رئيس الجزائر يأمر بفتح تحقيق في أحداث مباراة المولودية والمجرة    إيكو: ليفربول مهتم بضم مدافع كريستال بالاس    اتحاد الكرة يخطر كاف بالأندية المشاركة في البطولات الإفريقية الموسم المقبل    السيسي يحذر من تبعات توسع دائرة الصراع في المنطقة    وزير البترول: إنتاج برميل زيت أو متر مكعب غاز يمثل نجاحا مهما    الصين: الهجوم الأمريكي على إيران انتهاك جسيم لميثاق الأمم المتحدة    إبادة غزة.. استشهاد 26 فلسطينيا في هجمات إسرائيلية على القطاع    رفع أعمال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ    "الرقابة النووية" في الإمارات: لا تأثيرات على الدولة نتيجة التطورات في إيران    رغم ضربات أمريكا لإيران.. البورصة تغلق على مكاسب ملحوظة اليوم    محافظ الفيوم يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 80.56%    محافظ الجيزة يشارك في إعلان مشروع تمثال يُخلّد مسيرة مجدي يعقوب بالأوبرا    خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟    جوارديولا لا يستبعد التدريب في أمريكا الجنوبية.. ويعلق على مصير جوندوجان    شوبير يدافع عن لاعبي الأهلي: "كانوا محتاجين يغيروا جو.. ومفيش تجاوزات"    «هل انشغلنا أكثر بتقديم الصفقات؟» عبد الحفيظ يحرج مسؤولي الأهلي بسؤال شائك    محافظ الغربية يشهد تدشين مبادرة سكن كريم من أجل حياة كريمة    السيطرة على حريق بجوار مديرية الصحة ومطاحن الدقيق ببني سويف    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لعامل بتهمة الاتجار في المخدرات وحيازة سلاح دون ترخيص بالقليوبية    وزير الإسكان: نستهدف زيادة المساحة المعمورة في مصر إلى 18%    زينة تُفاجئ جمهورها بدور مذيعة في فيلم "الشيطان شاطر"    وكيل صحة قنا يعتذر لمريض في منزله ويشدد: لا تهاون مع المقصرين    فيديو استغاثة يكشف احتجاز شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة.. وضبط شقيقها في دمياط    "حياة كريمة" تقترب من إنجاز مرحلتها الأولى بتكلفة 350 مليار جنيه.. أكثر من 500 قرية تم تطويرها و18 مليون مستفيد    حالة الطقس اليوم في السعودية.. أمطار رعدية وتقلبات بمكة والمدينة    منها «7 تماثيل لأبو الهول».. «سياحة الإسكندرية» تستعرض اكتشافات أثرية ب6 مواقع (صور)    تأجيل دعوى هيفاء وهبي ضد نقيب الموسيقيين إلى 10 يوليو للاطلاع    تجديد حبس المتهمين باحتجاز أجنبي بسبب خلافات مالية بمدينة نصر    كورتوا: لا نلتفت للانتقادات وعلينا الفوز على باتشوكا لانتزاع الصدارة    ماتيرازي: محمد صلاح أسطورة.. ويستحق الكرة الذهبية    أمان القابضة تغلق الإصدار الثالث من سندات التوريق بقيمة 665.5 مليون جنيه    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    الليلة.. نانسي عجرم تغنى في موازين بعد غياب 7 سنوات    الحرس الثورى الإيرانى: الطائرات المشاركة بالهجوم على إيران تحت المراقبة    في ذكرى ميلاده.. عمرو الليثي يعرض أخر لقاء تلفزيوني أجراه أشرف عبدالغفور    غسلو 90 مليون جنيه.. سقوط شبكة خطيرة حاولت تغطية جرائمها بأنشطة وهمية    وزير التعليم العالي يتفقد مركز أسوان للقلب ويشاهد إجراء عملية جراحية للقلب المفتوح من خارج غرفة العمليات    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    محافظ أسيوط يبحث آليات دعم المنظومة الصحية وتحسين مستوى الخدمات الطبية    تداول حل امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2025 في جروبات الغش.. والتعليم تحقق    «الرعاية الصحية»: إطلاق برنامج «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    ثانوية عامة 2025.. أولياء الأمور يرافقون الطلاب لدعمهم أمام لجان الدقي    بعد آخر انخفاض.. سعر الذهب اليوم الأحد 22-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن    أبرزهم زيزو.. محسن صالح منتقدًا ثلاثي الأهلي: «ليس لهم عنوان في القلعة الحمراء»    ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل ليل‏..‏ وله آخر‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 03 - 2010

وكم ذا بمصر من المضحكات‏‏ ولكنه ضحك كالبكاء‏! سؤال مثير للجدل جاء في امتحان شعبة الإعلام بآداب الإسكندرية‏:‏ ما الفرق بين جيل القاهرة 30‏ وبين ما يحدث في الحياة الآن؟‏ وهو موضوع تحقيقنا اليوم‏..
