لاشك أن التوجه شرقاً من الرئيس عبد الفتاح السيسى، هو توجه حميد، كثيرا ما نادينا به، باعتباره ضرورة حتمية بعد ثورتى 25 يناير، 30 يونيو اللتين تمخض عنهما سقوط »التبعية السياسية« لأمريكا والغرب عموماً التى لا تريد الخير والتقدم الحقيقى لمصر، فالغرب هو منبع الاستعمار، ومن أهم أهدافه السيطرة على المنطقة العربية، إما لأنها مركز الكون وطريق للمواصلات والتواصل الغربى مع الشرق خاصة الهند ومابعدها، وإما لأنها مصدر الثروات والمواد الأولية فى مقدمتها البترول والغاز، وبالتالى فان الغرب يتعامل مع المنطقة باعتبارها خطا أحمر يكشف خطورتها على الأمن القومى لبلاده. ومن هنا فان اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور بانشاء اسرائيل على أرض فلسطين، فى الربع الأول من القرن العشرين واقتربت هذه الاتفاقيات على الذكرى المئوية لها، لم تكن مصادفة، بل هى جزء من مؤامرة استعمارية غربية مستمرة يتصدرها طرف أو أطراف غربية فى كل حقبة فى إطار توزيع أدوار، لكى تستمر هذه المنطقة مفككة ولا تدخل فى مشروع تكاملى (وحدة عربية أو غيرها)، حتى تظل خاضعة للاستعمار الغربى، ويدخل هذا المشروع الاستعمارى الغربى فى صدامات بين آن وآخر مع زعامات عربية أو إقليمية تنتهى مؤقتاً بإجهاضات غربية لهذه المشروعات الوطنية التصادمية وتعود الأمور لسيرتها الأولى إما بتقليم الأظافر أو استيعابها، أو قتلها، أو احتلالها أو إدخالها فى حروب إقليمية تنتهى باضعاف هذه الأطراف (نموذج الحرب العراقية الايرانية غير المبررة التى استمرت ثمانية أعوام 1980 1988)، ونموذج احتلال العراق والقضاء على صدام (2003 م)، ونموذج اجهاض التجربة الناصرية بتمكين السادات حتى حرب التحرير فى أكتوبر لعبور قناة السويس، ثم تكريس التبعية أربعين عاماً، ثم العدوان الغربى بقيادة حلف الأطلنطى على ليبيا بعد اندلاع ثورتها، ليتم قتل معمر القذافى وسحله !! وكذلك مايحدث مع بشار الأسد فى سوريا طوال (5) سنوات حيث الارهاب على خلفية الثورة الوهمية، ولولا عودة روسيا لممارسة دورها الدولى ودعم سوريا بعد انخداعها فى ليبيا، لسقطت سوريا وبشار وتفككت الدولة الوطنية. ولذلك لم يكن مصادفة زرع اسرائيل فى قلب المنطقة العربية، لأنها تؤدى وظيفة سياسية استعمارية ومن هنا فان قتل المشروعات الوطنية وإجهاضها هو جزء من المخطط الاستعمارى، واستمرار اسرائيل هادئة مستقرة غير معرضة لحروب أو محاولات لتحرير فلسطين تطيل أمد المشروع الاستعمارى لينعم الغرب بخيرات المنطقة وتعيش شعوبها فى أحسن الأحوال، وفى المقابل تعيش المنطقة وشعوبها فى التخلف والتردى وسوء الأحوال، وتفاقم المشكلات حتى تصل الى الأزمات الهيكلية وتدور هذه الدول فى دوامات التفتت مع استبعاد المشروع التكاملى حتى لا يصل الى المشروع الوحدوى، ويدعم ذلك قيادات عميلة لهذا المشروع ممن يمتلكون الثروات ويقهرون شعوبهم.. إلخ فى هذا السياق، وبعد اندلاع ثورتى 25 يناير، 30 يونيو، فى مصر حيث تم التخلص من نظام مبارك الفاسد والعميل الذى كرس التبعية السياسية لأمريكا والغرب والتى بدأها السادات رسمياً بدءاً من عام 1974، وكذلك تم التخلص من نظام الاخوان الذى كان امتداداً للعمالة السياسية والأفضح تبعية لأمريكا، ليأتى حكم وطني من الدرجة الأولى يسعى الى التأسيس للوطنية المصرية وإحياء الأمة العربية والسعى نحو التكامل الإقليمى تدريجياً، وإنهاء عهد التبعية السياسية لأى طرف دولى، وتجسيد إرادة الاستقلال الوطنى فى ممارسات عملية فى مقدمتها اتمام مشروع قناة السويس بأموال الشعب المصرى الذى قدم (64) ملياراً من مدخراته، وبسواعد مصرية، وبعقول مصرية لكى يقدم الرئيس السيسى نموذجاً لخياراته السياسية القادمة. ومن هنا فان التوجه شرقاً من الرئيس السيسى، هو توجه وخيار سليم يحتاج إلى مناقشات وحوارات أكاديمية وسياسية وحزبية لحماية هذا التوجه. ففى أقل من أسبوع، اتجه الرئيس السيسى إلى روسيا، ثم اندونيسيا وسنغافورة وختم اللقاء بزيارة الصين ومشاركتها العيد السبعين على الحرب العالمية الثانية، وبمشاركة قوات رمزية ضمن العروض العسكرية فى الاحتفالية. والسؤال هنا : كيف يمكن لهذا التوجه شرقا أن ينجح، وماهى ضمانات النجاح ؟ وهل تترك الأمور للمصادفة أم يحتاج الأمر لتخطيط وجهود ضخمة تصل الى تكوين مجلس استشارى للتخطيط للسياسية الخارجية المصرية يدعم الرئيس ووزير خارجيته لتحقيق الفعالية والضمانات ؟ وكيف سيتم التعامل مع المحاولات والمؤامرات الغربية لإجهاض هذا التوجه ؟ وماهى آليات الغرب لتحقيق أغراضه وإعادة مصر الى حظيرة »التبعية السياسية« لأمريكا وهل هناك دول إقليمية تتظاهر بدعم مصر، ولكنها تهدف إلى حصارها وعدم تمكينها من الانطلاق ؟ وكيف يتم التعامل مع ذلك ؟ وعلى الجانب الآخر هل هناك متطلبات داخلية وخارجية على وجه الخصوص لحماية هذا التوجه ؟ وأرى أن تغييرات اقتصادية بتغليب العام على الخاص وزيادة مساحة دور الدولة فى الاقتصاد، وإزاحة وزراء يدعمون اتجاه التبعية، والاقتصاد الحر، والانطلاق نحو مشروعات صناعية ومدن صناعية بدلا من خيارات المدن والعقارات الوهمية، وغير ذلك كثير يمكن الحديث عنه تفصيلاً، كما أن اعادة النظر فى السياسة المصرية تجاه قضايا المنطقة أمر مهم وضرورى وأرى البدء بعودة السفير المصرى لسوريا فوراً، وكل هذا من شأنه دعم هذا الخيار نحو الشرق. وأخيراً فان السياسة الخارجية الناجحة تبدأ من سياسات داخلية. الثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، والحوار متصل لمزيد من مقالات د. جمال زهران