بالأمس كان يعد «الكُتَّاب» من أقدم المراكز التعليمية عند المسلمين، لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، واليوم اختفت عوامل الجذب فى الكتاتيب، مع أن الدور العظيم الذى قامت به فى الماضي، مازال يلعب الأثر الكبير فى عقول الحافظين لكتاب الله، ومعظمهم من الآباء والأجداد. ذلك الجيل الذى ترعرع ونشأ فى كنف الكتاتيب عاش بوجدانه وعقله وحواسه لم يكن معرضاً لما يتعرض له جيل الصغار والشباب من أبنائنا اليوم الذين باتوا أسرى للألعاب الالكترونية فى إجازة الصيف وجماعات التطرف والإرهاب. علماء الدين يؤكدون أن الفهم الخاطئ لتعاليم الشريعة الإسلامية يعد السبب الرئيسى فى كل ما تعانيه الأمة حاليا، ولو فهمت الجماعات المتشددة تعاليم الإسلام، ما وجدنا من يقتل أو يدمر باسم الدين، والإسلام منهم براء، فمن يحفظ القرآن الكريم ويتدبر معانيه ويطبق هذه المعصاني، هو من يبنى ويعمر، لا من يقتل ويدمر ويخرب، ومقاصد الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ النفس والمال والعقل والعرض، وكل من يحفظ كتاب الله عز وجل، ويخالف هذه التعاليم، فهو لا يفهم معانى القرآن، ولا يعرف حقيقة الإسلام. يقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الوزارة تشجع تحفيظ القرآن الكريم، بكل ما تملك، ومنذ أيام انتهت فعاليات المسابقة العالمية للقرآن، التى نظمتها الوزارة، وكانت بمشاركة 100 متسابق من 60 دولة، والمسابقة هذا العام شهدت بعدا جديدا، تمثل فى فهم معانى القرآن الكريم، لأن هناك من يوظفون الدين والنصوص القرآنية لتحقيق أهدافهم، فالذين يقتلون باسم الإسلام، لم يتدبروا معانى القرآن الكريم، فالقضية ليست فقط فى الحفظ، لكن علينا أن نحسن الفهم. وتوجد بالوزارة إدارة مركزية للمساجد وشئون القرآن الكريم، وهناك اهتمام كبير بالكتاتيب فى المساجد، وتم رفع مكافأة الكتاتيب المالية بنسبة 100 %، وبدل المقاريء بنسبة 25 %، وحلقات القرآن الكريم بنسبة 200 %، وعددهم 390 محفظًا، وضاعفت الوزارة مكافأة هؤلاء المحفظين من أول يناير لتكون 150 جنيهًا بدلًا من 75 جنيهًا. كما قررت الوزارة بدء تنفيذ نظام «الكتاتيب العصرية»، والذى يقوم على غرس القيم الأخلاقية والوطنية فى النفوس الناشئة منذ نعومة أظافرهم إلى جانب تحفيظهم للقرآن الكريم، وذلك فى إطار جهود الوزارة لتجديد الخطاب الديني. وتم فتح باب التقدم أمام الراغبين فى فتح كتاتيب عصرية، من خريجى الأزهر أو معاهد القراءات التابعة له، مع إعطاء الأولوية للعاملين بالأوقاف. كما أن الوزارة لن تألو جهدا فى خدمة كتاب الله عز وجل وحفظته، وأنها مستعدة لفتح مساجدها لتحفيظ القرآن الكريم، بشرط الحصول على الرخصة المطلوبة، حتى لا يتم استغلال دور حفظ القرآن فى تمرير أفكار معينة عبر بعض المحفظين المنتمين للجماعات المتشددة. الثقة فى المحفظ الحازم وحول دور الكتاتيب وأهميتها فى حماية النشء يقول الشيخ محمد جابر، رئيس قسم شئون القرآن الكريم بمديرية أوقاف المنيا، إن الكتاتيب القرآنية هى المحضن للأشبال والأطفال الصغار تحصنهم من التيارات المتطرفة والمتشددة وتعمل على إمداد الإيمان فى القلوب وتجعل النشء صالحاً نافعاً لدينه ووطنه، ودائما ما ينادى المصلحون بإعطاء المكاتب القرآنية حقها من الرعاية وتشجيعهم الأطفال على الحفظ، وهناك أناس حفظة مجهولون يقومون على تحفيظ أبنائنا وهم من خريجى الأزهر سواء كانوا حاصلين على درجة الإجازة العالية أو من خريجى معاهد القراءات التابعة للأزهر. وهناك إقبال على المحفظين المجيدين للتحفيظ والمشهود لهم بالكفاءة، وهناك محفظون فى أماكن متفرقة يتميزون بالدقة والحزم ونجد أولياء الأمور يقبلون على مثل هؤلاء المحفظين ويتركون أولادهم لديهم نتيجة الثقة فى هؤلاء، وفى هذه الآونة يتفاوت عدد الكتاتيب بين كل قرية وأخرى ويرجع هذا للكثافة السكانية، فكلما زادت الأعداد زادت الكتاتيب. كتاتيب النطق السليم ويطالب الدكتور هشام عبدالعزيز علي، بأوقاف المنيا ومن علماء الأزهر، بإعادة الكتاتيب إلى العمل التعليمى التربوى مرة أخري، لأن عودتها تعد بمنزلة بعث عامل من عوامل التنشئة الصالحة لأجيالنا التى طالما جُففت منابعُ تربيتها، لاسيما القرآنية، فمما هو معلوم أن الكُتَّاب كان له دوره فى تحفيظ القرآن وتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، كما أن مشايخ الماضى كانوا يتقنون المخارج ويحسنون النطق مما يتشبعه الصغار سليقةً وبلا عناء، ومنذ أن عمل أعداؤنا على تجفيف هذه المنابع برزت أجيال مسطَّحة علميا، إذ لم يحفظوا المتون التى تؤسس لمشروع عالم، كما أنهم لا يملكون نطقا سليما، ولا تركيبا لجملة صحيحة، فضلا عن عجزهم عن التفكير الموضوعى المتكامل. فهم وتدبر ويقول الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن فهم معانى القرآن الكريم وتطبيقها فى الحياة، سوف ينعكس بشكل متميز على حياة الفرد والمجتمع، لأن معانى القرآن الكريم تحمل تعاليم الرحمة والعدل والتكافل، وغيرها من القيم التى نحن فى حاجة إليها اليوم، موضحا أن القرآن الكريم يمكن فهمه دون حفظه، ولذلك نجد المناهج التربوية الحديثة تنقسم إلى قسمين، الأول يكلف فيه الطالب بحفظ آيات من القرآن الكريم، والثانى يكلف فيه الطالب بفهم معانى بعض الآيات، والمؤكد أن القسمين أو المقررين على قدر كبير من الأهمية، لأن القسم الثانى يعظم قدرة الفهم عند من يحفظ القرآن الكريم، والأهم من ذلك كله، يتمثل فى تطبيق هذه المعانى فى الحياة، وفى التعامل داخل المجتمع، ولابد أن نغرس لدى الأجيال الجديدة هذه القيم والمفاهيم، فبجانب الاهتمام بحفظ القرآن، يكون فهم وتدبر المعانى القرآنية، وبعد ذلك يأتى تطبيق هذه المعاني، لينعكس كل ذلك بالإيجاب على المجتمع المسلم، وتسود القيم والمبادئ فى المجتمع، من خلال التعامل بأخلاق القرآن، التى توضح سماحة الإسلام وسعة أفقه، وتحصن الشباب ضد الفكر المتشدد، وتوضيح حقيقة الإسلام وكونه دين السلام والرحمة والعدل وقبول الآخر، ويكشف حقيقة الجماعات المتشددة، التى ترفع شعارات دينية. وفى سياق متصل يؤكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر، أنه يجب على الأمة الإسلامية العناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة ومعاني، وذلك كى يرتبط المسلمون بالنصوص القرآنية، كما أن مواجهة التشدد والتطرف تكون من خلال عرض حقيقة الإسلام، وذلك بما تحمله نصوص القرآن التى تمثل الوجه المشرق للإسلام.