لتقصيرها في حق أسرتها.. ليلى علوي تبكي أمام الجمهور في مهرجان الإسكندرية السينيمائي الدولي    من أصل 18 ألف شاحنة ..الاحتلال أدخل إلى غزة 10% فقط من الشاحنات خلال سبتمبر    حقيقة رحيل محمد عواد عن الزمالك في الانتقالات الشتوية    العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    24 تريليون دولار قيمة اقتصاد المحيطات.. وارتفاع حموضة المحيط سابع اختراق في حدود الطبيعة وتهدد الأنواع البحرية    وزارة البيئة: عقوبات رادعة تصل إلى مليون جنيه لحرق المخلفات    بسبب وقائع شغب.. محافظ القليوبية يستبعد قيادات تعليمية بمدارس قليوب وميت حلفا    محمود كامل يعلن انضمامه لاعتصام صحفيي "الوفد" السبت المقبل: دعم الزملاء واجب نقابي وأخلاقي    بوتين: دول الناتو فى حالة حرب مع روسيا ولم تعد تخفى ذلك    شرطة مانشستر: المهاجم مواطن بريطاني من أصل سوري    رقم سلبي يلاحق مدرب نوتنجهام فورست بعد الخسارة الأوروبية    موهبة مانشستر يونايتد تثير اهتمام ريال مدريد    وزارة العدل السورية تنفي صدور أحكام إعدام بحق مفتي سابق ومسؤولين في عهد الأسد    تركيا.. احتجاجات واسعة تندد باقتحام الاحتلال الصهيوني سفن "أسطول الصمود"    الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أستون فيلا يقهر فينورد على ملعبه في الدوري الأوروبي    شقيق عمرو زكي: اللاعب بخير وصحة جيدة.. ولا أعرف لماذا يرتبط اسمه بالمرض    رحلة تحولت إلى مأتم.. وفاة نجل طبيب وإصابة أسرته فى حادث بالطريق الإقليمى    جرعة مخدرات وراء مصرع سيدة داخل مسكنها فى العمرانية    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    ضبط عاطل وشقيقه بتهمة حيازة مواد مخدرة للاتجار بالهرم    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    تموين مطروح تضبط 6.5 طن سولار وسلع غذائية قبل بيعها في السوق السوداء    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خسيت 60 كيلو.. أبرز تصريحات عبد الله نجل غادة عادل ومجدي الهوارى (إنفوجراف)    أسامة كمال: الإخوان "عايزينها تولع" ويرغبون فى رفض حماس لخطة ترامب لوقف حرب غزة    ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة..صور    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حققت أهم وأحلى حاجة مع محمد رمضان    الفنانة شيرين تكشف تفاصيل إصابة قدمها وتجربة الألم أثناء تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد يفوز بلقب شخصية العالم القرآنية بجائزة ليبيا الدولية    عالم بالأوقاف: الوطنية الصادقة لا تنفصل عن الدين.. وعبارة الغزالي تصلح شعاراً لعصرنا    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    السوشيال ميديا بكفر الشيخ تتحول لساحة نزال شرسة قبيل انتخابات النواب    موقف زيزو من مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية في الدوري المصري    رئيس جامعة الإسكندرية يسلم 4 نواب وعمداء جدد القرارات الجمهورية بتعيينهم (صور)    تفاصيل مسلسل «درش» ل مصطفى شعبان.. رمضان 2026    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    السفير التركي يفتتح الدورة 78 من "كايرو فاشون آند تكس" بمشاركة 650 شركة مصرية وأجنبية    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة في دمنهور    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل ليل‏..‏ وله آخر‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 03 - 2010

وكم ذا بمصر من المضحكات‏‏ ولكنه ضحك كالبكاء‏! سؤال مثير للجدل جاء في امتحان شعبة الإعلام بآداب الإسكندرية‏:‏ ما الفرق بين جيل القاهرة 30‏ وبين ما يحدث في الحياة الآن؟‏ وهو موضوع تحقيقنا اليوم‏..
