«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا مصرية (5)
نشر في الشعب يوم 02 - 12 - 2006


بقلم: هشام الناصر
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham
* * * * * * * * * *
الأحداث بالعموم لا تأتى عبثا ولا تُخلق من عدم، فإما أن تأتى لاحقة كنتائج لما قبلها أو أن تأتى سابقة كمقدمات لما بعدها. وفى عالم السياسة وخاصة فى حال الأزمات هناك ما يسمى بالأحداث الوسطية أو المرحلية التى تصل ما قبلها بما بعدها، فإن أجاد الهدف (المفعول به) قراءتها فهى تفضح له ما فات وتخبره منذرة أو مبشرة بالقادم الآت. وهناك مقولة قديمة من الأدبيات المصرية القديمة (ما يسمونها بالفرعونية) تقول "إن رائحة الفساد تفضحه". فإن كان فسادا حديثا قادما فستكشفه مقدمات رائحته، وإن كان فسادا مدفونا فستفضحه نتانة رمّته. وفى هذا الإطار تدفقت على المنطقة العربية ومنها مصر مجموعات من الأحداث ذات المغزى والدلالة، منها:
1 - مجموعة التصريحات "الشاذة" لوزير الثقافة المصرى وما صحبها من ردود أفعال من عناصر السلطة الحاكمة ومن القوى الوطنية (وخاصة الإسلامية) ومن ما يسمى بعصبة "المثقفين" المصريين سواء أكانوا علمانيين ليبراليين أو يساريين تقدميين.
2 – القنبلة شديدة الانفجار التى أطلقها الأستاذ "هيكل" منذ حوالى الأسبوع فى حديثه على فضائية "الجزيرة" وكشفه وفضحه مؤامرة "مصرية - أمريكية" جرت لغزو ليبيا فى العام 1985، كتكرار لمؤامرة تاريخية سابقة "مصرية – إسرائيلية" فى العام 1977. والغريب أن تلك الفضيحة قد مرت مرور الكرام (!!) دون احتجاج أو حتى تعليق، وقد يكون هذا لأحد سببين أو لكلاهما، الأول هو أنه قد بات حقيقة يقينية للنخبة الوطنية المصرية مدى عمالة السلطة المصرية الحالية على أمتها العربية وهو أمر لم يعد يحتاج لتعليق أو تعقيب. والثانى هو أن أحد الأهداف الحقيقية من وراء التصريحات الشاذة لوزير الثقافة وهو "إلهاء" النخبة والشارع المصرى قد أتت ثمارها.
3 – تصريحات العاهل الأردنى التى يتنبأ فيها بحدوث ثلاثة حروب أهلية فى المنطقة (العراق – لبنان – فلسطين) وهى تصريحات متسقة مع تصريحات له سابقة عن ما يسمى "بالهلال الشيعى"، محور "إيران – شيعة العراق – العلويين فى سوريا – حزب الله وحركة أمل فى لبنان". وفى السياق أيضا تثار فى "مصر" حركة تعبئة واستنهاض "الهمم" المصرية لمواجهة "تحرك" إيرانى "معادى" يهدف إلى الهيمنة على مقدرات الشرق الأوسط سياسيا ومذهبيا دينيا. ويحتوى هذا المقال على الموضوعات الأربعة الآتية:
أولا: تصريحات شاذة.
ثانيا: ليبيا . . . . نموذج لتحالف "مصرى – إسرائيلي" ، وتحالف "مصرى – أمريكى".
ثالثا: إيران ... هل أصبحت العدو رقم "1" للأمة العربية والإسلامية (!!!!) :
رابعا: كيف تتقى الوطنية المصرية شرور تلك السياسات الكريهة ؟؟
* * * * * * * * * *
أولا: تصريحات شاذة :
تتلخص تصريحات وزير الثقافة المصرى الشاذة فى هجوم صريح ومباشر على "فريضة" حجاب المسلمات ونعته بالإنكفائية والجهل والتخلف وبأنه محاكاة لعادات مستوردة "عربية" (!!) – (وكان مصر من البنغال أو من بلاد الغال). وبأن الحجاب ليس من أركان الإسلام الأربعة (!!) – وكلمة أربعة ليست خطأ بالمقال بل خطأ بتصريحات "زينة الرجال" (!). وتمادى شذوذ التصريح ليصيب رجال الدين القائمين بالدعوة للحجاب وعدم السفور أو بإصدار الفتاوى حولها بنعتهم أنهم "شيوخ بثلاثة مليم". وبالتبعية لم تسلم المصريات العفيفات المحجبات من "الرذاذ" المتناثر بنعتهن بالتخلف والمرض النفسى بل واتهامهن بأنهن السبب فى الكثير من الجرائم والمخالفات (!!).
وتصريحات وزير السلطة المصرية (وخاصة لمن يعرف فسيولوجيته الطبيعية (!) وصفاته الشخصية وتاريخه وأصله وفصله) فى ذاتها لا قيمة لها، بل أن أرائه تأتى متسقة مع سماته (!)، والمغزى الحقيقى يكمن فى توقيت التصريح وأسبابه، فهو لم يأت مصادفة أو فى "عفوية" بل فى سياق ما قبله وكمقدمات ونذائر لأشياء بعده:
1 – الكل فى "مصر" يعلم، وبنص "الدستور" المقصور، أن مجلس الوزراء المصرى برمته ليس إلا "مجموعة سكرتارية" تنفيذية للسيد رئيس الجمهورية، بدأ من السيد رئيس مجلس الوزراء وما يسمون بأصحاب الوزارات السيادية إلى وزراء الصف الثانى قليلة أو عديمة الأهمية (ومن بينها الوزير صاحب التصريحات). هذه الحقيقة جهر بها نائب رئيس وزراء أسبق (يوسف والى) ولم تأتى بجديد فهذا أمر معلوم. ولذا فمن الصعب تصديق أن يأتى "تابع" بأمر ما دون إذن وتوجيه "المتبوع"، وخاصة إن كان لهذا الأمر تأثير عام داخلي وخارجي.
2 – الوزير (صاحب التصريحات) فى ذاته يعتبر نموذجا مثاليا يعكس طبيعة السلطة المصرية الحاكمة الحالية. فقد أتى الوزير لمنصبه فيما يشبه المصادفة (أو فى ريبة وبطريقة غريبة) ممن يسمون بنادى "باريس" (وزارة عاطف صدقى، الذى كان متزوجا من راقصة متمصرة ذات أصول أرمينية) وكان خامس المرشحين لتولى المنصب وقد تم اختياره "بهوى" وليس "بمعجزة" (!). وهو صاحب أطول مدة فى المنصب الوزارى (حوالى 20 عاما)، أى يقارب مدة حكم سيده وربيب نعمته (حوالى 25 عاما). وهو صاحب أكبر تلقىّ لدعم خارجى (مباشر وغير مباشر) فى تاريخ وزارة الثقافة المصرية من جهات خارجية معظمها غربية (أوربية وأمريكية). وهو أيضا صاحب أكبر حالات فساد فى تاريخ الوزارة (الفساد المالى والإدارى فى مشروعات الترميم - وحوادث سرقة القطع الأثرية التى تقدر بمئات الآلاف وتصل فى بعض التقديرات لآحاد الملايين). وهو يستخدم أسلوب سيده الذى يتلخص فى "سيف المعز وذهبه" أو فى "عصا الحمار وجزرته"، والتى عن طريقها نجح نجاحا مبهرا فى "تطفيش" الأسوياء والإصحاح الأصحاء واستقطاب الأرباع والأنصاف الدهماء فى عزبته المسماة وزارته. وأخيرا وليس أخرا فهو "جاهل" بأساسيات دين دولته ويجهر بجهله، ويتصرف فى وزارته ولا شأن له بما نص عليه "دستور" البلاد وعقيدة العباد، فهو فى وادِّ وهم فى وادِّ (!).
3 – من أهداف التصريحات الشاذة (طبقا للتحليلات) هو "إلهاء" الشعب ونخبته عن أمور وعمل مستور – وهذا يبدو طبيعيا وأمرا منطقيا لكن ما هى تلك الأمور ؟؟؟. منها التعتيم على أحداث القمع الأمنى المفرط (الذى وصل إلى درجة الذبح) لانتفاضة العمال فى انتخاباتهم النقابية وشباب الجامعات المصرية احتجاجا على تزوير إرادتهم فى الانتخابات الطلابية. ومنها التعتيم على زلات رئيس الجمهورية فى خطابه الذى يعد تنصلا من وعوده الانتخابية الرئاسية. ومنها التمويه على أحداث تمت خلسة لهدم ركائز الاقتصاد المصرى واختراق أمنه القومى وهو موضوع الصيدليات المصرية التى تعرضت لهجمات مريبة من جهات أمنية لا علاقة لها بالمجال (منها مباحث الآداب) بهدف الإرهاب والترهيب وكسر الإرادة تمهيدا لتسليمهم بقرار خصخصة "المنظومة الصيدلية المصرية" واحتكارها لصالح جهات أجنبية مشبوهة. ولم يكن غريبا أيضا أن يرصد المراقبون "موجة" من غلاء الأسعار تمت وسط "هوجة" الرد أو الدفاع عن تصريحات سيادة الوزير الذى أسماه أحد المحامين "بزينة الرجال" !!!!!، وهو هنا يقصد "رجال السلطة" وليس "رجال مصر" – فالفارق كبير جدا جدا فى الحالتين (!!).
4 - من أهداف تلك التصريحات الشاذة أيضا (وطبقا للتحليلات) هو تقديم أوراق اعتماد السلطة المصرية للسيد الأمريكى والتأكيد على توافق "عقائدهم" مع عقائد أصحاب أطروحة "صدام الحضارات أو الثقافات". ومن الأهداف الهامة أيضا (فى رأيى) هو إعادة "غربلة" (granularity) المجتمع المصرى (!!) – بمعنى تفعيل تقسيم الشارع والنخبة إلى إسلاميين ومحايدين وعلمانيين لا دينيين (بمختلف أطيافهم من اليسار الملحد إلى اليمين الليبرالى العلماني). ولعل هذا يأتى فى سياق التعداد السكاني الذى يجرى حاليا (!!!) بهدف تحديد أنسب الوسائل للوصول إلى الغايات المنشودة (!!)، (غايات السلطة طبعا).
5 – أما عصبة ما يسمون أنفسهم "مثقفين" وينحازون ضد الخلق والدين فهم لا يستحقون عناء الرد عليهم أو مقارعتهم لأنهم ببساطة مدعون تافهون لا وزن لهم ولا قيمة. فالمثقف الحقيقى هو من يتوافر فيه شروط أربعة هم: القاعدة المعرفية والآلية الإدراكية وهموم بقضية ورؤيا للحل. فمن من أولئك المنحرفين ينطبق عليه سمات المثقفين ؟؟؟؟.
* * * * * * * * * *
ثانيا: ليبيا . . . . نموذج لتحالف "مصرى – إسرائيلي" ، وتحالف "مصرى – أمريكى":
قد يعتبرها البعض مفاجأة كبيرة عندما أستمع لدوى القنبلة التى فجرها الأستاذ "هيكل" حينما ذكر ملخصا موجزا لمؤامرة السلطة المصرية الحالية مع جهاز المخابرات الأمريكية فى مشروع "غزو ليبيا" فى العام 1985 – وهو الأمر الذى ظهر فى تقرير الكونجرس الأمريكى أثناء جلسة "تثبيت" ترشيح الرئيس الأمريكى لوزير الدفاع الجديد "روبرت جيتس"، الذى سبق له العمل بجهاز "السى أي ايه" فى وحدة "العمليات" (Operational) وجاء ذكر سابقة أعمالة ومنها إشرافه على التخطيط لعمليه غزو "ليبيا" بمساعدة القوات البرية المصرية.
والمفاجأة ليست فى "عمالة" السلطة الحالية للإدارات الأمريكية المختلفة وانصياعها التام فهذا أمر مفروغ منه تماما بعدما تم تسليم "الإرادة" المصرية بالإعلان عن أن 99% من أوراق لعبة الصراع فى يد أمريكا وبعدما تم اختراق المنظومة المصرية تماما عن طريق المؤسسات الأمريكية المختلفة (وهو الأمر الذى يظهر بعضه فى وجود مكتب كبير لجهاز "الأف. بى. أى" فى مصر رغم أنه جهاز أمريكى داخلى يماثل "مباحث أمن الدولة المصرية" – وهذا معناه أن الشأن الداخلى المصرى قد بات شأنا أمريكيا داخليا أيضا). وقد تكون المفاجأة فى طبيعة الدور المصرى الذى أنتقل من العمالة بالصمت أو بالوساطة إلى العمالة الإيجابية بالمشاركة الفعلية.
حقيقة الأمر أنه لا مفاجأة فى هذا الخبر (!!)، فهو يأتى فى سياق ما قبله وفى أتساق مع ما بعده. فقد سبق للسلطة المصرية أبان حكم الرئيس الأسبق "السادات" أن قامت بعلية غزو فعلى للجار العربى الليبى فى العام 1977 بناء على مخطط ودراسة ودعم إسرائيلى، رغم أن ليبيا كانت من الدول العربية التى دعمت مصر ماليا وساهمت بقوات جوية متميزة فى معارك حرب أكتوبر 1973 بجانب القوات المصرية (عدد 2 سرب طائرات "ميراج" ولواء مدرع) وكان ترتيبها الثالث بعد "العراق والجزائر" من حيث حجم وكم المساعدات العسكرية المشاركة. (سبق تناول هذا الموضوع بالتفصيل والتوثيق فى مقال "قراءة فى التاريخ والأحداث الجارية" ضمن موضوع فرعى بعنوان " السادات مرة أخرى – مهزلة حرب ليبيا" – جريدة الشعب – أكتوبر 2005)
كما سبق للسلطة المصرية الحالية (عصر مبارك) أن قامت بدعم مادى فعلى بالقوات والسلاح ودعم مخابراتي فى حربى العام (1991) والعام (2003) للقوات الأمريكية المعتدية ضد "العراق" الشقيق رغم أن العراق كان الدولة العربية الأولى المشاركة بالدعم فى حرب العام 1973 من حيث القوات والعتاد (سرب "هوكر هنتر" فى مصر وهو كل ما أستطاع تجميعه، وفرقتين أحدهما مدرعة والأخرى مشاة ميكانيكى فى سوريا). (سبق تناول هذا الموضوع بتفصيل فى مقالات سابقة عديدة منها مقال " هل مصر دويلة ومحمية إسرائيلية" – جريدة الشعب فى مارس 2006، ومقال "إرهاصات الجمهورية الرابعة في مصر - القوي المؤثرة في مصر" – جريدة الشعب فى يونيو 2006)
وفى هذا السياق نذكر مقولة للفريق "سعد الدين الشاذلى" القائد العملياتى لحرب أكتوبر 1973 بخصوص القوات العراقية جاء فيها: ويجدر لي بهذه المناسبة (يقصد إصدار كتابه عن حرب أكتوبر) أن أشيد بالسرب العراقي وبالطيارين العراقيين، فقد كان أداؤهم في ميدان المعركة رائعا مما جعلهم يحوزون ثقة وحداتنا البرية، ففي أكثر من مناسبة كانت تشكيلاتنا البرية عندما تطلب معاونة جوية ترفق طلبها بالقول " نريد السرب العراقي"، أو "نريد سرب الهوكر هنتر" إن هذا في حد ذاته يعتبر خير شهادة لكفاءة السرب العراقي وحسن أدائه خلال حرب أكتوبر.
ونقول للفريق الشاذلى: لقد وصلت رسالتك وقامت السلطة المصرية برد "الجميل" لأشقائها العرب، فى ليبيا وفى العراق وفى السودان وفى فلسطين وفى سوريا وفى لبنان (!!).
وخلاصة الأمر نجده مقاربا لمقولة للأستاذ "هيكل" فى أحد كتبه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" : إن "السادات" بعدما أستنزف كافة التنازلات لأمريكا وإسرائيل من "مصر" ألتفت إلى الضغط على الدول العربية لتقديم تنازلات مماثلة. فمن الواضح إن السلطتين المصريتين (السادات ومبارك - رغم الحرج من نعتهما بالمصريتين) لم تكتفيا بهدم كيان "منظومة الدولة المصرية" داخليا فالتفتت إلى هدم جدارها الخارجى الواقى وجوارها المحيط الحامى لصالح عدوها الإستراتيجى (أو الذى كان عدوها) – وهو أمرا لم يكن يجرؤ على القيام به أى سلطة حاكمة أخرى حتى ولو كانت فريق مُشكل من ""بن جوريون" و"ومناحم بيجن" و" شارون" – هذا لو شاءت الأقدار وتولوا حكم دولة "مصر" – أو التى كانت "دولة" وإن ظل أسمها "مصر" (!!).
تلك الحقائق التى لا تقبل الجدلية (طبقا للوثائق والأحداث المعاصرة) تثير تساؤلات كثيرة عن حقيقة أخرى ألا وهى الغياب التام للمؤسسات السيادية المفترض فيها أن تكون "كابحة" لجموح وجنوح السلطة، وأن تكون حامية وحافظة لأمن مصر القومى. فعقيدة الدولة المصرية يتم تشويهها تمهيدا لإزاحتها وتغيرها، وهوية مصر العربية تتعرض لهجمات شرسة لتغيرها إلى الأوربّة والبحر متوسطية استنادا على أصلها الفرعونى (وقد سبق لنا تناول هذه الإشكالية والإسهاب فى نقد ما يسمى بالوهم الفرعونى الذى مات إكلينيكيا فى العام 950 ق. م ، ومات بيولوجيا نهائيا فى العام 334 ق.م ، أى منذ أكثر من ثلاثة وعشرين قرنا).ويتم تدمير موارد البلاد وأصولها بطريقة منهجية نظامية إما بالنهب أو بسوء الإدارة أو بالبيع البخس لجهات مشبوهة وهو الأمر الذى يسبب إهدارا واضحا فاضحا لما يسمى بالمكاسب الاشتراكية المفترض فى تلك المؤسسات حمايتها طبقا لنص الدستور المصرى الذين أقسموا على احترامه وتطبيقه. والمواطن المصرى عامة والشباب خاصة يتم تعذيبهم قتلهم بطريقة بطيئة سادية عن طريق الإذلال النفسى والمادى بواسطة جهاز الأمن "السافاكى" وعن طريق التجويع وإهمال التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية ونشر ثقافة الإباحية والشذوذ والعنف (وفى هذا يطول الحديث)، وجوار مصر القومى الذى يمثل دوائر أمنها القومى والإستراتيجي يتم هدمه واختراقه لصالح العدو الصهيوأمريكى.
الإطار الأخلاقي المنهجى الذي يحدد مهام تلك المؤسسات السيادية وأعمالها يتلخص فى مقولة ذات كلمات ثلاثة هم "الله – الوطن – الأمر"، وهو الشعار الذى يتفوهون به صباحا ومساء. وكلمة "الله" تعنى عقيدته وشرعيته وهى الإسلام فى الحالة المصرية (باعتبار أن المسلمين يمثلون حوالى 94% من الشعب المصرى، وباعتبار أن الإسلام هو الحامى الأول للديانات الأخرى) . وكلمة "الوطن" تعنى أمن وسلامة المواطن المصرى وصيانة موارد البلاد الأساسية وحماية حدودها الإقليمية وحرية إراداتها وسيادتها فى الحاضر والمستقبل. أما "الأمر" فهو ما يأتى من تعليمات من جهات الإدارة العليا فى منظومة الإدارة المصرية طبقا للدستور والقانون.
تسلسل الكلمات لم يأت عبثا، فالله أولا يليه الوطن وفى النهاية يأتى الأمر. والمستوى الأعلى يَجُب ما دونه، فلا أمر ولا وطن إن جاء مخالفا لله (عز وجل)، ولا طاعة لأمر يأتى منتهكا لأمن الوطن او لشرع الله ومخالفا لعقيدته. تلك بديهيات يعرفها الصغير قبل الكبير، ولكن يبدوا أن الاختراق قد تم لرؤوس المؤسسات السيادية ورموزها كما تم اختراق رأس رؤوس السلطة المصرية . تلك حقيقة تظهرها الشواهد والممارسات على ارض الواقع الملموس – ولكن الحقيقة الأكثر يقينيا هى أن ما يحدث حاليا هو حتميا وقطعيا "سيكون إلى حين" !!.
* * * * * * * * * *
ثالثا: إيران ... هل أصبحت العدو رقم "1" للأمة العربية والإسلامية (!!!!) :
من الأمور الغريبة تلك الأيام إنه وعندما يتم ذكر "إيران – مصر" فى القالب السياسى يتحول الأمر تلقائيا وبطريقة ممجوجة إلى الحديث عن "الشيعة – السنة" فى القالب المذهبى الدينى وهو الأمر الذى لم يحدث حتى فى عصر جمهورية "السادات" الذى كان يعتبر أعدى أعداء الثورة الإيرانية الإسلامية.
ومن الغرابة أن يثار هذا الأمر فى "مصر" المعروف عنها شدة انتماء أغلبيتها إلى مذهبها "السنى" وبطريقة فريدة تمتاز بها عن غيرها تتمثل أيضا فى شدة حبها إلى آل البيت النبوى. ومن الغرابة أيضا أن "مصر" الفريدة فى تعايشها مع الأديان الأخرى من اليهودية (قبل 1956) إلى المسيحية بطوائفها المختلفة حتى الآن يثار فيها مثل هذا الحديث المذهبى ومع فريق إسلامى أخر وليس مع فريق عقائدى مختلف. لن يتم الانسياق فى هذا المقال وراء أكذوبة الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة فى المنطقة، وحتى فى العراق (!)، فهناك أراء نراها أقرب إلى الصواب فى تفسير ما يحدث بكونه صراعات سياسية ومصالح فئوية وشخصية ترتدى المسوح الدينى من الطرفين. أما عن طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة (من التقاء ومن خلاف ومما هو مفروض مرعاته) فنكتفى بما صدر عن شيخ الإسلام "القرضاوى". الحديث عن "مصر – إيران" فى القالب السياسى يمكن تقسيمه إلى عدة فترات تاريخية شهدت تنوعا كبيرا فى الستة عقود الماضية.
1 – شهدت فترة العهد الملكى المصرى ما يمكن تسميته بتحالف العروش، فقد كانت مصر من الملكيات العريقة التى حاولت الإمبراطورية الإيرانية الوليدة التقرب منها بمصاهرتها (زواج "محمد رضا بهلوى" بشقيقة الملك "فاروق") وكأنها كانت تريد إضفاء الشرعية على أصلها الجديد والتخلص من الأصل الحقيقى لمؤسسها الأول "رضا بهلوى" باعتباره قد بدأ حياته عاملا كخادم فى إسطبل ثم تطوع كجندي وترقى لصف ضابط ثم انتهز فرصه الفوضى فى العاصمة إيران للتقرب من الإمبراطور "آل كاجار" حتى تمت إزاحته. وقد تميز هذا العهد بما يسمى مثلثات القوى فى المنطقة، فالمثلث الأكبر كان يشمل "مصر – إيران – تركيا"، والمثلث العربى الأسيوي الأصغر كان يشمل "السعودية – العراق – سوريا"، والمثلث العربى الإفريقى الأصغر كان يشمل "المغرب – تونس - الجزائر".
