الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    بالمخالفة للدستور…حكومة الانقلاب تقترض 59 مليار دولار في العام المالي الجديد بزيادة 33%    مساعدات ب 3,6 مليار جنيه.. التضامن تستعرض أبرز جهودها في سيناء    غدا، بدء تطبيق غلق محلات الجيزة بالتوقيت الصيفي    البنتاجون يدعو إلى تحقيق شامل حول المقابر الجماعية في غزة    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    علي فرج يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة للإسكواش    ب 3 ذهبيات، منتخب الجودو يحصد كأس الكاتا بالبطولة الأفريقية في القاهرة    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    المشدد 15 سنة لعامل قتل عاطلا داخل مقهى بسبب الخلاف على ثمن المشروبات    القبض على شخص عذب شاب معاق ذهنيا في ميت عنتر طلخا بالدقهلية    بالأسماء.. مصرع وإصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالدقهلية    رضا البحراوي: عندي 8 عيال آخرهم ريان والعزوة أهم حاجة في حياتي (فيديو)    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستنقع سياسى ودستور مسموم (1/3)
نشر في الشعب يوم 29 - 09 - 2006


بقلم: هشام الناصر
"مصر" إلى أين ؟؟. قضية أكثر منها سؤال لم يعد طرحها ومناقشتها حكرا خاصا على النخبة المصرية فى مقالاتها و ندواتها بل باتت هما يوميا فى صدور العموم بقرى المحروسة ومدنها وكافة أرجائها. عبثية المشهد المصرى صوره أستاذ العلوم السياسية "د. حسن نافعة" فى مقاله "مصر المخطوفة، إلى أين" بقوله: "تبدو مصر هذه الأيام مثل حافلة مخطوفة مصيرها معلق بين النزوات المحتملة لخاطفيها والسلوك المحتمل لراكبيها. ولأنه لا يبدو من سلوك الفاعلين، حتي هذه اللحظة، سوي عبث الخاطفين ولهوهم، ورعب الراكبين وعجزهم، فقد راحت مصر العميقة الطيبة المؤمنة ترفع أياديها نحو السماء متوجهة بالدعاء إلي الخالق عز وجل لعل القضاء والقدر يضع حدا لعبث العابثين ويفرج كرب المكروبين".
ما لم يقله "د.نافعة" هو أن هؤلاء الخاطفين يرتدون سترات نجاة ومظلات هبوط تنجيهم وذويهم بعد السقوط المحتوم للحافلة وانفجارها. هكذا رأينا فى "لبنان" من مزدوجى الجنسية ومتعددى الانتماء، فروا حيث الأمان تاركين اللبنانى "وحيد" الجنسية والانتماء وسط النار والركام. هذا يعيدنا إلى مقولة سابقة: "إن مصر المحروسة ليست عربا فقط وفراعين بل ومن كل ملة متمصرين، ويزيد عليهم مزدوجى الجنسية من مختلف البلاد الغربية". "مصر" المحروسة بلاد العجب، حكومتها وساستها وأولياء النعم يشكلون وحدهم "عصبة" أمم (!).
أولا: المشهد السياسى العام وتسارع الأحداث :
المشهد العام يمكن تشبيهه بدوائر متداخلة مركزها "واشنطن" ويدور ا"لقلب العربى" ومنه مصر فى أفلاكها. السمة الغالبة على هذا المشهد هو "التسارع". الجمهوريون يريدون إنجاز شيء ملموس قبيل الانتخابات الرئاسية 2008 وقبيل انتخابات الكونجرس فى نوفمبر القادم إن أمكن. الديمقراطيون يسعون لإفشال المحاولة على غرار مؤامرة "ريجان" على "كارتر" فى اللعب على ورقة رهائن الثورة الإسلامية الإيرانية (1979/1980). شبح الخلاص البيولوجى يخيم على رأس السلطة المصرية (!). الترويكا العربية لا تملك خيار قرار المراهنة على أى من الحصانين الأمريكيين فهى قليلة الحيلة أنفاسها قصيرة لا تملك ترف مقاومة السلطة الأمريكية الآنية حتى لو كان الباقى من عمرها عاما أو حتى أشهرا. قوى المعارضة الوطنية فى "مصر" تعيش حالة يمكن تسميتها "بالعصف العقلى - Brainstorming"، فهناك إرهاصات وحالات تفكير جماعى للوصول إلى حل يتفق عليه يمكن تنفيذه. الحديث عن تعديلات بالدستور المصرى هو "ملهاة عبثية" فى ظل توحش أمنى للسلطة وفراغ سياسى حزبى وعدم توازن القوى الفاعلة فى منظومة الدولة المصرية، جاء كنتيجة طبيعية لحالات تجريف متراكم متعمد مقصود طوال سنين وعقود. لقطات من هذا المشهد العام (وتركيزا على مصر) يمكن تلخيصه وعرضه فى النقاط الآتية:
1 – الإدارة المصرية بدت تعى جيدا حقيقة وجدية أخطار احتمالية تكرار القالب التاريخى لخريف أكتوبر 1981 أو شتاء يناير 1952 أو ما على شاكلتهما، بعد أن سدّت كافة المنافذ عن طرق الإصلاح القانونية والشرعية أو حتى بالانتفاضة الجماهيرية أو العصيان المدنى(1). إجراءات حماية السلطة ورموزها تحولت من النظامية إلى نوع من الوساوس القهرية(2). تكلفة منظومة الحماية الأمنية الحديدية تتصاعد وأثارها الجانبية تتزايد.
