البيان المبدئى للموازنة العامة الجديدة الذى أعلنته وزارة المالية، يشير فى أكثر من موضع إلى توجهات الحكومة بشأن دعم الطاقة، سواء تعلق الأمر بالمنتجات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وبوتاجاز وغاز طبيعى أو بالكهرباء. الاتجاه العام بالطبع هو تخفيض عبء ذلك الدعم على الموازنة العامة. وزارة المالية تؤكد أنه رغم رفع أسعار المنتجات البترولية وتعريفة استهلاك الكهرباء خلال العام الماضي، فإن تلك الأسعار مازالت أقل من التكلفة الحقيقية التى تتكبدها الحكومة لتوفير المنتجات البترولية والكهرباء للقطاع العائلى وقطاعات النشاط المختلفة، وأنه لا بد من الوصول بأسعار البيع الى المستوى الذى يغطى تلك التكلفة على مدى السنوات القليلة المقبلة. مبدئيا، لا يوجد خلاف على ضرورة إعادة هيكلة دعم الطاقة. فلا يوجد أى منطق يبرر الاستمرار فى توفير الطاقة المدعمة للمشروعات الاحتكارية التى تبيع لنا منتجاتها بأعلى من الأسعار العالمية. ولا يوجد أى منطق يبرر بيع الطاقة المدعمة للأثرياء، الذين تمكنهم دخولهم المرتفعة من تحمل التكلفة الحقيقية دون أى عناء، والذين يحصلون بالتالى دون أى وجه حق على الدعم الذى يفترض أن يوجه لغير القادرين، سواء كنا نتحدث عن الفلاحين وغيرهم من الفئات محدودة الدخل أوالشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، والذين يمثلون فى مجموعهم عشرات الملايين من المصريين يقعون جميعا إما تحت خط الفقر أو قريبا منه. المشكلة أنه عندما قامت الحكومة برفع أسعار المنتجات البترولية خلال العام الماضي، وقع العبء الأكبر على الفئات محدودة الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، ولم يقع على الشركات الاحتكارية التى استمرت تحصل على الطاقة المدعمة وتبيع لنا منتجاتها بأعلى من الأسعار العالمية. الحكومة لم تتمكن من تنفيذ الزيادة فى أسعار الغاز الطبيعى على كبار رجال الأعمال. لكنها نفذت بكل حزم الزيادة فى أسعار السولار للميكروباص والآلات الزراعية وسيارات نقل الخضر والفواكه والبضائع المختلفة، فضلا عن الأسمدة التى يشتريها الفلاح والتى يدخل فى انتاجها الغاز الطبيعي! البيان المبدئى للموازنة العامة الجديدة يخلو والحمد لله من التصريحات السابقة للحكومة بأنها تستهدف تخفيض دعم الطاقة بنحو 50 مليار جنيه خلال السنة المالية المقبلة، فالشعب المصرى يعرف أن فاتورة دعم الطاقة ستنخفض من تلقاء نفسها بحكم تراجع الأسعار العالمية للبترول، ربما بكامل المبلغ المستهدف أو بالجزء الأعظم منه. ولا شك أن المواطن المصرى يتطلع إلى أن تكون تلك التطورات فرصة لالتقاط الأنفاس، وعدم فرض زيادات جديدة فى أسعار المنتجات البترولية التى يستهلكها، وأن تركز الحكومة جهودها على تفعيل الزيادة فى أسعار الطاقة على الصناعات الاحتكارية التى تقاوم التطبيق حتى الآن! إلا أن البيان المبدئى للموازنة يوضح أن الحكومة مازالت تراوح بين التركيز على ترشيد دعم الطاقة والاتجاه إلى رفع أسعار المنتجات البترولية. الترشيد سيتم من خلال استخدام البطاقات الذكية فى توزيع البنزين واسطوانات البوتاجاز، وهو ما يكفل بذاته مواجهة لجانب مهم من تسرب دعم المنتجات البترولية إلى الفئات القادرة وتجار السوق السوداء، وبالتالى تخفيضا للجزء المهدر من ذلك الدعم، على غرار ما أسفرت عنه حتى الآن تجربة استخدام البطاقات الذكية فيما يتعلق بدعم الخبز ودعم السلع التموينية. وطالما أن وزارة المالية ترفع شعار الحوار المجتمعى حول الموازنة العامة الجديدة، فإننا نؤكد لها أن المواطن المصرى لا يحتمل فى الوقت الحالى مزيدا من ارتفاعات الأسعار، وندعوها إلى التركيز فى هذه المرحلة على ترشيد استخدام الطاقة المدعمة ومواجهة صور الهدر والتسرب، كما ندعو الحكومة إلى استجماع قواها وتفعيل الزيادات التى سبق أن قررتها بالنسبة للغاز الطبيعى على الصناعات الاحتكارية كثيفة الاستخدام للطاقة، وأن تمارس هيبتها الحقيقية كى تفرض على تلك المشروعات تحمل الزيادة فى التكلفة خصما من أرباحها الضخمة وعدم نقل عبئها إلى المشترى المصرى فى صورة رفع جديد لأسعار منتجاتها. أما فيما يتعلق بفواتير الكهرباء، والتى ارتفعت بالفعل منذ بضعة شهور فإن البيان المبدئى للموازنة العامة يؤكد استهداف رفع تلك الأسعار مع بداية كل سنة مالية طبقا للجداول التى سبق أن أقرها رئيس الوزراء فى القرار رقم 1257 لسنة 2014. وزارة المالية تتحدث عن أهمية دعم المركز المالى للشركة القابضة للكهرباء. ونحن نتفق مع الحكومة بالطبع فى مشروعية ذلك الهدف، إلا أننا نرى أن أول خطوة فى هذا السبيل هى استيفاء مستحقات الشركة القابضة للكهرباء المتأخرة لدى المؤسسات المختلفة وعلى رأسها المؤسسات الحكومية. فلا يعقل أن تحل الشركة القابضة مشكلة السيولة التى تعانى منها وعجزها عن استيفاء حقوقها لدى الغير بوضع يدها فى جيب المواطن! فكلنا يعرف أن تعريفة أسعار الكهرباء تتدرج وفق شرائح الاستهلاك، وأن الشرائح العليا تتحمل بالفعل تكلفة الدعم الموجه لأصحاب شرائح الاستهلاك الدنيا والتى تقترن عادة بأصحاب الدخول المحدودة. بالعربى الفصيح الشركة القابضة للكهرباء لا تدفع للفقراء شيئا من جيبها. فلتركز الشركة جهودها إذن على تحصيل مستحقاتها لدى المؤسسات المختلفة، ولترفع يدها عن محدودى الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، الذين يحتاجون على العكس إلى توسيع الشريحة المقررة لهم بما يغطى احتياجات الاستهلاك الآدمي، على أن يستمر تحميل فاتورة ذلك الدعم على الفئات القادرة والتى تقع فى الشرائح العليا لاستهلاك الكهرباء. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى