تعددت حوادث انهيارات العقارات, وأصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها, حيث انهار أخيرا منزل بالجمرك, ومصنع بمنطقة محرم بك بالاسكندرية أدي إلي وفاة أكثر من26 قتيلا واصابة16 آخرين, ليستمر بذلك مسلسل امتد طويلا, ففي أوائل2009 انهار برج سكني شاهق حديث الانشاء في منطقة مصر الجديدة, مما أسفر عن العديد من القتلي والجرحي. قبله, وفي2008 انهار عقار سكني مكون من أربعة طوابق بمنطقة شبرا مما أسفر عن9 قتلي وانتشال5 جثث وإصابة3 أشخاص بسبب تصدعات بالمبني, وفي أواخر2007 انهار عقار سكني مكون من12 طابقا بحي لوران بشرق الاسكندرية وهو الحادث الذي خلف وراءه20 قتيلا واصابة8 آخرين, وفي أوائل2004 انهار عقار سكني مكون من11 طابقا بمدينة نصر, وكان العقار قد صدرت له قرارات إزالة إلا أنها لم تنفذ وانتهي به الحال إلي السقوط فوق رءوس سكانه.انهار عقار مكون من ثلاثة طوابق بقرية كوم العرب التابعة لمركز سوهاج راح ضحيته6 أشخاص, من بينهم أطفال, وتم انتشال7 من أسرة واحدة. وكان السبب المعلن هو وجود عيوب في المنزل المبني بدون أعمدة خرسانية, وبشارع عبد الفتاح نصر المتفرع من شارع الترعة بشبرا مصر انهار منزل متسببا في مقتل9 بينهم طفلان, وانتشال7 أشخاص من تحت الأنقاض. وبالمحلة الكبري انهار عقار مكون من خمسة طوابق, أسفر عن وفاة فردين وإصابة ثلاثة آخرين. 500 ألف مخالفة ويؤكد تحول انهيار العقارات من حوادث فردية إلي ظاهرة تلك التقارير التي تقول ان هناك500 ألف مخالفة بناء صادر بشأنها قرار إزالة لم ينفذ, تصل قيمة هذه العقارات إلي400 مليار جنيه, كما أن99% من المنازل المنهارة بالقاهرة صادر لها قرار إزالة لكنها لم تنفذ. وتوضح دراسة حديثة صادرة عن جامعة القاهرة أن90% من العقارات مخالفة, منوهة إلي ضعف أجور مهندسي الأحياء, وصعوبة حصول المواطنين علي تراخيص بشكل شرعي مما يفتح باب الرشاوي, كما أن هناك تضاربا بين قوانين وتشريعات البناء. وكشفت دراسة جامعة القاهرة عن أن50% من المباني تحتاج إلي الصيانة, بالاضافة إلي أن أكثر من مليوني عقار آيل للسقوط في محافظات الجمهورية وهناك132 ألف قرار إزالة مجمد في أدراج المحليات. وتقول إحصائية أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن هناك1228 منطقة عشوائية يسكنها أكثر من20 مليون مواطن. وأكدت الإحصائية ضعف نسبة قرارات الإزالة التي تم تنفيذها مقارنة بتلك المجمدة في الأدراج, حيث تم تنفيذ560 قرار إزالة فقط لعقارات أقيمت بدون ترخيص بالجيزة خلال الفترة من أوائل شهر أكتوبر2008 وحتي الآن, في مقابل إزالة173 منزلا بمحافظة القاهرة خلال الفترة نفسها. وتقول دراسة أعدتها مديرية الإسكان بمحافظة القاهرة إن التشريعات المتعلقة بالبناء والتشييد بدأت منذ عام1889 حتي صدر قانون البناء الجديد الخاص بتوجيه وتنظيم أعمال البناء, وهو ما أدي إلي إحداث تضارب وسيادة حالة من الغموض أدت إلي تعقد مشكلة العشوائيات, مؤكدة أن هناك ما لا يقل عن9,4 مليون مبني في مصر, منها102 ألف مبني لا تتوافر به شروط الصيانة, وما لا يقل عن مليونين من المباني آيلة للسقوط, وصدرت لها قرارات إزالة, واخري بالتنكيس إما بسبب قدم المباني أو بسبب التلاعب في تراخيص البناء, مما يتسبب في حوادث تؤدي إلي خسائر بشرية. الحياة بلا مأوي