2 – الشللية ودسائس القصور من الأشياء المعتادة فى النظم الاستبدادية، لكن ظهورها على السطح يعنى تراخى قبضة سلطة المركز لعجزها وضعفها. ظهر فى المؤتمر الأخير لحزب الحاكم أكثر من فصيل متناحر، حرس قديم وحرس جديد، والدكتور "نظيف" (رئيس الوزراء) حائر بينهما، وهناك صراعات رجالات المال والأعمال، فالملايين والمليارات تثير الحقد والحسد، وهناك دكاترة السلطان المصابون بالشيزوفرينيا وبعضهم يرى أعراض غرق السفينة ويخطط للفرار، وهناك زمرة التابعين المنتفعين الذين علا صوتهم وأنطلق لسانهم من عقالهم.
3 – الكذب والتدليس يعتمد على أشياء عدة منها الزمن وحجم المُدلس علية والمُدلس عليهم. حجم الفساد ونتائج الفشل للجهالة وعدم التأهيل أصبح أكبر من أى مقدرة على إخفاءه. ظهرت فضائح مشروع "توشكى" السياسى (!) بعد خداع وتعنت لسنوات. ظهر تقرير "البنك الدولي" الأخير الذى وضع مصر في ذيل قائمة تصنيف الدول الجاذبة للاستثمارات لفسادها وعدم استقرارها وجهالة القائمين عليها، وصنفها في المركز 165 من بين 175 دولة. إجمالى الدين (الداخلى والخارجى) يقترب من الثلاث أرباع تريليون جنية. فضائح ضياع عوائد بيع أصول الدولة ومخاطر المقامرة بأموال التأمينات لم تعد خافية على أحد وتحولت إلى القضاء لفضحها وليس لمنعها (!). كثير من الخبراء الاقتصاديين اتهموا قيادات الحزب الحاكم صراحة بالتلاعب المتعمد بالأرقام التي تحدثت عن معدلات النمو وحجم الاستثمارات مستغلة عدم وعى الجماهير، ولكن إلى متى ؟. الترميم والترقيع واستمرار الفاسدين المتسببين فى المصائب يهدد بحدوث انهيار كامل وشيك (Collapse).
4 – حالة متصاعدة من الإحباط والغضب، لم تصل لليأس بعد، تدفع الأقلام الناقدة لتجاوز الخطوط بكافة ألوانها. الانتقادات تعدت حالات الفساد المالى والفشل فى إدارة موارد الدولة إلى ملف صفقات التسليح الشائك الغامض منذ عقود وإلى حزم الاتفاقات السرية التى تهدد الأمن القومى المصرى فى أجياله القادمة. تحديات كبرى ستواجهها إدارة الجمهورية الرابعة (!).
5 – العلاقة بين الإدارة المصرية ونظيرتها الأمريكية هى عضوية إرتباطية كتابع ومتبوع. الدعم والتأييد يتجاوز الشكل الخارجى إلى التواجد الداخلى (!). "مصر" من الدول القلائل التى يتواجد بها مكتب لجهاز "الأف بى أى" بجانب مكتب "السى أى أيه" والعديد من الجهات التابعة للحزبين الكبيرين فى الولايات المتحدة(3). الأجهزة الأمنية الأمريكية متغلغلة فى الهيكل التنظيمى الحكومى والمجتمع المدنى والنسيج المصرى (!) ويمكن أن تكون على ثلاث حالات: مع السلطة أو ضدها أو غير مبالية (!). الضغوط التى تتعرض لها الإدارة الأمريكية تنعكس بالتبعية على موقف الإدارة المصرية. رغم تلميحات إدارة "بوش" بتأييد جماعة لجنة سياسات الحزب الوطنى المصرى الحاكم إلا أنه (ورغم نعته بعميد الأغبياء) من الصعب تأييده لعملية التوريث. أطروحات ودراسات أمريكية تحذر من مغبة التورط فى هذا الأمر، منها التقرير الأخير "لمركز دراسات الشرق الأدنى" الأمريكى. من الصعب تصديق قبول "مركز صناعة القرار الأمريكى" (وليس الإدارة الأمريكية الحالية) بفكرة تتويج "جمال مبارك" رئيسا لمصر إلا إذا كان مرحليا بقصد إحداث حالة فوضى مقصودة لهدف أخر مخفى (!).
6 – جهات القوة فى مصر باتت متعددة ومتشعبة، منها الوطنية ومنها الخارجية. هناك مؤسسات القوة الظاهرة وهناك الكيانات الخافية، وهناك مراقبة صارمة من جهات لا تخضع لسيطرة السيد "ريتشاردونى" نفسه (!!). الموقف فى مصر الآن أكثر تعقيدا مما كان قبل يوليو 1952. خطة القوات البريطانية التى كانت تتمركز فى القناة زمان (الخطة "روديو") تعتبر "لعب عيال" بما هو محتمل طبقا لمفردات المشهد الآن (!!).
7 – ضعف وعدم تأثير السياسات المصرية الخارجية إقليميا يثير قلق الإدارة الأمريكية رغم انصياعها التام للأجندة الأمريكية. المحللون الأمريكيون يسخرون من إعلان "جمال مبارك" رفضه لمشروع الشرق الوسط الكبير وهو من دعائمه وركائزه. الدور المصرى بات واضحا وفاضحا فى إجهاض بقايا الإجماع العربى، ظهر هذا فى إجهاض مشروع إدانة المشروع النووى الإسرائيلي أمام وكالة الطاقة النووية بتقديمها مشروعا موازيا للمشروع العربى الأمر الذى أفشل الاثنين. مشروع المبادرة المقترحة "المصرية-الأردنية" للسلام "العربى-الإسرائيلي" محكوم عليه بالفشل (وهم يعلمون ذلك !!). تأتى هذه المبادرة فى إطار مشروع "تنويم" المنطقة وتهدئتها تمهيدا لضربة عسكرية مؤكدة لإيران (فى حال فشل احتوائها سياسيا). تحول الإدارة المصرية إلى عبء وتكلفة على الإدارة الأمريكية هو أمر مرفوض بمنطق البيزنس والمال ومصالح الأعمال.
