»تعيش مصر حالة استثنائية وتواجه موجة إرهاب غاشمة استثنائية تقترف أبشع الجرائم وتعتدي علي كل مؤسسات الدولة وشعبها ورجال جيشها وشرطته ،وقضاتها بتفجيرات وأعمال إرهابية خسيسة ، وهذه الجرائم الإرهابية تعاملها كل الدول بإجراءات استثنائية وعلي رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية ،ومع ذلك تعامل القضاء المصري مع هذه الجرائم وفق قانون الإجراءات الجنائية وإجراءاته العادية ، بمراحل تقاض طويلة ، ولم ينفذ أي حكم تجاه أي إرهابي من قيادات الجماعة حتي هذه اللحظة ، ومعظم الأحكام ابتدائية وغير نهائية وهناك مراحل طويلة للطعن أمام النقض وإعادة المحاكمة، ومع كل ذلك لم تسلم السلطة القضائية من الإساءة والتشويه لنزاهتها وحياديتها من قبل الجماعة الإرهابية وبعض المنظمات والدول، وفي »هذا التحقيق« نحاول من خلال رجال القضاء والقانون الوقوف علي الإغراض الحقيقية وراء محاولات تشويه القضاء ، وتوضيح نظام التقاضي في القضايا الجنائية، ومدي توافر الضمانات التي تكفل للمتهمين حق الدفاع عن أنفسهم ، وكذلك مدي جدوي قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات في تحقيق العدالة الناجزة. في البداية يؤكد الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق والفقيه الدستوري أن القضاء المستقل هو دليل دولة القانون وهؤلاء الإرهابيون أعداء دولة القانون ولا يحبون القانون ولا دولته ولذا فهم يحاربون ويشوهون كل ما هو قانوني ، فهم شخصيات لا خلاق لهم ولا دين وكل ما يبتغونه هو تحطيم الوطن من أجل التنظيم الدولي، والذي يدعمه تحالف خارجي وذلك التحالف يسعي لتحطيم الأمة العربية والإسلامية و يوجهون سهامهم صوب القانون الممثل في مؤسسة القضاء . أما الدكتور محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق يقول أننا نعيش حالة حرب حقيقية لها جانب يتعلق بالحرب النفسية والممثلة في حملات التشويه والإساءة لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء والشرطة والجيش والجانب الأخر منها مادي المتمثل في تفجير المتفجرات واستخدام البنادق سريعة الطلقات والإحراق والإتلاف والتدمير ،ولدي الجماعة الإرهابية بالجانب المعنوي جهاز يقوم بجمع المعلومات ورصد الضحايا ونشر الشائعات في وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر الانترنت لتشويه القضاء والادعاء انه مسيس وغير صالح للعدالة وغيرها من الادعاءات الباطلة ،لان أهدافهم الرئيسية تدمير الدولة والمشكلة بصورة أساسية من القوات المسلحة والقضاء والجيش ، وهم يعملون علي هذه المحاور جميعا لتفتيتها وتدميرها والاستيلاء عليها في حال نجاحهم بمساعيهم وبعدها يسهل لهم الاستيلاء علي السلطة بالدولة لإقامة الفاشية الاستبدادية باسم الإسلام. محاولات مشبوهة وفي نفس الاتجاه يذكر المستشار محمد الشناوي نائب رئيس المحكمة الدستورية أن الادعاءات والدعاية التي تروجها الجماعة الإرهابية جميعها محاولات مشبوهة مقصود منها الإساءة للقضاء المصري وتلك محاولات تقوم بتمويلها جهات أجنبية بعينها في المقام الأول عدم استقرار مصر ،وغل يد العدالة في الوصول لمرتكبي الجرائم التي تسبب الإزعاج والقلق للدولة المصرية ، وعلي هذه الدول أن تطلع جيدا علي النظام القضائي المصري وتاريخه واستقلاله عبرا لقرون ، فالقضاء المصري منذ نشأته وهو مستقل تماما ولم يسمح بتدخل أي سلطة فيه علي الإطلاق ، ولم تجريء أي سلطة علي التدخل في شئون القضاء لأنهم يعلمون أن القضاة سيرفضون أي محاولات تدخل في عملهم ، والشواهد التاريخية خير دليل علي هذا ، وخير مثال ما حدث عام 1969 حينها تعرض القضاء لمحاولات للتدخل في شئونه وتم عزل بعض رموزه وأعضاءه ، ومع هذا القضاء رفض التدخل في أحكامه وحافظ علي استقلاليته و لم يتوقف القضاء المصري علي تحقيق العدالة ويستطرد قائلا أني علي يقين أن تلك الدول والمنظمات الخارجية يعلمون حقيقة الأوضاع ولكنهم يعمدون إلي تشويه الصورة، ونظرا لسيطرتهم علي وسائل الإعلام لديهم ،يستخدمونها لنشر الهلع علي جميع المستويات ، فمن الأمور التي تعجبنا وأسفنا لها بشدة أن نجد منظمة العفو الدولية تصدر بيان تنتقد فيه قانون الإجراءات في مصر بعد حادث اغتيال النائب العام مباشرة وتتغاضي عن هذا الحادث الإرهابي الإثم ، ولا نعلم كيف يحدث هذا،ولكن من الواضح أن تلك المنظمات لا يعنيها الأبرياء الذين يستشهدون ولا يعنيها الدماء التي تسيل ولا يشغل اهتمامها سوي القتلة والمجرمين والذين يحققون مطامحهم في تحطيم مؤسسات الدولة ،وبدأوها بمؤسسة عريقة لها تاريخها والتزاماتها ،و تعود أعضائها أن يقروا الحق والعدل ولا يثنيهم عن أدائه آي شيء ، من نابع شعورهم بمدي الأمانة التي في أعناقهم ، ولم يعتادوا التخلي عن تلك المسئولية. ويضيف قائلا أن تلك المؤسسات تعمد بث المخاوف في نفوس القضاة حتي يعدلوا عن طريقهم نحو تحقيق العدالة وبحكم معرفتي بطبيعة القضاة فلن يعدلوا عن إحقاق الحق وتوفير العدالة للمصريين جميعا .كما أننا لا نعرف كيف تعترض وتنقد جميع تلك الدول والمنظمات بالخارج علي فكرة تطبيق الإعدام أو صدور حكم يقضي به ، خاصة وأن أحكام الإعدام تنفذ في هذه الدول بل ويحضرون عملية تنفيذها ، وموقفهم هذا لا ينم سوي عن ازدواجية المعايير ، ففي بلادهم يتعاملون بمعيار ولدينا يتعاملون بمعيار أخر،وهذا يظهر مدي نفاقهم من أجل الهدف الخسيس الذين يسعون إليه . ويضيف قائلا ومن المغالطات التي يرددونها القول بأن الإحكام مسيسة ليعطوا إيحاء للرأي العام في الخارج والداخل بتدخل السلطة في استصدار أحكام قضائية ، وهذا شيء لم ولن يحدث علي الإطلاق ، فهذه الأقاويل والادعاءات هدفها الوشاية بالقضاء المصري ويتساءل الشناوي أين هذه الأحكام المسيسة التي يدعونها ،وما دليلهم علي تسييس الحكم ، فالمحكمة تستند إلي وقائع وأدلة ثابتة ودامغة لكي تصدر أحكامها ، وعندما ينتابها الشك في أي أمر بالقضية تصدر حكما بالبراءة علي الفور، ويتعجب الشناوي من الذين خرجوا يطالبون القضاء باستبدال حكم الإعدام بالحبس مدي الحياة ، وهذه أحاديث غير منطقية ، فعلي سبيل المثال حباره الذي ضلع في مقتل 25 جنديا من أبنائنا بالجيش المصري فبأي منطق يقبل إبدال الحكم بالإعدام عليه والحبس مدي الحياة ، فأين ذهب دم الشهداء الذين قتلهم ، وأين هذه الأقاويل من الشريعة الإسلامية وقوله تعالي «لكم في القصاص حياة» والدستور في المادة الثانية منه تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، والقضاة ملتزمون بنصوص الدستور وبالشريعة . ولكي يصدر حكم بالإعدام تتوفر ضمانات هائلة قبل إصدار مثل هذا الحكم ، ولا اعتقد توجد مثل هذه الإجراءات في بلد أخر غير مصر ، والذي يلزم أن تصدر محكمة النقض حكم الإعدام بإجماع الآراء ، ولابد أن تطعن فيه النيابة العامة بالنقض ،بالإضافة إلي حق المتهمين بالطعن في النقض ،وفي حال انتهاء محكمة النقض لتأييد حكم الإعدام ، يلزم أن يتفق السبعة أعضاء في المحكمة علي الإجماع علي تأييد حكم الإعدام دون أن يتخلف عضو منهم ، وهذا الإجماع بالتأييد علي الإعدام بمحكمة النقض لا يحدث من أول مرة ، وتعاد القضية لمحكمة الجنايات وتنظرها دائرة أخري والتي لابد لثلاثة أعضاء المستشارين بها أن يؤيدوا حكم الإعدام بالإجماع ، ثم يعاد الطعن فيها بالنقض للمرة الثانية ، و لصدور الحكم النهائي بالإعدام يلزمه أجماع السبعة أعضاء بمحكمة النقض ،وهذا يعني أن هناك 20 قاضيا نظروا القضية وأجمعوا كلهم علي أن هذا المتهم يستحق تنفيذ عقوبة الإعدام ، فما الضمانة الواجب توافرها أكثر من تلك الإجراءات والتي يمنح خلالها للمتهم حق تقديم