لم يكن الالتهاب السحائي هو المتسبب في وفاة أطفال المنيا ال6، قبل أن يلحق بهم أبيهم بعد أيام، هذا هو القول الفصل والذي أكدته وزارة الصحة والنيابة العامة في بيانهما، بل اتضح أن المتهم الرئيسي هو مبيد حشري، قضى خلال أسبوع واحد على 6 أطفال وأبيهم خلال أقل من أسبوع، تفاصيل أكثر عن الواقعة المأساوية التي شهدت أحداثها قرية دلجا، التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا في السطور التالية. مساء السبت الماضي، أسدلت النيابة العامة الستار عن القاتل الغامض، مبيد حشري، لا يظهر في التحليل والفحوصات المبدئية، يتطلب لاكتشافه تشريح الجثمان تشريحًا غاية في الدقة. التسمم الكيميائي الذي راح ضحيته الأطفال ال6، ومن بعدهم أبيهم، أنهى لغز سبب الوفاة، فالناجى الوحيد هي الأم وشهرتها بين أهل قريتها «أم هاشم»، في حين مات كل افراد أسرتها، أطفالها الستة وكان آخرهم الأب، تم عرض السيدة على الطب الشرعي، واخذ عينات منها، لكشف تناولها من الطعام الذي تناول منه افراد أسرتها في «اللمة الأخيرة» قبل وفاتهم تباعًا. اللمة الأخيرة على «الطبلية» جلس الثمانية يأكلون وجبة أعدتها الأم، ضحكاتهم كانت تملأ أرجاء الغرفة التي يجلسون فيها، كل طفل فيهم كان يأكل حتى يخرج للشارع ليلعب، لكن لم يحن وقتها وقت اللعب، بل حان وقت الموت. ظهر يوم الجمعة، الموافق 11 يوليو الجاري، توفى أول طفل، ثم تبعه طفلان آخران في ذات الليلة، وفي اليوم التالي، توفي الطفل الرابع، داخل العناية المركزة بالمستشفى، ثم يوم الأربعاء، توفيت الطفلة الخامسة، وبعد مرور 10 أيام، توفيت الطفلة السادسة، قبل أن يلحق بهم والدهم، بعدما ظهرت عليه الأعراض لاحقا. التسلسل الزمني لوفاة ال7 أفراد، كان مرعبًا، فكرة التخيل في حد ذاتها أصلا مفزعة، فما بالك وهو واقع يحدث بالتتابع، دون أن يُفهم السبب، ودون إدراك القدرة على إيقافه. الالتهاب السحائي التشخيص المبدئي للأطفال فبل وفاتهم، كان عبارة عن قيء وحمى وتشنجات، وهي أعراض تشير في مظهرها إلى أعراض مرض الالتهاب السحائي، المعروف بأنه مرض معدي، ولأنه كذلك، عززت هذه الافتراضية التأكيد على أنه السبب الرئيسي في الوفاة. هذه الافتراضية المبدئية تحولت إلى شائعة، وانتشرت كالنار في الهشيم، قبل أن تنفي وزارة الصحة هذه الشائعة جملة وتفصيلا، حيث أكدت – في بيان لها –أن الالتهاب السحائي، هو مرض ينتج عن التهاب الأغشية المحيطة بالمخ والحبل الشوكي (السحايا)، وقد يكون ناتجًا عن ميكروبات (بكتيريا، وفيروسات، وفطريات، أو طفيليات)، أو لأسباب غير ميكروبية مثل (الأورام، والأدوية، والعمليات الجراحية، أو الحوادث)،وهذا النوع البكتيري المعدي، نجحت مصر في السيطرة عليه منذ عام 1989، حيث انخفض معدل الإصابة إلى 0.02 حالة لكل 100,000 نسمة، وذلك بفضل جهود الترصد والتطعيمات الوقائية، مؤكدة عدم رصد أي حالات وبائية من النمطين البكتيريين (A&C) بين طلاب المدارس منذ عام 2016. وأوضح البيان، أن نظام الترصد الصحي المتكامل يعتمد على شقين أولهما الترصد الروتيني، والذي يتم من خلال متابعة البلاغات اليومية من جميع المنشآت الصحية، وتقديم الرعاية الفورية (تشخيص وعلاج) مع تسجيل النتائج إلكترونيًا، وتقديم الوقاية الكيميائية (مثل عقار الريفامبسين) للمخالطين لمدة 10 أيام، بينما يعتمد الشق الثاني وهو الترصد في المواقع المختارة، الذي يتم من خلال فحص عينات السائل النخاعي في 12 مستشفى حميات باستخدام تقنية PCR في المعامل المركزية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية. مادة قاتلة تقارير مصلحة الطب الشرعي، بعد الانتهاء من تشريح الجثامين السبعة، كشفت عن احتواء العينات المأخوذة من الأطفال، على مادة من المبيدات الحشرية، شديد السمية، ولا يوجد ترياق أي مصل له، ويسبب شللا في الخلايا بشكل عام، وفشلا في جميع أعضاء الجسم، وأعراضه الأولية سخونة وقيء وهذيان. قصة الواقعة كاملة لم تستغرق أكثر من 14 يوما، بدأت بوصول ثلاثة أطفال أشقاء متوفين إلى مستشفى ديرمواس المركزي، ودخول رابعهم إلى العناية المركزة، دون معرفة أية أسباب واضحة للوفاة، الأطفال الثلاثة هم:محمد ناصر محمد، البالغ من العمر 11 عاما، وعمر، صاحب ال7 سنوات، وريم بنت ال10سنوات، وفي نفس اليوم،توفي رابعهم، أحمد، وبعد أيام قليلة، توفيت فرحة ورحمة، ابنتا ال14 و12 سنة، على التوالي. وفي الأخير، لحق بهم والدهم، ناصر محمد علي، لتفتح مقابر العائلة، 7 مرات، في أسبوعين. الأطباء وقتها كانوا في حيرة من أمرهم، حالة فزع مرعبة تمكنت من الجميع، من القاتل الذي يحصد الضحايا ال7 واحدًا تلو الآخر؟، دون أن يعرف هويته، وزادت الحيرة أكثر عندما خلت التقارير الأولية والتشخيص المبدئي من أي سبب للوفاة. الأغرب، أن الطفلتين اللتين توفيتا بعد أشقائهما الأربعة، عندما دخلتا المستشفى، كانت حالتهما شبه مستقرة، لذلك وافق الأطباء على الخروج، لكن قبل أن تمر 24 ساعة، عادتا مرة أخرى وهما يلفظان أنفاسهما الأخيرة. هذه الجزئية، وضحها الدكتور محمد إسماعيل عبدالحفيظ، أستاذ علم السموم بكلية الطب في جامعة المنيا،والمشرف على حالتي فرحة ورحمة، أثناء تواجدهما في مستشفى الصدر بالمنيا، والذي كشف في حديثه ل»أخبار الحوادث»: أن مبيد «كلورفينابير»، الذي يستخدم في الزراعة لمكافحة الآفات، هي المادة القاتلة، وأنها مادة تعمل على تعطيل عملية إنتاج الطاقة داخل خلايا الجسم، مما يؤدي إلى فشل شامل وموت الأنسجة، مما يجعلها قاتلة بجرعات صغيرة جدًا، مؤكدًا: «هذا المبيد ليس له ترياق، مما يجعل العلاج صعبا أو مستحيلا بمجرد ظهور الأعراض، خاصة أن هذا المبيد جديد، وغير متعارف عليه، وكانت هذه الحالات، تمثل تحديا كبيرا، لأن التحاليل المخبرية التقليدية المبدئية، لا تكشف عن هذه المادة بسهولة». اقرأ أيضا: سم قاتل في بيت المزارع.. كيف تحافظ على سلامة أسرتك عند تخزين المبيدات والأسمدة؟