8 – من المفارقات أن الترويكا العربية التى تنصاع للأجندة الأمريكية الآن تتكون من مملكتين وجمهورية (!!). هذه الترويكا لا ترى الخطر الصهيوأمريكى، ولا ترى مخطط "الفاتيكان الإسلامى" للقضاء على "الثقافة الإسلامية" وليس "الحضارة" كما ذكرها "هنتنجتون"، ولا ترى مشروع "الجائزة الكبرى" الذى يهدف إلى الهيمنة التامة على الأراضى المصرية. هذه الترويكا لا ترى سوى خطر "الثورة الإسلامية الإيرانية" وهو يمثل لها خطر "تطبيق الإسلام السياسى عمليا" وليس "خطرا شيعيا" كما يدعون. الترويكا لا يهمهما سنة ولا شيعة ولا حتى بهائية أو درزية، جل الاهتمام هو الاحتفاظ بالسلطة الأبوية سواء أكانت ملكية أو جمهوملكية.
9 – من الملاحظ أن الرئيس الباكستانى "برويز مشرف" يحاول الخروج من حظيرة الدول الإسلامية المنصاعة للإدارة الأمريكية الجمهورية. "مشرف" يغازل "الديمقراطيين" بتقديم فضائح يمكن أخذها ضد "الجمهوريين"، مثل إعلانه عن تهديدات "وولفتز" بضرب "باكستان" في سياق محاربة الإرهاب بعد 11 سبتمبر إن لم تتعاون كلية وهو الأمر الذى نفاه "بوش"، أى أن فخامة الرئيس الأمريكى كالزوج الغافل أخر من يعلم (!). ومنها قيام إدارة "بوش" بدفع ملايين الدولارات للحصول على مشتبه فيهم من باكستان بالمخالفة للقانون الأمريكى الذى يجرم ذلك مع الدول ويبيحها للأفراد. المخابرات الأمريكية كانت تشترى المعتقل المشتبه فيّه بخمسة آلاف دولارا. الدور الباكستانى فى الكرنفال الاستخباراتى بأفغانستان (منهم روسيا وإيران) أصبح مقلقا للإدارة الأمريكية الجمهورية وللسيد "كرزاى". "الترويكا العربية" لا تملك ترف المناورة مثل باكستان. يمكن للإدارة الأمريكية الحالية إسقاط العروش الثلاث قبيل تركها البيت الأبيض. سؤال (إفتراضى) يتبادر فى الأذهان، ماذا تفعل الشعوب العربية إن جاءها غزو خارجى فى أى شكل يهدف إلى إسقاط سلطتها الفاسدة المستبدة ؟؟؟. هل تتكرر مقولة "إلى الأمام يا رومل" ؟؟؟.
10 – من الأقوال التى يجب التوقف طويلا عندها هو ما جاء فى خطاب الرئيس "مبارك" الأخير فى قوله: "إنه قد حافظ علي السلام وسط رياح عاتية وأزمات متتالية، فشهدت مصر أول فترة في تاريخها الحديث دون حرب ودون احتلال يمتهن سيادة الوطن وكرامته". يثار سؤال، لماذا الحروب والاحتلال إذا كانت الإدارة المصرية "منصاعة" تماما للإرادة الصهيوأمريكية ؟؟؟. الحروب لا تشن والاحتلال لا يقع إلا لفرض الإرادة، وعندما تُفرض بوسائل أخرى منها ترهيب السلطة الحاكمة وترغيبها والسكوت على استبدادها فما الداعى لحروب وقتال وتكلفة احتلال ؟؟؟.
11 – ما ظهر ويظهر من معلومات وآلاف التحليلات السياسية والمالية والاقتصادية يظهر جليا أن "توريث" السلطة" فى مصر ليس هدفا فى ذاته أو غاية. "التوريث" هو إستراتيجية الفئة الحاكمة الحالية لهدف مصيرى وغاية كبرى هى دفن "النفايات" السياسية والمالية طوال عقود وعمر ممدود، لن نبالغ عندما نقول أن بدايتها لم تكن فى العام 2000 (ظهور فكر "جمال مبارك" الجديد وتعاظم نفوذ الطبقة الأولجاركية المتوحشة)، ولا فى العام 1981 (مبارك رئيسا)، ولا فى العام 1975 (مبارك نائبا)، بل فى العام 1972 (مبارك قائدا للقوات الجوية) !!!. ملفات عديدة سيتم فتحها فى "الجمهورية الرابعة" منها التحقيق فيما قاله "هيكل" و"الشاذلى" و"حسين الشافعى" وغيرهم (!!). المليارات المنهوبة بسبب الفساد وأضعافها المهدرة بسبب الجهالة وعدم القدرة أو التأهيل لن تساوى شيئا أمام إهدار "أمن مصر القومى". "مصر المحروسة" تحولت إلى إمارة محمية تدور فى فلك أى إدارة أمريكية حاكمة عن طريق وكيلها المعتمد فى المنطقة (إسرائيل). الإدارة المصرية قايضت إرادة البلاد وعقيدتها ومصالحها القومية بضمانات حماية السلطة الحاكمة وتحقيق إستراتيجية التوريث.
12 - رهان السلطة المصرية فى تكرار نموذج "التوريث" السورى يعتمد على عاملين أثنين هما، تأييد الإدارة الأمريكية، وعلى أن "العشائرية" السورية التى دفعت بالتوريث وساندته يقابلها ويماثلها "الفئوية" الأولجاركية المصرية التى بدأت فى عصر "السادات" وتوحشت الآن.
13 - وأخيرا وليس أخرا لضيق مساحة المقال، فإن التحركات المصرية نحو إنشاء نوع من التحالف والتعاون مع المعسكر "الشرقى" بهدف "تخويف" الإدارة الأمريكية والضغط عليها هى نوع من "طلقات" الفشنك (!)، ينظر إليها باستخفاف من الجانبين، الشرقى والأمريكي، لسببين أساسيين هما عدم جديتها ومصداقيتها وعدم قدرتها حتى لو أرادت (!). روسيا والصين اللذان يمثلان رأس الكتلة الأوروأسيوية (معاهدة شنغهاى) تدركان جيدا قواعد اللعبة وخيوطها. حالة البرود الواضحة التى أستقبل بها الرئيس الروسى "بوتن" زعيما عربيا أشتهر عن بلادة معاداة المعسكر الشرقى لم تكن خافية رغم توقيع عدة اتفاقيات بروتوكولية. الرئيس "بوتن" كان يعلم جيدا أن الزيارة ليست جدية وإنما جاءت فى إطار "تهويش" الإدارة الأمريكية (!!).
يتبع ..........
هشام الناصر
الخميس 28 سبتمبر 2006
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham
_____________________________________________________________
(1) – مع احترامنا للمفكر الإسلامى "محمد سليم العوا" الذى قال فى حوار صحفى بأن الحل الوحيد هو "العصيان المدنى"، فهذا يحتاج إلى قيادات واعية من المعارضة الوطنية لها رؤيا محددة متفق عليها وقادرة على حشد الشارع والتأثير عليه – وهو غير متوافر حاليا لتناحر القوى السياسية المصرية.
(2) - ظهر هذا بوضوح فى القيام بالتحفظ على جثمان الأديب الراحل "نجيب محفوظ" عقب تغسيله والكشف على جثمانه بأجهزة الكشف عن المفرقعات والمتفجرات قبيل تشريف فخامة الرئيس حضور الجنازة الرسمية. ويظهر هذا فى تعدد دوائر الحماية وتنوعها وتعقيدها على رموز السلطة وهو الأمر الذى يخلق تأثيرات عكسية على الحامىِّ والمحمىِّ. ويظهر أيضا بوضوح فى "التحميل الزائد" (Overload) على أجهزة الشرطة والأمن الداخلى الأمر الذى يجعلها تهمل بالتبعية مهامها الأصلية فى حفظ امن المواطن ومنع الجرائم الداخلية، والأمثلة كثيرة منها فضيحة الجهاز الأمنى الذى تعدى الفشل إلى التدليس وتلفيق الأدلة ضد متهم "مختل عقلي" فى مذبحة "بنى مزار" التى راح ضحيتها عشرة مواطنين مصريين ذبحا وتقطيع أعضاءهم، ومنها الفشل فى العثور على مرتكبى حوادث قتل الأطفال بمحافظة "المنوفية" واقتطاع أعضاء منهم وتهديدهم لذوى المجنى عليهم بعدم الكلام منعا لإثارة الهلع والشوشرة.
(3) – اختراق الكيان المصرى لا يقتصر على الأجهزة الأمنية. جاء فى أحد الكتب العلمية للبروفسير الأمريكى "توماس ساتى" (Satty) أنه أكتشف إحدى نظرياته الرياضية (خاصة بالمقارنة بين الخيارات والبدائل) أثناء دراسته لتأثير حالة اللاسلم واللاحرب ا اقتصاديا واجتماعيا .. الخ فى مصر أثناء تواجده فيها فى السبعينات بتكليف من جهة لم يذكرها (!!).
مستنقع سياسى ودستور مسموم (2/3)
"ماجنا كارتا" على الطريقة المصرية
* * * * * * * * * *
ثانيا: مستنقع سياسى ودستور مسموم :
الدولة ككيان سياسى هى منظومة متكاملة يمكن تعريفها بأنها مجموعة من المكونات الوظيفية (مؤسسات وتجمعات وكيانات وحتى أفراد) التى تتفاعل فيما بينها لأداء مجموعات من الأعمال والمهام لتحقيق هدف اسمى هو أمن المنظومة وسلامتها وبقاءها وتطورها واستمرارها. تنظيم ومكونات المنظومة لا يمكن أن يتم إلا بواسطة "إدارة تنظيمية" تستمد قواعدها وقوانينها من إطار تنظيمى حاكمى، هو ما يعرف حديثا بأسم الدستور. حتى تفاعلات منظومة الدولة مع البيئة الخارجية (المجتمع الدولى) لا يتم إلا بتوافق بين مبادئ وقوانين منظومة الدولة المستمدة من دستورها مع مبادئ وقوانين المجتمع الخارجى (الدولية). الدستور (الوضعى) هو الإطار الحاكمى بين مجموعات القوى المؤثرة فى بنية الدولة الداخلية والذى يعكس توازناتها وتأثيرها. غياب فاعلية قوة معينة ينعكس بالتبعية على وضعها فى دستور البلاد، وبالتالى فإن "هيمنة" قوة وحيدة فى منظومة الدولة يتم ترجمته إلى "عقد إذعان وإرغام". فالحقوق لا تُهبّ ولا تُمنح.
تشير العلوم الاجتماعية والسياسية إلى الماجنا كارتا (Magna Carta - Great Charter) كأول وثيقة دستورية فى التاريخ الحديث (يونيو 1215م تنقيح لما صدر عام 1214م)، غافلين متغافلين أول دستور تنظيمى للإمبراطورية الإسلامية المسمى فى الأدبيات الإسلامية بدستور "المدينة المنورة" (وثيقة أو صحيفة المدينة) الذى صدر فى القرن السابع الميلادى وفيه تم تحديد المبادئ العامة للحقوق والواجبات فى نقاط محددة غير مبهمة منطلقة من الشريعة الإسلامية.
