«البيت هيقع» .. صوت يصرخ فى أبو قير ، يرد صداه فرحا فى الفجالة : «لما محمود طلع حى من تحت الأنقاض حسيت بسعادة مش هقدر اوصفها»... يلتقط منهما صوت متزن هادئ قائلا: نجاة «5» أُسر من الموت في انهيار عقار فيصل.. الصوت الأول لأب شعر بسقوط المنزل فصرخ فى أطفاله وزوجته قائلا «البيت هايقع» لكن وقبل أن ينتهى من صراخه، تحول المنزل الى كوم تراب«.، اللقطة الثانية كانت للنقيب الشهم شهاب الشريف الضابط بقسم شرطة الأزبكية عندما تمكن من إنقاذ شاب تحت أنقاض عقار الفجالة المنهار ، أما المتزن الأخير ، فهو تصريح جاء على لسان احد المسئولين ليطمئن الرأى العام بأن جميع الأسر بعقار فيصل المنهار قد نجوا من الموت والحمد لله، هؤلاء المواطنون على اختلاف أحيائهم وجدوا أنفسهم ضمن معركة كبرى تدور رحاها بين ملاك العقارات والمقاولين المخالفين - أين كانت مخالفتهم - وبين دولة غافلة عن رقابتهم أو ربما شغلت بأعباء أخرى أثقلت كاهلها عن الاهتمام بأرواحهم ..فى هذا التحقيق نبحث عن الأسباب الحقيقية لانهيارات العقارات فى الآونة الأخيرة ؟ ومن المسئول عنها؟ .. وكيف يتسنى لنا إيقاف تلك الظاهرة؟ د. خالد العادلى محافظ الجيزة يسرد أسباب المشكلة وفق رؤيته فى المحافظة، قائلا إن معظم هذه المبانى المعرضة للانهيار تقع فى المناطق العشوائية، وبالتالى فهى مبان عشوائية لاتبنى وفقا للمواصفات الفنية، وكثير من تلك الإنشاءات يتم عن طريق مقاول غير مؤهل، فلا يأبه بعمق الحفر الذى يقوم به من أجل الأساسات، وتكون النتيجة للحفر على مساحة كبيرة هى انهيار العقارات المجاورة له، فهذه المبانى تبنى دون أسس علمية، كما أن إهمال صيانة دورات المياه ومواسير الصرف الصحي، يمكنها ان تتسبب أيضا فى انهيار العقار، مضيفا أن تغذية العقار المخالف بالمياه لاتتم عن طريق إدارة المرافق لأن العقار المخالف لايتم إمداده بالمرافق، فيلجأ صاحب العقار إلى استئجار »سباك« يقوم بعمل وصلات خلسة من ماسورة الخط الرئيسى ، تتسبب فى النهاية بهبوط أرضى فى التربة نتيجة جهل السباك بفنيات التوصيل. وعن الزمن اللازم لتنفيذ الإزالة، يشير العادلى إلى أن الأمر قد يستغرق شهرا فى العقارات الخطرة ،والتى يتم تصنيفها حسب دراسات أمنية يقوم بها جهاز الشرطة ،وهو المنوط به تحديد التوقيت المناسب بعد قرار لجنة المحليات بالإزالة ،والعقارات الخطرة تكون فى الغالب آيلة للسقوط أو مائلة ،كما يمكن ان تكون وسط كتلة سكنية ، وهذه العقارات يتم هدمها بطريقة شديدة الدقة حتى لاتتسبب فى انهيار عقار آخر ،مضيفا أنه فى الأربع السنوات الأخيرة ظهرت عقارات عشوائية مخالفة كثيرة، وتم تشكيل لجنة لتصنيف هذه العقارات إلى آمنة وغير آمنة، وغير آمنة تشمل أن تكون على تربة غير آمنة لاتتحمل العقار وقابلة للإنهيار، أو غير مطابقة للمواصفات الإنشائية القويمة، وهذه اللجنة بمجرد صدور قرار الإزلة والإخلاء، نقوم بالإخلاء الفورى ، قائلا إنه تم التعامل وإخلاء 18 مبنى حول عقار فيصل المنهار كإجراء احترازى بعد تصدع مبنى خلفه، وتم صرف مبلغ بدل إيجار 3 أشهر للمتضررين وصرف مبلغ 5 آلاف جنيه كمساهمة فى شراء أثاث لكل متضرر . من جانبه يوضح محمد أيمن نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية أن من أهم أسباب انهيار