للأعياد في الإسلام منزلتها الكريمة, ومكانتها العظيمة, فهي تعود علي الأمة الإسلامية في كل عام, وهي أيام خير وبركة, وفضل وإنعام, من الله تعالي, وكلمة العيد مشتقة من العود, لأنه يعود في كل عام, ولأن الله تعالي يضفي علي عباده من عوائد الخير والمغفرة والإحسان فيه. والأعياد في الإسلام فواصل زمنية بين مرحلة من العبادة وأخري, واقترن كل عيد من الأعياد بعبادة من العبادات, فعيد الفطر مقترن بعبادة الصيام, وعيد الأضحى مقترن بعبادة الحج إلي بيت الله الحرام. وعيد الفطر يحمل بين طياته الشكر والفرحة لقيام أمة التوحيد ونزول أول فيض رباني من الوحي الإلهي في رمضان بأول آية من القرآن نزولا «اقرأ باسم ربك الذي خلق» وبأول غيث من رسالة السماء يتدارك هذه الأمة, وأول لبنة في قيام أمة التوحيد ودعوة الإسلام ببعثة خير الأنام وخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام. كما أن عيد الأضحى فيه فرحة كبري وشكر للمنعم سبحانه علي إكمال الدين وإتمام النعمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا». وكان اختيار الإسلام لهذين اليومين (يومي الفطر والأضحى) بدل غيرهما مما كان الناس يتخذونهما عيدين في الجاهلية. عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قدم الرسول صلي الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية, فقال: ان الله تبارك وتعالي قد أبد لكما بهما خيرا منهما, يوم الفطر ويوم النحر رواه أحد وأبوداود والنسائي. وفي يوم الفطر تتحقق فرحة المؤمنين بتوفيق الله لهم بأداء عبادة الصيام والقيام, كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحه عند لقاء ربه رواه البخاري ومسلم. ويوم الفطر هو يوم الجائزة, كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة علي أبواب الطرق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلي رب كريم, يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل, لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم, فإذا صلوا نادي مناد: ألا أن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلي رحالكم فهو يوم الجائزة, ويسمي ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في المعجم الكبير. وأباح الإسلام في الأعياد الترويح عن النفوس, والمرح الحلال البعيد عن المحرمات عن عائشة رضي الله عنها أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم عيد فتطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت ورووا عنهما أيضا أنها قالت: دخل علينا أبو بكر في يوم عيد وعندنا جاريتان تغنيان بيوم بعاث ( وهو يوم مشهور من أيام العرب) فقال أبو بكر عباد الله أمزمارة الشيطان؟ قالها ثلاثا, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم يا أبا بكر ان لكل قوم عيدا وإن اليوم عيدنا وفي رواية عروة أنه قال: لنعلم يهود المدينة أن في ديننا فسحة وأنني أبعث بحنيفية سمحة رواه أحمد والبخاري. وبهذا البيان السمح والتعاليم السمحة ندرك عظمة الإسلام ويسره وأنه لا تشدد فيه ولا تزمت, ولا عنف ولا تطرف. وشرع الإسلام في عيد الفطر زكاة الفطر قبل صلاة العيد وقبل اجتماع الناس ببعضهم لتتم المواساة أولا, كما دعا الإسلام إلي صلة الرحم والتزاور والمصافحة والإصلاح, والتسري عن النفس مما أصابها من كدح في الحياة, ومشقة ومعاناة. ففي يوم عيد الفطر تذكير بنعمة الله علي الخلق بالتشريع السماوي الذي أخرج الناس من الظلمات إلي النور, وهذا التشريع كان أساس بناء الدولة الإسلامية دولة التوحيد والإيمان, كما أن يوم الأضحى يوم إكمال الدين وفي العيد يتم أكبر اجتماع ممكن, بعد أن اجتمع المسلمون كل يوم خمس مرات في الصلوات الخمس ثم علي مستوي الحي أو البيئة, ثم يجتمعون اجتماعا اكبر كل أسبوع في صلاة الجمعة, ثم يجتمعون اجتماعا أكثر عددا في كل عام مرتين في عيدي الفطر والأضحى, كل ذلك ليتعودوا علي الاجتماع ووحدة الصف ووحدة الهدف. وعلي المسلمين في هذا اليوم أن يتواصلوا وأن يهنئ بعضهم بعضا قائلا: تقبل الله منا ومنكم. بعد هذه الرحلة الروحية مع شهر الصيام, فيصحب المؤمن في عيد الفطر دروسا باهرة من أيام النصر في رمضان, أنها أيام نصر علي النفس الأمارة بالسوء بالهداية والطاعة والتخلق بمكارم الأخلاق. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم