كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    مفاجأة في أسعار كرتونة البيض اليوم الجمعة في بورصة الدواجن والأسواق    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة شركات صاني الصينية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة    وزارة التضامن تفتتح غدا معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالبحر الأحمر    الميلاد تحت الحراسة: كيف تستخدم إسرائيل المسيحيين وأعيادهم لتجميل وجهها وتفكيك خصومها؟    مصر: نتابع باهتمام التطورات في اليمن ونؤكد دعم وحدته وسيادته    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    عاصفة شتوية عنيفة تضرب الولايات المتحدة وتتسبب في إخلاء منازل في لوس أنجلوس    الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافًا لحزب الله في لبنان    باكستر: جنوب إفريقيا أقرب للفوز على مصر    معتدل نهارا بارد ليلا....حالة الطقس اليوم الجمعه 26 ديسمبر 2025 فى المنيا    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بقنا    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    أيمن بهجت قمر يحتفل بتصدر أفلامه قائمة أعلى الإيرادت بالسعودية    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    جيش الاحتلال: قصفنا مجمع تدريب ومستودعات أسلحة تابع لحزب الله في لبنان    نقل الفنان محمود حميدة للمستشفى بعد تعرضه لوعكة.. اعرف التفاصيل    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    ذكرى سعيدة ل حسام حسن قبل مواجهة جنوب أفريقيا اليوم (فيديو)    فضل شهر رجب.. دعاء مستحب واستعداد روحي لشهر رمضان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    انطلاق الامتحانات العملية لطلاب برنامج الصيدلة الإكلينيكية بجامعة القاهرة الأهلية    خطوات مهمة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء، تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسؤولية الطبية    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    مخاطر الوجبات السريعة على صحة الأطفال    مفاجأة للأمهات.. أول زيارة للأطفال لطبيب الأسنان تبدأ في هذا العمر (فيديو)    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    الأرصاد تحذر من ضباب يغطي الطرق ويستمر حتى 10 صباحًا    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    أمم إفريقيا - طالبي: آمل أن يستغل الركراكي قدراتي.. وعلينا أن نتعامل مع الضغط بإيجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحفادهم‏:‏ نعم‏..‏مثلهم‏:‏ لا‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 04 - 2010

كم أنت كافرة يا لقمة العيش‏!‏ وكم فيك يامصر من مبكيات مضحكات‏..‏ ولكنه ضحك كالبكاء‏!‏ قالها المتنبي أيام كافور الاخشيدي الذي هجا المتنبي وقال عنه لأنه أسود البشرة‏:‏ إن العبيد أنجاس مناكيد‏!‏. وكان في تصوري وتصور طابور طويل من نقاد السينما العالميين الذين اختاروا هذا المشهد السينمائي في فيلم القاهرة‏30‏ كواحد من أعظم المشاهد السينمائية في العصر الحديث والذي يصور حال الناس في مصر في بدايات القرن العشرين‏.‏
ماذا يقول لنا هذا المشهد العجيب الذي شهد أروع دور لعمنا الجراند بريميه أي الممثل الكبير شفيق نور الدين الذي قام بدور عبد الدايم الأب للفتي محجوب الذي قبل من أجل لقمة العيش أن يأكلها مغموسة في وحل الشرف؟
القاهرة 30
المشهد يقول‏:‏ لأن محجوب زوج إحسان حبيبة قلب قاسم بيه قد أصبح مدير مكتبه متخطيا بلدياته سالم الإخشيدي ولي نعمة أخونا محجوب في الشرقية‏..‏ فدبر له هذا المقلب المثير بأن أفشي لزوجة الوزير عقيلة راتب أن زوجها يذهب مساء كل يوم سبت الي بيت محجوب ليلتقي بزوجته إحسان تحت سمعه وبصره‏..‏ وفي نفس الوقت أرسل لوالد محجوب محمد عبد الدايم شفيق نور الدين يخبره بعنوان ابنه الجديد في القاهرة‏..‏ لتبدأ وقائع المشهد كالآتي‏:‏
‏*‏ محجوب يشكو لزوجته إحسان من صداع رهيب في رأسه‏..‏ فتقول له‏:‏ بلاش ييجي قاسم بيه الليلة دي‏..‏ هو حايشترينا واللا إيه؟
محجوب‏:‏ معلهش حانزل أدور في الأجزخانة علي حاجة للصداع‏!‏
في نفس اللحظة يرن جرس الباب‏..‏ يفتح محجوب ليجد أباه الذي يقاطعه ولم يرسل إليه أي مساعدة مالية أبدا‏..‏ أمامه وجها لوجه‏!‏
يتردد محجوب لحظة والأب يسأله‏:‏ حفضل علي الباب كده‏!‏
يدخل الأب الذي يفاجأ بمظاهر العز والفخفخة في أثاث الشقة فيقول لابنه‏:‏ دا احنا يابني ظلمناك‏..‏ وإنت عايش في الفقر ده‏..‏ دا أمك كانت عاوزة تبيع الكنبة اللي بنقعد عليها بريال وتبعتهولك‏!‏
محجوب‏:‏ اصل أنا كنت الشهر ده حابعت لك مساعدة‏!‏
الأب‏:‏ الواجب المقدس‏..‏ موش ده كلامك يامحجوب‏..‏ عشان الواجب المقدس ده أنا بشحت مديت إيدي للناس‏!‏
عشت واتنغنغت ونسيت أهلك‏..‏ فاهمك يامحجوب‏..‏ لكن اللي ماكنتش فاهمه أن ضميرك يموت للدرجة دي‏!‏
تدخل إحسان زوجة محجوب‏..‏
يسأله الأب‏:‏ مين الغندورة دي؟
محجوب‏:‏ دي مراتي‏!‏
الأب‏:‏ وكمان اتجوزت‏!‏
محجوب‏:‏ أصل الوظيفة والجوازة حاجة واحدة‏!‏
يصل قاسم بيه ويدخل الي غرفة النوم وهو ينادي إحسان‏:‏ سوسو إنت فين ياحبيبتي‏!‏
يسأل الأب‏:‏ مين ده اللي جالكم؟
محجوب‏:‏ ده حماي أبو مراتي‏!‏
محجوب عبد الدايم (حمدى أحمد ) وإحسان (سعاد حسنى )
فجأة يدق جرس الباب‏:‏ يذهب محجوب ليفتح ليجد أمامه زوجة قاسم بيه تقتحم الشقة كالمهرة الهائجة تسأله‏:‏ فين حجرة الشرف هنا ؟
تدق بابا وتزعق بأعلي صوتها‏:‏ افتح ياقاسم بيه يامربي الجيل ياوزير الفضيلة‏..‏ لازم أفضحك قدام كل الناس‏..‏ وفي الجرائد وفي كل حته‏..‏ افتح‏!‏
يخرج قاسم بيه مهرولا محاولا أن يحتوي هذه المهرة الهائجة التي تصيح فيه وهي تضرب عمنا محجوب بالقلم علي وجهه‏:‏ موش عيب اني أضبطك في بيت الندل ده وهو واقف لك علي الباب ديدبان‏!‏
في ثوان‏..‏ أصبحت فضيحة بجلاجل في العمارة كلها‏..‏ وعم عبد الدايم والد محجوب مذهولا يسأله‏:‏ فيه ايه يابني؟‏!‏
ثم يفتح باب الشقة وهو يبكي ويقول لابنه‏:‏ أنا مروح القناطر‏..‏ حاقولهم في البلد‏..‏ محجوب مات‏..‏ مات واندفن‏!‏
هذا المشهد يستحق عليه شفيق نور الدين جائزة الأوسكار‏..‏
هذا الكلام ليس لي‏..‏ ولكنه لجورج ساؤول الناقد السينمائي الفرنسي العالمي‏!‏
ما زلنا مع الدنيا قبل نحو مائة عام‏..‏ لقد آن لنا أن نخرج من حقل الوحل الذي مشينا فيه بأقدامنا طويلا‏..‏ كلنا أصابتنا غصة في الحلق ومرارة في الفم وغيامة في العيون‏..‏ وعطل في بوصلة الطريق‏..‏
تعلقنا ببارقة أمل اسمها علي طه‏..‏ ذلك المناضل طول الوقت‏..‏ لايتوقف أبدا عن حب مصر‏..‏ من النضال من أجلها‏..‏ زاره زوار الفجر من رجال البوليس السياسي أيامها وأخذوه معهم ولم يعيدوه إلا حطاما بعد أن أعطوه درسا لن ينساه‏..‏
أغلقوا مجلته‏..‏ فلم يتوقف‏..‏ حتي قالت السرايا حكمها‏:‏ لا فائدة لابد من الخلاص من علي طه رمز الشباب المصري المناضل في الثلاثينيات من القرن الماضي‏..‏ ثلاثة من البوليس السياسي يتربصون له بالمسدسات‏..‏ ولكنه أصر علي أن يخرج إليهم‏..‏ قرر أن يوزع منشورات ضد الملك‏..‏ في نفس ساعة إلقائه خطاب العرش‏..‏
ترك فراش المرض وجري عند القلعة يلقي منشورات ضد الملك وضد الإستعمار وضد الحكومة العميلة‏..‏ ونجح في تخطي حاجز الموت‏..‏ ونجا من رصاص أعداء الحرية‏..‏ وقرأت مصر كلها منشوراته التي تدعو للحرية وللنضال‏..‏ حرية مصر والمصريين‏..‏ وكانت تلك البداية‏..‏ بداية شرارة ثورة مصر التي شاء قدرنا أن تولد بعد عشرين عاما فقط في‏..1952‏
لقد قام طلبة شعبة الإعلام بقسم الاجتماع بجامعة الإسكندرية بعمل دراسة في موضوع غاية في الحساسية وهو‏:‏ ما الفرق بين جيل القاهرة كما جاء في كتاب نجيب محفوظ والتي رأيناهم في الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف وبين مايحدث في الحياة الآن؟‏.‏ وكانت هذه الدراسة التي تعبر عن رؤية هذا الجيل الذي يعيش الآن في القاهرة‏2010:‏
قالوا‏:‏ نحن نفس الشخصيات ولكن مسرح الأحداث الآن قد بات مختلفا تماما‏..‏
كانوا ثلاثة‏:‏علي طه ومحجوب عبد الدايم وأحمد بدير‏..‏
بالفعل نحن نشبههم في أننا سوف نتخرج بعد عدة أشهر‏..‏وأننا طلبة مغتربون عن المدينة التي ندرس بها‏,‏وأننا جميعا في جامعة حكومية ومن أبناء الشعب وعامة الناس‏,‏ولسنا نعرف ماالذي يخبئه لنا الزمان بعد التخرج‏.‏
كنا مثلهم تماما في كلية الأداب ولكن في جامعة الإسكندرية وتحديدا في الفرقة الرابعة وتقريبا في مثل سن أبطال فيلم‏'‏ القاهرة‏30'.‏
بل إننا قد درسنا نفس المواد التي درسوها وعرفنا الناس الذين كانوا يتحدثون عنهم‏..‏أوجست كونت وسان سيمون وكارل ماركس وتعرضنا لهم بالدراسة والتحليل والمقارنة‏.‏
وفي الفرقة الرابعة كنا ندرس لغة سينمائية ولأن الأساتذة في كلية الأداب علي الرغم من أنهم في جامعة حكومية فقد كانوا يسمحون لنا بتكوين المناهج‏,‏ وقد تعرضنا للغة السينمائية لفيلم‏(‏ القاهرة‏30)‏ ووجدنا أن هناك بعض المظاهر في القاهرة‏30‏ موجودة في مصر حتي الآن‏!..‏ ولكن مهلا فنحن لم نعد رفاق الثائر علي طه‏..‏علي الرغم من أن الكثيرين كانوا من أسر بسيطة إلا أننا كطلبة في جامعة حكومية فقد كانت فرص الحياة أمامنا كثيرة ومفتوحة ولاتعد‏..‏
ونحن لسنا مثل محجوب عبد الدايم الذي لايجد ثمن كتاب اللاتيني‏..‏ فنحن ياسيدي محظوظون فعلي بعد خطوات قليلة منا كانت هناك مكتبة الإسكندرية وفيها كل ماقد يخطر علي بالك ومالايخطر علي بالك من الكتب والمخطوطات وكافة أنواع المحاضرات التي تعطي مجانا للطلبة والتي تجد تشجيعا علي حضورها‏..‏
محاضرات مكتبة الإسكندرية التي تفتح عقلك علي العالم‏..‏ ويكفي أن تكتب الذي تريده ليتحقق علي الفور‏..‏ وكل هذا مجانا أو باشتراك رمزي قدره ثلاثون جنيها‏..‏
وعلي بعد دقائق كنا نجد عملا من خلال التدريب العملي فبإمكانك كطالب أن تساعد نفسك أثناء الدراسة بالعمل في إحدي دور المسنين أو إحدي شركات الأبحاث وكان عليك أن تجتهد‏,‏ فالعالم ليس مسئولا عن أن يحضر لك الطعام ليضعه في فمك‏..‏
كانت الدولة تقدم الكثير ولكن لمن يستحق‏,‏ فالطالب المتفوق تتكفل الدولة بطعامه وشرابه وسكنه وكل شيء مقابل أجر رمزي‏.‏
وقالت طالبة‏:‏ لقد كنا نسكن في المدينة الجامعية‏,‏ وكانت مصروفات المدينة شاملة الطعام والشراب فقط ثلاثة وعشرين جنيها‏..‏ وكانت الغرف تطل علي البحر وعلي مدرسة سان مارك الجميلة منظرا بديعا يجعل المرء يشعر فعلا بإنسانيته‏..‏وبالمدينة الجامعية مكتبة وغرفة مذاكرة ولكن الويل والثبور وعظائم الأمور لمن تتأخر في إرجاع الكتاب لأمينة المكتبة ستجدها فوق رأسها وأمام باب غرفتها‏:‏أين الكتاب ياآنسة‏..‏ ألم تقرئيه طوال هذا الوقت‏..‏أم أنك لن تقرئيه‏..‏أم ياتري لاتنوي أن ترجعيه؟‏.‏
ستجد في مكتبة المدينة الجامعية البسيطة أمينة مكتبة تحافظ علي الكتب أكثر من عينيها بل وأكثر‏..‏وستجد عندها الشمس تشرق أيضا لأرنست هيموجنواي‏.‏
منزل ميت لدفن الأحياء لفيدور ديستوفيسكي‏,‏وستجد كتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وفاروق جويدة وغيرهما‏.‏ وبالنسبة لمصروفات المدينة الجامعية‏(23‏ جنيها‏)‏ حتي هذا المبلغ الرمزي لو لم يكن معك فهذا لايهم‏..‏ فبإمكانك تقديم بحث اجتماعيا فيتم إعفاؤك من المصروفات‏!.‏
الجميع موجودون ليوفروا لك كل مافي وسعهم بمنتهي الحب وأي شكوي تقدم من طالبة في المدينة يتم التحقيق فيها علي الفور‏..‏
كانت المدينة الجامعية مكانا تستطيع الحياة فيه بالفعل وأنت تشعر بالراحة‏.‏
أي أننا لم نكن مضطرين للسكن في عشة الفراخ مثل محجوب عبد الدايم‏.‏
ولكن الحقيقة أن الدولة لاتقدم هذه الخدمات إلا للطلبة المتفوقين‏,‏ أما الطلبة المتخلفون والراسبون والذين يلعبون طوال العام‏..‏فالدولة تقوم بواجبها تجاه المتفوقين أولا‏,‏ ثم بعد ذلك تري ماذا تفعل لهؤلاء؟‏.‏
وبالمناسبة كانت الجامعة علي بعد خطوات قليلة من المدينة الجامعية أي لم نكن نركب أية مواصلات‏..‏
في الجامعة‏:‏ من يتصور أن كل النقود التي دفعتها للجامعة أولا عن آخر طوال أربع سنوات هو مبلغ‏103‏ جنيها‏..‏ مائة وثلاثة جنيها فقط لاغير‏..‏وقد كان بإمكاننا تقديم بحث اجتماعي لإعفائنا منها؟‏.‏
كنا نأخذ الكتب مجانا‏..‏ أي تقدم للجامعة مايفيد بأنك لاتقدر علي شراء الكتب فيعطونها لك مجانا‏..‏وأحيانا حينما تخفض الجامعة ثمن الكتب تجد نفسك أخذت الكتب وفوقها فلوس كمان‏..‏
الجامعة كانت تعطينا الكثيروخذ مثلا‏..‏
مسابقة القرآن الكريم جائزتها‏30‏ جنيها‏..(‏ أي مايكفي للحياة شهرا بأكمله‏)!.‏
مسابقة بحث في أي شيء وعن أي شيء‏..‏مكافأة‏700‏ جنيه‏.‏ أي مصروفات العام وزيادة‏!!.‏
وقالت طالبة‏:‏ الدنيا زمان كانت رخيصة والآن الأسعار ولعت في الناس‏!‏
وقال طالب‏:‏ التعليم زمان كان أكثر انضباطا واحتراما‏.‏
وقالت طالبة‏:‏ لا‏..‏ الأساتذة الآن إذا ماوجدوا طالبا متفوقا لاتتخيل كم الاحتفاء به وكانوا لايتأخرون عن تقديم أي خدمة‏,‏ ونحن كنا طلبة متميزين فكنا نعمل في شركات ابحاث ودور مسنين والكثير من الأعمال الشريفة متاحة امامنا‏..‏
إننا حقا أحفادهم لكننا لسنا مثلهم فنحن مثلا لايمكن ان نؤمن بالاشتراكية لأنها كحقيقة قد باتت فاشلة‏..‏ فقد كان كارل ماركس لايمكن أن يطبق كلامه علي الواقع‏..‏
ولو ذهبت لجامعة الإسكندرية وقابلت الدكتور إسماعيل سعد استاذ علم الإجتماع السياسي فستجده يشرح للطلبة كافة النظم السياسية‏,‏ وستجد الدكتور إسماعيل ساخطا علي افلاطون ويتهمه بالعنصرية وسيصفه بأنه أبو العنصرية‏,‏ في التاريخ‏!‏
وسيشرح سبب سخطه قائلا إن الديمقراطية التي يتشدق بها العالم وينسبونها إلي المدعو افلاطون لاتعني مايظنه الناس من أن لكل إنسان الحق في الإدلاء بصوته‏..‏
ليس كل الناس من حقهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات‏..‏
لأن السيد المحترم أفلاطون قد حدد من الذين يدلون بأصواتهم فلا النساء ولا العبيد لهم صوت‏.‏
ولو كان أفلاطون يعيش في هذا الزمن لكان لنسائنا معه شأن آخر‏,‏ فسيقلعون عينيه وسيحرقون كتبه‏,‏ ويحرمون عليه الزواج كي يعيش ذليلا ويقدر قيمة المرأة‏.!‏
وستجد الدكتورة إحسان حفظي أستاذة علم الاجتماع العام تحدثك عن ظاهرة الطبقات الاجتماعية في المجتمع الإنساني منذ أقدم العصور‏..‏لم يخل مجتمع إنساني من الطبقات وستشرح أراء العلماء في الكثير من البلدان فالعالم وارنر قسم الطبقات في أمريكا إلي ست طبقات مثلا‏..‏
ففي كل مجتمع إنساني ستجد الطبقات متفاوتة ولكل طبقة إيماناتها الخاصة التي تدافع عنها‏..‏فهي جماعة مغلقة تحاول الصعود بنفسها‏..‏ ولاتتقبل بسهولة أن ينضم إليها الأقل منها‏..‏
وستجد الدكتور سيد عبد العاطي السيد يشرح لك في مادة الإيكولوجيا كيف تقام المجتمعات وكيف تهدم‏..‏والإيكولوجيا هو العلم الذي يهتم بالمكان الذي يعيش فيه الإنسان‏..(‏أي شكل المباني والشوارع وكيف تتكون المدن والعشوائيات والحضر والمدينة وصفات السكان في كل بيئة من هذه البيئات‏).‏
وبهذه المناسبة ستعرف معلومة طريفة جدا‏,‏ هي أن لكل طبقة ولكل فئة ثقافة فرعية بمعني‏:‏المتسولون مثلا عندهم مبررات يقولونها لأنفسهم كي يخلصوا ضميرهم‏,‏ وكي يستطيعوا التوازن وهذه الأشياء تتداول فيما بينهم فمثلا‏..‏حينما يحبس أحدهم حينما يخرج من السجن‏..‏تجد الآخرين يقولون له‏:‏السجن للجدعان‏..‏ تلك الثقافة الفرعية التي تنغلق علي نفسها كي يستطيع أفرادها العيش والحياة‏.‏