لست م‏ن كتيبة المنجمين الذين يرصدون النجوم والبروج والكواكب‏..‏ ولست من الضاربين بالودع وفتح المندل وقراءة طالع الأمة المصرية‏..‏ أو النظر في خطوط كفها وبختها وحظها إن شرا تره‏..‏ وإن خيرا تره‏..‏
ولكنني والحق يقال‏..‏ واحد من كتيبة المقاتلين بالقلم‏..‏ الباحثين المنقبين في أوراق كتاب مصر‏..‏ قفزا فوق صفحات تاريخها في النضال والكفاح الشعبي والبطولي والاستشهاد من أجل أن يظل علم مصر خفاقا في العلالي‏..‏ وفوق هامات الجبال وشواشي الشجر‏..‏ كلما تلاعبت به طيب الرياح أرسلنا منا العيون‏..‏ ومن أجل أن تظل هامة هذا الوطن الشامخ الذي اسمه مصر‏..‏ التي علمت الدنيا قبل الزمان بزمان ما لم تعلم‏..‏ عالية فوق كل الهامات‏..‏ صلبة قوية فوق كل الآهات‏!‏
سأعود بكم إذا سمحتم لي‏..‏ إلي القاهرة في سنوات شبابها الأولي في القرن العشرين‏.‏
قد تتساءلون فيما بينكم‏:‏ ياه‏..‏ يا له من زمن بعيد‏..‏ ولكنه للحق زمن التحول الحقيقي في تاريخ نضال هذا الشعب المناضل الصابر المثابر‏..‏ سنعود إلي مصر في عام‏1930‏ لنري صورتها الحقيقية التي ظهر فيها معدن هذا الشعب الذهبي‏..‏ وذلك من خلال رائعة كاتبنا نجيب محفوظ‏:‏ القاهرة الجديد‏..‏ التي كتبها وصورها لنا وشرحها بمبضع الجراح وقلم الأديب دون أن تسيل من مشرطه نقطة دم واحدة‏..‏ وانما كنز في خزانتنا من العظات وأجندات العلاج لكل ما نعاني منه طول عمرنا من قهر ملك وجور حاكم وهمجية قدم أجنبية تحتل البلاد بالحديد والنار‏..‏ وحكومات خانعة خاضعة مثل أرجوحات الأعياد صعودا وهبوطا حسب مزاج صاحب الأرجوحة إن كان لها صاحب‏!‏
ذلك كله وسط مولد من فساد في الذمم وخراب النفوس وثقوب في ثوب الضمير‏.‏
ولكي نفهم ونعرف وندرك كيف كانت صورة مصر قبل نحو ثمانية عقود‏..‏ تعالوا نشاهد معا قصة القاهرة‏30‏ فيلما للمبدع صلاح أبوسيف والذي اختاره المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج ساؤول أحد أكبر نقاد السينما في العالم الغربي‏..‏ واحدا من بين أعظم مائة فيلم مصري في القرن العشرين‏..‏ والذي حول قصة نجيب محفوظ إلي حياة ومآس وحكايات وميلودراما حقيقية حية لحالنا في مصر في بدايات القرن العشرين‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
ستارة المسرح السياسي في مصر مفتوحة أمامنا علي عام‏1930.‏ تعالوا نركب الحنطور ونطوف به شوارع القاهرة‏..‏ ما هذه المظاهرات التي تجوب العاصمة من شرقها إلي غربها تهتف وتنادي بعودة دستور‏1923‏ الذي كان بحق وبشهادة خبراء السياسة والقانون والدستور من أعظم الدساتير المصرية علي الإطلاق‏..‏ حتي جاء إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر الأشم وألغاه تحت ضغط من السراي والانجليز معا‏!‏
ولأنه أول دستور يعترف بمصر دولة حرة مستقلة ذات نظام سياسي ملكي برلماني‏..‏ وبعودة اسم مصر إليها بعد أن رفعه عنها عنوة وقهرا وقسرا الاستعمار الانجليزي الذي احتل مصر في عام‏1882‏ بخديعة وخيانة موقعة التل الكبير‏..‏ وحول مصر من دولة مستقلة ذات سيادة‏..‏ إلي دولة خاضعة للولاية العثمانية والحماية البريطانية كما عبر عن هذه الصدمة صاحب الأيام الدكتور طه حسين‏..‏ عندما ذهب يتعلم في فرنسا‏..‏ فقالوا له‏:‏ إنت لست مصريا‏..‏ أنت مواطن عثمانلي تحت الحماية البريطانية‏!‏
فرد عليهم‏:‏ أنا مصري وسأظل مصريا حتي يرث الله الأرض ومن عليها‏!‏
ولأنا كلنا نحب السيما‏..‏ تعالوا نشاهد معا فيلم الليلة‏:‏ القاهرة‏30‏ لنعرف ماذا كان يجري في مصر في السنوات الأولي من القرن الماضي‏..‏ بعد أن تفجرت ثورة‏1919‏ بقيادة سعد باشا زغلول زعيم الأمة‏..‏ وعرف الانجليز الذين احتلوا مصر لأول مرة عنوة واقتدارا أن للشعب المصري صوتا وزئيرا ومخالب‏.‏
وتحالفت قوي الشعب عمالا وفلاحين وطلبة وسياسيين وأقباطا ومسلمين‏..‏ حتي إن كل واحد في مصر إذا سأله انجليزي عن اسمه قال‏:‏ اسمي سعد‏!!‏
وأصبح كل المصريين سعديين تضامنا مع المناضل المصري الأول سعد زغلول‏..‏ وعندما عاد زعيم الأمة مع رفاقه من منفاهم في جزيرة مالطة عام‏1921‏ كتب عباس العقاد في الأهرام يقول إن سعد ملك ناصية الموقف من ساعة وصوله بالباخرة إلي شاطئ الإسكندرية‏...‏ وأصبحت مصر دولة ذات سيادة لأول مرة في تاريخها الحديث فيما تضمنه تصريح‏28‏ فبراير عام‏.1922‏
وأعلن المستعمر اعترافه بالدولة المصرية وبصدور أول دستور مصري في عام‏1923.‏ يعني بعد الثورة الشعبية بأربع سنوات لا أكثر‏!‏
ثم جاء المشهد العظيم لصدور قانون الجنسية المصرية في‏28‏ فبراير‏1929.‏ ولكن ما هو هذا المشهد العظيم الذي جري قبل نحو قرن بحاله؟
إنه مشهد المظاهرات الشعبية التي انطلقت في كل مكان‏..‏ بعد أن ألغي إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر دستور‏1923.‏ وهاهم المتظاهرون يطالبون بعودة هذا الدستور العظيم‏..‏ الذي كان يحاسب الكل أمام البرلمان‏..‏ وكان يسقط الحكومات إذا أخطأت‏..‏ ويرسم منظومة الحياة السياسية في مصر من خلال دولة برلمانية حرة ورئيس وزراء منتخب من الشعب وأحزاب سياسية تمارس نشاطها بحرية ودون وصاية أو تدخل من الحكومة‏..‏ وصحف حرة مستقلة يحكمها قانون المطبوعات الذي كان قاسيا في بعض الأحيان علي الصحف الحزبية والمستقلة وبالذات إذا تجاوزت بالنقد الذات الملكية‏!‏
فكنا نري عباس العقاد في صحيفة الأهرام ومحمد حسين هيكل في صحيفة السياسة والشيخ علي يوسف في جريدة المؤيد التي صدرت لأول مرة في ديسمبر عام‏..1889‏ وكانت لسان حال الحزب الدستوري‏..‏ ضيوفا دائمين علي سجن الاستئناف يدخلون ويخرجون‏..‏ وقد تصادر صحفهم ولكنها تعود من جديد لتناضل معهم وبهم من أجل حرية مصر‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