العقارات الغش والتلاعب فى مواد البناء، فوجود عجز فى نسبة الحديد المستخدم أو إصابتها بالصدأ، وانخفاض نسبة الأسمنت والرمل المستخدم لبناء العقار يتسبب فى الانهيارات، كما أن عدم التزام بعض المقاولين بالمواصفات الإنشائية الدقيقة أيضا يفضى إلى تلك الانهيارات، بحيث يلجأ العديد من المقاولين وأصحاب الأبراج السكنية إلى إضافة وحدات سكنية فوق الارتفاعات المصرح بها، متجاوزا قيود الارتفاع ، فالتعامل مع إنشاء العقارات صار عملا يهدف للربح فقط، ولا يراعى معايير الإتقان، كما أن العقارات القديمة ،يتم إهمال الصيانة بها، من قِبَل ملاك العقار، نتيجة لتثبيت سعر الإيجار تبعًا لقوانين الإيجار التى لا تترك للمالك فرصةً للحصول على أموال كافية تمكِّنه من القيام بصيانة دورية، حيث لا تتعدى الإيجارات فى المبانى القديمة الجنيهات القليلة، لذا يفضل مالك العقار تركه حتى ينهار، لينشئ مكانه مبنى آخر يحصل منه على الكثير من الاموال. ويؤكد نائب المحافظ أن عدم الالتزام بالقرارات الصادرة بهدم المنازل الخطرة ،أحد اكبر أسباب تفاقم الأزمة ، وتزداد صعوبة عندما يتمسك المنتفع أو المالك بعدم إخلاء المنزل ،لأن هذه العقارات فى الغالب تكون بإيجار منخفض،كما أن تنفيذ الإزالات نفسها أحيانا لاتتم بالسرعة المطلوبة بسبب أبعاد قضائية وانتظار أحكام الطعون ،بالإضافة إلى انشغال الجهات الأمنية أحيانا بسبب كم الإزالات الكبيرة المطلوبة ،وانتظار الدراسات الامنية ، وكل هذه الإجراءات تأخذ وقتا. أما د.طارق والى استشارى الحفاظ على التراث المعمارى فيشرح أن هناك أسبابا تتعلق بالطبيعة مثل نوع التربة والمياه الجوفية يمكنه التسبب فى تصدع العقارات، بسبب البناء على تربة (غير مدكوكة)، كما أن تعرض المبنى لطفح مياه جوفية أو صرف صحى يؤدى إلى إتلاف الحوائط السفلية ،لتصبح بعدها غير قادرة على حمل ثقل المنزل، ويمكن أيضا إضافة الاستخدام السيئ للعنصر البشرى إلى هذه الأسباب الخارجية ، فهدم بعض الجدران دون وعى مثلا قد يؤدى الى تصدع العقار ،وهدم مبنى مجاور ،قد يؤدى إلى تصدع المبانى المجاورة له أيضا ،إضافة إلى أن سكان المناطق الفقيرة يتلاعبون فى أساسات العقارات حتى لايكلفهم الأمر أموالا كبيرة. ويضيف د.طارق والى أن إيقاف انهيار تلك العقارات يبدأ مع إنشاء شبكة صرف صحى جيدة، لأن مياه الصرف تؤثر على الأساسات ، وإعادة النظر فى »العشوائيات« ، فأغلب عقاراتها غير مطابقة للمواصفات الهندسية أو الإنشائية، كما يجب منع بعض الملاك الجشعين من بناء أدوار مخالفة للارتفاعات المصرح بها والتى تؤدى أيضا إلى تلك الانهيارات . وإذا كان الغش والتلاعب فى مواد البناء وغياب الصيانة ،وتهالك العمر الافتراضى للمنازل وشبكة الصرف الصحى على حد سواء، وعدم إنجاز حصر المنازل الآيلة للسقوط، وصعوبة حصول المواطن على تراخيص البناء من خلال القنوات الشرعية، وفساد الرقيب فى بعض الأحيان من صغار موظفى المحليات المعنيين هى الأسباب التى سطرت مشهد انهيار العقارات فى الآونة الأخيرة ، فإننا بالنهاية امام معركة بين ملاك ومقاولين كبار يبيعون الموت لراغبى السكنة والحياة من المهمشين الفقراء ،هذه المعركة لايخسر فيها سوى الدولة التى تتحمل النتائج و»الغلابة« الذين يدفعون ارواحهم تحت أنقاض ما شيد هؤلاء .