وستجد الدكتورة سامية محمد جابر تشرح لك كيف أن المجتمع الإنساني ظل طوال عمره في طبقات‏..‏ ماركس هو الذي قال هذا ففي العصر القديم كانت هناك طبقة العبيد والأحرار ثم بعد ذلك كانت هناك طبقة الأقنان أو عبيد الأرض وطبقة البارون وهم الإقطاعيون في العصور الوسطي‏..‏ ثم بعد عصر الصناعة وجد البورجوازيين أصحاب رأس المال‏..‏ والبروليتاريا‏..‏عمال المصانع والذين يأخذون الفتات‏..‏
مازالت خطبة الجمعة أو بالأحري الخطاب الديني دعوة صريحة للجهل والتخريف كما قال علي طه‏..‏وكم من خطب نسمعها تتناقض مع مبادئ العقل والتفكير‏..‏ وكل ماتحاول تقديمه هو الطريق إلي الخلاص ورسم صورة النهاية والحياة الآخرة‏..‏ مازالت ميكروفونات المساجد عالية‏,‏ والمصلون كثيرون وعلي التوازي أجور الفنانين من نار‏..‏ فالمطرب الفلاني يتقاضي الملايين والمطربة الفلانية أقل منه قليلا‏..‏
وستجد الدكتور محمد بيومي يشرح لك علاقة الدين بالمجتمعات عبر التاريخ وكيف أنه طالما كان من أخطر الأدوات التي تستخدم في السيطرة علي الناس وسيشرح لك أراء العالم الألماني العظيم ماكس فيبر الذي يمكن أن تلخصها في النهاية بأن المجتمع لن يتقدم مادامت هناك واسطة بين العبد وبين الله‏.‏
فالمجتمع السليم هو الذي يعبد الإنسان فيه ربه دون وصاية من احد‏..‏ويقرأ فيه الإنسان كتابه المقدس دون وصاية من أحد‏..‏
بعد هذه النظرة السريعة علي مسرح الأحداث في القاهرة الآن‏..‏وعلي مايدور في عقل الشخصيات والطريقة التي يفكرون بها تعالوا نلقي الضوء في المقابل علي شخصيات القاهرة‏30,‏ وعلي اللغة السينمائية في الفيلم‏.‏
هل تتذكر الصورة التي كانت خلف محجوب عبد الديم في لحظة عقد قرانه علي سعاد حسني‏,‏ لقد كانت هناك قرنان خلف فوق رأسه في تلك الصوره وهذه استعارة سينمائية بليغة حيث تصف شخصية محجوب بدون كلمة فهو حيوان له قرون وحيوان بغيض لايفكر سوي في نفسه فقط ومستعد لأخذ كل شيء ولايعير المبادئ أدني اهتمام‏..‏
الرائعة سعاد حسني في هذا الفيلم رأيناها رمزا لمصر‏..‏ الكل يطمع فيها ويريدها ولعلك سمعت محجوب عبد الديم وهو يصفها بأنها كنز لايفني‏..‏
وسعاد حسني أيضا الكل بشكل ما قصر في حقها‏..‏فأسرتها التي هي مصر‏..‏
الأب والأم الذين أنجبا بلا حساب ويعيشون يريدون أن يأخذوا منها وهم في المقابل لم يفكروا في إعطائها‏..‏ لم يحبوها بشكل حقيقي يرون أنها قد وجدت كي تعطي‏..‏ولم يفكروا أبدا في العطاء‏..‏
ولعل أهم إشارة جاء بها الفيلم هي تلك اللحظة التي قالت فيها سعاد حسني‏(‏ إحسان‏)‏ لعلي طه‏..‏ إنها تعلم أنها علي خطأ‏,‏ ولكنها تجاوزت هذا الخطأ وضعت إخوتها في مدرسة داخلية لتعزلهم عن أبيها وأمها ليخرجوا ويصبحوا مثل البطل علي طه‏,‏ وليس مثل محجوب عبد الدايم‏.‏
هؤلاء الصغار الذين كافح من أجلهم علي طه هم في الحقيقة نحن‏!.‏
وهؤلاء هم الذين سيتلافون أخطاء كل من مضوا‏..‏
النور أيها السادة يخرج من كبد الظلمة‏..‏ والفجر يأتي من سواد الليل‏..‏
والأحرار لايولدون بالصدفة‏..‏ ولكن تصنعهم المحن‏..‏ والأمل دائما يولد من رحم النضال والديكة لاتصيح‏..‏ ولاتعلن للدنيا قدوم صباح جديد كما يقول حكماؤنا قبل الزمان‏..‏ بزمان إلا بعد طلوع شمس النهار‏!{‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.