لست م‏ن كتيبة المنجمين الذين يرصدون النجوم والبروج والكواكب‏..‏ ولست من الضاربين بالودع وفتح المندل وقراءة طالع الأمة المصرية‏..‏ أو النظر في خطوط كفها وبختها وحظها إن شرا تره‏..‏ وإن خيرا تره‏..‏
ولكنني والحق يقال‏..‏ واحد من كتيبة المقاتلين بالقلم‏..‏ الباحثين المنقبين في أوراق كتاب مصر‏..‏ قفزا فوق صفحات تاريخها في النضال والكفاح الشعبي والبطولي والاستشهاد من أجل أن يظل علم مصر خفاقا في العلالي‏..‏ وفوق هامات الجبال وشواشي الشجر‏..‏ كلما تلاعبت به طيب الرياح أرسلنا منا العيون‏..‏ ومن أجل أن تظل هامة هذا الوطن الشامخ الذي اسمه مصر‏..‏ التي علمت الدنيا قبل الزمان بزمان ما لم تعلم‏..‏ عالية فوق كل الهامات‏..‏ صلبة قوية فوق كل الآهات‏!‏
سأعود بكم إذا سمحتم لي‏..‏ إلي القاهرة في سنوات شبابها الأولي في القرن العشرين‏.‏
قد تتساءلون فيما بينكم‏:‏ ياه‏..‏ يا له من زمن بعيد‏..‏ ولكنه للحق زمن التحول الحقيقي في تاريخ نضال هذا الشعب المناضل الصابر المثابر‏..‏ سنعود إلي مصر في عام‏1930‏ لنري صورتها الحقيقية التي ظهر فيها معدن هذا الشعب الذهبي‏..‏ وذلك من خلال رائعة كاتبنا نجيب محفوظ‏:‏ القاهرة الجديد‏..‏ التي كتبها وصورها لنا وشرحها بمبضع الجراح وقلم الأديب دون أن تسيل من مشرطه نقطة دم واحدة‏..‏ وانما كنز في خزانتنا من العظات وأجندات العلاج لكل ما نعاني منه طول عمرنا من قهر ملك وجور حاكم وهمجية قدم أجنبية تحتل البلاد بالحديد والنار‏..‏ وحكومات خانعة خاضعة مثل أرجوحات الأعياد صعودا وهبوطا حسب مزاج صاحب الأرجوحة إن كان لها صاحب‏!‏
ذلك كله وسط مولد من فساد في الذمم وخراب النفوس وثقوب في ثوب الضمير‏.‏
ولكي نفهم ونعرف وندرك كيف كانت صورة مصر قبل نحو ثمانية عقود‏..‏ تعالوا نشاهد معا قصة القاهرة‏30‏ فيلما للمبدع صلاح أبوسيف والذي اختاره المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج ساؤول أحد أكبر نقاد السينما في العالم الغربي‏..‏ واحدا من بين أعظم مائة فيلم مصري في القرن العشرين‏..‏ والذي حول قصة نجيب محفوظ إلي حياة ومآس وحكايات وميلودراما حقيقية حية لحالنا في مصر في بدايات القرن العشرين‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
ستارة المسرح السياسي في مصر مفتوحة أمامنا علي عام‏1930.‏ تعالوا نركب الحنطور ونطوف به شوارع القاهرة‏..‏ ما هذه المظاهرات التي تجوب العاصمة من شرقها إلي غربها تهتف وتنادي بعودة دستور‏1923‏ الذي كان بحق وبشهادة خبراء السياسة والقانون والدستور من أعظم الدساتير المصرية علي الإطلاق‏..‏ حتي جاء إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر الأشم وألغاه تحت ضغط من السراي والانجليز معا‏!‏
ولأنه أول دستور يعترف بمصر دولة حرة مستقلة ذات نظام سياسي ملكي برلماني‏..‏ وبعودة اسم مصر إليها بعد أن رفعه عنها عنوة وقهرا وقسرا الاستعمار الانجليزي الذي احتل مصر في عام‏1882‏ بخديعة وخيانة موقعة التل الكبير‏..‏ وحول مصر من دولة مستقلة ذات سيادة‏..‏ إلي دولة خاضعة للولاية العثمانية والحماية البريطانية كما عبر عن هذه الصدمة صاحب الأيام الدكتور طه حسين‏..‏ عندما ذهب يتعلم في فرنسا‏..‏ فقالوا له‏:‏ إنت لست مصريا‏..‏ أنت مواطن عثمانلي تحت الحماية البريطانية‏!‏
فرد عليهم‏:‏ أنا مصري وسأظل مصريا حتي يرث الله الأرض ومن عليها‏!‏
ولأنا كلنا نحب السيما‏..‏ تعالوا نشاهد معا فيلم الليلة‏:‏ القاهرة‏30‏ لنعرف ماذا كان يجري في مصر في السنوات الأولي من القرن الماضي‏..‏ بعد أن تفجرت ثورة‏1919‏ بقيادة سعد باشا زغلول زعيم الأمة‏..‏ وعرف الانجليز الذين احتلوا مصر لأول مرة عنوة واقتدارا أن للشعب المصري صوتا وزئيرا ومخالب‏.‏
وتحالفت قوي الشعب عمالا وفلاحين وطلبة وسياسيين وأقباطا ومسلمين‏..‏ حتي إن كل واحد في مصر إذا سأله انجليزي عن اسمه قال‏:‏ اسمي سعد‏!!‏
وأصبح كل المصريين سعديين تضامنا مع المناضل المصري الأول سعد زغلول‏..‏ وعندما عاد زعيم الأمة مع رفاقه من منفاهم في جزيرة مالطة عام‏1921‏ كتب عباس العقاد في الأهرام يقول إن سعد ملك ناصية الموقف من ساعة وصوله بالباخرة إلي شاطئ الإسكندرية‏...‏ وأصبحت مصر دولة ذات سيادة لأول مرة في تاريخها الحديث فيما تضمنه تصريح‏28‏ فبراير عام‏.1922‏
وأعلن المستعمر اعترافه بالدولة المصرية وبصدور أول دستور مصري في عام‏1923.‏ يعني بعد الثورة الشعبية بأربع سنوات لا أكثر‏!‏
ثم جاء المشهد العظيم لصدور قانون الجنسية المصرية في‏28‏ فبراير‏1929.‏ ولكن ما هو هذا المشهد العظيم الذي جري قبل نحو قرن بحاله؟
إنه مشهد المظاهرات الشعبية التي انطلقت في كل مكان‏..‏ بعد أن ألغي إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر دستور‏1923.‏ وهاهم المتظاهرون يطالبون بعودة هذا الدستور العظيم‏..‏ الذي كان يحاسب الكل أمام البرلمان‏..‏ وكان يسقط الحكومات إذا أخطأت‏..‏ ويرسم منظومة الحياة السياسية في مصر من خلال دولة برلمانية حرة ورئيس وزراء منتخب من الشعب وأحزاب سياسية تمارس نشاطها بحرية ودون وصاية أو تدخل من الحكومة‏..‏ وصحف حرة مستقلة يحكمها قانون المطبوعات الذي كان قاسيا في بعض الأحيان علي الصحف الحزبية والمستقلة وبالذات إذا تجاوزت بالنقد الذات الملكية‏!‏
فكنا نري عباس العقاد في صحيفة الأهرام ومحمد حسين هيكل في صحيفة السياسة والشيخ علي يوسف في جريدة المؤيد التي صدرت لأول مرة في ديسمبر عام‏..1889‏ وكانت لسان حال الحزب الدستوري‏..‏ ضيوفا دائمين علي سجن الاستئناف يدخلون ويخرجون‏..‏ وقد تصادر صحفهم ولكنها تعود من جديد لتناضل معهم وبهم من أجل حرية مصر‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
مازلنا نركب الحنطور المدندش ونتجول به في شوارع القاهرة الجميلة‏..‏ أو التي كانت جميلة فتية عفية عذراء‏..‏ في قمة زينتها وهدوئها ووقارها ونظافتها في عام‏1930.‏
لا صوت للراديو‏..‏ باق علي ظهوره اربعة أعوام لا غير‏.‏
المقاهي والبيوت تعيش علي الاسطوانات والجرامافون بالبوق الشهير‏!‏
لا أتوبيسات‏..‏ إلا عربات سوارس التي تجرها الخيول‏..‏ مع بشائر عربات سونوكروفث أول أتوبيس بالموتور يجري في شوارع القاهرة‏.‏
العربات الملاكي نادرا ما تراها‏..‏ الماركات الأولي‏:‏ الفورد والأولدز موبيل والباكار ذات الرفارف العالية والمزمار المنفاخ والمانفلة التي تدير بها الموتور قبل الركوب‏!‏
هدوء جميل‏..‏ وناس رايقة وفايقة وظريفة وستات آخر حشمة‏..‏ ولكن من هي هذه الفتاة الجميلة ذات الضفاير السوداء والعيون الكحيلة التي تتمايل وتتعاجب بجمالها في الشارع التي تظلله الأشجار علي الجانبين؟
إنها إحسان‏..‏ سعاد حسني في الحياء أيام أن كانت أجمل ظبية في الخميلة الجميلة‏..‏ إنها مجرد تلميذة في المدرسة‏..‏ ولأنها من أسرة فقيرة‏..‏ بل تحت خط الفقر وأمها كانت سيرتها علي كل لسان‏..‏ حتي لمها وسترها المعلم شحاتة توفيق الدقن وأنجب منها زربة عيال‏..‏ إحسان أكبرهن‏..‏ وحاول أن يسترها ويزوجها قبل أن تضيع عن دنيا بلا صاحب ناسها ديابة‏..‏ ولكنها كانت غرقانة في حب المناضل الأول في فيلم القاهرة‏30‏ علي طه صاحب مجلة الكوثر‏..‏ وصاحب المنشورات الملتهبة ورئيس الجمعية السرية التي تحارب الفساد المتمثل في السراي والحكومات الورقية المتتابعة والأحزاب المريضة‏!‏
واتفق الحبيبان المناضل والتلميذة علي كل شيء‏..‏ الزواج بعد ليسانس البطل وشهادة البطلة الصغيرة‏..‏ ولكن يظهر افعوان وغد زنيم في صورة قاسم بيه وكيل الوزارة الذي يقود عربته الباكار ويعاكسها في الرايحة والجاية‏..‏
ولأن الفقر طول عمره‏..‏ وغد لئيم‏..‏ فقد استجابت التلميذة الجميلة الفقيرة لنداء المال والجاه والحرية والعز‏..‏ وذهبت مع قاسم بيه في عربته إلي شقته‏..‏ وباقي القصة معروف في الروايات وفي الحكايات‏..‏ ولكن في الأفلام أكثر‏..‏ وأكثر وأكثر‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
تعالوا نهبط من الحنطور المدندش‏..‏ لننزل للحوزي وحصانه أن يشربا معا قروانة بوظة‏..‏ من البوظة التي علي الناصية‏..‏ ونصعد سلالم وزارة المعارف التي يعمل بها قاسم بيه وكيلا لها‏..‏ بوصفه رب الجيل‏..‏ وان كان يرتدي بذلة الوغد الزنيم‏..‏ وصاحب هذا الدار أستاذ في الميلودراما اسمه في الحياة‏:‏ أحمد مظهر‏..‏
وما هذا الشاب النحيل‏..‏ إنه واحد من المطحونين في الحياة اسمه محجوب عبدالدايم‏..‏ أبوه موظف في البوستة مريض وطلع علي الاستيداع بمكافأة ضاعت في شهور قليلة‏..‏ يقوم بدور محجوب بطل هذه القصة الحقيقي القدير حمدي أحمد‏..‏ الذي اختفي من فوق الشاشة الفضية لمجرد انه نجح في البرلمان عن حزب العمل الذي أنهينا حياته بجرة قلم ولم يعد له وجود بيننا برغم أن زعيمه هو المناضل إبراهيم شكري رحمه الله‏.‏
دعونا من كل هذا‏..‏ لنتفرج علي وقائع الفيلم التاريخي أفضل‏..‏ هذا هو أخونا محجوب الذي تخرج مع باقي شلة المناضلين المكافحين من الشباب المصري الحر الذي يدافع عن حقوقه وحقوق كل مصر‏..‏ بالجمعيات السرية وبالكتابة في الصحف‏..‏ وبكتابة المنشورات النارية التي تفضح الحكومة والملك والاستعمار الانجليزي‏..‏ وبالنضال المسلح عند معسكرات الانجليز علي خط القناة‏.‏
ما الذي جاء بالأخ محجوب ابن القناطر الخيرية إلي هنا؟
انه يسأل بلدياته سالم الإخشيدي الممثل القدير أحمد توفيق عن أي فرصة عمل يعيش منها بعد الليسانس‏..‏ وليساعد أبوه المريض وأمه الراقدة علي فراشها في القناطر‏!‏
وجواب بلدياته‏:‏ لا وظائف علي الإطلاق‏..‏ إلا إذا وافق علي أن يستغني عن نصف مرتبه لمدة عام كامل لرجل طيب صالح يعرف ربنا سوف يلحقه بوظيفة في مصلحة الكهرباء‏..‏ أو يدفع مائة جنيه كاش لراقصة اسمها تيتي لها واسطة في وزارة الأشغال‏!‏
ويرد محجوب‏:‏ منين أدفع للراقصة؟‏..‏ لكني موافق ياخد الراجل الطيب نصف مرتبي لمدة عامين موش عام واحد علشان الوظيفة الميري‏!‏
ويرد بلدياته‏:‏ طيب بس استني لما يرجع من الحج‏!!‏
‏...............‏
‏...............‏
لا تنسوا ونحن نتابع أحداث هذه الرواية وهذا الفيلم أنها جرت قبل ثمانين عاما بالتمام والكمال‏..‏
تعالوا نشاهد أعجب وأغرب مشاهد لم تسجلها ولم تطرحها السينما المصرية طوال مرحلة المائة عام وهو عمر السينما المصرية الآن والتي كتبها أديب مصر الرائع نجيب محفوظ وأخرجها لنا المبدع الذي لا يتكرر صلاح أبوسيف‏.‏
‏{{‏ لأن قاسم بيه متورط مع التلميذة الجميلة إحسان في علاقة حميمة‏..‏ ولأن محجوب عبدالدايم لا يحصل علي وظيفة أي وظيفة يعيش منها في القاهرة‏..‏ بدلا من الجنيه الذي يوحد الله الذي يقتطعه والده المسكين من معاشه كل شهر ويرسله إليه‏..‏ ولأن سالم الأخشيدي بلديات محجوب وهو مدير مكتب قاسم بيه‏..‏ فقد لعب سالم الأروبة علي الحبلين وأرسل إلي محجوب يستدعيه علي عجل إلي مكتبه ليدور بينهما هذا الحوار المثير‏:‏
محجوب‏:‏ خير يا سالم بيه؟
سالم‏:‏ لقيتلك وظيفة‏..‏
محجوب‏:‏ فين؟
سالم‏:‏ هنا في الوزارة‏..‏ وظيفة محترمة‏..‏ تقعد وتتجعس علي كرسي في الحكومة درجة سادسة‏!‏
محجوب‏:‏ درجة سادسة حتة واحدة؟‏!‏
سالم‏:‏ أيوه‏..‏ سكرتير قاسم بيه‏..‏ نفس الوظيفة بتاعتي اللي سبتها لما بقيت مدير مكتب قاسم بيه‏!‏
