حافظ فاروق يؤدي اليمين الدستورية أمام الشيوخ خلفا لعياد    الهجرة تستعرض أنشطتها خلال أسبوع| الموازنة العامة أمام "النواب".. والوزيرة تشارك بالملتقى الأول للشباب في الإسماعيلية    رئيس جامعة بني سويف: 85 ألف طالب يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني    ختام فعاليات «إعداد قادة التنمية المستدامة» في الجامعة الألمانية الأردنية    لجنة قيادات جامعة بنها تستقبل المتقدمين ل3 وظائف قيادية    لأول مرة.. الجامعة البريطانية تنظم اجتماعات للطلاب للتعريف بكلياتها    استقرار أسعار اللحوم في الأسواق اليوم الأحد    «مصر للطيران» توجه 6 نصائح للحجاح.. منها التواجد في المطار قبل الرحلة ب4 ساعات    «التموين» تطرح 20 ألف رأس ماشية في المجمعات الاستهلاكية خلال عيد الأضحى    مياه المنوفية: ضبط 9000 وصلة خلسة للمياه والصرف الصحي    مساعد نائب «رئيس هيئة المجتمعات العمرانية» يتفقد محطات الصرف الصحي ورافع مياه للشرب بمدينة بدر    الحكومة: تخفيض 25% من مقابل التصالح بمخالفات البناء في حال السداد الفوري    سلامة الغذاء: تشديد الحملات الرقابية على الأسواق بكل المحافظات    مصابون في قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية في الجنوب اللبناني    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف عدة بلدات بالجنوب اللبناني    أبوالغيط يدعو إلى تكاتف الجهود للنهوض بالشراكة العربية الإفريقية نحو آفاق أوسع    عاجل.. تحرك مفاجئ من «كاف» بشأن مواجهة الأهلي والزمالك في السوبر الإفريقي    رقم خيالي.. الكشف عن مكافأة مارسيل كولر بعد التتويج بدوري أبطال إفريقيا    وزير الرياضة: الجمهور هو البطل الحقيقي في تحقيق الأهلي والزمالك البطولات الأفريقية    إمام عاشور: الأهلي حقق لي حلم حياتي    تعرف على مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة لها    أول تعليق من محمد مجدي أفشة بعد تتويج الأهلي باللقب    امتحانات الدبلومات الفنية 2024 بالدقهلية.. فرحة بين الطلاب لسهولة الفيزياء    «الأرصاد»: ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من اليوم    تفاصيل الحالة المرورية بالقاهرة اليوم الأحد.. كثافات من رمسيس لشارع الجيش    نقل 7 مصابين في حادث بالشرقية لمستشفي الطبي العالمي    التحقيق في واقعة مصرع الطفلة ريماس داخل أسانسير بالطالبية    صحيفة الحالة الجنائية للبلوجر هدير عبد الرازق: "غير مسجلة آداب"    اليوم.. «النقض» تحدد مصير زوج الإعلامية أميرة شنب    الطموح العنيد.. كل ما تريد معرفته عن شخصية برج الجدي منجز الأبراج الترابية    همت سلامة ل DMC: موقف مصر الحاسم منع إبادة جماعية فى رفح ومرر المساعدات    مكتبة الإسكندرية تشارك في الدورة ال11 من مهرجان الطبول والفنون التراثية    مدحت صالح يتلقى العزاء في شقيقه اليوم    وزير الأوقاف للمرافقين لبعثة الحج: مهمتكم خدمة ضيوف الرحمن والتيسير عليهم    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية (تفاصيل)    أستاذة «صحة نفسية» تحذر من تأخر الطفل في الكلام: تستدعي تدخلا طبيا    أستاذ الصحة العامة: 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من ضغط الدم    «القومي للتغذية» يوجه نصائح إلى الحجاج لحمايتهم من التسمم الغذائي    استفزاز خطير.. كوريا الشمالية تتهم سيئول وواشنطن بالتجسس عليها    وزير الخارجية يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في اجتماع مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي    141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    وكيل وزارة الصحة بالشرقية ينعي مشرفة الحضانات بمستشفى أبو حماد المركزي بعد مصرعها في حادث    "في صحبة محمود سعيد"، معرض بالزمالك يحتفي بذكرى رحيله الستين    وزير الري يتابع خطة عمل صيانة وإحلال المنشآت المائية    أنا وقلمى.. «تكوين» بين الجدل.. والرفض الشعبى    رابط الاستعلام عن نتيجة صفوف النقل الترم الثانى بالجيزة ..تعرف عليه    أدعية الطواف السبعة حول الكعبة وحكم مس البيت.. «الإفتاء» توضح    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم بعد انخفاضه الأحد 26 مايو 2024    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    4 قتلى على الأقل وإصابة آخرين فى ضربات روسية على خاركيف بأوكرانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
الحرب الباردة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 06 - 2015

أكتب اليك قصتى لعلى أجد عندك الرأى السليم الذى يساعدنى على اجتياز العقبة الكبرى فى حياتي،
فأنا مشرف بشركة عالمية فى دولة عربية شقيقة، وعمرى واحد وأربعون عاما. وأنتمى إلى أسرة متوسطة الحال، وأبى على المعاش وقد تخطى سن الثمانين، وأمى ربة منزل فى سن الخامسة والستين، ولى أخت تعمل فى شركة قطاع خاص ولم تتزوج بعد، وأخ يعمل فى بنك استثماري، وترتيبى الثاني، وعشت طفولتى مدللا من أبي، إذ كان يتجاوز عن كل الأخطاء التى أرتكبها، ولم يوجهنى إلى ما يجب أن أفعله، وما ينبغى أن أتجنبه، وعندما أتذكر الكثير من المواقف الحياتية التى واجهتها وأنا صغير أكره أيام الطفولة، بل إننى أشعر بالخجل والحرج من نفسي، ودعنى أروى لك بعض التفاصيل عن تلك المرحلة، حيث إن والدى لم يحظ إلا بقسط قليل من التعليم، ويقرأ الجريدة بصعوبة، وهو رجل طيب القلب لكنه عصبى ويثور لأتفه الأسباب، وقد بدأ حياته العملية فى سن الثانية عشرة، حينما ترك أسرته الفقيرة فى المحافظة التى ولد فيها، وذهب إلى القاهرة بحثا عن مورد رزق، وتركت هذه الخطوة تأثيرا سلبيا شديدا عليه، فلقد انجرف إلى أصدقاء السوء، وتعلم تدخين المخدرات فى تلك السن الصغيرة، ولم يقلع عن التدخين إلا منذ سنوات قليلة بعد أدائه فريضة الحج، وحتى بعد أن تزوج وأنجبنا. كان يقضى وقتا طويلا مع أصدقائه، وكنت أطلب منه فى بعض الأحيان أن يأخذتى معه، فيوافق، فالحقيقة أنه لم يرفض لى طلبا، أو يردنى خائبا فى أى مسألة أعرضها عليه، ومازالت جلساته معهم مغروسة فى نفسى وأتذكرها كثيرا ولا أنسى زياراتهم لنا، إذ كان يأتى بهم أحيانا إلى شقتنا الصغيرة ومساحتها ثلاثة وستون مترا، ويغلقون عليهم حجرة ضيقة لمدة خمس أو ست ساعات، ويملأ الدخان الشقة، وقد يتسلل إلى الخارج.. فى هذا الجو نشأت، ولم يكن لأبى تأثير فى حياتي، وكان الدور الأهم لأخى الأكبر، حيث تولى مهمة المدرس بالنسبة لي، فكان يستذكر لى دروسي، والويل كل الويل إذا لم أفهم شرحه، فلقد كان يتعصب عليّ بدرجة كبيرة، ولعب فارق السن بيننا وهو سبع سنوات دورا خطيرا فى أن يمارس عليّ دور الأب والمدرس.. صحيح أن هذا الفارق ليس كبيرا، لكنه استغل موقعه فى الأسرة، باعتباره الابن الأكبر، ومارس سيطرة كاملة على تصرفاتي، وتحركاتي، فتعثرت فى التعليم، ورسبت فى الثانوية العامة، وفى سنة الإعادة حصلت على مجموع ضعيف والتحقت بمعهد متوسط، ثم استطعت بتوفيق من الله أن أحصل على تقدير عال أهلنى للالتحاق بالجامعة، وأتممت سنوات الدراسة، وحصلت على البكالوريوس، لكن ظل الخوف مسيطرا عليّ، وأيضا الخجل الذى تسبب فى ضياع الكثير من حقوقى فى العمل الذى التحقت به، حيث ترك أسلوب أخى فى التعامل معى منذ الصغر أثرا سلبيا على شخصيتي، فعندما ينظر إلىّ شخص نظرة حادة، أو يتكلم معى بصوت عال أو بلهجة عصبية، أتلعثم فى الكلام، ولا أستطيع الدفاع عن نفسى أو حتى تكوين جملة مفيدة، كما أن ملامح وجه من أقابله تؤثر على درجة تعاملى معه، وعندما يدرك رئيسى المباشر فى العمل ذلك يستغله أسوأ استغلال، فإذا حدث تقصير فى الأداء من أى موظف أو عامل يلقى باللائمة علىّ ويعتبرنى السبب فيه!. وأجده دائما يتكلم معى بغلظة، ويعنفنى بكلمات قاسية، وتعلو علامات الغضب وجهه، ويكون رد فعلى الصمت، أو الكلام المتقطع، فلا أستطيع أن أوضح من المتسبب فى التقصير سواء كنت أنا أو غيري. وقد سافرت إلى الخارج، وعملت فى دولة عربية، لكن المشكلة نفسها لاحقتنى هناك، وقال لى كثيرون ممن التقيت بهم، وصاروا أصدقاء وجيرانا لى إننى طيب، فهل أصبحت «الطيبة» عيبا، ومن يتصف بها لا يستطيع أن يأخذ حقه، ويدوس الناس عليه بأحذيتهم؟.. إننى أعمل فى إحدى الشركات بهذه الدولة منذ أربع سنوات، لكنى لم أحصل على ترقية، أو أى درجة وظيفية، وحاولت أن أنتقل من القسم الذى أعمل به إلى قسم آخر، فرفض مديرى ووبخني، واستغل نقطة ضعفى وهى أننى لم أستطع مجادلته، ونقلنى إلى فرع آخر غير ناجح، وليس فيه أى مجال للترقيات، ولم أستسلم لهذه الحالة التى لم أتخلص منها، فرحت أتابع اعلانات الوظائف بصفة مستمرة، وأطلب ممن أتوسم فيهم الخير أن يساعدوني. وهنا أسألك: لماذا لا يخاف الناس الله؟.. ولا يعملون حسابا للتعاليم الدينية، وهم يصنعون هذا الصنيع فى الحياة العملية، فتجد كل شيء مباحا ومن ذلك «الحروب الباردة» فى العمل بين الناس من أجل الحصول على المناصب، واستخدام كل الأساليب السيئة لتحقيق مآربهم ولو على حساب الآخرين؟.. لقد مر أربعة عشر عاما تقريبا على بداية حياتى العملية، عملت منها عشر سنوات فى مصر، وأربع سنوات حتى الآن فى الخارج، ولم أجد التقدير المناسب لجهدى سواء ماديا أو معنويا، فبعد كل هذه السنين من العمل والتعب المتواصلين ليلا ونهارا لم أحقق شيئا يذكر مقارنة بالآخرين، وكل ما أنجزته هو شراء شقة متواضعة فى مشروع إسكان الشباب، وإدخار مبلغ من المال يعيننى على تحمل تكاليف الزواج، لكنى لم أتزوج بعد، إذ لازمتنى أزمة الخجل والخوف حتى وأنا أختار شريكة حياتي، ولقد بدأت رحلتى للبحث عن فتاة الأحلام فى سن الثالثة والثلاثين، حيث خطبت فتاة، واستمرت خطبتنا شهرا، ثم طلبت منى أن أزورها فى البيت، وبمجرد أن جلسنا معا، قالت لى «كل شيء نصيب» وأعطتنى الشبكة والهدايا التى قدمتها لها، وخرجت من بيتهم، وأنا أتصبب عرقا، والدموع تنهمر من عينيّ، وكان مبعث حزنى أننى لم أتمكن من إقناعها بنفسي، ففى المرات القليلة التى تحدثنا معا بعد الخطبة، منعنى الخجل من أن أتكلم معها كثيرا، وأن أتعرف عليها بصورة أكبر، وكنا نقضى أغلب الوقت فى صمت، وبرغم مرور ثمانى سنوات على هذا الموقف، فإن مشهد إنهائها الخطبة مازال عالقا بذهني، ولم أنس الطريقة التى استدعتنى بها لتكون لحظة النهاية فى بيتها، مع أنه كان بإمكانها أن تنهى كل شىء عن طريق التليفون أو من خلال أحد افراد أسرتى، وبعد فترة تقدمت لخطبة أكثر من فتاة، لكن والدّى كانا يتدخلان لإثنائى عن الاستمرار مع من أعجبت بهن، خصوصا أبي، وكنت ومازالت أخشى رد فعله بعد تجربة أخى معه، فلقد سبق أن تزوج من فتاة على غير رغبته، واستمر زواجه بها أحد عشر عاما، ولم يتزحزح أبى عن موقفه منها، وبعد هذه السنوات الطويلة وقعت خلافات بين أخى وزوجته، وكان عدم الإنجاب من أهم أسبابها، فطلقها، وتزوج بأخرى.
والحقيقة أننى لا أريد تكرار ما حدث، وأرغب فى أن يكون أهلى راضين عن الفتاة التى أرتبط بها، ومنذ تسعة أشهر تقريبا حدثنى والداى عن بنت قالا إنها مناسبة لي، فوافقت على رأيهما، وتعرفت عليها عن طريق الانترنت وأنا فى الخارج، واقتنع كل منا بالآخر، وحصلت على إجازة، وجئت إلى مصر، وخطبتها، واتفقنا على إتمام الزواج بعد عام، ثم تعرفت على بعض ملامح شخصيتها، وعرفت أن لها ثلاثة أخوة ذكور، أحدهم سائق، والثانى يعمل فى «كوفى شوب»، والثالث بلا عمل، وهى معلمة لغة انجليزية بمدرسة لغات وخريجة كلية الآداب، وصريحة معي، إذ تحكى بتلقائية عن كل شيء، ولم تحدث لى معها أى مشكلة حتى الآن، لكنى أشعر بالخوف منها فى المستقبل، فهى البنت الوحيدة لثلاثة أشقاء، وقد أخذت الكثير من طباعهم، وتتعامل بعصبية معهم، وأحس أنها «رجل» مثلهم، وتعترف بذلك، وتقول إن هذا هو أسلوبها فى عملها أيضا، بمعنى أن لسانها طويل وجريئة فى التعامل مع الآخرين، وتمت خطبتها مرتين، ولم يحدث نصيب، وأرجعت سبب فشل ارتباطها من قبل إلى أن من تقدموا للزواج منها ليسوا قادرين على تحمل تبعات ومسئوليات الزواج، ومعظمهم غير منتظمين فى أعمالهم، وانها فى الخطبتين تأكدت من الطمع المادى فيها على أساس أن دخلها مرتفع.
وعلى جانب آخر، فإننى فى بعض الأحيان أجد فتورا فى حديثى معها، فهى التى تفتح الموضوعات أحيانا، وفى أوقات أخرى أحاول أن أجد مدخلا جديدا للكلام بيننا، وقد لا أجد ما أقوله، وأخشى أن ألقى المصير نفسه الذى آلت إليه تجاربى السابقة. وقد صارحتها بما يدور داخلى ومخاوفى منها بعد الزواج، فقالت لى بالحرف الواحد.. «أنت ليك عندي، إن أقول لك حاضر ونعم»!!.. وبصراحة شديدة، فإننى لن أقبل أن يعلو صوت زوجتى عليّ، أو أن تتعامل معى بعصبية، وأرجو ألا أفشل فى زواجي، وأخشى أن أعود إلى مصر، وأترك عملى فى الخارج، وأجدنى أعيش صراعا داخليا أو «حربا باردة» لا نهاية لها، فماذا أفعل؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ما تعرضت له من خوف وتردد وخجل، وعدم ثقة بالنفس، مرده الأساسى الى «الحرب الباردة» التى شهدتها حياتك مع أبيك وشقيقك، ورؤسائك فى الأعمال المتعاقبة التى اشتغلت بها سواء فى مصر أو الخارج، فبالنسبة لأبيك فقد تركت تصرفاته الأسرية، وانجرافه الى تدخين المخدرات مع أقران السوء أثرا سلبيا فى نفسك، ولم تجرؤ بالطبع وأنت طفل صغير على أن تواجهه بما يفعله، ولم تملك أمك السيدة البسيطة حيلة إزاء ذلك، فكتمت أحزانك داخلك، وغاب دور الأب فى حياتك، بعد أن حصر نفسه فى هذا العالم المملوء بالمخاطر والآثام ولا أدرى كيف لأب مثله أن يصنع هذا الصنيع؟ وكان طبيعيا، والحال كذلك أن يظهر دور الأخ الأكبر الذى أهلته السنوات السبع فى فارق العمر بينكما الى أن يجعل نفسه وصيا عليك ويفرض ارادته على تصرفاتك، فصرت أسيرا له، لا تستطيع أن تبدى رأيا، أو أن يكون لك موقف، وانعكست هذه الإملاءات على تركيبتك الشخصية وأصبح كل من تتعامل معه، يدرك ذلك على الفور، وقد لا يستغرق الأمر لقاء أو اثنين حتى يتبين له أنك تتراجع أمام من يتخذون مواقف متشددة معك، أو من يشعرون بأنك متردد، وبالتالى من الممكن أن تتخذ قرارات غير مدروسة.. حدث ذلك مع رؤسائك فى الأعمال التى التحقت بها، فلم يجدوا فيك صفات الرئيس الذى يوجه مرءوسيه، ولذلك لم تنل أى ترقية، وعندما أيقنت بأنهم يهضمون حقوقك طالبتهم بها، فإذا بهم ينقلونك من عمل الى آخر حتى انتهى بك المطاف فى فرع للشركة التى تعمل بها ليس به ترقيات، وانما هو فرع تابع لفرع آخر، ومجرد مكان به عدد من العاملين فى الشركة، وحدث ذلك أيضا مع من حاولت الارتباط بهن، إذ سرعان ما تبين لهن جميعا أنك لست الشخص المناسب للزواج به، وعبت على من فسخت خطبتها لك أنها استدعتك إلى منزلها، وأبلغتك بقرارها، ولو فكرت قليلا لوجدت أن صنيعها هذا أفضل كثيرا من أن تبلغك بالقرار هاتفيا أو عن طريق وسيط، ذلك أن المواجهة فيها تقدير لك، ولو لم تشعر بذلك، وكان من الممكن أن تفند أسبابها لفسخ الخطبة، وتؤكد لها أنها أحسنت بأن أباحت عما فى صدرها تجاهك، لأنك أنت الذى لا ترضى بأن تتزوج من تساورها الشكوك فيك، وفى قدرتك على اتخاذ قراراتك ومواجهة الآخرين أيا كانت المواقف والمشكلات.. لكن ترددك وخوفك من الإقدام على أى خطوة جديدة هو الذى يوقعك فى دائرة المشكلات الحياتية، فحتى خطيبتك الحالية تحاول أن تجد من الذرائع ما يبرر لك أن تفسخ خطبتها، وهى لم ترتكب إثما ولا جريرة، وإنما قالت لك إنك «ستجدها كما تريد»، وخوفك منها منحصر فى أسلوبها «الرجالي» فى التعامل مع الآخرين، وبدلا من أن تعيد بناء شخصيتك، وتحاول أن تتخلص من الصفات السلبية التى تركها من حولك فيك منذ صغرك، وحتى الآن بعد أن تعديت سن الأربعين، إذا بك تدور فى نفس الحلقة المفرغة من التردد والوساوس والمخاوف التى لا مبرر لها.. انك لم تعب على خطيبتك خلقا ولا دينا، وإنما تقول انها تتصرف بشكل قوي، وان اتسم بشيء من العصبية، وهذا أمر ينبغى ألا يكون سببا رئيسيا فى فسخ خطبتها، وهى أيضا فتاة ناجحة، فى عملها وحياتها، ولذلك فإن عليك أن تتريث وأنت تحدد مصيرك معها، والمهم الآن أن تستفيد من كل ما جري، وأن تستجمع قوتك وشجاعتك، وتنفض غبار الماضي، وتبدأ صفحة جديدة فى حياتك سواء فى العمل، فتحدد المنهج الذى يحفظ لك وجودك وكيانك وخبرتك المتراكمة على مدار السنين، أو فى علاقتك بأخيك، وبأبويك، فأنت لم تعد صغيرا لمثل هذا التردد الذى نعيبه على صغار السن، فما بالنا بمن أصقلته تجارب السنين، وجعلته رجلا له كيانه ووجوده؟.

ولا تتخيل انك وحدك الذى تشعر بالخوف أو ينتابك التردد والحيرة، فكلنا يعانى ذلك، وحتى الناجحون فى حياتهم الذين رأيتهم ونالوا إعجابك كانت لهم أيضا مخاوف لكنهم تغلبوا عليها وحصلوا على ما يريدون فى النهاية. ومادمت ترى أشياء ايجابية فى فعل ما لكنك تخشى تنفيذه، فإننى أرى أن تفعله خطوة بخطوة، فالفعل سوف يولد لديك الشجاعة، وستجد أن العالم يتسع من حولك كلما تحليت بالارادة، وعليك أن تقوى ثقتك بنفسك بتذكر نجاحاتك وخبراتك التى اكتسبتها من تجاربك السابقة، واصنع المزاحات والنكت عن خوفك، واضحك عليها، لترى كم كان سخيفا أن تخاف من هذا الشيء أو ذاك، وتوقف عن النظر إلى السلبيات، وساعد الآخرين على مواجهة مخاوفهم، فربما تكون مساعدتك لهم هى الشمعة التى منحها الله لكليكما حتى يرى ما لم يكن يراه فى نفسه من قبل.
لقد بات عليك أن تكتسب الثقة فى نفسك من خمسة مفاتيح مهمة، الأول: «التميز» بمعنى أن تدرك أن لك شخصية خاصة بك تمنحك حقوقا طبيعية منها الحق فى تكوين آراء وأفكار والتعبير عنها، واتخاذ مبادرات خاصة بك، ولا يعنى ذلك أن تستغنى عن آراء الآخرين، ولكن معناه أن تناقشهم، وتصل إلى الرأى المناسب بشأن كل موقف أو قضية، والثانى: «الثبات»: بمعنى أن تثق فى نفسك، وفى علاقاتك مع من حولك، فلا تجاريهم، أو تكون نسخة منهم، وإنما يتعين عليك أن تكون صاحب شخصية تقول ما أنت مقتنع به دون تردد، والثالث: «التحدى» فتضع لنفسك أهدافا صغيرة بناء على معرفتك بقدراتك بحيث تكون معقولة وقابلة للتحقيق على أرض الواقع، وأن تعرف إمكاناتك وحدودك، وقسّم عملك إلى مراحل، وفى كل مرحلة ارفع درجة صعوبة التحدي، وراقب تطور وضعك لتعرف ما الذى تحتاج إلى تغييره أو تعديله، وإذا فشلت فى إحدى المراحل توقف قليلا لتدرس فشلك وتعرف أسبابه حتى تصحح الأخطاء، وتتمكن من مواصلة انجازاتك بطريقة أفضل تجنبك أخطاء الماضي، والرابع: «التذكر» بترديد جمل إيجابية فى قرارة نفسك، أو حتى بصوت مسموع عندما تكون بمفردك فى مكان ما، كأن تقول «يمكننى أن أفعل ذلك»، أو «نعم لدى الكفاءة لهذه الوظيفة»، أو «أنا الأفضل»، وسوف تساعدك هذه الحيلة على أن تصبح أكثر إيجابية فى طريقة تفكيرك، وأن تتغلب على أى إحساس بالاحباط وعدم الثقة بالنفس، كما تدفعك إلى طرد الأفكار السلبية من رأسك، ولكن لن تعرف النجاح إذا لم تكن مؤمنا بقدراتك، والخامس: «المواجهة»: بمعنى مواجهة المواقف المزعجة أو السيئة وليس الهروب منها، وكن إيجابيا فى المناقشة ، ولا تنس انك قد لا تنجح فى رفع الاحساس بالضيق، أو تبديد الخوف من أول مواجهة، فمع تكرار الأمر سوف تكتسب خبرة خاصة بك تجعلك قادرا على تفادى أى مواقف صعبة، أو على الأقل مواجهتها بكل ثقة..
وإذا اتبعت هذا المنهج من الآن، فسوف يكون لك شأن آخر سواء مع خطيبتك التى أرجو ألا تتعجل الحكم عليها أو أبويك، وهما فى سن الجلال والاحترام، أو مع رؤسائك وزملائك وغيرهم.. فقط عليك أن تبدأ من الآن حياة جديدة تتطلع فيها إلى دنيا مختلفة، ومستقبل أفضل، فالأمل موجود وأنت إنسان ناجح بكل المقاييس، وإن كنت لا تدرك ذلك، وكل ماهو مطلوب منك أن تنظر إلى الدنيا بعين جديدة، غير هذه العين اليائسة، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.