الدارسون "للماجنا كارتا" يعلمون جيدا أنها جاءت لتنظيم العلاقة بين ثلاث قوى رئيسية هم، قوة الملك الإنجليزى "جون" وقوة بارونات الإقطاعيات (Barons) وقوة كنيسة "روما" (البابا إينوسنت الثالث). عندما طغى الملك الإنجليزى على أمراء حربه بمزيد من الضرائب لتعويض حروبه الخاسرة فى فرنسا تصدوا له متمردين محاربين، وعندما عارض الكنيسة حرمته من بركتها. صدر الدستور الأول فى 63 مادة تنظيمية تحدد العلاقة بين الملك ورعاياه والكنيسة. من الصعب تصديق أن فخامة الملك "جون" كان يمكنه إصدار وثيقته الشهيرة دون فاعلية القوى الأخرى المضادة المشاركة له فى منظومة مملكته.
الحديث عن تعديلات دستورية فى "مصر" الآن هو نوع من العبث السياسى والاستخفاف بعقول الشعب وملهاة للنخبة عن نتائج كارثية لسياسات سابقة يجتر الشعب حاليا علقمها ومرها، وعن مخططات مستقبلية لتطبيق إستراتيجية "التوريث" التى تتقاطع باتفاق واتساق مع أجندة صهيوأمريكية غير خفية. "مصر" الآن تعيش حالة أقرب إلى المستنقع السياسى (!)، فى جمودها وركودها وفى كم ونوعية الغثاء والهوام والطفيليات التى نمت وتوحشت على أرضها وباتت تمتص دمها بعدما أكلت لحمها وعظامها. محاولة استنبات "دستور" فى تلك البيئة العفنة الأسنة لن يكون إلا دستورا مسموما ستعانى منه أجيال لاحقة لا ذنب لهم سوى أننا أباء لهم.
الدستور كعقد إجتماعى وكإطار منظم بين قوى المجتمع لا يمكن إنشاءه إلا فى ظل حرية سياسية واجتماعية وتوازن القوى أو على الأقل فى غياب القيود والموانع التى تكبل قوى الشعب لصالح طرف مهيمن مسيطر أقرب للوصى أو ولى الأمر. يقول المفكر الإسلامى د. "سليم العوا"، أنه ضد الانشغال بتعديل الدستور ولا بالإصلاح السياسي، وهو يريد قراراً بإلغاء جميع القوانين سيئة السمعة، قراراً بإلغاء قانون الأحزاب ولجنته، قراراً بإلغاء لجنة الإشراف علي الصحافة (المجلس الاعلي للصحافة)، ثم تفتح الحريات للناس وتترك فترة زمنية معقولة (سنة كمثال)، ثم يجري بعدها انتخابات حرة للرئاسة، وانتخابات حرة لبرلمان تأسيس يضع الدستور. ويحذر المفكر الكبير من حدوث "عصيان مدنى" أو إلى "تفكك" الدولة (!!) والوصول إلى كارثية "الحرب الأهلية". لن نرد على د. "العوا" بل سندعه هو يرد على نفسه فى نفس المقال (الحوار) حينما علق على "عناد" السلطة الحالية تجاه شعبها بقوله: أنه ليس عنادا، لأن العناد مسألة نفسية وهو لا يعرف نفسية من يحكمون، لكنه يري حالة من "عدم الاكتراث" بالوطن، وهذه أسوأ كثيراً من العناد. والسؤال الآن، بالله كيف يأتى ممن لا يكترثون بالوطن ومصلحته أن يقوموا بإلغاء ترسانة "القيود" المتوارثة منذ أيام "محمد على" والتى زاد عليها الاحتلال الإنجليزى ما زاد، والتى ضاعفتها مرات ومرات "فراعين" ثلاث جمهوريات، وهى التى تحميهم وتقيهم من الغوغائيين الرعاع المسمين بالشعب المصرى (!!؟؟). الاقتراح مرفوض يا دكتور لاستحالة التنفيذ (!).
* * * * * * * * * *
ثالثا: حالة عصف عقل مصرى (Brainstorming):
يستخدم مصطلح "عصف العقل" للتعبير عن حالة تفكير جماعى لإيجاد "حل" لمشكلة ما، يتبادل فيها المشاركون الآراء والأفكار ويقيمون البدائل لاتخاذ قرار من أكثر من خيار. وتشهد الساحة السياسية المصرية حالة "عصف عقلى" للمجتمع ككل باختلاف ثقافاته وانتماءاته. المشكلة أن معظمها يغلب عليه الأمانى والخيال وهو أقرب للمحال، ومنها من يخطط ليكسب اعتمادا على أخر يكد ويتعب وقد يضرب ويقتل أو على الأقل يسجن ويعذب (!). ومن تلك الأفكار ودون إسناد منعا للإحراج:
1 – الخروج بمظاهرة جماهيرية حاشدة غاضبة، قدرها أصحاب الاقتراح بمائة ألف، تمثل نبضة صادمة (Shock Pulse) تسقط السلطة الحاكمة على أثرها (!!؟؟). والسؤال من هى تلك القوة المصرية التى يمكنها حشد مائة ألف حاليا سوى جماعة "الإخوان" وفصيل كبير من "تجار" المعارضة الوطنية يعارضونها ويقفون فى خندق السلطة ضدها ؟؟. وماذا يمكن لمائة ألف أن يفعلوا أمام منظومة أمنية للسلطة الحاكمة تقارب المليونين (!)، أى ثلاثة أضعاف القوة المصرية التى تم حشدها ضد "إسرائيل" فى حرب أكتوبر 1973 !!؟؟. فهناك (وحسب المعلومات المنشورة) حوالى 700 ألف من قوات الأمن المركزى، وهناك ما يقارب 500 ألفا من باقى أجهزة الشرطة، وهناك 300 ألفا من العسكر ولهم مهام أمنية داخلية، وهناك "ميليشيات" حزب الحاكم الوطنى الديموقراطى، وهناك الآلاف من المجرمين والمسجلين خطرا والمسجلات آداب ومن هم تحت المراقبة الشرطية الذين يؤتمرون بأوامر ضباط المباحث فى أقسام الشرطة ومراكزها ومدرياتها. النوعان الأخيران ظهرا بوضوح وفاعلية (!) فى فضيحة الأربعاء الأسود (25 مايو 2005) وفى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. صدق "د.نافعة" فى تصويره أن مصر مختطفة. إنه اختطاف مسلح (Hijack).