يضع سالم سيجارة في فم محجوب ويسأله وهو مازال في نشوة الوظيفة القيصرية‏:‏ مانفسكش تخش دنيا؟
محجوب بدهشة‏:‏ دنية إيه؟
سالم‏:‏ تتجوز يعني‏!‏
محجوب‏:‏ موش أما نتحصل علي الوظيفة الأول؟
سالم‏:‏ وإذا كانت الوظيفة حتة واحدة مع الجوازة؟
محجوب دون صوت‏:‏ تبقي قردة وعاوزين يلزقوهالك يا محجوب‏!!‏
سالم‏:‏ أصل العروسة قريبة قاسم بيه؟
محجوب‏:‏ قريبته‏..‏ لزم كده؟
سالم‏:‏ قول من بلدياته‏!‏
محجوب‏:‏ من بلده نفسها؟
سالم‏:‏ قول كده من معارفه‏!‏
محجوب في نفسه دون صوت‏:‏ نزلنا درجة‏!‏
سالم‏:‏ انت يهمك كده واللا كده‏..‏ يعني صديقته‏!‏
محجوب دون صوت‏:‏ ماتقول عشيقته يابن نفيسة‏!‏
سالم‏:‏ ياسيدي سيب الأفكار دي لفلاحين بلدنا‏..‏ أنت في القاهرة ومعاك ليسانس‏..‏
الجوازة والوظيفة حته واحدة‏..‏ ولازم تقرر النهاردة ودلوقتي‏..‏ فيه ألف واحد يتمني فرصة زي دي‏..‏ يامبروك‏..‏ يايفتح الله؟
محجوب‏:‏ مبروك‏..‏ مبروك ياسالم بيه‏!‏
سالم‏:‏ يسلم فمك‏..‏ النهاردة تيجي عندي البيت نكتب الكتاب ونعلي الجواب إتفضل عشرين جنيه أهم انزل اشتري بدلة وجزمة وكارفتة لزوم الشياكة ياحضرة السكرتير الخاص‏!‏
ولم ينس أن يضع باقي المبلغ الذي أعطاه له قاسم بيه في جيبه‏..‏ وهي عادة مصرية مازالت تتكرر حتي اليوم‏..‏ وحتي يوم القيامة تحت أكثر من لافتة‏:‏ الحداقة والفهلوة‏!‏
‏...................‏
‏...................‏
ويتزوج محجوب من إحسان الجميلة ثمن الوظيفة ولكن بشرط في منتهي القسوة‏..‏ أن قاسم بيه سوف يتردد علي شقة الزوجية كل يوم سبت الساعة ثمانية مساء‏..‏ بشرط أن يترك محجوب افندي زوج إحسان البيت كله ولايعود إلا بعد نزول قاسم بيه‏!‏
وسوف يتكفل قاسم بيه بكل مصاريف البيت من أكل وشرب ورواتب خدم وحشم‏!‏
من يقبل في هذا الزمان‏..‏ هذه المهانة ؟
نجيب محفوظ يقول لنا‏:‏ محجوب عبد الدايم قبلها قبل ثمانين عاما‏!‏
ولكن يبقي السؤال الذي ينعق في سمائنا كغراب البين‏:‏ هل بيننا هذه الأيام من يرتدي برودة محجوب عبد الدايم ؟
صحيح أنه بيننا من يبيع شرف زوجته علي مائدة البغاء كل ليلة‏..‏
ويجلس علي الباب يحاسب الزبائن‏..!‏
ولكن أن يقبل رجل أن يداس شرفه وشرف زوجته كل مرة كل أسبوع من قبل رئيسه في العمل وعلي فراش الزوجية من أجل الوظيفة ولقمة العيش‏..‏ المغموسة في الوحل‏..‏ هو أمر فوق الاحتمال‏..‏ وفوق طاقة البشر‏..‏
كم أنت كافرة يالقمة العيش‏!‏
‏.....................‏
‏.....................‏
هذا الفيلم بالذات كان موضوع سؤال في امتحانات شعبة الإعلام في قسم الاجتماع في كلية الآداب جامعة الإسكندرية‏:‏
السؤال كان‏:‏ ما هو الفرق بين جيل القاهرة‏30‏ وبين جيل‏2010‏ ؟
مذا قال الطلبة؟
وماذا قال الأساتذة؟
ولكن لذلك حديث آخر‏!{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.