يبدو قرار السلطات الألمانية بوقف تصدير شحنة أسلحة كبيرة مخصصة للجيش المصرى كانت فى طريقها إلى مصر من خلال ميناء هامبورج وكأنه تصعيد ألمانى ما ضد مصر وموقف جديد من برلين تجاه القاهرة بررته الحكومة الألمانية بقرار الاتحاد الأوروبى الصادر فى 21 اغسطس الماضى بوقف تصدير الأسلحة إلى مصر بعد عزل الرئيس مرسى وفض إعتصامات الإخوان وانصارهم، فى حين تشير المعلومات المتاحة لدينا من داخل البرلمان الألمانى إلى أن ضغوط المعارضة الألمانية، وتحديدا حزب الخضر هى ما تسبب فى وقف هذه الشحنة، خاصة أن الحكومة الألمانية الحالية تشهد حملة ضارية من المعارضة اليسارية ممثلة فى حزبى اليسار والخضر بسبب توسع المانيا المستمر فى تصدير الأسلحة لدول الشرق الأوسط، واحتلالها المرتبة الثالثة عالميا بعد الولاياتالمتحدة وروسيا فى الدول الأكثر تصديرا للسلاح. وقد تناقلت وكالات الأنباء ما نشرته مجلة «دير شبيجل» اخيرا حول شحنة الاسلحة التى تقول ان مصدرها قد يكون بولندا وتتضمن أجهزة تقنية للبحرية المصرية وايضا هياكل وتجهيزات خاصة بعربات مدرعة للجيش المصري، وحسب معلومات المجلة ومصادرها فإن هذه الهياكل تحديدا تندرج تحت قرار الحظر الأوروبي، لأن العربات المدرعة المخصصة لها هذه التجهيزات أستخدمت فى اثناء الثورة المصرية وبعدها فى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن سقط خلالها قتلى وجرحي، وهو مايثير شكوكا المانية حول الصفقة واحتمال استخدامها فى قمع المتظاهرين. غير أن المثير فى الامر أن الحكومة الألمانية نفسها وعلى لسان وزيرة الدولة فى المستشارية الالمانية ماريا بوهمر اعلنت خلال جلسة البرلمان الألمانى فى 12 فبراير الماضى انها لا علم لديها بهذه الصفقة ! وما حدث فى هذه الجلسة التى خصصت المعارضة جزءا منها كالعادة لمهاجمة سياسة تصدير الأسلحة الالمانية للخارج، أن النائبة عن حزب الخضر فرانسيسكا برانتنر والتى تتبنى موقفا متشددا من الحكومة المصرية بعد 30 يونيو وجهت سؤالا للحكومة الالمانية حول الإجراءات المحددة التى اتخذتها برلين لتنفيذ قرار وزراء الخارجية الأوروبيين بوقف صادرات الأسلحة لمصر وتنفيذ وقف التعاون الأمنى معها. وسألت برانتنر، سؤالا محددا حول شحنة اسلحة مخصصة لمصر تعلم بوجودها فى ميناء هامبورج وتتضمن عربات مصفحة مخصصة للبحرية المصرية كما قالت، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية تسعى بقوة للإفراج عن الشحنة، واجابتها المسئولة بالمستشارية الألمانية ماريا بوهمر، أن قرار وزراء الخارجية الاوروبيين ينص على وقف اصدار تصاريح تصدير للأسلحة التى يمكن ان تستخدم فى القمع الداخلى وقد طلب من سلطات الجمارك الألمانية إجراء مراجعة دقيقة للشحنات المتجهة إلى مصر، كما تم التواصل مع الشركات الالمانية التى تملك تصاريح لتصدير الأسلحة لمصر وطلب منها عدم استخدام هذه التصاريح مؤقتا وهو ما استجابت له الشركات، واضافت الوزيرة انه لا علم لديها بالصفقة الموجودة فى ميناء هامبورج مؤكدة ان أى صفقة من هذا القبيل لابد ان يكون هناك طلب بشأنها لدى الحكومة الالمانية، وتعهدت بوهمر امام البرلمان الألمانى بمراجعة الأمر بشكل كامل. والآن وبعد اكثر من شهر، نشرت مجلة دير شبيجل رد الخارجية الألمانية على السؤال الذى طرحته السياسية المعارضة فى البرلمان الألماني، وهو رد دبلوماسى وفضفاض إلى حد كبير، حيث اوضحت الخارجية الألمانية أنه يتم حاليا من الناحية التقنية تحديد اوجه إستخدام هذه الشحنة، والهدف المخصصة له وفى خطوة لاحقة سيتم اتخاذ قرار إما بالسماح بتصديرها لمصر أولا فى إطار قرار وزراء الخارجية الأوروبيين الصادر فى الصيف الماضي. اى ان الأمر معلق إلى حين وهذا الحين يتعلق بالتطورات فى مصر. وحتى الآن ليس واضحا ما هو حجم هذه الصفقة؟ وهل هذه الأسلحة المانية الصنع والمنشأ أم انها بولندية وكان الهدف فقط شحنها لمصر من خلال ميناء هامبورج؟ لكن الواضح مما نشرته مجلة» دير شبيجل« الآن ان الحكومة الألمانية تحركت بضغط من المعارضة، وبعد ان طرح موضوع الشحنة فى البرلمان من قبل فرانسيسكا برانتنر التى تنتقد السلطات فى مصر، وما تصفه بالعنف ضد الإخوان والناشطين من القوى الشبابية والليبرالية . وقد طالبت برانتنر قبل انضمامها للبرلمان الالمانى فى اكتوبر الماضى وعندما كانت متحدثة الشئون الخارجية لتكتل الخضر فى البرلمان الأوروبى بضغوط المانية واوروبية على مصر من خلال وقف صادرات الأسلحة والمساعدات المباشرة للحكومة المصرية. كما وصفت تحذيرات السفر للسائحين الالمان إلى سيناء بأنها غير كافية وطالبت السياسية الألمانية بمؤتمر دولى تحت رعاية الأممالمتحدة حول مصر تشارك فيه جميع الأطراف الدولية بما فيها قطر ودولتيا الإمارات والسعودية وتطالب بوساطة دولية لتحقيق مصالحة فى مصر. وقد تم انتخاب برانتنر نائبة لرئيس لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الشئون الأوروبية بالبرلمان الالمانى و انتخبت قبل يومين فقط رئيسة للجنة الوقاية من الأزمات. وتنتقد برانتنر وغيرها من سياسيى المعارضة سواء فى حزبى الخضر او اليسار صادرات الأسلحة الالمانية للشرق اللأوسط واخيرا شن تحالف المعارضة فى البرلمان هجوما مزدوجا فى البرلمان وفى وسائل الإعلام على حكومة ميركل الحالية بأنها لم تتراجع عن تصدير الأسلحة لمناطق الأزمات بما يخالف الدستور الألماني، وتنتقد المعارضة تحديدا صفقات بيع زوارق وغواصات للسعودية ولإسرائيل ودبابات للجزائر فضلا عن قطع غيار العربات المدرعة واسلحة للشرطة والجيش فى مصر يمكن ان تستخدم ضد المتظاهرين، هذا غير الأسلحة الألمانية التى تستخدم حاليا فى الحرب الدائرة فى سوريا وفى الصراع فى ليبيا. وانتقد جيريجور جيزى زعيم المعارضة فى البرلمان الألمانى الحكومة الالمانية، لانها تلقت نحو 17600 طلب تصدير اسلحة فى عام 2011 لم ترفض منها سوى 100 طلب فقط! وبذلك يتضح ان شحنة الأسلحة المصرية اصبحت جزءا من صراع المعارضة والحكومة فى البرلمان الالمانى واغتنمت الحكومة الألمانية الفرصة طالما الموضوع اصبح علنيا لتؤكد التزامها بالقرار الاوروبى بحظر تصدير اسلحة إلى مصر يمكن أن تستخدم فى قمع المتظاهرين. وربما يتعين الإشارة هنا إلى صفقة الغواصتين الألمانيتين لمصر من طراز يو ذ 209 والجارى صناعتها لمصلحة البحرية المصرية فى مدينة كيل بشمال المانيا، والمفترض ان تسلمها لمصر فى عام 2016، فحتى الآن ورغم الضغوط الإسرائيلية تشير الدوائر العسكرية الألمانية إلى انها مستمرة ولا تغيير فيها بل ان الحكومة الألمانية لم تنف تقارير إعلامية نشرت اخيرا بأن المانيا تعتزم تسليم مصر غواصتين إضافيتين من الطراز نفسه. ويتعين ايضا الإشارة إلى أن هناك سياسيين المان بارزين اخرين يتبنون موقفا داعما لمصر فى هذه المرحلة. مثل فولكر كاودر رئيس الكتلة البرلمانية للإتحاد المسيحى الحاكم والذى زار مصر اخيرا والتقى المشير السيسي، ويروج منذ عودته هنا بوضوح لأهمية استئناف المانيا واوروبا علاقاتهما مع مصر سياسيا واقتصاديا وتنمويا فى اسرع وقت لأن مصر اهم من ان تترك هكذا محذرا من النفوذ الروسى المتنامى فى القاهرة. وكان اخر ما صرح به كاودر هنا فى الأسبوع الماضى بأن اوروبا عليها تجاوز الحيرة التى تسببت فيها احداث 30 يونيو، وانه شخصيا يرى ان ما حدث من عزل لنظام الإخوان هو جزء من الثورة المصرية، وقال ان ما يقلق المانيا من منع نشاط المنظمات الألمانية وتراجع، مناخ الحريات وحبس انصار الإخوان كلها امور يمكن التحدث فيها مع الحكومة المصرية بعد تنشيط العلاقات من جديد وان ذلك لا بد ان يحدث سريعا وبحد اقصى بعد الانتخابات الرئاسية المصرية، وفى اقوى تصريح داعم لترشيح المشير السيسى للرئاسة قال كاودر انه بعد لقائه معه فى القاهرة لم يتكون لديه انطباع بأن المشير يريد تحويل مصر إلى ديكتاتورية عسكرية من جديد، بل ان الغرب يمكن ان يضع املا فيه النهوض بمصر.