2 – كان طبيعيا أن يشمل العلاقة بين مصر وإيران الفتور والعداء بعد ثورة 1952 للاختلاف العقائدي السياسى بين النظامين وهو الأمر الذى ترجمته إيران إلى الانحياز التام للمعسكر الأمريكى الإسرائيلى والمشاركة المخابرتية والمادية الفعلية فى أعمال العداء ضد مصالح النظام الناصرى. وقد تميز هذا العهد بظهور "إسرائيل" كقوة رابعة تتنافس على زعامة المنطقة بعدما تحول "المشرق العربى" إلى "الشرق الوسط".
3 – عادت العلاقات المصرية الإيرانية وازدهرت بعد وفاة "ناصر" (عام 1970) وتولى الرئيس الأسبق "السادات" السلطة فى مصر، وفى تلك الفترة تداخلت المصالح بين البلدين وامتزج فيها العام مع الخاص حسبما أظهرته الكتب العديدة التى قامت بتأريخ فترة السادات. اشتركت مصر (السادات) مع إيران (الشاه) فى العديد من الأعمال المخابرتية لخدمة المشروع الأمريكى الذى كان يهدف إلى تحجيم الدور السوفيتي فى أفريقيا، وشكل البلدان دعائم ما يسمى "بنادى السفارى" الذى شمل أيضا بعض الملكيات العربية ومشاركة للمخابرات الفرنسية وتحت إشراف المخابرات الأمريكية لأداء مهام يمكن وصفها "باللغوصة" (العبثية) فى إفريقيا أحدثت ارتباكا وانهيارا فى العديد من النظم منها "الصومال" كمثال. وقد تميزت تلك الفترة بظهور "العراق" كقوة إقليمية منافسة لنادي الأربعة الكبار فى المنطقة، كما تميزت بتنامي نفوذ "العربية السعودية" بعد نجاحها فى اللعب بورقة البترول أثناء حرب رمضان (أكتوبر 1973).
4 – تحولت العلاقات "المصرية – الإيرانية" إلى النقيض تماما بعد قيام الثورة الإيرانية الإسلامية (العام 1979) وتطوع الرئيس المؤمن "السادات" بحمل لواء العداء لتلك الثورة التى أسقطت النظام الشاهنشاهى الموالى لأمريكا وإسرائيل. وقد شهدت تلك الفترة أغرب مؤامرة فى تاريخ "المشرق العربى" والتى يمكن تصنيفها بأنها "نقطة الانقلاب الثالثة فى سلسلة النكبة العربية" (الأولى هى احتواء وتسييس الثورة العربية، والثانية هى زيارة السادات للقدس والسير فى معاهدة الصلح المنفرد)، فقد حدث تفاهم (!) "أمريكى – عراقى" على المستوى المخابراتى ("فاضل البراق" من العراق – "روبرت جيتس" من أمريكا) يتم بموجبه إجهاض الثورة الإسلامية الإيرانية بقيام العراق بشن الحرب عليها بدعوى عدم الرضا عن اتفاقية "الجزائر" الخاصة بالحدود أبان حكم الشاه، على أن تتولى الحكومات العربية ومنها مصر القيام بالدعم المادى المباشر والغير مباشر مقابل قيام أمريكا بغض الطرف عن مطامع العراق فى الكويت. وكان من الغريب أيضا أن تتأجج هذه الحرب بدعم أمريكى للطرفين (العراقى والإيراني)، فقد سمحت أمريكا لحلفائها الرئيسيين فى المنطقة (مصر وإسرائيل) بتقديم السلاح والذخيرة للطرفين. قامت مصر بتوريد مخزون أسلحتها الشرقية إلى العراق وقامت إسرائيل عن طريق طرف ثالث بتوريد أسلحة وذخائر وقطع غيار إلى الثورة الإسلامية الإيرانية (!!). وقد ظهر لاحقا فضيحة الإدارة الأمريكية فى توريد أسلحة إلى إيران تم التصديق عليها من الكونجرس الأمريكى تحت دعوى دعم حركة الثوار فى "نيكاراجوا" (فضيحة ثوار الكونترا) فى صفقة الإفراج عن الرهائن الأمريكيين فى إيران. الموضوع يطول فى تلك الفترة التى شهدت أيضا مشاركة مصرية "هزلية" تورطت فيها مؤسسة "الأزهر" الحكومية الدينية فيما يسمى بأزمة "آيات شيطانية" وهذا خارج موضوع المقال.
5 – زاد العداء بين مصر (السادات) وإيران الإسلامية وأنتقل إلى العلن بعد قيام "السادات" باستضافة شاه إيران المخلوع فى مصر بعد أن رفضته كل دول العالم – وهو الأمر الذى أثار وقتها غضب الجماعات الإسلامية المصرية التى لم تكن تعرف وقتها "سنة وشيعة" – بل كانت تعرف "إسلاميين ومعادين للإسلام". ومن أكاذيب "السادات" (وهى قصة جديرة بالذكر) أنه قد برر استضافته للشاه بأنه رد الجميل حيث أدعى أن الشاه قد سبق له القيام بإعطاء الأوامر لسفينة شحن "قمح" إيرانية بالتوجه إلى مصر لإنقاذها من أزمة طاحنة كانت تمر بها. والقصة بمجملها صحيحة – لكن مع اختلاف طفيف فى شخصيات الرواية. فالبطل الحقيقى كان "الإتحاد السوفيتى" ولم يكن للشاه علاقة بالأمر من قريب أو من بعيد (!!!).
6 – قامت إيران بتمجيد أسم "خالد الإسلامبولى" (قائد عملية قتل السادات فيما سمى بحادث المنصة – أكتوبر 1981) وأطلقته على أحد أكبر شوارعها فردت مصر (مبارك) بقطع العلاقات الدبلوماسية. وقد أستمر التوتر بين البلدين واستمرت مصر فى دعم العراق بالسلاح الشرقى (الروسى) وتشجيع العمالة المصرية (ومعظمها مهنى) بالسفر إلى العراق لسد النقص الناتج عن ذهاب الرحال العراقيين إلى جبهة القتال (وصل عدد المصريين إلى 2.2 مليون). كما ذكرت تحليلات عسكرية قيام أخصائيين قتاليين مصريين بمساعدة القوات العراقية فى معركة "الفاو" التى أستخدم فيها السلاح الكيماوى بضراوة. (تلك الخطة كانت معدة لتصفية ثغرة الدفرسوار فى حرب أكتوبر 1973 ورفضها "السادات" بعد التهديد الأمريكى عن طريق "هنرى كيسنجر").
7 – انتهت الحرب بعد ثمان سنوات من القتال المرير أجهضت وأجهدت الطرفين (العراقى – الإيرانى)، واستمرت إيران فى معاداة أمريكا وإسرائيل وأجادت استثمار كافة متغيرات المنطقة لصالحها. أما العراق فأرادت استثمار فائض القوة بالقيام بغزو الكويت (العام 1990) استنادا على وعود أمريكية بغض الطرف ولن ينطق بحرف.
8 – انتقلت مصر (مبارك) من المعسكر الداعم للعراق ضد إيران إلى معسكر الحلف العالمى الذى قامت أمريكا بتشكيله لطرد العراق من الكويت. ولم يقتصر الدور المصرى على المشاركة بفرقتين عسكريتين (فرقة مدرعات وفرقة مشاة ميكانيكى كانتا تمثلان 40% من حجم القوات المصرية التى عبرت القناة فى حرب 1973) بل سبقه دور أخر (تحدث عنه العاهل الأردنى الملك "حسين") يتلخص فى قيام "مبارك" بالمشاركة فى عملية إجهاض محاولة العراق للانسحاب من الكويت. كما شاركت مصر بمعلومات مخابراتية (ثبت زيفها وكذبها) فى التمهيد لحرب احتلال العراق (العام 2003) عن طريق "جمال مبارك" الذى سافر شخصيا إلى واشنطن للإدلاء بالمعلومات إلى الإدارة الأمريكية، والتى أكدها الرئيس "مبارك" بنفسه لاحقا للجنرال الأمريكى "تومى فرانكس" (كتاب "جندي أمريكى" – مذكرات "تومى فرانكس"). الجدير بالذكر أن الكل كان يعلم بزيف تلك المعلومات وكذبها وتدليسها ولم يكن مطلوبا من الأصدقاء والعملاء سوى ترديدها لإضفاء إطار أخلاقى وهمى كمبرر للحرب.
9 – بالرغم من عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلا أنها استمرت فى فتور نظرا لموقع الطرفين المتضادين فى دائرة الحلف الأمريكى. ظهرت وتعاظمت لعبة "المذهبية" بين "السنة والشيعة" بعد سقوط "بغداد" وانهيار أركان الدولة العراقية بتعمد أبان حكم المندوب السامى الأمريكى "بريمر" الذى قام بحل الجيش والشرطة وأصدر دستورا يرسخ الطائفية، وقد شاركت "مصر" (مبارك) فى احد فصولها بتصريحاته منذ أشهر قليلة بالطعن الصريح فى ولاء شيعة العراق لأوطانهم. كما شاركت "مصر" (مع عرب آخرين) بالوقوف ضد "لبنان – حزب الله" ونعته بالمغامر فى حرب الثلاثة وثلاثين يوما الأخيرة مع إسرائيل وهو الأمر الذى عضد من موقف "إسرائيل" وأسبغ الشرعية على جرائمها الوحشية ضد المدنيين فى لبنان.
10 – الموقف الآن هو انحسار مثلث القوى الفاعلة فى المنطقة وقصره على ثلاث فقط هم "إيران وتركيا وإسرائيل" بعد خروج كل من "مصر" و"العراق" من حسابات القوى فى المنطقة، وقد حاولت "مصر" الإبقاء على وجودها الإقليمى بالانضمام إلى احد المثلثات الصغرى (الترويكا العربية). الحقيقة الظاهرة الآن أنه لا يوجد تنافس حقيقى بين "إيران" (وهى دولة قوية عسكريا واقتصاديا وسياسيا طبقا للشواهد على أرض الواقع)، وهى أيضا دولة ديمقراطية مؤسسية (شهادة الفقيه الدستورى المصرى "يحي الجمل") وبين "مصر" التى أجادت سلطتها الحاكمة إخراجها من حسابات المنطقة تمهيدا لإخراجها من التاريخ برمته.
الخلاصة .. إن هناك الكثير من الحديث يمكن أن يقال فى هذا الموضوع بالرغم من آلامه ومرارته، فليس أقصى من أن نرى "عزيز" قوم "ذل" بعدما "ضل". مصر الجامدة الخامدة الآن لا علاقة لها بالتاريخ ولا بالجغرافيا (طبقا لتصريحات الرئيس "مبارك" عن نفسه)، ولا علاقة لها بتنافس وصداع ووجع رأس فيكفيها عبثها وفسادها من لهو ورقص، و"مصر" الآن تقوم على مضض بالمشاركة فى أعمال "المشاكسة" بناء على تعليمات أمريكية للحفاظ على السلطة الرئاسية، وعموما فتلك المشاغبات ليس لها تأثيرات ذات قيمة على مجريات الأمور فقد لفظتها حسابات القوى فى المنطقة لأنها كانت البادئة بإهانة نفسها والاستغناء عن دورها (!!!).
* * * * * * * * * *
رابعا: كيف تتقى الوطنية المصرية شرور تلك السياسات الكريهة ؟؟
لا حل أمام القوى الوطنية المصرى لإنقاذ ما تبقى من "مصر" المنكوبة (المحروسة سابقا) سوى السعي إلى إسقاط السلطة الحاكمة الحالية، فلا أمل فى إصلاح أو فلاح منها او ممن تفرزه من نفسها او تتقيأه من جسدها ، ففى الصلاح السياسى الحقيقى الموت الأكيد لها ولكافة سدنتها وبهاليلها وأتباعها. الأمر ليس سهلا ولكنه أيضا ليس مستحيلا.
السلطة تتمتع بمنظومة أمنية قوية أفرطت فى الإنفاق عليها على حساب شعبها سواء فى الأجهزة والمعدات (700 ألف من قوات الأمن المركزى وحوالى النصف مليون من أجهزة شرطية أخرى وأمن الدولة) أو فى العطايا على الرؤوس والرموز (ميزانية البحث العلمى فى جامعة القاهرة تساوى 400 ألف جنية مصرى سنويا وهو يساوى اقل من نصف راتب السيد وزير الداخلية الشهرى). هذا بالإضافة إلى الإحتياطى الإستراتيجى للسلطة المتمثل فى مؤسسة العسكر (حوالى 300 ألف)، تلك المؤسسة التى تم تقسيمها وتحزيمها واستقطاب رموزها واحتوائها تماما. وهناك أيضا ميليشيات حزب الحاكم المسمى بالحزب الوطنى. وهناك قطعان المجرمين والمسجلين خطرا والمسجلات آداب الذين يمكن جمع عشرات الألوف منهم عن طريق ضباط المباحث أو عن طريق مقاولى "مجرمين" متخصصين (فضحتهم أحدى الصحف بعد عمليات الهجوم الدامي على طلاب الجامعات المصرية أثناء الانتخابات الطلابية الأخيرة). وهناك "الحليف" الإسرائيلى الجاهز دائما لتقديم الدعم ضد الوطنيين المصريين عامة وضد الإسلاميين خاصة (أتصل "شارون" بالرئيس الأمريكى "بوش" طالبا منه رفع الضغط عن السلطة المصرية بعد ظهور النجاحات الساحقة للإسلاميين فى بواكير الانتخابات البرلمانية الأخيرة فكان ما كان من مجازر شهدتها المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات). وهناك الأهم وهو "الحليف" الأمريكى القوى الذى يعتبر "القبضاى" الأكبر فى العالم الآن ... فأين تذهبون ؟؟؟؟.
الصدام مع السلطة حاليا هو أمر فيه القضاء على القوى الوطنية "الوليدة" لأنه ببساطة يعطى الشرعية للسلطة الحالية فى استخدام فائض قوة أمنها الداخلى، وستجد المبرر الأخلاقى لها مصريا وعربيا وعالميا فى أن تفعل ما تشاء وكيفما تشاء. الحل يمكن أن يكون فى الهجرة الجماعية خارج البلاد (!!) ولكن هذا أيضا غير مضمون وغير مأمون فى ظل حمى المطاردة والمضايقة للإسلاميين فى الخارج وحتى فى بعض الدول العربية. والحل قد يكون فى العودة إلى ما يسمى "بلحاف صفية" (صيغة تهكمية منسوبة للزعيم المصرى "سعد زغلول" وهى تعبر عن الإحباط واليأس تمثلت فى مقولته لزوجنه "غطينى يا صفية وصوتى علىّ")، ولكن هذا أيضا ليس حلا مرضيا وخاصة لأصحاب العزة والكرامة أو ما تبقى منهما. يضاف إلى هذا أن أهل الفساد وعمال الاستبداد لن يتركوا ضحاياهم فى حالهم لأن الرعية وما ملكت هى حِلّ لهم (!!). لذا فلم يتبقى إلا البحث عن وسائل أخرى أقل دموية حتى يقضى الله أمرا مقضيا. ومن تلك الوسائل :
1 – الاستمرار فى استخدام أسلوب فضح فساد واستبداد السلطة الحاكمة ورموزها وسدنتها ودعائمها داخليا وخارجيا، بالوثائق الرسمية وبالصور التى هى خير من آلاف الكلمات (حسب الحكمة الصينية)، والعمل على تفعيلها على صفحات المدونات والمواقع الإلكترونية وتسويقها عالميا وإقليميا.
2 – تعرية الدعائم الأساسية للنظام من مؤسسات وأفراد. فالمؤسسات يتم فضح رؤوسها أمام منسوبيها عن طريق بيان وإظهار مخالفتهم وانتهاكهم للعقيدة أولا وللدستور المصرى ثانيا وللأصول الأخلاقية المتعارف عليها ثالثا، مع تقديم التدليل العلمى والمنطقى فى حقيقة تهديد السلطة الحالية للأمن القومى المصرى ولأمن وسلامة الأجيال القادمة. والقيام بتوعية منسوبى مؤسسات الدولة صاحبة القوة بالمهام الحقيقية لهم لصالح أوطانهم. أما بالنسبة للأفراد فيتم فضح ممارساتهم أمام مرؤوسيهم وذويهم وأهلهم وفضحهم فى مجتمعاتهم.
3 – استخدام التوعية المستمرة للجماهير ولرجل الشارع البسيط والعمل على عدم تشويش أفكارهم وتشتيت انتباههم بالخوض فى أمور جانبية وقضايا وهمية ومشاكل فرعية. والعمل على استمرارية صحوة النخبة وخاصة فى التجمعات الفئوية والابتعاد عن القضايا الفرعية التى قد تكون مثارا للخلاف.
4 – عولمة الصراع (!) بتفعيل الاتصال مع مؤسسات المجتمع المدنى العالمى والمؤسسات القانونية الدولية والمؤسسات الأخلاقية (لجان حقوق الإنسان)، وإتباع أسلوب "مصطفى كامل" و"محمد فريد" فى فضح ممارسات سلطة الاستعمار الداخلى وحلفائه العالميين أمام المجتمع الدولى، وعدم الانقياد لما يسمى "فزاعة الاتصال بالجهات الأجنبية" التى يستخدمها عملاء السلطة وفئة المنتفعين لإرهاب وترهيب المواطنين وتخويفهم – تماما كاستخدامهم لفزاعة "الإسلاميين" لتخويف العالم الغربى بتطبيق الديمقراطية فى مصر – أى اللعب على الحبلين.
