بعيدا عن تشكيكات المترددين، وهجوم المعقدين، واتهامات المتطرفين، كتبت الدكتور ليلي تكلا كتابها "التراث المسيحي الإسلامي" بروح طفلة بريئة عمرها اثنا عشر عاما وجدت في مكتبة والدها كتابا للأب إبراهيم لوقا عنوانه "المسيحية في الإسلام" قرأته واعتبرته دعوة رائعة للمحبة والسلام، وما إن ملكت الكتابة والتأليف حتي أضافت لما كتبه الأب الراحل إبراهيم لوقا كتابا جديدا يستحق القراءة لما به من دعوة للتسامح والمقاربة، نحتاجها كثيرا في أيامنا الحالية. في كتابها الصادر حديثا عن دار الشروق المصرية، تحاول الدكتورة ليلي تكلا وهي أكاديمية وعضوة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان التقريب بين وجهات نظر المسيحيين والمسلمين عبر الوقوف علي نقاط الاتفاق في قضايا عدة، أما رسالتها فبسيطة مفادها أن الفروق بين العقيدتين أقل مما نظن، وأن الاختلاف بينهما لا يبرر العداوة والقتل والتكفير، وأن أمورا كثيرة ومبادئ عدة تجمع الديانتين. تصف تكلا اللحظة التي قرأت فيها كتاب الأب الراحل إبراهيم لوقا قائلة: "رغم أني لم أستوعب النواحي اللاهوتية التي جاءت به، إلا أنه ترك في بصمة غائرة، ومرت السنون، ثم وقعت أحداث العنف الطائفي في لبنان، حينها تمنيت لو أنهم غرسوا قيم هذا الكتاب، ولكني علمت من أسرة الأب إبراهيم أن الكتاب غير متاح، وأنهم قاموا بطبعه في سويسرا، وفي عام 2005، وقع لي حادث أصابني بكسور في ساقي، ووجدت نفسي في المستشفي شهورا طويلة، في القاهرة وألمانيا، لمست خلالها كيف أن تعاليم الدين ومبادئه تمد الإنسان بالصبر والإيمان والتفاؤل. كان المرضي يذهبون للصلاة كل بطريقته فرأيت أن الأديان رسائل سامية تدعو للتعايش والسلام، ولا يمكن أن تكون سببا في الصدام، هنا استعاد ذهني كتاب الأب لوقا، وجدتني اكتب أول سطور هذا الكتاب الذي يؤكد قبل كل شيء أن التقارب بين العقيدتين يدحض مقولات الصدام الديني الوشيك، ويفسر الأحداث علي أساس ديني". الكتاب يقوم علي حقيقتين: الأولي أن الأصل في قضية المعتقدات الدينية والوضع الأمثل لمسألة تعدد الأديان هو ألا تكون قضية مثارة، وأما الحقيقة الثانية فترتبط بخصوصية العلاقة الدينية، وهي أن العلاقات بصفة عامة تحدد أساس التواصل بين البشر من ناحية، وبين البشر والطبيعة وكل ما حولهما من ناحية أخري.. من جانبه يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد النائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مقدمته التي كتبها للكتاب: "إن روح الإسلام الخالصة تتسع تماما لهذا الجهد الإنساني النبيل، ولكن مع الأسف الشديد هناك مفارقة كبيرة بين ما تقضي به وتدعو له تعاليم الأديان السماوية كما أوحي بها الخالق سبحانه وتعالي إلي أنبيائه ورسله علي مر التاريخ، وبين حالة وسلوك وفهم كثير من أتباع هذه الأديان". في القسم الأول من كتابها تناقش تكلا فكرة السلام والصراع والأديان، فتتمعن فيما هو قائم، وما يدور حولنا وما يشاع من مقولات مضللة قدمت علي أنها نظريات ثابتة، تتصدي لها تكلا عبر مناقشة موضوعية لعدد من المسائل المحورية في مقدمتها فكرة "المسيحية الصهيونية" أو مقولات "التراث المسيحي اليهودي". وكذلك الترويج للصراع المحتوم بين المسيحية والإسلام، تقول الكاتبة: "إنني أفضل أن تكون الأماكن المقدسة اليهودية في أيد إسلامية، لأن المسلمين حافظوا بالفعل علي المقدسات المسيحية واحترموا قدسيتها في القدس لسنوات طويلة، بل إن مفاتيح كنيسة القيامة في يد أسرة مسلمة".. وتكشف الكاتبة عن أن فكرة التراث المشترك بين اليهودية والمسيحية هي نظرية ابتدعتها التنظيمات الصهيونية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وليست دينية. ولعل ذلك التعاطف الذي يبديه بعض المسيحيين في الغرب "للصهيونية" جاء وانتشر من أجل قيام واستمرار دولة إسرائيل، أي لأسباب سياسية واستراتيجية، لكنه في رأي تكلا في النهاية تعاطف لا يقوم علي أي اتفاق بين العقيدتين المسيحية واليهودية علي الأقل في المبادئ الدينية.