في كتابة مصرية خالصة.. قدمت لنا د.ليلي تكلا هدية ثمينة في معركة التنوير والتسامح بين الاديان, والعنوان التراث المسيحي الإسلامي دار الشروق وابتداء اتوقف وباهتمام شديد امام العنوان التراث المسيحي الإسلامي. ولقد يكون الأمر عاديا اذا اضيف حرف الواو واصبح العنوان التراث المسيحي والإسلامي لكن حذف الواو مقصود لذاته بذاته, فالدكتورة ليلي تكلا وهي تخوض المعركة المصرية ضد التمييز علي اساس من الدين تعني ما تقول: فالتراث في حقيقته تداخل علي الارض المصرية ليثمر نبتا موحدا بعضه مسيحي يتداخل ويمتزج مع بعض إسلامي, فيأتي موحدا أي يأتي مصريا خالص المصرية, وبهذا تخوض ليلي تكلا معركتها ضد التمييز بسبب من الدين وضد البوم الناعق بدمار وحدتنا الوطنية. وفي مقدم الكاتب تضيء كتابة للدكتور كمال أبوالمجد لتحقق مزيدا من الامتزاج والتوحد الإسلامي المسيحي في مواجهة بواعث الفتنة. ويقول كمال ابوالجد: ومن وجهة نظر إسلامية فانني وجدت ان روح الإسلامي الخالصة تتسع تماما لهذا الجهد الانساني النبيل للدكتورة ليلي تكلا.. وان هناك مع الاسف الشديد مفارقة كبيرة بين ما تقضي به وتدعو إليه تعاليم الاديان السماوية, كما اوحي بها الخالق سبحانه إلي انبيائه ورسله علي امتداد التاريخ, وبين حالة وسلوك وفهم كثير من اتباع هذه الاديان لاديانهم. وفي تقديم الدكتورة ليلي لكتابها تقول ما كان من الممكن تقديم هذا الكتاب دون الاشارة إلي حقيقتين: الحقيقة الأول هي ان الاصل في قضية المعتقدات الدينية والوضع الامثل لمسألة تعدد الاديان هو ألا تكون مثارة, ألا تصبح محل جدل أو حوار انها قضية خاصة لها علاقة فريدة تختلف بها عن سائر العلاقات, انها علاقة بين الانسان وخالقه وليس لأحد ان يتدخل فيها أو يدلي برأي حولها.. انها بين طرفين لا ثالث لهما, اما الحقيقة الثانية فهي ان العلاقة بين الله والانسان التي هي مجال الشئون الدينية تختلف تماما عن العلاقة بين الانسان والانسان, بين الانسان والحاكم التي هي مجال للشئون الدنيوية السياسية, فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم يكون فيها الشعب مصدر السلطات.. وهي علاقة تخضع للنقاش والاعتراض والحوار والاختلاف بين طرفيها وهي مجال شئون الدنيا والحكم والسياسة, لذلك فإن الزج بتلك العلاقة بين الخالق والمخلوق في شئون السياسية والدنيا حيث يسود الجدل والنقاش والخلاف والاعتراض أمر لايتفق مع ما للعقيدة الدينية من هيبة وجلال. ونمضي مع د.ليلي وهي تحاول عبر صفحات الكتاب أن تفسر سبب الكتابة فتقول: لقد أصبح علينا اليوم أن نعبر تلك الفجوة من سوء الفهم حتي لاتتسع مسافة الخلافة والاختلاف بينما يؤكد الواقع ان كلا العقيدتين الإسلام والمسيحية بريئة من كثير مما يلصق بها من اتهامات, ان كلا منهما ديانة توحيد خالصة تؤمن بإله واحد وتؤمن بروحه التي ألقاها إلي مريم, وتؤمن بأن ميلاد المسيح جاء بمعجزة غير مسبوقة, ولقد عرف الإسلام قدر المسيح يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا, وتقول سواء كنت مسيحيا أو مسلما فلا تجعل في القلب والفكر والسلوك مكانا للتعصب والكراهية والرفض, لان الفروق بين المسيحية والإسلام اقل مما تظن والاختلاف بينهما لايبرر العداوة والقتل والتكفير, وتمضي ليلي تكلا قائلة, لقد ابتلعنا طعما مسموما مرتين: مرة عندما تشربنا مقولة صدام الاديان ويقصد بها أساسا الصدام بين المسيحية والإسلام, ومرة أخري عندما داهمتنا مقولة التراث المسيحي واليهودي الذي قصد به مساندة سياسية واقتصادية للفكر الصهيوني مع ان الفروق شاسعة بين العقيدة المسيحية والعقيدة اليهودية, فالسيد المسيح ركيزة المسيحية ومن يرفضه يرفض المسيحية من أساسها, وتمضي المؤلفة لتستقي من وقائع التاريخ ما يؤكد الاهتمام الكامل لكثير من الحكام المسلمين بالرعايا المسيحيين, ونقرأ حدث علي عهد الخليفة المعتز العباسي ان أرسل البطريرك شنودة, وهو البطريرك الخامس والخمسون من بطاركة الكرسي السكندري بعض الرهبان حاملين شكوي للخليفة العباسي في بغداد تقول ان الكنائس قد تهدمت نتيجة تعسف أحمد بن المدبر عامل الخراج علي مصر, فكتب المعتز مرسوما بإعادة تعميرها, كما ان المسلمين قد سمحوا غداة الفتح الإسلامي لمصر للأهالي باستخدام لغتهم القبطية في الوثائق القانونية وهو مالم تسمح به الحكومة البيزنطية خلال حكمها لمصر وأيضا وفي العصر الفاطمي مارس أهل الذمة حياتهم بشكل طبيعي, حيث استمرت احتفالاتهم بأعيادهم التي شارك فيها كبار رجال الدولة حيث كان رؤساء الاقباط يضربون عملة من الذهب ويفرقونها علي أرباب الدولة علي سبيل التبرك, وفي سنة717 ه1317 م تم عزل قاضي قضاة الحنفية عن قضاء مصر لانه بالغ في الحط من شأن الكتاب النصاري وكان إذا رأي ذميا راكبا أنزله وأهانه.. فاشتكوا منه فعزل من منصبه, وكذلك ويذخر تاريخ مصر بأمثله عديدة عن علاقات تعايش وسلام ومحبة بين المصريين المسيحيين والمسلمين ومنها ان دير سانت كاترين في سيناء الذي بني نحو عام40 ميلادية بني مسجد ملاصق له في1097 ميلادية وكثيرا ما أشارت وثائق الدير إلي قيام رهبان الدير بترميم المسجد بتبرعاتهم وتعيين مؤذن للجامع, كما كان الرهبان يقدمون للمسجد كل ما يحتاجه من زيت الوقود ومئونة المؤذن وكلما مات مؤذن يقيم الرهبان غيره. وتمضي ليلي تكلا لتؤكد في حنان ان كل شخص يؤمن ان عقيدته هي الافضل وهي الاصح, وله كل الحق في ان يتمسك بذلك, ولكن ليس من حقه ان يحرم غيره من هذا الحق وتقول لقد ثبت أن الجهل بالعقائد لايشمل فقط الجهل بعقيدة الآخر, لكنه يتضمن أيضا جهل الانسان بعقيدته, إنها سياسة من يتاجرون بالدين كي يسحقوا إرادة الآخرين ويسيطروا عليهم. والحقيقة انني استشعر الحيرة, فما من سطر في الكتاب إلا ويستحق ان اتمسك بالاشارة إليه وما من حل سوي أن تقرأ الكتاب.