلك الحوادث المؤسفة من عمليات عنف طالت الكثير من المصريين وكانوا في أغلبهم من المسلمين .. وعلينا أيضاً أن نلاحظ ارتباط الإحساس بعقدة الاضطهاد لدى بعض المسيحيين بكونهم أقلية ، فهل المسيحيون فعلاً أقلية ؟! إن ذلك يستلزم تحديد مفهوم الأقلية لنرى إذا كانت تنطبق على الحالة المسيحية في مصر تحديداً ، وهذا ما سنتناوله في المرة القادمة إن شاء الله . باحث وإعلامي [email protected]