على الرغم من أن مدام بوفاري بطلة رواية جوستاف فلوبير الشهيرة عمرها اليوم يتجاوز المائة و خمسين عاما، إلا أنها لازالت محل نقاش و مراجعات من قبل النقاد و الأدباء، بل لا زلنا نرى بين الحين والآخر عملا سينمائيا أو مسرحية جديدة تتبنى فكرة الرواية و تقدمها بطرح عصري. فالاشكالية التي قدمتها مدام بوفاري في علاقة المرأة بالمجتمع ظلت تستحق حتى اليوم النقاش والتقديم. ومدام بوفاري هي فتاة عاشت في الريف وهي تكره هذه الحياة لأنها كانت تصبو إلي ما هو أفضل منها … حتى عندما عاشت في دير لتصبح راهبة ، لم تستطع لأنها كانت تحلم بحياة أفضل مثل تلك التي تقرأ عنها في الكتب والمجلات وترسم لها الحياة الوردية بين الرجل والمرأة . وحدث لها ما تمنت بأن تزوجت الطبيب الشاب الذي جاء لعلاج قدم والدها المكسور. لكن مدام بوفاري لم تكن سعيدة أيضا، فما تراه من عالم مبهر ورمانسي في القصص يجعلها تنظر بعين السخط على حياتها وزوجها. ثم أقامت العديد من العلاقات مع رجال كثيرين بحثا عما تمنت إلى أن وقعت في شباك رجل جعلها تستدين من أجله وعندما اتفقت معه على الهرب بعيدا قال لها إنه لن يذهب معها. وتركها غارقة في ديونها. ولم تجد بدا من الانتحار للخروج من دائرة أحزانها. ويؤمن الكثيرون من النقاد والأدباء أن مدام بوفاري هي تجسيد لمعاناة المرأة في كل زمان من مجتمع يتجاهل مشاعرها وينظر إليها على أنها كائن بلا عقل لا حق له في تقرير مصيره، ويجب أن يكون كما تمناه الآخرون وليس كما يتمنى هو نفسه. وبناء عليه فإن مأساة بوفاري سيكتب لها عمر جديد طالما أن المجتمع لازال على نظرته القديمة للمرأة دون أن يعطيها الحق في أن تعيش حياتها بالطريقة التي تريدها هي.