2 – اتفقت قوي المعارضة المصرية الرئيسية علي توحيد "مشاريع الدساتير" المختلفة التي يقوم كل فصيل بإعدادها فى شكل يماثل "الدستور الأمريكي" الذي يحتوي علي خمس مواد فقط، حيث سيتم توحيد مواد الدستور المختلفة في عدة مواد قليلة، بحيث يتم تفصيل القوانين المختلفة لاحقا فى إطار هذه المواد لترك مساحة حرة أمام تفسير مواد الدستور مع التغييرات المختلفة التي تطرأ علي العالم، بالإضافة إلي سهولة تأويل مواد القانون والقواعد العامة. فى جانب ثان يدعو فصيل حزبى (تحت التأسيس) واغلبه من النخبة إلي تأسيس "جمعية وطنية" شعبية منتخبة تتكون من 100 فردا تمثل جميع أطياف المجتمع من أجل وضع دستور جديد لمصر بديلاً عن دستور عام 1971 والمعدل فى العام 1981. وفى جانب ثالث قام الحزب الحاكم بدعوة الأحزاب "الرسمية" (!) الرئيسية (التجمع والوفد والناصرى) لمائدة مستديرة لطرح الأفكار. رفض "الناصرى" استنادا على الحكمة الأثيرة "إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".
ليس جيدا أن يكون المرء مُحبِطا (يسبب إحباطا) ولكن من الأسوء أن لا يقرأ الواقع جيدا. مشروعات المعارضة الوطنية المصرية بإعداد "دساتير" حسب رؤيتها واتفاقاتها هو أمر جيد، ولكن لكى ينشر فى مقال بصحيفة أو على موقع الحزب فى الإنترنت أو كواجب دراسى (!) (Homework)، أو كأطروحة نظرية يتم تداولها فى الغرف المغلقة، أو كموضوع نقاش فى النوادى والجلسات الخاصة – ليس إلا (!!). على المعارضة الوطنية المصرية أن تتذكر شهادة الفقيه الدستورى "د. يوسف بدوى" أحد الذين شاركوا في وضع دستور 1971، من أن ما قاموا به من جهد طوال أشهر في وضع مقترح الدستور بناء علي تكليف مجلس الشعب قد ألقي به في سلة المهملات (!!) وجيء بمواد أخري تم طبخها وإعدادها في "الغرف المغلقة" – حسب تعبيره – ليعرض علي الجماهير باسم مجلس الشعب واللجنة المشكلة، وهو منها براء. فعن أي مقترح للدستور تتحدث القوى الوطنية !!؟؟. لا بأس من القيام بإعداد ما تعده ولكن لتحتفظ به فى أدراجها عسى يتم تقديمه فى يوم ما إلى سلطة وطنية لا إلى السلطة الحالية.
3 - أعلنت أحدى الحركات الإصلاحية المصرية عن عزمها على تشكيل "جبهة شعبية" تضم أحزاب المعارضة والقوى السياسية، لتدشين حملة تحت شعار مقاومة لتحقيق مطالب القوى الوطنية، وأبرزها تشكيل "حكومة انتقالية" لمدة عامين، تضم ائتلافا من كل القوى السياسية. وتكون مهمة هذه الجبهة تنفيذ برنامج للإصلاح السياسي وصياغة دستور جديد، على أن يتولى رئاسة الحكومة الانتقالية أحد القضاة الإصلاحيين من نادى القضاء المصرى.
الإطار العام (المجرد) لتلك الفكرة مقبول وهو يتفق وما سبق وأن تناولناه فى مقالات سابقة، وبغض النظر عن كونه اقتباسا أو توارد خواطر فلا يهم – المهم والأهم هو المصلحة الوطنية. الإشكالية ليست فى الإطار المفهومى (Concept)، الإشكالية فى تشكيل "الخطاب" الحاث لغالبية الشعب المصرى (دينى – اقتصادى – اجتماعى – سياسى)، وفى توزيع الأدوار والمسئوليات، وفى إنشاء "ميثاق" العهد والشرف بين قوى الائتلاف تتناسب فيه الامتيازات مع حجم المخاطر والمسئوليات، وفى آلية الحصول على الإجماع الوطنى (بعد تعريف ماهية هذا الإجماع الوطنى)، وفى آلية تكوين "القوة" التى يمكنها فرض هذا الخيار وكيفية استخدامها لفرضه وتحقيقه.
يتبع ............
هشام الناصر
الخميس 28 سبتمبر 2006
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham
مستنقع سياسى ودستور مسموم (3/3)
"ماجنا كارتا" على الطريقة المصرية
رابعا: "ماجنا كارتا" على الطريقة المصرية – الغاية والإستراتيجية وآلية التطبيق:
أمر طيب أن تتصاعد الدعوات المصرية إلى الحرية، وأمر طيب أن يتصاعد الحراك السياسى بعد خمول وخمود لسنين وعقود، وأمر طيب أن يتم الحشد والجهر بالطلب وعلو الصوت. ولكن ليس بالحشد والكثرة وعلو الصوت تسير الأمور لمقدراتها. فى نكسة 1967 كانت حشود القوات المصرية وبالا عليها لا قوة لها. وفى انتفاضة ينير 1977 (ثورة الخبز أو الجياع) تفرقت الحشود بالعصى والنبوت وأجهضت الانتفاضة الشعبية، واستغلت السلطة الحاكمة (السادات) أثارها ونتائجها لتحقيق أطماعها ومآربها، فزادت من القيود على الشعب بما يسمى حزمة القوانين سيئة السمعة، وفرضت سياسة الانقلاب الاقتصادى من اشتراكية العدالة الاجتماعية إلى ليبرالية المغامرين والأفاقين، بل ووصل الأمر إلى انتهاك أمن الأمة المصرية والعربية والإسلامية بزيارة إسرائيل وما تبعها بما يسمى "اتفاقية السلام". الحشود تكون غثاء إن لم تحدد غاياتها وأهدافها وتشحذ هممها "بخطاب" يلاقى قبولها ويحسن إعدادها وتنظيمها، وأخيرا باختيار الزمان (التوقيت) والمكان المناسبين لتحركها وأدائها. حشود الجماهير الغاضبة نظمها "الدستور" والحقوق المدنية فى حق التظاهر والتعبير السلمى، وإجراءات التنظيم مشروعة فى ظل الحزبية السياسية وتحت "لافتة" الديمقراطية. النقاط التالية تأتى فى إطار ما يسمى بعصف الأفكار:
1 – من دروس "الماجنا كارتا"، إن الدستور كعقد اجتماعى وإطار تنظيمى بين مكونات منظومة الدولة هو أولا وأخيرا انعكاسا لتوازنات أطياف القوى. لم يتوسل "البارونات" أو "الكنيسة" للملك الإنجليزى "جون" ليهبهم حقوقهم مقابل واجباتهم. الحقوق لا تأتى بالتوسل والاستجداء (!).
2 – نخلط كثيرا بين الغاية والإستراتيجية والآلية. المعارضة الوطنية المصرية فى "صراع سياسى" مع سلطتها الحالية، هى "مباراة" ، والمباريات السياسية علم وفن.
3 – غاية السلطة الحالية هو "دفن النفايات السياسية والمالية"، وإستراتيجياتها هى "التوريث" أو الوصول إلى "حل توفيقى" فى حال فشل الأول، أما الآليات فحدث ولا حرج، بدأ من دفع الرشاوى (التنازلات) للقوة الكونية ووكيلتها، واستخدام كافة مؤسسات الدولة وقواها الفاعلة، واستقطاب المعارضين "الرسميين" الموالين بالجزرة والفتات، وضرب المشاغبين بالعصى الأمنية والسجن بالمعتقلات، إلى استخدام الديماجوجية (البهلوانية السياسية) فى مخاطبة غرائز جهلاء شعبها عن طريق أبواقها من منظريها وإعلامها.
4 – غاية القوى الوطنية المصرية هى "الحرية" ، والتى لن تأتى إلا بآلية الديمقراطية، وهذا يحتاج إلى إصلاح سياسى شامل يتمثل فى محورين أساسيين هما إلغاء القيود والموانع المكبلة السابقة، وإصدار تشريعات تنظم الحقوق والواجبات وتحدد الثواب والعقاب بين مكونات منظومة الدولة. هذا الحرية تعنى ببساطة "تقويض" السلطة الحالية وإظهار "نفاياتها" السياسية والمالية، أى أن غاية القوى الوطنية المصرية تتعارض تماما وبالمطلق مع غاية السلطة الحالية. باختصار أن دعاوى الإصلاح التى تتسولها المعارضة الوطنية المصرية من السلطة الحالية هى بمثابة طلب رسمى بأن تقتل نفسها بيديها (!)، أى تطلب من السلطة انتحارها (!).
5 – من الحقائق التى يجب إدراكها هى أن السلطة الحالية بتركيبتها وعلاقاتها (بنائيتها) لو رغبت فى الإصلاح ما استطاعت (!). الإصلاح يبدأ بالنوايا فالإرادة فالإمكانيات والمؤهلات، وهى عناصر تفتقدها السلطة الحالية. من الخير للمعارضة الوطنية ألا تطلب إصلاحا من سلطة تفتقر للحد الأدنى من مطالب الإصلاح.
6 – إستراتيجية المعارضة هى "نواياها" التى تستخدمها لتحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها، وهى خيارات محدودة منها "التدويل" لاستجداء العطف الدولى، ومنها "التظاهر" الحاشد الغاضب، ومنها "العصيان" الجزئي والكلى، ومنها استخدام مؤسسات الدولة ذاتها لمقاضاتها، ومنها العويل والصراخ والنواح من سواد الليل إلى نور الصباح.
7 – آليات تنفيذ "نوايا" المعارضة الوطنية تتلخص فى شرعنة المطالب، والخطاب الجماهيرى، وتحديد وتوزيع الأدوار والمسئوليات والامتيازات، وتحديد "ماهية" الإجماع الوطنى قبل الحصول عليه، وفى تكوين القوة الضاغطة وكيفية استخدامها فى الحدث والمكان والزمان.
8 – الخطوة الأولى هى ضرورة التمييز بتصنيف أطراف الصراع. مازال فريق من المحسوبين على المعارضة الوطنية المصرية يؤثر السلطة الحالية على فريق أخر من المعارضة. هذه ليست سياسة وليس تهريجا، إنها ديماجوجية سياسية ومتاجرة بالأم وآمال ملايين البسطاء والفقراء.
9 – الشعب المصرى "متدين" بطبعه، من تاريخه وعاداته وموروثاته وثقافاته. والدين الإسلامى يمثل نسبة 93% والباقى أديان أخرى (منها الأرثوذوكسية). إغفال تلك الحقائق سيكون أشبه بدفن الرأس فى الرمال ولن يأتى بخير، حتى للأخوة المسيحيين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم، فأمنهم وسلامتهم أن يكونوا مشاركين فاعلين لا منافسين معارضين.
10 – أكذوبة ووهم مصر "الفرعونية" هو إيقاف لعجلة الزمن عند ثلاث آلاف سنة خلت. الفرعونية ماتت سريريا عند العام 950 ق.م، وأعلن موتها النهائى فى العام 334ق.م. آثار الفراعين هى ماض نعتز به ولكنه ليس تاريخا (!!). الفارق بين الماضى والتاريخ هو فى التأثير على الحاضر المعايش. تأتينا طرائف التاريخ فى "نظرية" نشأة أسم "الفرعون" مع الهكسوس (الرعاة الأجانب الرحل)، ومنهم "العماليق" وهم قبائل عربية أى أن الفرعونية أصلها عربيا (!!).
11 – مصر عربية بلسانها وثقافتها ودينها. تعريب مصر لم يبدأ فى القرن السابع الميلادي بل قبل ذلك بكثير. تعريب مصر بالتأثير الثقافى بدأت إرهاصاته منذ بدايات تأريخ الدولة المصرية.
12 – الأخوة المسيحيون المصريون الوطنيون ليسوا "حب الرمان" ولا السردار "يعقوب" (!!).
13 – يجب تفهم مخاوف العلمانيين من "الثيوقراطية" الإسلامية. ولكن لا معنى لتلك المخاوف فى ظل دولة إسلامية "مدنية" تهدف إلى الحرية أولا قبل تطبيق "الشريعة" الإلهية، وهذا يستلزم عقود وعمر ممدود. أما "الملحدون" فهذا شأنهم (!!) شريطة ألا يتعدوا على غيرهم، فحسابهم عند ربهم.
14 – الشعب المصرى ليس كما نراه فى المسلسلات والمذيعات المعلبات وفتيات الكلبات. مصر دولة فقيرة وزادها حكامها فقرا وبؤسا. أكثر من نصف الشعب المصرى يعيش تخت خط الفقر، و 35% من الشعب يصنف كمستور، من الستر. عشرة فى المائة فى بحبوحة نسبية بسبب العمل فى البلاد العربية والأوربية والأمريكية، الباقى هم أصحاب الخصخصة وأرباب المصمصة.
15 – محور النظام السياسى الأمثل لشعب مصر الفقير يجب أن يتمركز حول "العدالة الاجتماعية" و"سيطرة الشعب على موارده الإستراتيجية". ليبرالية السوق لم تجلب لمصر إلا الخراب، أما "النيوليبرالية" التى تتعامى عن الأخلاقيات ففيها الفناء التام للعقيدة والهوية.
16 – من المهازل السياسية هو اختلاق الصراع بين "الإسلامية" كعقيدة دينية وبين اليسار والقومية والليبرالية كعقائد فكرية تنظيمية. الإسلامية يمكن تطبيقها فى إطار اشتراكى (اليسار الإسلامى)، ويمكنها تبنى "القومية" لمصالح المسلمين المرسلة (بناء كيانات اقتصادية على غرار الإتحاد الأوربي)، ويمكنها أن تكون ليبرالية، ولكن يستحيل أن يكون هناك إسلام نيوليبرالى.
17 – العالم الآن يتجه نحو "الطريق الثالث" فى تنظيم مجتمعاته. هو "نطاق" يتغير طبقا لطبيعة المجتمع من مبادئ اليسار الاشتراكية إلى مبادئ اليمين الليبرالية. هناك ما يسمى بخيار "اليسار الديموقراطى"، وهناك ما يسمى "بالليبرالية التى تتبنى مبادئ العدالة الاجتماعية وسيطرة الشعب على موارده الإستراتيجية.
18 – الحل الأمثل لمصر المحروسة هو الخيار الإسلامى فى تطبيق فكر الطريق الثالث.
19 – لا يمكن لأصحاب الخيار الإسلامى دعوة القوى الأخرى للتحالف والإتحاد دون توحيد صفوفهم. لابد من إنشاء التحالف والتآلف (أولا) بين جماعة الإخوان المسلمين كقائدة ورائدة وبين الفصائل الإسلامية الأخرى ( سياسية أو اجتماعية)، مثل حزب العمل والوسط وجمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرهم.
20 – الإصلاح السياسى فى مصر لن يتم إلا عبر البوابة الإسلامية. الخطاب الجماهيرى يجب أن يكون دينيا اقتصاديا سياسيا (بالترتيب).
21 – من أفات مصر المحروسة هو غياب رموز "يسارها" الحقيقى المثقف. ما يطلق عليهم "زعماء" اليسار الآن هم مجموعة من الموظفين المنتفعين الذين يمثلون أدوار اليسار فى مسرحية الديمقراطية التى أختلقها السادات فى المنابر الثلاث الأولى (الأحرار ممثل لليمين، ومصر الاشتراكى ممثل للوسط، والتجمع ممثل لليسار). مات حزب "مصر" الحكومى بقرار سيادى، وحزب الأحرار اليمينى المخلق إلى زوال، ولم يتبق إلا أكذوبة أسمها تجمع اليسار. أمل اليسار المصرى فى عودة نخبته المثقفة التى لا تتبنى الفكر الإلحادي، وفى شبابه الجامعى ورجالات عماله وباقى الأطياف المؤمنة بالعدالة الاجتماعية وعودة الموارد الإستراتيجية إلى أصحابها.
وأخيرا وليس أخرا ... تجريف الحياة السياسية فى "مصر المحروسة" لم يخلق فراغا كما يقولون بل خلق مستنقعا أسنا عفنا يعج بالغثاء والقاذورات وبالهوام والحشرات وبالزواحف السامة والطفيليات. غاب عن من تسبب فى تكوين ذلك المستنقع أهم خصائصه ومميزاته الطبيعية ألا وهو انبعاث غاز "الميثان" كنتيجة وتبعية لتحلل المواد العضوية. غار الميثان قابل للاشتعال (!). يكفيه شراره ليحيل المستنقع الآسن الراكد إلى جحيم.
تم بحمد الله المقال الحالى، ولعل فى الحديث بقية .................
هشام الناصر
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.