التعليم والدولة والهوية.. ثلاث كلمات دارت حولها أغلب مناقشات الوفد الإعلامى المصرى، الذى زار برلين أخيرا، للالتقاء بعدد من الشخصيات العامة فى ألمانيا، ومناقشة الوضع فى مصر والمنطقة العربية، وسبل الاستفادة من الخبرات الألمانية، لتعزيز التعاون الاقتصادى التعليمى، ودعم مسار التنمية بمصر، فى ظل الأعمال الإرهابية. اللقاءات، التى تمت قبل أسابيع من الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسى لألمانيا، كانت بمثابة مؤشر لأهمية فتح المزيد من قنوات الاتصال للدبلوماسية الشعبية، تدعيما للدور الدبلوماسى الحالى، لنقل واقع الأحداث على الأرض، وتبادل الرؤى حول الحالة الراهنة فى مصر، والتحديات التى تهدد المنطقة الأورومتوسطية بأسرها، وليس فقط العالم العربى، ومن أهمها سبل استثمار الزيادة السكانية فى المنطقة، خاصة أن 60% من سكان الوطن العربى أعمارهم أقل من 30 عاما، وهم بحاجة ماسة لفرص التعليم الجيد والعمل، خاصة فى ظل ظروف إقليمية تهيىء لانخراطهم مع البؤر الإرهابية الممارسة للعنف بالعالم العربى، أو الهجرات غير الشرعية لأوروبا. ويقول السفير محمد حجازى سفير مصر بألمانيا، إن العلاقات المشتركة فى طور التحسن بنسبة 85%، حيث أسهم المؤتمر الاقتصادى فى تعزيز الاستثمارات الألمانية الموجهة لمصر، والتى تشمل 200 مليون يورو لدعم التدريب الفنى والمهنى، مشيرا إلى زيادة معدلات الرحلات السياحية لمصر، وإلى أهمية الاستفادة بالعلماء وأساتذة الجامعة المصريين المقيمين بألمانيا، حيث إن 6 من كبار العلماء المصريين بها أعضاء بالمجلس الاستشارى العلمى التابع لرئاسة الجمهورية، ومنهم المهندس هانى عازر، وخبير الطاقة العالمى الدكتور هانى النقراشى، موضحا أن هؤلاء العلماء لهم دور كبير فى تعزيز التعاون العلمى والتكنولوجيا، ونقل الخبرات العلمية إلى مصر. ومن الشخصيات التى التقى بها الوفد د. فرانسيسكا برانتنر عضوة حزب "الخضر" نائبة رئيس المجموعة البرلمانية المعنية بملف مصر العضوة السابقة بالاتحاد الأوروبى، والتى زارت مصر عدة مرات، ولها اتصالات قوية بالعديد من التيارات السياسية فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة. وقد كانت د. فرانسيسكا من أكثر البرلمانيين الأوروبيين المعارضين لحكم وأيديولوجية الإخوان، كما عارضت الاحتضان الأوروبى والألمانى لهم، وأكدت، فى وسائل الإعلام الألمانية، أن ما حدث فى 30 يونيو كان ثورة شعبية، وليس انقلابا، وهو التصريح الذى سبب لها العديد من المشاكل. ولقد أكدت د. فرانسيسكا أن الدور الذى تقوم به مصر فى مكافحة الإرهاب مهم جدا، لدعم استقرار المنطقة، إلا أنها طالبت، خلال اللقاء، بأن تكون هناك نظرة سياسية بعيدة المدى، لجذب جميع التيارات المعتدلة والقوى المدنية والنشطاء والإخوان المسلمين البعيدين عن أعمال العنف لسياسة البناء ومحاربة الإرهاب، خاصة أن هذا المسار يسهم بشكل فعال، على حسب تقديرها، فى مكافحة الإرهاب، وتحقيق الإصلاح الديمقراطى. وفى السياق نفسه، أوضح السفير بوتشافتر إربل سفير ألمانيا الأسبق بمصر، أنه من المهم فى ظل جهود الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب عدم إتاحة الفرصة للقوى الأصولية للعودة مرة أخرى لعهدها القديم بالعمل تحت الأرض، لأن ذلك سيزيد من أعمال العنف، ومن الأسلم، حسب تقديره، أن يتم استيعابها فى الحياة السياسية بقدر كبير. المثير للاهتمام أن الحوارات أسفرت عن مناطق كثيرة من الاتفاق وتكامل الرؤى، وذلك من واقع تواصل السياسيين الألمان مع ممثلى الجماعات الأصولية الإسلامية، حيث أوضحت د. فرانسيسكا برانتنر، أنها، خلال حواراتها مع ممثلى الإخوان، كانت تختلف معهم كثيرا فى تعريفهم للديمقراطية، وحقوق الأقليات، وحتى فى آلية تشكيلهم للحزب. وأضافت، أنه بالنسبة لهم كحزب الخضر ولأوروبا، فإن فصل الدين عن الدولة من المبادئ والمكاسب الأساسية للثورة الفرنسية، وهو مبدأ ديمقراطى مهم لفهم الديمقراطية الصحيحة، ولا يمكننا فى ألمانيا التضحية بهذا الأمر، فلن يكون الأمر سارا بالنسبة لنا، إذا فوجئنا بأن 4 ملايين مسلم فى ألمانيا شكلوا حزبا للإخوان المسلمين، إلى جانب ذلك فإن هناك مبادئ إنسانية فى كل الأديان يمكننا الاتفاق عليها فى العمل الحزبى السياسى، وفقا للتشريعات والدستور. وحاليا، فإننا فى ألمانيا نبحث الأسباب وراء مطالبة بعض القوى السياسية بإيجاد نظم للتعليم الدينى بالمنزل، بعيدا عن سياق التعليم المدرسى، وكذلك الأسباب وراء التحاق أكثر من ألف مواطن ألمانى بجماعات "داعش" فى العراق وسوريا، وإلى أى مدى كان للأسرة أو المجتمع أو أصول هؤلاء الأفراد دور فى التحاقهم بتلك الجماعة الإرهابية.