مازلنا نركب الحنطور المدندش ونتجول به في شوارع القاهرة الجميلة‏..‏ أو التي كانت جميلة فتية عفية عذراء‏..‏ في قمة زينتها وهدوئها ووقارها ونظافتها في عام‏1930.‏
لا صوت للراديو‏..‏ باق علي ظهوره اربعة أعوام لا غير‏.‏
المقاهي والبيوت تعيش علي الاسطوانات والجرامافون بالبوق الشهير‏!‏
لا أتوبيسات‏..‏ إلا عربات سوارس التي تجرها الخيول‏..‏ مع بشائر عربات سونوكروفث أول أتوبيس بالموتور يجري في شوارع القاهرة‏.‏
العربات الملاكي نادرا ما تراها‏..‏ الماركات الأولي‏:‏ الفورد والأولدز موبيل والباكار ذات الرفارف العالية والمزمار المنفاخ والمانفلة التي تدير بها الموتور قبل الركوب‏!‏
هدوء جميل‏..‏ وناس رايقة وفايقة وظريفة وستات آخر حشمة‏..‏ ولكن من هي هذه الفتاة الجميلة ذات الضفاير السوداء والعيون الكحيلة التي تتمايل وتتعاجب بجمالها في الشارع التي تظلله الأشجار علي الجانبين؟
إنها إحسان‏..‏ سعاد حسني في الحياء أيام أن كانت أجمل ظبية في الخميلة الجميلة‏..‏ إنها مجرد تلميذة في المدرسة‏..‏ ولأنها من أسرة فقيرة‏..‏ بل تحت خط الفقر وأمها كانت سيرتها علي كل لسان‏..‏ حتي لمها وسترها المعلم شحاتة توفيق الدقن وأنجب منها زربة عيال‏..‏ إحسان أكبرهن‏..‏ وحاول أن يسترها ويزوجها قبل أن تضيع عن دنيا بلا صاحب ناسها ديابة‏..‏ ولكنها كانت غرقانة في حب المناضل الأول في فيلم القاهرة‏30‏ علي طه صاحب مجلة الكوثر‏..‏ وصاحب المنشورات الملتهبة ورئيس الجمعية السرية التي تحارب الفساد المتمثل في السراي والحكومات الورقية المتتابعة والأحزاب المريضة‏!‏
واتفق الحبيبان المناضل والتلميذة علي كل شيء‏..‏ الزواج بعد ليسانس البطل وشهادة البطلة الصغيرة‏..‏ ولكن يظهر افعوان وغد زنيم في صورة قاسم بيه وكيل الوزارة الذي يقود عربته الباكار ويعاكسها في الرايحة والجاية‏..‏
ولأن الفقر طول عمره‏..‏ وغد لئيم‏..‏ فقد استجابت التلميذة الجميلة الفقيرة لنداء المال والجاه والحرية والعز‏..‏ وذهبت مع قاسم بيه في عربته إلي شقته‏..‏ وباقي القصة معروف في الروايات وفي الحكايات‏..‏ ولكن في الأفلام أكثر‏..‏ وأكثر وأكثر‏.‏
‏.................‏
‏.................‏
تعالوا نهبط من الحنطور المدندش‏..‏ لننزل للحوزي وحصانه أن يشربا معا قروانة بوظة‏..‏ من البوظة التي علي الناصية‏..‏ ونصعد سلالم وزارة المعارف التي يعمل بها قاسم بيه وكيلا لها‏..‏ بوصفه رب الجيل‏..‏ وان كان يرتدي بذلة الوغد الزنيم‏..‏ وصاحب هذا الدار أستاذ في الميلودراما اسمه في الحياة‏:‏ أحمد مظهر‏..‏
وما هذا الشاب النحيل‏..‏ إنه واحد من المطحونين في الحياة اسمه محجوب عبدالدايم‏..‏ أبوه موظف في البوستة مريض وطلع علي الاستيداع بمكافأة ضاعت في شهور قليلة‏..‏ يقوم بدور محجوب بطل هذه القصة الحقيقي القدير حمدي أحمد‏..‏ الذي اختفي من فوق الشاشة الفضية لمجرد انه نجح في البرلمان عن حزب العمل الذي أنهينا حياته بجرة قلم ولم يعد له وجود بيننا برغم أن زعيمه هو المناضل إبراهيم شكري رحمه الله‏.‏
دعونا من كل هذا‏..‏ لنتفرج علي وقائع الفيلم التاريخي أفضل‏..‏ هذا هو أخونا محجوب الذي تخرج مع باقي شلة المناضلين المكافحين من الشباب المصري الحر الذي يدافع عن حقوقه وحقوق كل مصر‏..‏ بالجمعيات السرية وبالكتابة في الصحف‏..‏ وبكتابة المنشورات النارية التي تفضح الحكومة والملك والاستعمار الانجليزي‏..‏ وبالنضال المسلح عند معسكرات الانجليز علي خط القناة‏.‏
ما الذي جاء بالأخ محجوب ابن القناطر الخيرية إلي هنا؟
انه يسأل بلدياته سالم الإخشيدي الممثل القدير أحمد توفيق عن أي فرصة عمل يعيش منها بعد الليسانس‏..‏ وليساعد أبوه المريض وأمه الراقدة علي فراشها في القناطر‏!‏
وجواب بلدياته‏:‏ لا وظائف علي الإطلاق‏..‏ إلا إذا وافق علي أن يستغني عن نصف مرتبه لمدة عام كامل لرجل طيب صالح يعرف ربنا سوف يلحقه بوظيفة في مصلحة الكهرباء‏..‏ أو يدفع مائة جنيه كاش لراقصة اسمها تيتي لها واسطة في وزارة الأشغال‏!‏
ويرد محجوب‏:‏ منين أدفع للراقصة؟‏..‏ لكني موافق ياخد الراجل الطيب نصف مرتبي لمدة عامين موش عام واحد علشان الوظيفة الميري‏!‏
ويرد بلدياته‏:‏ طيب بس استني لما يرجع من الحج‏!!‏
‏...............‏
‏...............‏
لا تنسوا ونحن نتابع أحداث هذه الرواية وهذا الفيلم أنها جرت قبل ثمانين عاما بالتمام والكمال‏..‏
تعالوا نشاهد أعجب وأغرب مشاهد لم تسجلها ولم تطرحها السينما المصرية طوال مرحلة المائة عام وهو عمر السينما المصرية الآن والتي كتبها أديب مصر الرائع نجيب محفوظ وأخرجها لنا المبدع الذي لا يتكرر صلاح أبوسيف‏.‏
‏{{‏ لأن قاسم بيه متورط مع التلميذة الجميلة إحسان في علاقة حميمة‏..‏ ولأن محجوب عبدالدايم لا يحصل علي وظيفة أي وظيفة يعيش منها في القاهرة‏..‏ بدلا من الجنيه الذي يوحد الله الذي يقتطعه والده المسكين من معاشه كل شهر ويرسله إليه‏..‏ ولأن سالم الأخشيدي بلديات محجوب وهو مدير مكتب قاسم بيه‏..‏ فقد لعب سالم الأروبة علي الحبلين وأرسل إلي محجوب يستدعيه علي عجل إلي مكتبه ليدور بينهما هذا الحوار المثير‏:‏
محجوب‏:‏ خير يا سالم بيه؟
سالم‏:‏ لقيتلك وظيفة‏..‏
محجوب‏:‏ فين؟
سالم‏:‏ هنا في الوزارة‏..‏ وظيفة محترمة‏..‏ تقعد وتتجعس علي كرسي في الحكومة درجة سادسة‏!‏
محجوب‏:‏ درجة سادسة حتة واحدة؟‏!‏
سالم‏:‏ أيوه‏..‏ سكرتير قاسم بيه‏..‏ نفس الوظيفة بتاعتي اللي سبتها لما بقيت مدير مكتب قاسم بيه‏!‏
يضع سالم سيجارة في فم محجوب ويسأله وهو مازال في نشوة الوظيفة القيصرية‏:‏ مانفسكش تخش دنيا؟
محجوب بدهشة‏:‏ دنية إيه؟
سالم‏:‏ تتجوز يعني‏!‏
محجوب‏:‏ موش أما نتحصل علي الوظيفة الأول؟
سالم‏:‏ وإذا كانت الوظيفة حتة واحدة مع الجوازة؟
محجوب دون صوت‏:‏ تبقي قردة وعاوزين يلزقوهالك يا محجوب‏!!‏
سالم‏:‏ أصل العروسة قريبة قاسم بيه؟
محجوب‏:‏ قريبته‏..‏ لزم كده؟
سالم‏:‏ قول من بلدياته‏!‏
محجوب‏:‏ من بلده نفسها؟
سالم‏:‏ قول كده من معارفه‏!‏
محجوب في نفسه دون صوت‏:‏ نزلنا درجة‏!‏
سالم‏:‏ انت يهمك كده واللا كده‏..‏ يعني صديقته‏!‏
محجوب دون صوت‏:‏ ماتقول عشيقته يابن نفيسة‏!‏
سالم‏:‏ ياسيدي سيب الأفكار دي لفلاحين بلدنا‏..‏ أنت في القاهرة ومعاك ليسانس‏..‏
الجوازة والوظيفة حته واحدة‏..‏ ولازم تقرر النهاردة ودلوقتي‏..‏ فيه ألف واحد يتمني فرصة زي دي‏..‏ يامبروك‏..‏ يايفتح الله؟
محجوب‏:‏ مبروك‏..‏ مبروك ياسالم بيه‏!‏
سالم‏:‏ يسلم فمك‏..‏ النهاردة تيجي عندي البيت نكتب الكتاب ونعلي الجواب إتفضل عشرين جنيه أهم انزل اشتري بدلة وجزمة وكارفتة لزوم الشياكة ياحضرة السكرتير الخاص‏!‏
ولم ينس أن يضع باقي المبلغ الذي أعطاه له قاسم بيه في جيبه‏..‏ وهي عادة مصرية مازالت تتكرر حتي اليوم‏..‏ وحتي يوم القيامة تحت أكثر من لافتة‏:‏ الحداقة والفهلوة‏!‏
‏...................‏
‏...................‏
ويتزوج محجوب من إحسان الجميلة ثمن الوظيفة ولكن بشرط في منتهي القسوة‏..‏ أن قاسم بيه سوف يتردد علي شقة الزوجية كل يوم سبت الساعة ثمانية مساء‏..‏ بشرط أن يترك محجوب افندي زوج إحسان البيت كله ولايعود إلا بعد نزول قاسم بيه‏!‏
وسوف يتكفل قاسم بيه بكل مصاريف البيت من أكل وشرب ورواتب خدم وحشم‏!‏
من يقبل في هذا الزمان‏..‏ هذه المهانة ؟
نجيب محفوظ يقول لنا‏:‏ محجوب عبد الدايم قبلها قبل ثمانين عاما‏!‏
ولكن يبقي السؤال الذي ينعق في سمائنا كغراب البين‏:‏ هل بيننا هذه الأيام من يرتدي برودة محجوب عبد الدايم ؟
صحيح أنه بيننا من يبيع شرف زوجته علي مائدة البغاء كل ليلة‏..‏
ويجلس علي الباب يحاسب الزبائن‏..!‏
ولكن أن يقبل رجل أن يداس شرفه وشرف زوجته كل مرة كل أسبوع من قبل رئيسه في العمل وعلي فراش الزوجية من أجل الوظيفة ولقمة العيش‏..‏ المغموسة في الوحل‏..‏ هو أمر فوق الاحتمال‏..‏ وفوق طاقة البشر‏..‏
كم أنت كافرة يالقمة العيش‏!‏
‏.....................‏
‏.....................‏
هذا الفيلم بالذات كان موضوع سؤال في امتحانات شعبة الإعلام في قسم الاجتماع في كلية الآداب جامعة الإسكندرية‏:‏
السؤال كان‏:‏ ما هو الفرق بين جيل القاهرة‏30‏ وبين جيل‏2010‏ ؟
مذا قال الطلبة؟
وماذا قال الأساتذة؟
ولكن لذلك حديث آخر‏!{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.