الدفاع الذي يرغب فيه وتقديم المستندات والأدلة التي تدعم موقفه بالقضية. ويضيف الشناوي مؤكدا أنه غير قلق علي القضاء المصري مؤسسة شامخة وستبقي صامدة إزاء الهجمات التي يتعرض لها رجالها والتي يهدفون من خلالها إرهاب القضاة ولكن محاولتهم فاشلة ولن ينجحوا في إرهاب القضاء ، لان القاضي لا يخشي سوي الله و لديه قناعة أن حسابه عند الله وحده ، ويوم القيامة ميزان أعماله هو الفيصل في الآخرة. ومن ناحية أخر تري المستشارة تهاني الحبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق أن استهداف القضاء من الدولة المعادية لمصر والضالعة في مخطط الشرق الأوسط الكبير كما يطلقون عليه ،والذي يقوم علي إعادة تخطيط المنطقة وتفتيتها وتجزئة الدول الوطنية الموجود بها ، وهم من يرفعون الشعارات المزيفة بتسييس القضاء ، والتعليق علي الإحكام ونشر ادعاءات كاذبة جملة وتفصيلا علي مصداقيتها،فهذه الدول تمارس ما نسميه الابتزاز الدولي في محاولة منها للتشويه والتشويش علي مصر في هذه المرحلة ، خاصة بعد أن نجحت ثورة الشعب المصري في إخفاق مساعي التنظيم العميل لهم تنظيم جماعة الإخوان وهذه التوجهات تعبر عنها التقارير التي تعدها منظمات مشبوهة وممولة من هذه الدول ، أو ترددها بعض الشخصيات الرسمية لديهم بمؤتمراتهم الصحفية ،وكل هذه الظواهر تسعي للنيل من مصداقية هيبة واستقلال ونزاهة القضاء المصري ، والذي يشهد له العالم كله بنزاهته واستقلاله وحيدته وهذا يؤكده تاريخ القضاء المصري الراسخ وتستطرد الجبالي قائلا لا يعنينا كثيرا ما يردده أو يقوله الأعداء في محاولة لتشويه صورة القضاء ، غير أن الحقيقة تكذب ادعاءاتهم ، فالقاضي المصري يطبق القانون العادي من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية وفي محاكمات عادية ، ولا توجد محكمة استثنائية أنشئت في مصر رغم أنه كان من حقنا إنشاء تلك المحاكم بل كان يجب بعد الثورة إنشاء محاكم استثنائية وثورية ، غير أن هذا لم يحدث ، ويحاكم الجميع أمام القضاء العادي ووفق القوانين العادية ،وهذا كله بمثابة رد علني من مصر علي كل الادعاءات الباطلة التي يراد بها باطلا من تلك الدول والتنظيم الإرهابي ، وتضيف الجبالي أننا نحتاج إنشاء محاكم متخصصة لمحاكمة الجريمة الإرهابية ، فجميع دول العالم بها القوانين المنظمة لمكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية ، والآلية في تلك القوانين تنشأ هذه المحاكم المتخصصة وتطبق إجراءات محددة داخل هذه القوانين ، ولا تطبق الإجراءات الجنائية بالقانون العادي والذي وضع من الأساس للجريمة العادية ، والجريمة الإرهابية لها طبيعة خاصة يجب أن تواجه بقانون وإجراءات وعقوبات رادعة من خلال قانون خاص ومستقل بها ، وهذا ما نطالب به لنحقق العدالة الناجزة. وتري الجبالي لمواجهة ذلك علينا بأخذ تدابير محدده والتي أشار إليها الرئيس أثناء جنازة النائب العام بضرورة تعديل القوانين بحيث تقضي بإجراءات حاسمة ،وضرورة العمل علي تأمين القضاة الذين ينظرون قضايا حرجة وبها عنف إرهابي وتضيف قائلا: إن التعديل للقوانين يجب أن يشمل أوضاعا محددة ،لأن الأممالمتحدة أصدرت قرارا حددت فيه طبيعة الجريمة الإرهابية وعناصرها وكيفية مواجهتها، كما أن مصر لديها مشروع قانون لمكافحة الإرهاب منذ عهد مبارك ولكنه لم يصدر حتي الآن ، مع أنه قانون وضعته لجنة رفيعة المستوي برئاسة المستشار سري صيام رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلي حينها ،وهذا القانون وصف الجريمة الإرهابية وحدد الإجراءات التي تتخذ حيالها،وهذا القانون أوضح الاختلاف بين الجريمة الإرهابية والعادية ،فهذه الجرائم ترتكب من قبل جماعات منظمة تكون هناك امكانية للقيام بضربات استباقية لها في حال توفرت معلومات تفيد بالتخطيط لإحدي هذه الجرائم.