وأعرب مواطنون عن إحساسهم بتلك الظاهرة, فقال خالد الضبع, من سكان المعادي, إن العقار الذي يقطن فيه تعرض لكسر بإحدي مواسير الصرف الصحي, مما عرض العقار للخطر, ورغم اعتراض بعض الملاك علي دفع المبلغ اللازم لاصلاحه, لافتا إلي أن هذا الوضع يعكس ضرورة الاهتمام بصيانة العقارات, والبدء في أعمالها بمجرد الانتهاء من بناء العقار, بدلا من انتظار حدوث الكارثة حتي يبدأ الإصلاح. ويقول صبري جلال يقطن بعقار في منطقة جاردن سيتي إن العقار الذي يقطنه هو وعائلته معرض للخطر, ومع ذلك لم يفكر في الانتقال لعدم توافر البديل, مؤكدا أنه يسعي منذ سنة تقريبا لتنكيسه, غير أنه لم يتمكن من الحصول علي قرض لتنكيسه, مفضلا البقاء فيه حتي لو سقطت العمارة فهذا أفضل من الحياة بلا مأوي علي حد قوله. ويؤكد الدكتور أحمد صلاح الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة, وجود التشريعات التي تحد من مخالفات البناء, مفسرا الظاهرة بما أسماه تقاعس المسئولين عن تنفيذ هذه التشريعات. علي الرغم من توافر القوة التنفيذية التي يمكنها إزالة العقارات المخالفة, علي غرار ما حدث في عزبة الهجانة. وأضاف صلاح إننا بحاجة إلي وقف هذا النمو السرطاني العشوائي, بمنع أي بناء جديد مع التعامل مع العشوائيات الحالية بإزالتها. وكشف أستاذ الهندسة عن أن تراخيص المباني تستلزم تقارير من مهندس استشاري بأن المبني يتحمل الزلازل, مؤكدا أن هذه الشهادات تباع أمام نقابة المهندسين بدون أية مراجعة أو معاينة, حيث يصل سعرها بهذه الطريقة, إلي500 جنيه دون مراجعة صلاحية الأرض. واختتم صلاح تصريحاته بأن العملية تسيطرعليها التجارة وتعاني من أخطاء وفوضي بسبب عمليات التزوير علي حد تعبيره ومع إهمال أعمال الصيانة المستمرة, يكون سقوط العقارات أمرا متوقعا. أسعار مواد البناء ورفض المهندس عمر الشوادفي, رئيس جهاز التخطيط واستخدامات أراضي الدولة, قول أستاذ الهندسة بأن نقابة المهندسين تقدم شهادات مزورة لسلامة المبني, مبررا ظاهرة انهيار العقارات بما يحدث من إخلال بالمواصفات الفنية للعقار, وعدم الالتزام بها من قبل المقاول المنفذ. وأضاف الشوادفي إنه مع ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة ما أسماه الجشع في سوق العقارات, يكثر الإخلال بالمواصفات الفنية, معتبرا أن أكبر دليل علي ذلك وجودبعض المدن السياحية التي تم اكتشاف شروخ بها, مما يعرضها للسقوط في أي وقت وأن الحل الآن هو تحقيق هد صندوق تطوير العشوائيات بحصر المناطق العشوائية ومعالجتها. وتقول أميمة صلاح الدين, رئيسة الجهاز الفني علي أعمال البناء بوزارة الإسكان, إن المواد المتعلقة بالعقارات الآيلة للسقوط في القانون القديم كانت تمثل عقبة, لأن مالك العقار أو المستأجر كان يقوم بالطعن في قرارات الإزالة أمام القضاء لفترات طويلة تصل إلي سنوات, وهو ما أدي إلي عدم تنفيذ قرارات الإزالة. وكشفت عن أن هناك ما لا يقل عن14 ألف طعن مقدم امام القضاء حصل5 آلاف فقط علي أحكام نهائية بالإزالة مشيرة إلي أن95% من العشوائيات مقامة علي مناطق هشة مما يعرضها للخطر مع حدوث أي زلزال. 70 عاما للمبني ويختلف الدكتور أحمد أنيس رئيس جمعية التمويل العقاري مع القول بأن انهيار العقارات يشكل ظاهرة خطيرة, فرغم أن هذه الحوادث تسبب تأثيرا نفسيا مزعجا ومؤلما إلا أنها ما زالت في الحدود المألوفة والنمطية, حيث لم يتعرض أي عقار روعيت فيه الأسس الهندسية للانهيار, وإن لم ينكر أن هناك مشكلة في الإدارة, وفي أن أتعاب المهندسين غير مناسبة, بالإضافة إلي إهمال الصيانة وفساد المحليات التي تسمح بهذه الحوادث. وحدد الدكتور أنيس العمر الافتراضي للعقار بأنه يتراوح بين50 و70 عاما إذا أحسن ملاكه صيانته, والدليل علي ذلك هو طول عمر مباني الفنادق نتيجة الاهتمام بصيانتها, مشيرا إلي وجود مشكلة تخص العقارات القديمة, وتتمثل في صعوبة إخلائها نتيجة رفض سكانها الإخلاء ولو جاء هذا علي حساب حياتهم. ويؤكد الدكتور علي الصاوي, خبير عقاري, أن مشكلة العقارات العشوائية جزء من العشوائية التي تغتال القوانين, مفسرا ظاهرة العشوائيات بتوافد وهجرة سكان الأقاليم إلي المدن وتكوينهم كيانات عشوائية في الكثير من المناطق, صاحبها انهيار مجتمعي مع ظهور الكثير من المشكلات التنموية التي نشأت في غياب حكومي بدليل وصول المرافق إلي تلك العشوائيات. واستنكر الصاوي إطلاق مشروع صندوق تطوير العشوائيات قائلا: يجب القضاء علي هذه المناطق وليس تطويرها, لأننا بذلك نهدر قيمة زراعية وعقارية معا, حيث إن عمليات الإحلال تحتاج إلي دخول المستثمرين لإتمامها خاصة وأن هناك ما لا يقل عن80% من سكان مصر يعيشون في هذه الشعوائيات وهو ما يجعل إتمام عملية التطوير بحاجة إلي رأس مال عال. أخبار متكررة ويقول الدكتور حسين جمعة رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية إن مسلسل سقوط العقارات في زلزال92 كشف المأساة التي تعاني منها العقارات, فهناك ما لا يقل عن300 الف عقار يعاني من مشكلات نتيجة استصدار قرارات ازالة كلية, وأخري بترميم وتنكيس لم تنفذ, وهو ما جعل أخبار سقوط العقارات في الصحف امرا عاديا. وأضاف جمعة انه عند وقوع الكارثة لا يجد المواطنون مسئولا بعينه توجه له المسئولية المباشرة بسقوط العقار, فالمنظومة العقارية تعاني من أزمة نتيجة سوء الإدارة وتعدد الجهات المنوطة بالعقار من وزارة الإسكان, ووزارة التنمية المحلية والمالية وتضارب الاختصاصات فيما بينها مؤكدا ان القضاء علي سرطان العشوائيات هو بداية الإصلاح ولكن هناك تزايد مستمر لها, وفقد وصلت هذه العشوائيات إلي أكثر من1200 منطقة عشوائية ومع ذلك لا يوجد كود او نظام هندسي يحكمها. وأوضح رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية ان هناك خللا قانونيا في تلك الأزمة, حيث إن هناك ما لا يقل عن160 قانونا فشل قانون البناء الجديد في تنظيمها, نتيجة صعوبة فصلها, مع وجود كثير من الثغرات التي تحكم المنظومة العقارية, بالإضافة إلي ما اعتبره نوعا من الفساد المحلي, واصدار تراخيص وهمية وتقارير مضروبة تفيد بسلامة المبني دون معاينته من نقابة المهندسين وتباع الشهادات علنا ب500 جنيه, ومن النواحي الفنية ضعف الخبرات وتجاوز الارتفاع المسموح به وعدم مراعاة نوع التربة المقام عليها المباني, من العوامل التي يجب اخذها في الاعتبار تعديل العلاقة بين المالك والمستأجر. وأضاف جمعة ان الحكومة تتكلف الكثير بانهيار العقارات حيث تقوم بصرف تعويضات للأسر المتضررة من جانب هيئة التضامن الاجتماعي, وهناك بند بالتمويل العقاري يهدف إلي صرف قروض لترميم المنازل ولكنها لم تفعل حتي الآن, مشيرا إلي أن أهم ما قدمه هو اتحاد الشاغلين الذي يلزم الملاك وصاحب العقارب بصيانته ولكنه لم يأت بثماره حتي الآن. واقترح رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية حلولا للظاهرة, منها وقف انتشار العشوائيات بالمدن الجديدة, وحصر وتقنين الشهادات التي تفيد بسلامة المباني, حيث انها تصدر بدون اي معاينة, وان تقوم نقابة المهندسين وتكلف كل مهندس بالإشراف علي عقار واحد, مع الحرص علي انشاء شركات للصيانة العقارية, وتوفير تسهيلات واعفاءات لأصحاب العقارات, وان تكون معروفة لدي إدارة الأحياء وان تجدد رخصة العقار كل5 سنوات, ويراعي صيانتها طبقا لحالتها الفنية, وتفعيل بند التمويل العقاري بالتعاون مع وزارة الاستثمار, وتنظيم القوانين التي تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر, مع وضع رقم قومي للعقارات فهناك العديد من قرارات الإزالة مازالت في أدراج المحاكم, وهو ما يستلزم قوة جبرية من المحاكم لتنفيذ قرارات الإزالة لأن السكان يفضلون ان يموتوا بداخل العقارات بدلا من الخروج منها, مشيرا إلي أنه مع كل حادث يقع تحدث حالة فوران اعلامي ثم تهدأ دون أن يتغير شيء. استثمار العقار ويري عبدالمجيد جادو خبير عقاري ان هناك قصورا في تنظيم العلاقة بين المقاول والمهندس المشرف, وفي نظرة المالك للعقار الذي يعتبره استثمارا فقط دون النظر إلي جودته. وشدد جادو علي أهمية دور المحليات في عملية الرقابة واصدار تراخيص ورصد المخالفات التي تحكم عمليات البناء والتخطيط العمراني للأحياء, مؤكدا ضرورة الاهتمام بتطبيق التشريع أكثر من صياغته للحفاظ علي الثروة العقارية وارواح المواطنين لأنه عند التخطيط العمراني للمدن تضع الدولة مواصفات خاصة بارتفاع المباني ومساحتها ومدي ملاءمة ذلك للشارع, وذلك بغرض ارساء منظومة جمالية لكن ما يحدث ان المقاولين يخالفون ولا يكتشف ذلك إلا بعد الانتهاء من التنفيذ, مع ضرورة انشاء محاكم هندسية متخصصة تختص بسرعة الفصل في مثل هذه القضايا, وحرص قانون البناء الجديد علي إلغاء فكرة التصالح في المخالفات التي كانت مطبقة في القانون القديم ورغم ذلك, فإن هناك قصورا في احدي مواد القانون التي تسمح بارتفاع المبني حتي ضعف عرض الشارع وهو ما يتسبب في وجود عمارات اضخم مما حولها. شروخ في المبني ويقول أبو الحسن نصار الخبير العقاري ان هناك عوامل تكشف سقوط العقارات ولا تحدث بشكل مفاجئ كما يظن البعض, منها شروخ في المبني وانكشاف حديد التسليح مما ينبه بسقوط المبني, كما أن المباني القديمة التي مر علي بنائها30 سنة كلها تعاني من سوء صيانة ويجب وضع خطة لتنكيسها مع المراجعة الانشائية للمبني بشكل مستمر ضمانا لسلامته وسلامة المقيمين فيه, وكما جاء في قانون اتحاد الشاغلين فإن المالك والمستأجر معنيان بالصيانة الدورية للعقار. وأضاف نصار أن القاهرة تعد سببا في جذب الاستثمارات التي تصل إلي50% في المجالين الخدمي والانتاجي, مما تسبب في هجرة سكان الريف إلي المدن الكبري بحثا عن فرصة عمل فضلا عن الزيادة السكانية التي لم تأت استجابة لتنمية اقتصادية واجتماعية, ومع الزيادة السكنية التي لا تقابلها وحدات سكنية ملائمة, مطالبا بضرورة الحد من مخالفات البناء العمراني, وتوفير بيئة عمرانية صالحة تتوافق مع المقاييس السليمة للبناء والانشاء.