إثر لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس بوتين قيل إن مصر تتجه شرقاً. وأظن أن هذا القول من مخلفات الحرب الباردة التى بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ قيل فى حينها أن كوكب الأرض قد انقسم إلى شرق وغرب، إلى كتلة شيوعية شرقية وكتلة رأسمالية غربية. وكانت ألمانيا تقف فى مقدمة هذه القسمة وذلك عندما انقسمت إلى ألمانياالغربيةوألمانياالشرقية، وتم بناء حائط برلين للتعبير عن هذه القسمة. ومن هنا استقطٌب كوكب الأرض فى قوتين عظميين هما الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدةالأمريكية. وكانت الرؤية السائدة فى حينها هى رؤية ستالين، إذ كان من رأيه أن بلدان أوروبا الشرقيةالمحتلة من القوات السوفيتية من نصيب السوفييت. أما البلدان المحتلة من أمريكا وبريطانيا فهى من نصيبهما. وكانت هذه الرؤية موضع قبول ورضا من القوتين. ومع ذلك فقد واجهت هذه الرؤية إشكالية هى على النحو الآتى: أن القوة العسكرية للاتحاد السوفيتى تفوق القوة العسكرية للولايات المتحدةالأمريكية، فى حين أن أمريكا تملك القنبلة الذرية. ومن هذه الزاوية تكون متفوقة على الاتحاد السوفيتى. إلا أن ستالين تجاهل هذه الاشكالية بسبب اعتقاده أن ثمة عوامل ثابتة من شأنها إضعاف قوة القنبلة الذرية بدعوى أن هذه القوة عابرة، أما العوامل الثابتة فهى تعبر عن قانون ثابت يتحكم فى الظواهر الاجتماعية وهو ما يتفق مع الايديولوجيا الماركسية، أما ما هو عابر فلا وزن له إذا نشبت حرب أخرى، إذ سرعان ما يحتل السوفييت أوروبا الغربية بتأييد من الطبقة العاملة. والرأى عندى أنه مع بزوغ الأصوليات الدينية فى النصف الثانى من القرن العشرين أصبحت لدينا قوى جديدة لم تكن موضع اهتمام فى شأن تأثيرها على قواعد الحرب الباردة. ولا أدل على ذلك من أن جيمى كارتر رئيس أمريكا أصدر قراراً فى يناير 1979 بتدعيم حركة طالبان عسكرياً فى مواجهة الغزو السوفيتى لأفغانستان. وكانت الحركة هى المعبرة عن الأصولية الاسلامية، إلا أنها لم تكن موضع دراسة من حيث الغاية التى تنشدها. وكان الرأى عندى أن هذه الغاية متبلورة فى ضرورة الاستيلاء على كوكب الأرض لإحياء الخلافة الاسلامية. وفى عام 1986 أسهمت فى تنظيم مؤتمر دولى مع الفيلسوف الأمريكى جون سومرفيل فى مدينة سانت لويس بأمريكا لإجراء حوار بين الفلاسفة السوفييت والأمريكان من أجل تخفيض حدة التهديد بحرب نووية أو بما كانت تسمى ب« حرب النجوم«. وفى ذلك المؤتمر كان رأيى أن الأصولية الاسلامية تنشد فى البداية تدمير الاتحاد السوفيتى بدعوى أنه ملحد ثم تنقض بعد ذلك على أمريكا بدعوى أنها دولة استعمارية ومستنزفة لدول العالم الثالث الذى تبلورت فيه حركة «دول عدم الانحياز». ولم يكن رأيى موضع قبول إذ قيل فى حينها إننى متشائم وإن التيار العقلانى أقوى من التيار الأصولى. إلا أن الأحداث بعد ذلك أيدت ما كنت أذهب إليه. ففى عام 1989 انهار حائط برلين وانهارت معه ألمانياالشرقية عندما ذابت فى ألمانياالغربية. وفى عام 1991 انهار الاتحاد السوفيتى وانهارت معه الكتلة الشرقية. إلا أن أمر الانهيار لم يقف عند هذا الحد بل امتد إلى الكتلة الغربية وفى مقدمتها أمريكا بسبب أحداث 11/9 حيث انهار مركز التجارة العالمى بقنبلتين من قنابل الأصولية الاسلامية. ومن يومها والانهيار متواصل ليس فقط فى أمريكا وكندا وأوروبا الغربية بل فى مدن أخرى. وكان الارهاب هو الوسيلة إلى انجاز هذا الانهيار. وقد فطن إلى ذلك كله الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما تسلم السلطة فى يونيو 2014 ودعا إلى تحالف دولى للقضاء على الارهاب من أجل منع حرق كوكب الأرض على حد تعبيره. ومن هنا أصبح معياره فى التعامل مع الدول يستند إلى مدى قبول الدول لرؤيته. ولم يكن فى ذلك محكوماً بدول شرقية أو دول غربية. ومن هنا أيضاً لم يكن لقاؤه مع بوتين على أنه شرقى إنما على أنه محارب ضد الارهاب. ولم يكن لقاؤه مع الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند على أنه غربى إنما على أنه مثل بوتين محارب ضد الارهاب. ولا أدل على ذلك من أن الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يذهب إلى أفغانستان أو إلى باكستان مع أنهما دولتان شرقيتان. إذن القول بالاتجاه شرقاً هو من قبيل الوهم والسؤال اذن: ما سبب هذا الوهم؟ سببه مردود إلى سوء فهم مغزى مصطلح «الكوكبية» الذى بدأ صعوده مع التسعينيات من القرن الماضى، وتوهم المثقفون العرب بوجه عام والمثقفون المصريون بوجه خاص أنها أعلى مراحل الاستعمار الغربى فى أنها كانت أعلى مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية. وفى عام 1968 قامت ثورة الطلاب فى أوروبا وفى أمريكا فتأسس «نادى روما» بتجمع مائة مفكر من ثلاثة وخمسين يمثلون ثقافات وايديولوجيات متباينة ولكن يجمعهم هَم واحد وهو إنقاذ البشرية من الورطة التى أصابتها. وعندئذ قرر النادى فى عام 1990 إعادة النظر فى رسالته فأصدر كتاباً عنوانه الرئيسى «الثورة الكوكبية الأولى» وعنوانه الفرعى «استراتيجية لبقاء العالم» ( 1991) من أجل تأسيس مجتمع كوكبى جديد يقوم على «التعايش معاً» و «قبول التعددية». والأصولية هى العائق. إلا أن نادى روما لم ينشغل فى ذلك الكتاب بظاهرة الارهاب وإن كان لفظ «ارهاب» قد ورد عرضاً فى إطار حديثه عن بزوغ حركات لا عقلانية لأنه لم يكن قد طفا على سطح كوكب الأرض إلا فى أحداث 11/9، إذ أصبح الارهاب بعدها ظاهرة كوكبية. ومن هنا أصبحت اختيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى معيارها معاداة الإرهاب. لمزيد من مقالات مراد وهبة