5 – تكثيف الضغط القانونى (القضائي) ضد رموز الفساد فى مصر عن طريق رفع الدعاوى القضائية ( من جنح وجنايات) طبقا لنصوص القانون المعمول به فى "مصر" مهما كثرت ومهما تعددت، والإعلان المستمر عن تلك القضايا أمام الرأى العام المصرى والدولى، والعمل على متابعة القضايا وتوثيق نتائجها ورفعها إلى المحاكم الدولية والإقليمية فى حال قيام السلطة باحتواء بعض الدوائر القضائية (بخصوص إصدار الأحكام) أو رفض السلطة التنفيذية تنفيذ الأحكام.
6 – استخدام سلاح "المظاهرات" بحساب وبحكمة وفى وجود تكثيف إعلامى عربى ودولى للضغط على النظام الحاكم وإرسال رسائل مستمرة ضاغطة إلى المجتمع الدولى لتفعيل دور المناهضين للهيمنة الاستعمارية بالمنطقة والدعاة الأخلاقيين لحقوق الإنسان.
7 – مخاطبة المصريين المهاجرين بالخارج بمنع تحويل النقد الأجنبى إلى مصر، فالمستفيد الأول هو رموز السلطة والفئة النفعية، وأن يتم الاكتفاء بتحويل نقد مصرى من الخارج لإعالة ذوييهم (حتى ولو كان هناك خسائر قليلة كفوارق فى سعر التحويل).
8 – تقديم الدعم المعنوي والمادى لضحايا السلطة وجهازها الأمنى الوحشى.
9 – أتباع أسلوب المقاومة السلبية ضد أجهزة السلطة التى يمكن أن تكون على غرار إلقاء أكياس القمامة فى الشوارع الرئيسية وخاصة فى المناطق السياحية ومناطق تواجد النخبة الحاكمة (وقد حدث هذا فعلا فى شوارع "الجيزة" احتجاجا على تحصيل رسوم النظافة إجباريا بإضافتها على فاتورة الكهرباء ودون خدمة نظافة فعلية).
10 – مقاطعة كل ما يرتبط بالسلطة الحاكمة ورموزها من بضائع وخدمات ومنتجات والتى لا تؤثر على الضروريات المعيشية للمواطن أو التى يكون لها بديل، مثل الجرائد والمجلات التى تمثل أبواق السلطة، ومثل منتجات مصانع وشركات رموز الفئة الأولجاركية (على غرار مقاطعة منتجات بضائع الشركات الدنمركية أبان أزمة الصور المسيئة للرسول الكريم).
والخلاصة ... إن "مصر" الآن مثل "مصر" أبان الاحتلال الإنجليزى فى الثلاثينات والأربعينات. لا فارق تقريبا بل هناك تطابق تام إن لم يكن أسوء حالا. الفقر أشد (أكثر من 45% تحت خط الفقر) والمرض أكثر فتكا (التهاب الكبد الوبائى – السرطان – أمراض القلب المختلفة – السكر والضغط على مستوى الشباب – أمراض الاكتئاب ... والقائمة تطول)، والجهل منتشر وإن بدا مقنعا، فالجهلاء لم يعودوا مقصورين على من لم ينالوا نعمة التعليم ولكنه شمل أيضا أكثر من نصف من يقال عنهم متعلمين (!!).
يضاف على تلك الثلاثية (الفقر والجهل والمرض) انعدام الأمن والأمان لانتشار الفرق الإجرامية وسيادة ثقافة العنف وتهاون جهاز الشرطة، فمن ذا الذى يمكنه الاطمئنان على شرفه وعرضه دون حماية شخصية ووقاية ذاتية وكأننا فى غابة لا فى دولة ذات سيادة (وما حادثة "السعار الجنسى" التى أنفجرت وسط البلد منذ شهر تقريبا ببعيدة، وما حالات انتهاك الأعراض ومحاولات الاغتصاب التى طفت على الساحة المصرية بعد التحرج من إعلانها بقليلة). أما الأخطر من هذا كله فهو الخوف على "أمن عقيدتنا الدينية" وعلى "هويتنا العربية" اللذان يتعرضان لمحاولات التشويه والطمس بطرق مباشرة وغير مباشرة. وهناك "الهم" على مستقبل الأجيال القادمة (الخوف من المستقبل) الذى يبدو مظلما فى ظل الانتهاك المستمر لأبسط قواعد حماية أمن مصر القومى وفى وجود عدو تاريخى متربص.
لم يعد لدى مصر خط دفاع أول (جغرافيا ماديا)، فالشرق منزوع السلاح واكتفت السلطة الحاكمة ببناء شواطئ العراة والمواخير بدلا من توطين المواطنين كخطوط دفاعية أولية او بناء ثكنات للجند ومحاور ومطارات ودشم حصينة. والجنوب مخترق ويتهدده شبح التقسيم. والمنبع المائى ومجاريه أصبحوا فى علم الغيب وتحت رحمة من لا يرحم، والغرب لن ينسى لمصر مؤامراتها لغزو بلاده وقتل أبناءه، والشمال والجنوب الشرقى مباح وسداح مداح، فالمنافذ الجمركية مثقوبة والتخوم تحت رحمة الأساطيل الأمريكية والإسرائيلية، أما الشواطئ مثل مارينا ومجاويش فهم "بلابيص" عرايا هدوم مافيش (!!). إما الوسط وقلب المحروسة فهو تحت القبضة الحديدية (للأف بى أى) ووكالة المخابرات الأمريكية.
أين المفر ... لنعد إلى ثقافة المقاومة فى الثلاثينات والأربعينات .. (!!). وربنا يستر.
وللحديث بقية . . . . . . . . . . . .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.