«لا شىء يطفر فجأة فى الفراغ». هذه الحقيقة التى دلت عليها تجارب الأمم وحقائق التاريخ، ترتبط بحقائق أخرى بدهية لكنها مهملة؛ منها أن الظواهر التاريخية الكبرى والصغرى، ترتبط على نحو خفى أو معلن، بالأصول والمقدمات التى تفاعلت فيما بينها، فأنتجت هذه الظاهرة التاريخية أو تلك. ومنها أن الظاهرة قد تبدو للوهلة الأولى شديدة الخصوصية، ومتفردة، مع أنها مشتملة بالضرورة، على بقايا من الأصول والمقدمات التى انطلقت منها. ومنها أن لكل ظاهرة تاريخية كبرى تأثرا بما سبقها، وتأثيرا فى اللاحق بها؛ وهو ما نسميه اصطلاحا: التواصل التراثى».. بهذه الكلمات قدم الدكتور يوسف زيدان فكرة ومحاور المؤتمر السابع الذى ينظمه مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية هذا العام تحت عنوان «التواصل التراثى: أصول ومقدمات التراث العربى الإسلامى»، وذلك فى الفترة من 25 إلى 27 مايو الجارى، بمشاركة 40 من أبرز المتخصصين فى مجال المخطوطات من العرب والأجانب، منهم أيمن فؤاد سيد، وأنجليكا نويفرت، وجيرالد هوتينج، ورضوان السيد، وقسطنطين كانافاس، وهيلين بيلوسيا. يسعى المؤتمر إلى النظر فى الأصول التى انطلق منها التراث العربى الإسلامى، والمقدمات التى سبقته فى المجالات المختلفة: العلمية والفكرية والأدبية والفنية، بغية تأسيس وعى حقيقى بهذا التراث واستكشاف طبيعة التواصل التراثى فى المرحلة المبكرة من تراثنا العربى الإسلامى. ويتناول أربعة محاور هى: الفلسفة والطبيعيات؛ والمعارف العامة والتاريخ؛ اللغة والتصورات الدينية؛ والفنون والآداب. ومن عناوين المؤتمر: «تجديد الأصول: نشأة الفكر العلمى والفلسفى فى الإسلام» للدكتور رشدى راشد، و«جدل التواصل والانقطاع فى التراث الإسلامى» للدكتور حسن حنفى، و«سر الإفخارستية أو قراءة لغوية لخاتمة سورة المائدة»، للدكتور سمير خليل، و«حقيقة التأثير اليهودى ومظاهره فى التراث العربى الإسلامى» للدكتور مصطفى عبدالمعبود، و«النقط وضبط الكلام من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية» للدكتورة ماجدة محمد أنور. أوضح زيدان مدير مركز ومتحف المخطوطات أن التراث الذى تركته الحضارة العربية الإسلامية عبر نحو ألف عام من العطاء الإنسانى المتنوع لمشاهير العرب والمسلمين فى مجالات مختلفة «ظاهرة تاريخية كبرى والظواهر التاريخية الكبرى والصغرى ترتبط على نحو خفى أو معلن بالأصول والمقدمات التى تفاعلت فيما بينها فأنتجت هذه الظاهرة التاريخية أو تلك»، ولكن هذا التراث يشتمل على بقايا من أصول ومقدمات انطلق منها وتأثر بها. وقال زيدان إنه لا خلاف فى أن التراث العربى الإسلامى، كان مؤثرا فى الحضارة الأوروبية الحديثة؛ ولكن فى المقابل: ما التراثيات التى أثرت فى صياغة التراث العربى الإسلامى؟ وكيف امتدت عملية التواصل بين تراث الإنسانية، فشملت العرب والمسلمين حينا من الدهر؟ وهل من قبله زمن، أتى عليهم حين من الدهر ما كانوا شيئا معلوما؟ أم أن وعينا المنقوص بتراثنا هو الذى أدى بنا إلى إهمال الأصول العربية، قبل الإسلامية؟ وبأى قَدْرٍ أسهم الحضور العربى، قبل الإسلام، فى صياغة المنظومة الحضارية العربية الإسلامية؟ وما الذى أخذه العرب المسلمون من علوم السابقين؟ وكيف أخذوه؟ وهل طوَّروه، أم حفظوه فحسب؟ وما هو أصلا مفهوم الحفظ؟ وماذا عن اللغة، العربية، وتفاعلها شفاهة مع اللغات السريانية والعبرية والفارسية، وكتابة مع أشكال التدوين السريانية والنبطية؟ وما دلالة المئات من الكلمات الباقية فى قلب اللغة العربية، من السريانية والفارسية والعبرية. سواء فى أوابد النصوص العربية والنقوش والخربشات المطمورة، أو بين آيات القرآن الكريم الذى هو الكتاب المحورى فى حضارة العرب والمسلمين؟ وماذا عن المسيحيين واليهود والصابئة والمجوس، أعاشوا فى إطار الدولة العربية الإسلامية كأهل ذمة أو غير ذوى ذمة، بحسب المفهوم الفقهى، أم تعدى الأمر ذلك إلى مشاركة فعلية فى الظاهرة الحضارية العربية الإسلامية، ابتداء من استلهام حفر الخندق من العسكرية الفارسية، وانتهاء بترجمات يهود الأندلس للمتون التراثية العربية إلى لغتهم واللغة اللاتينية، ومرورا باستلهامات عربية إسلامية، لا حصر لها، من التراث المسيحى المتجلى فكرا فى علم الكلام، وفنا فى شكل القبة، واقتصادا فى اعتبار مصر خزانة الدولة، ومعرفة فى ترجمة النساطرة لمتون العلم القديم من اليونانية والسريانية إلى العربية.. كل هذه الأسئلة السابقة التى طرحها د. زيدان سيحاول مؤتمر هذا العام أن يجيب عنها. يذكر أن مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية نظم أول مؤتمر عام 2004 بعنوان (المخطوطات الألفية) التى مضى على نسخها 1000 عام، وتمثل قيمة أثرية أو تاريخية وتبعه عام 2005 مؤتمر (المخطوطات الموقعة) التى كتبها مؤلفوها أو نسخها آخرون وأقرها المؤلفون. وعقد المؤتمر الثالث عام 2006 تحت عنوان (المخطوطات الشارحة) والمؤتمر الرابع (المخطوطات المترجمة) عام 2007 والمؤتمر الخامس (المخطوطات المطوية) عام 2008 أما المؤتمر السادس فعقد عام 2009 تحت عنوان (النشر التراثى)