«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل ليل‏..‏ وله آخر‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 03 - 2010

وكم ذا بمصر من المضحكات‏‏ ولكنه ضحك كالبكاء‏! سؤال مثير للجدل جاء في امتحان شعبة الإعلام بآداب الإسكندرية‏:‏ ما الفرق بين جيل القاهرة 30‏ وبين ما يحدث في الحياة الآن؟‏ وهو موضوع تحقيقنا اليوم‏..
لست م‏ن كتيبة المنجمين الذين يرصدون النجوم والبروج والكواكب‏..‏ ولست من الضاربين بالودع وفتح المندل وقراءة طالع الأمة المصرية‏..‏ أو النظر في خطوط كفها وبختها وحظها إن شرا تره‏..‏ وإن خيرا تره‏..‏
ولكنني والحق يقال‏..‏ واحد من كتيبة المقاتلين بالقلم‏..‏ الباحثين المنقبين في أوراق كتاب مصر‏..‏ قفزا فوق صفحات تاريخها في النضال والكفاح الشعبي والبطولي والاستشهاد من أجل أن يظل علم مصر خفاقا في العلالي‏..‏ وفوق هامات الجبال وشواشي الشجر‏..‏ كلما تلاعبت به طيب الرياح أرسلنا منا العيون‏..‏ ومن أجل أن تظل هامة هذا الوطن الشامخ الذي اسمه مصر‏..‏ التي علمت الدنيا قبل الزمان بزمان ما لم تعلم‏..‏ عالية فوق كل الهامات‏..‏ صلبة قوية فوق كل الآهات‏!‏
سأعود بكم إذا سمحتم لي‏..‏ إلي القاهرة في سنوات شبابها الأولي في القرن العشرين‏.‏
قد تتساءلون فيما بينكم‏:‏ ياه‏..‏ يا له من زمن بعيد‏..‏ ولكنه للحق زمن التحول الحقيقي في تاريخ نضال هذا الشعب المناضل الصابر المثابر‏..‏ سنعود إلي مصر في عام‏1930‏ لنري صورتها الحقيقية التي ظهر فيها معدن هذا الشعب الذهبي‏..‏ وذلك من خلال رائعة كاتبنا نجيب محفوظ‏:‏ القاهرة الجديد‏..‏ التي كتبها وصورها لنا وشرحها بمبضع الجراح وقلم الأديب دون أن تسيل من مشرطه نقطة دم واحدة‏..‏ وانما كنز في خزانتنا من العظات وأجندات العلاج لكل ما نعاني منه طول عمرنا من قهر ملك وجور حاكم وهمجية قدم أجنبية تحتل البلاد بالحديد والنار‏..‏ وحكومات خانعة خاضعة مثل أرجوحات الأعياد صعودا وهبوطا حسب مزاج صاحب الأرجوحة إن كان لها صاحب‏!‏
ذلك كله وسط مولد من فساد في الذمم وخراب النفوس وثقوب في ثوب الضمير‏.‏
ولكي نفهم ونعرف وندرك كيف كانت صورة مصر قبل نحو ثمانية عقود‏..‏ تعالوا نشاهد معا قصة القاهرة‏30‏ فيلما للمبدع صلاح أبوسيف والذي اختاره المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج ساؤول أحد أكبر نقاد السينما في العالم الغربي‏..‏ واحدا من بين أعظم مائة فيلم مصري في القرن العشرين‏..‏ والذي حول قصة نجيب محفوظ إلي حياة ومآس وحكايات وميلودراما حقيقية حية لحالنا في مصر في بدايات القرن العشرين‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
ستارة المسرح السياسي في مصر مفتوحة أمامنا علي عام‏1930.‏ تعالوا نركب الحنطور ونطوف به شوارع القاهرة‏..‏ ما هذه المظاهرات التي تجوب العاصمة من شرقها إلي غربها تهتف وتنادي بعودة دستور‏1923‏ الذي كان بحق وبشهادة خبراء السياسة والقانون والدستور من أعظم الدساتير المصرية علي الإطلاق‏..‏ حتي جاء إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر الأشم وألغاه تحت ضغط من السراي والانجليز معا‏!‏
ولأنه أول دستور يعترف بمصر دولة حرة مستقلة ذات نظام سياسي ملكي برلماني‏..‏ وبعودة اسم مصر إليها بعد أن رفعه عنها عنوة وقهرا وقسرا الاستعمار الانجليزي الذي احتل مصر في عام‏1882‏ بخديعة وخيانة موقعة التل الكبير‏..‏ وحول مصر من دولة مستقلة ذات سيادة‏..‏ إلي دولة خاضعة للولاية العثمانية والحماية البريطانية كما عبر عن هذه الصدمة صاحب الأيام الدكتور طه حسين‏..‏ عندما ذهب يتعلم في فرنسا‏..‏ فقالوا له‏:‏ إنت لست مصريا‏..‏ أنت مواطن عثمانلي تحت الحماية البريطانية‏!‏
فرد عليهم‏:‏ أنا مصري وسأظل مصريا حتي يرث الله الأرض ومن عليها‏!‏
ولأنا كلنا نحب السيما‏..‏ تعالوا نشاهد معا فيلم الليلة‏:‏ القاهرة‏30‏ لنعرف ماذا كان يجري في مصر في السنوات الأولي من القرن الماضي‏..‏ بعد أن تفجرت ثورة‏1919‏ بقيادة سعد باشا زغلول زعيم الأمة‏..‏ وعرف الانجليز الذين احتلوا مصر لأول مرة عنوة واقتدارا أن للشعب المصري صوتا وزئيرا ومخالب‏.‏
وتحالفت قوي الشعب عمالا وفلاحين وطلبة وسياسيين وأقباطا ومسلمين‏..‏ حتي إن كل واحد في مصر إذا سأله انجليزي عن اسمه قال‏:‏ اسمي سعد‏!!‏
وأصبح كل المصريين سعديين تضامنا مع المناضل المصري الأول سعد زغلول‏..‏ وعندما عاد زعيم الأمة مع رفاقه من منفاهم في جزيرة مالطة عام‏1921‏ كتب عباس العقاد في الأهرام يقول إن سعد ملك ناصية الموقف من ساعة وصوله بالباخرة إلي شاطئ الإسكندرية‏...‏ وأصبحت مصر دولة ذات سيادة لأول مرة في تاريخها الحديث فيما تضمنه تصريح‏28‏ فبراير عام‏.1922‏
وأعلن المستعمر اعترافه بالدولة المصرية وبصدور أول دستور مصري في عام‏1923.‏ يعني بعد الثورة الشعبية بأربع سنوات لا أكثر‏!‏
ثم جاء المشهد العظيم لصدور قانون الجنسية المصرية في‏28‏ فبراير‏1929.‏ ولكن ما هو هذا المشهد العظيم الذي جري قبل نحو قرن بحاله؟
إنه مشهد المظاهرات الشعبية التي انطلقت في كل مكان‏..‏ بعد أن ألغي إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر دستور‏1923.‏ وهاهم المتظاهرون يطالبون بعودة هذا الدستور العظيم‏..‏ الذي كان يحاسب الكل أمام البرلمان‏..‏ وكان يسقط الحكومات إذا أخطأت‏..‏ ويرسم منظومة الحياة السياسية في مصر من خلال دولة برلمانية حرة ورئيس وزراء منتخب من الشعب وأحزاب سياسية تمارس نشاطها بحرية ودون وصاية أو تدخل من الحكومة‏..‏ وصحف حرة مستقلة يحكمها قانون المطبوعات الذي كان قاسيا في بعض الأحيان علي الصحف الحزبية والمستقلة وبالذات إذا تجاوزت بالنقد الذات الملكية‏!‏
فكنا نري عباس العقاد في صحيفة الأهرام ومحمد حسين هيكل في صحيفة السياسة والشيخ علي يوسف في جريدة المؤيد التي صدرت لأول مرة في ديسمبر عام‏..1889‏ وكانت لسان حال الحزب الدستوري‏..‏ ضيوفا دائمين علي سجن الاستئناف يدخلون ويخرجون‏..‏ وقد تصادر صحفهم ولكنها تعود من جديد لتناضل معهم وبهم من أجل حرية مصر‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
مازلنا نركب الحنطور المدندش ونتجول به في شوارع القاهرة الجميلة‏..‏ أو التي كانت جميلة فتية عفية عذراء‏..‏ في قمة زينتها وهدوئها ووقارها ونظافتها في عام‏1930.‏
لا صوت للراديو‏..‏ باق علي ظهوره اربعة أعوام لا غير‏.‏
المقاهي والبيوت تعيش علي الاسطوانات والجرامافون بالبوق الشهير‏!‏
لا أتوبيسات‏..‏ إلا عربات سوارس التي تجرها الخيول‏..‏ مع بشائر عربات سونوكروفث أول أتوبيس بالموتور يجري في شوارع القاهرة‏.‏
العربات الملاكي نادرا ما تراها‏..‏ الماركات الأولي‏:‏ الفورد والأولدز موبيل والباكار ذات الرفارف العالية والمزمار المنفاخ والمانفلة التي تدير بها الموتور قبل الركوب‏!‏
هدوء جميل‏..‏ وناس رايقة وفايقة وظريفة وستات آخر حشمة‏..‏ ولكن من هي هذه الفتاة الجميلة ذات الضفاير السوداء والعيون الكحيلة التي تتمايل وتتعاجب بجمالها في الشارع التي تظلله الأشجار علي الجانبين؟
إنها إحسان‏..‏ سعاد حسني في الحياء أيام أن كانت أجمل ظبية في الخميلة الجميلة‏..‏ إنها مجرد تلميذة في المدرسة‏..‏ ولأنها من أسرة فقيرة‏..‏ بل تحت خط الفقر وأمها كانت سيرتها علي كل لسان‏..‏ حتي لمها وسترها المعلم شحاتة توفيق الدقن وأنجب منها زربة عيال‏..‏ إحسان أكبرهن‏..‏ وحاول أن يسترها ويزوجها قبل أن تضيع عن دنيا بلا صاحب ناسها ديابة‏..‏ ولكنها كانت غرقانة في حب المناضل الأول في فيلم القاهرة‏30‏ علي طه صاحب مجلة الكوثر‏..‏ وصاحب المنشورات الملتهبة ورئيس الجمعية السرية التي تحارب الفساد المتمثل في السراي والحكومات الورقية المتتابعة والأحزاب المريضة‏!‏
واتفق الحبيبان المناضل والتلميذة علي كل شيء‏..‏ الزواج بعد ليسانس البطل وشهادة البطلة الصغيرة‏..‏ ولكن يظهر افعوان وغد زنيم في صورة قاسم بيه وكيل الوزارة الذي يقود عربته الباكار ويعاكسها في الرايحة والجاية‏..‏
ولأن الفقر طول عمره‏..‏ وغد لئيم‏..‏ فقد استجابت التلميذة الجميلة الفقيرة لنداء المال والجاه والحرية والعز‏..‏ وذهبت مع قاسم بيه في عربته إلي شقته‏..‏ وباقي القصة معروف في الروايات وفي الحكايات‏..‏ ولكن في الأفلام أكثر‏..‏ وأكثر وأكثر‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
تعالوا نهبط من الحنطور المدندش‏..‏ لننزل للحوزي وحصانه أن يشربا معا قروانة بوظة‏..‏ من البوظة التي علي الناصية‏..‏ ونصعد سلالم وزارة المعارف التي يعمل بها قاسم بيه وكيلا لها‏..‏ بوصفه رب الجيل‏..‏ وان كان يرتدي بذلة الوغد الزنيم‏..‏ وصاحب هذا الدار أستاذ في الميلودراما اسمه في الحياة‏:‏ أحمد مظهر‏..‏
وما هذا الشاب النحيل‏..‏ إنه واحد من المطحونين في الحياة اسمه محجوب عبدالدايم‏..‏ أبوه موظف في البوستة مريض وطلع علي الاستيداع بمكافأة ضاعت في شهور قليلة‏..‏ يقوم بدور محجوب بطل هذه القصة الحقيقي القدير حمدي أحمد‏..‏ الذي اختفي من فوق الشاشة الفضية لمجرد انه نجح في البرلمان عن حزب العمل الذي أنهينا حياته بجرة قلم ولم يعد له وجود بيننا برغم أن زعيمه هو المناضل إبراهيم شكري رحمه الله‏.‏
دعونا من كل هذا‏..‏ لنتفرج علي وقائع الفيلم التاريخي أفضل‏..‏ هذا هو أخونا محجوب الذي تخرج مع باقي شلة المناضلين المكافحين من الشباب المصري الحر الذي يدافع عن حقوقه وحقوق كل مصر‏..‏ بالجمعيات السرية وبالكتابة في الصحف‏..‏ وبكتابة المنشورات النارية التي تفضح الحكومة والملك والاستعمار الانجليزي‏..‏ وبالنضال المسلح عند معسكرات الانجليز علي خط القناة‏.‏
ما الذي جاء بالأخ محجوب ابن القناطر الخيرية إلي هنا؟
انه يسأل بلدياته سالم الإخشيدي الممثل القدير أحمد توفيق عن أي فرصة عمل يعيش منها بعد الليسانس‏..‏ وليساعد أبوه المريض وأمه الراقدة علي فراشها في القناطر‏!‏
وجواب بلدياته‏:‏ لا وظائف علي الإطلاق‏..‏ إلا إذا وافق علي أن يستغني عن نصف مرتبه لمدة عام كامل لرجل طيب صالح يعرف ربنا سوف يلحقه بوظيفة في مصلحة الكهرباء‏..‏ أو يدفع مائة جنيه كاش لراقصة اسمها تيتي لها واسطة في وزارة الأشغال‏!‏
ويرد محجوب‏:‏ منين أدفع للراقصة؟‏..‏ لكني موافق ياخد الراجل الطيب نصف مرتبي لمدة عامين موش عام واحد علشان الوظيفة الميري‏!‏
ويرد بلدياته‏:‏ طيب بس استني لما يرجع من الحج‏!!‏
‏...............‏
‏...............‏
لا تنسوا ونحن نتابع أحداث هذه الرواية وهذا الفيلم أنها جرت قبل ثمانين عاما بالتمام والكمال‏..‏
تعالوا نشاهد أعجب وأغرب مشاهد لم تسجلها ولم تطرحها السينما المصرية طوال مرحلة المائة عام وهو عمر السينما المصرية الآن والتي كتبها أديب مصر الرائع نجيب محفوظ وأخرجها لنا المبدع الذي لا يتكرر صلاح أبوسيف‏.‏
‏{{‏ لأن قاسم بيه متورط مع التلميذة الجميلة إحسان في علاقة حميمة‏..‏ ولأن محجوب عبدالدايم لا يحصل علي وظيفة أي وظيفة يعيش منها في القاهرة‏..‏ بدلا من الجنيه الذي يوحد الله الذي يقتطعه والده المسكين من معاشه كل شهر ويرسله إليه‏..‏ ولأن سالم الأخشيدي بلديات محجوب وهو مدير مكتب قاسم بيه‏..‏ فقد لعب سالم الأروبة علي الحبلين وأرسل إلي محجوب يستدعيه علي عجل إلي مكتبه ليدور بينهما هذا الحوار المثير‏:‏
محجوب‏:‏ خير يا سالم بيه؟
سالم‏:‏ لقيتلك وظيفة‏..‏
محجوب‏:‏ فين؟
سالم‏:‏ هنا في الوزارة‏..‏ وظيفة محترمة‏..‏ تقعد وتتجعس علي كرسي في الحكومة درجة سادسة‏!‏
محجوب‏:‏ درجة سادسة حتة واحدة؟‏!‏
سالم‏:‏ أيوه‏..‏ سكرتير قاسم بيه‏..‏ نفس الوظيفة بتاعتي اللي سبتها لما بقيت مدير مكتب قاسم بيه‏!‏
يضع سالم سيجارة في فم محجوب ويسأله وهو مازال في نشوة الوظيفة القيصرية‏:‏ مانفسكش تخش دنيا؟
محجوب بدهشة‏:‏ دنية إيه؟
سالم‏:‏ تتجوز يعني‏!‏
محجوب‏:‏ موش أما نتحصل علي الوظيفة الأول؟
سالم‏:‏ وإذا كانت الوظيفة حتة واحدة مع الجوازة؟
محجوب دون صوت‏:‏ تبقي قردة وعاوزين يلزقوهالك يا محجوب‏!!‏
سالم‏:‏ أصل العروسة قريبة قاسم بيه؟
محجوب‏:‏ قريبته‏..‏ لزم كده؟
سالم‏:‏ قول من بلدياته‏!‏
محجوب‏:‏ من بلده نفسها؟
سالم‏:‏ قول كده من معارفه‏!‏
محجوب في نفسه دون صوت‏:‏ نزلنا درجة‏!‏
سالم‏:‏ انت يهمك كده واللا كده‏..‏ يعني صديقته‏!‏
محجوب دون صوت‏:‏ ماتقول عشيقته يابن نفيسة‏!‏
سالم‏:‏ ياسيدي سيب الأفكار دي لفلاحين بلدنا‏..‏ أنت في القاهرة ومعاك ليسانس‏..‏
الجوازة والوظيفة حته واحدة‏..‏ ولازم تقرر النهاردة ودلوقتي‏..‏ فيه ألف واحد يتمني فرصة زي دي‏..‏ يامبروك‏..‏ يايفتح الله؟
محجوب‏:‏ مبروك‏..‏ مبروك ياسالم بيه‏!‏
سالم‏:‏ يسلم فمك‏..‏ النهاردة تيجي عندي البيت نكتب الكتاب ونعلي الجواب إتفضل عشرين جنيه أهم انزل اشتري بدلة وجزمة وكارفتة لزوم الشياكة ياحضرة السكرتير الخاص‏!‏
ولم ينس أن يضع باقي المبلغ الذي أعطاه له قاسم بيه في جيبه‏..‏ وهي عادة مصرية مازالت تتكرر حتي اليوم‏..‏ وحتي يوم القيامة تحت أكثر من لافتة‏:‏ الحداقة والفهلوة‏!‏
‏...................‏
‏...................‏
ويتزوج محجوب من إحسان الجميلة ثمن الوظيفة ولكن بشرط في منتهي القسوة‏..‏ أن قاسم بيه سوف يتردد علي شقة الزوجية كل يوم سبت الساعة ثمانية مساء‏..‏ بشرط أن يترك محجوب افندي زوج إحسان البيت كله ولايعود إلا بعد نزول قاسم بيه‏!‏
وسوف يتكفل قاسم بيه بكل مصاريف البيت من أكل وشرب ورواتب خدم وحشم‏!‏
من يقبل في هذا الزمان‏..‏ هذه المهانة ؟
نجيب محفوظ يقول لنا‏:‏ محجوب عبد الدايم قبلها قبل ثمانين عاما‏!‏
ولكن يبقي السؤال الذي ينعق في سمائنا كغراب البين‏:‏ هل بيننا هذه الأيام من يرتدي برودة محجوب عبد الدايم ؟
صحيح أنه بيننا من يبيع شرف زوجته علي مائدة البغاء كل ليلة‏..‏
ويجلس علي الباب يحاسب الزبائن‏..!‏
ولكن أن يقبل رجل أن يداس شرفه وشرف زوجته كل مرة كل أسبوع من قبل رئيسه في العمل وعلي فراش الزوجية من أجل الوظيفة ولقمة العيش‏..‏ المغموسة في الوحل‏..‏ هو أمر فوق الاحتمال‏..‏ وفوق طاقة البشر‏..‏
كم أنت كافرة يالقمة العيش‏!‏
‏.....................‏
‏.....................‏
هذا الفيلم بالذات كان موضوع سؤال في امتحانات شعبة الإعلام في قسم الاجتماع في كلية الآداب جامعة الإسكندرية‏:‏
السؤال كان‏:‏ ما هو الفرق بين جيل القاهرة‏30‏ وبين جيل‏2010‏ ؟
مذا قال الطلبة؟
وماذا قال الأساتذة؟
ولكن لذلك حديث آخر‏!{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.