اقترن الإعلان عن اعتماد الموازنة العامة الجديدة للدولة بتصريحات عن تخفيض دعم الطاقة لمواجهة عجز الموازنة المتفاقم الذى يصل، حتى بعد التخفيض، إلى نحو 240 مليار جنيه تترجم على الفور إلى ديون إضافية يتحمل أعباءها الجيل الحالى والأجيال القادمة. دعم الطاقة يغطى كلا من الغاز الطبيعى والبوتاجاز والبنزين والكيروسين والسولار والمازوت، بالإضافة إلى الكهرباء. طبقا لوزارة المالية هذه المنتجات يتم بيعها فى السوق المحلية بأقل من تكلفة انتاجها أو استيرادها، وتتحمل الدولة الفرق الذى بلغ نحو 113 مليار جنيه فى موازنة عام 2013/2014. الحكومة تعلن أن المستفيد الأساسى من دعم الطاقة حاليا هم الأغنياء وليس الفقراء. والحقيقة أننا لانحتاج إلى أى تأكيدات فى هذا الشأن؛ فنحن نعلم جيدا أن الفقراء لا يملكون سيارات ولا أجهزة تكييف، ولا بيوت يسطع فيها النجف الكريستال ويتربع مختلف أنواع الأدوات الكهربائية، كما أنهم بالتأكيد لا يملكون فيلات بها حمامات سباحة تحتاج لفلاتر كهربائية لتنقية مياهها. بل نعلم جيدا أن الفقراء قد لا يكون لديهم كهرباء أصلا. الموازنة العامة الجديدة تتضمن تخفيض دعم الطاقة بنحو 41 مليار جنيه، ضمن خطة تستهدف إلغاء هذا الدعم تدريجيا على مدى خمس سنوات. تخفيض الدعم يعنى رفع أسعار المنتجات البترولية وأسعار الكهرباء. نشرت الصحف بالفعل الأسعار المتوقع تطبيقها لكل من البنزين والسولار. رئيس الوزراء يؤكد انه لا مساس بالفقراء ووزير التموين يؤكد أنه لن تحدث زيادة فى أسعار المواد التموينية. ونحن نؤكد أننا لا نصدق الحكومة! المستخدم الرئيسى للغاز الطبيعى والمازوت والسولار وغيرها من المنتجات البترولية التى يتم رفع أسعارها يتمثل فى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة (الأسمنت، الأسمدة، حديد التسليح، الألومنيوم، الصناعات الغذائية ..) يليها قطاع الكهرباء ، وقطاع النقل والمواصلات. رفع أسعار المنتجات البترولية يعنى رفع تكلفة انتاج السلع المصنوعة ورفع فاتورة الكهرباء ورفع تكلفة نقل البضائع وتكلفة البنزين والسولار للتاكسى والميكروباص ووسائل النقل العام. ارتفاع التكلفة كرة من اللهب سيحرص كل طرف من تلك الأطراف على إلقائها “فى حجر” الطرف الذى يليه بعد أن يضيف إليها هامشا من عنده. المنتج سيعوض ارتفاع تكلفة الانتاج برفع سعر السلعة، صاحب سيارة النقل سيرفع سعر نقلة البضاعة، تاجر الجملة سيعوض تلك الزيادة فى التكلفة برفع سعر البيع لتاجر التجزئة، الذى لن يتوانى عن تحميلها على المشتري. سائق التاكسى والميكروباص لن يتأخر فى رفع البونديرة. كل صاحب عمل حر سينقل أثر ارتفاعات الأسعار على أجره، الطبيب، المهندس، المحامي، الحرفي، مطعم الفول والطعمية. الكل سيلقى بكرة اللهب فى حجر الذى يليه لكى تستقر فى النهاية بكل ما أضيف إليها من زيادات فى حجر أصحاب الدخل الثابت والمحدود. الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة هى التى ستحترق فى النهاية بلهب تخفيض دعم الطاقة. رئيس الوزراء يعلن أن أثر تخفيض دعم الطاقة على تكلفة النقل سيكون محدودا، وأن الزيادة فى تعريفة الميكروباص ستتراوح بين 2% و 6%. الأمر يوحى إذن بأن الحكومة قد درست جيدا الآثار المتوقعة لتخفيض الدعم وحسبتها بالورقة والقلم. ولكن الحقيقة أن الواقع شئ آخر. لو فرضنا أن أجر الميكروباص عن مسافة معينة هو جنيه واحد فإنه طبقا لحسابات الحكومة ستكون الزيادة فى تعريفة الركوب ستة قروش فقط. كلام جميل طبعا، بضعة قروش قليلة يمكن تحملها. إلا أن الحكومة لا تركب الميكروباص ولا تعلم أن أقل وحدة تعامل نقدى فى البلاد هى «الربع جنيه». فلا وجود لستة قروش ولا عشرة. الزيادة فى تعريفة الركوب لن تقل عن 25 قرشا. فى حوار مع سائق التاكسى حول الأسعار الجديدة للبنزين قال إنه يتوقع الدخول فى معارك مستمرة مع الركاب لزيادة الأجرة لتعويض الزيادة فى سعر البنزين، وأن الأمر يتطلب تعديل العدادات بما يتناسب مع التكلفة الجديدة لأنه من الظلم أن يتحملها هو. تحدث عن كل الارتفاعات التى يتوقعها فى أسعار الخضر والمواد الغذائية. قلت له ولكن الحكومة سبق أن أعلنت أنه سيتم نشر سيارات لبيع الخضر والفاكهة بأسعار منخفضة لمواجهة احتكارات التجار الكبار. فالتفت لى قائلا «طب وانتى شفتى العربيات دى نزلت؟» من المؤكد أنه يتعين خفض دعم الطاقة. يتعين تخفيض دعم الغاز الطبيعى والمازوت والسولار والكهرباء للصناعات الاحتكارية التى تبيع منتجاتها فى السوق المحلية بأعلى من الأسعار العالمية، ويتعين رفع سعر الكهرباء لشرائح الاستهلاك العليا. إلا أنه لابد وأن يتم تحديد هامش الربح للصناعات الاحتكارية حتى لا تنقل العبء إلى المشترى المحلي. لا بد من الإبقاء فى المرحلة الحالية على دعم الطاقة بالنسبة للصناعات الغذائية، لابد من إجراءات جادة لضبط الأسعار فى السوق ودخول الحكومة كلاعب رئيسى فى شراء الخضر والفاكهة والمواد الغذائية من الفلاح والمنتج وبيعها فى السوق بهامش ربح منخفض. لابد من تحديد تعريفة منصفة للراكب والسائق والرقابة الجادة على تطبيقها. لا بد من الإبقاء على أسعار الشريحة الدنيا لاستهلاك الكهرباء دون تغيير وتوسيع تلك الشريحة إلى المستوى الذى يغطى متوسط الاحتياجات الآدمية الأساسية. الحكومة تقول إنها ستوجه المليارات التى توفرها من الدعم إلى تحسين خدمات الصحة والتعليم للفقراء. المطلوب إذن إبقاء الفقراء، وقود الثورة، على قيد الحياة كى يروا هذا التحسن. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى