البيان المالى للموازنة العامة للدولة 2015/ 2016 يقول إن المبالغ المخصصة لدعم الكهرباء قد ارتفعت إلى 31،1 مليار جنيه، مقابل 27.2 مليار فى موازنة السنة المالية السابقة يتساءل المواطن بدهشة: كيف يرتفع مبلغ دعم الكهرباء رغم تراجع الأسعار العالمية للبترول الذى يستخدم فى إنتاجها، ورغم رفع أسعار استهلاك الكهرباء اعتبارا من أول يوليو وللعام الثانى على التوالي، طبقا للجداول التى سبق أن أقرها رئيس مجلس الوزراء فى القرار رقم 1257 لسنة 2014 التى تتضمن رفع أسعار على مدى خمس سنوات؟ تتسع دهشة المواطن ويحار فى أمر دعم الكهرباء عندما يفحص جداول تلك الأسعار فيجد أنها تتصاعد بارتفاع شرائح الاستهلاك، أى أنه كلما كان المستهلك أكثر قدرة مادية يستخدم عددا كبيرا من أجهزة التكييف والأدوات الكهربائية، ويتلألأ النجف فى منزله، وتسطع الإضاءة فى حديقته، ارتفع سعر كيلو وات الكهرباء الذى يستهلكه. الفجوة الكبيرة جدا بين سعرى أدنى شريحة وأعلى شريحة للاستهلاك يتحمله القادرون أصحاب شرائح الاستهلاك العالية. جدول الأسعار المستهدف تطبيقه خلال السنة المالية الحالية على سبيل المثال تتدرج فيه أسعار شرائح الاستهلاك من 9 قروش للكيلو واتساعه فى أدنى شريحة إلى 78 قرشا فى أعلى شريحة، بالعربى الفصيح المواطن لا يحصل على دعم من الحكومة لفاتورة استهلاكه من الكهرباء،، فما هى إذن طبيعة تلك المليارات التى تظهر فى الموازنة العامة للدولة تحت مسمى دعم الكهرباء؟ وإلى من يذهب هذا الدعم؟ البيان المالى للموازنة العامة الجديدة يوضح أن الرقم الخاص بدعم الكهرباء يمثل المبالغ التى تستخدم لتغطية فروق أسعار المواد البترولية المستخدمة فى إنتاج الكهرباء، أى أن الشركة القابضة للكهرباء تشترى الغاز الطبيعى والمازوت من الهيئة العامة للبترول بأسعار أقل من التى كان يتعين دفعها، والفرق يمثل مبالغ مستحقة على الشركة القابضة للكهرباء تقرضها لها الحكومة، ما علاقتنا إذن كمواطنين بكل التشابكات المالية بين شركات الكهرباء ووزارة المالية والهيئة العامة للبترول؟ ولماذا لا تسمى وزارة المالية الأشياء بمسمياتها وتدرج تلك المبالغ فى الموازنة العامة باعتبارها قروضا ممنوحة لقطاع الكهرباء؟ لماذا تحسبها علينا دعما دون وجه حق؟ لماذا تحملنا الحكومة تبعات انخفاض كفاءة أو سوء إدارة شركات الكهرباء؟ لا توجد بيانات معلنة من الشركة القابضة توضح التكلفة الفعلية لإنتاج كيلو وات الكهرباء وتثبت لنا أنه يقل عن متوسط السعر الذى يدفعه جموع المشتركين من جماهير الشعب المصري، لا يوجد أى بيانات أو مؤشرات معلنة توضح لنا مدى كفاءة الشركة القابضة وشركاتها التابعة، وكفاءة معداتها ومحطات توليد الكهرباء التابعة لها، وما تعانيه من مشكلات فنية، وأثر ذلك كله على تكاليف الإنتاج، أخذا فى الاعتبار ما يشير إليه تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن عام 2014 من تهالك 22% من محطات توليد الكهرباء وانخفاض إنتاجية بعضها إلى 5%؟ كل الذى نعرفه هو أن العاملين فى قطاع الكهرباء يعدون من الفئات المحظوظة فى الدولة التى تحصل على أجور وحوافز ومكافآت مميزة، كما نعرف أن هناك متأخرات مستحقة للشركة القابضة للكهرباء طرف العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة، وأنه طبقا لتقارير الشركة القابضة نفسها فإن 40% من المشتركين ككل يدفعون فواتير الكهرباء. تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات 2014 يقول إن المتأخرات المستحقة لشركات الكهرباء طرف الجهات الحكومية والهيئة الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام وشركات مياه الشرب والصرف الصحى قد بلغت نحو 10 مليارات جنيه. وزارة المالية تتحدث عن أهمية دعم المركز المالى للشركة القابضة للكهرباء، ونحن نتفق مع الحكومة بالطبع فى مشروعية ذلك الهدف، إلا أننا نرى أن أول خطوة فى هذا السبيل هى استيفاء مستحقات شركات الكهرباء المتأخرة لدى المؤسسات المختلفة وعلى رأسها المؤسسات الحكومية، فلا يعقل أن تحل الشركة القابضة مشكلة السيولة التى تعانيها وعجزها عن استيفاء حقوقها لدى الغير بوضع يدها فى جيب المواطن! ثم بالله عليكم إذا كانت هناك شريحة من المواطنين تعجز عن سداد فواتير الاستهلاك فى ظل الأسعار الحالية، فهل من المنتظر أن تتمكن بفعل معجزة ما من سداد تلك الفواتير بعد الارتفاعات الجديدة فى الأسعار؟ الشركة القابضة للكهرباء لا تدفع للفقراء شيئا من جيبها، فلتركز جهودها إذن على تحصيل مستحقاتها لدى المؤسسات المختلفة، ولترفع يدها عن محدودى الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، ويكفى هؤلاء حصار ارتفاع أسعار السلع والخدمات الذى سيواجهونه أضعافا مضاعفة نتيجة ارتفاع فاتورة استهلاك الكهرباء للشركات الصناعية، والمنشآت التجارية. الحل الجذرى لمشكلات شركات الكهرباء هو إخضاعها لبرنامج شامل للإصلاح المالى والإدارى والفني، يتم فيه تحقيق ديناميكية الإدارة، وتحسين الكفاءة الفنية، ورفع إنتاجية العاملين على النحو الذى يؤدى إلى خفض تكلفة الإنتاج، وإصلاح الخلل القائم فى الهياكل المالية للشركات، وحل التشابكات القائمة بين مديونياتها ومستحقاتها لدى الغير. حينها ستتمكن شركات الكهرباء من شراء المنتجات البترولية بالأسعار المعلنة دون حاجة للدعم. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى