ما الذى دهانا – فى الجماعة البحثية والأكاديمية المصرية ودوائر صنع السياسة الخارجية – حتى استمرأنا تجاهل (إسرائيل) كموضوع للدراسة منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى الآن ..؟ و هاكم جردة ببنود (جدول الأعمال) الذى نود اقتراحه كموضوعات أو قضايا للدراسة الأكاديمية والبحثية كلون من ألوان "تجديد الحديث عن إسرائيل" . القضية الأولى هى تطورات العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية. فمن المعروف أن هذه العلاقة تتأرجح بين ثلاث (نظريات) : أولاها نظرية "المصلحة"، بمعنى أن مدركات الاستراتيجيا الأمريكية، تعتبر إسرائيل بمثابة "مصلحة أمريكية" كاحتياطى استراتيجى رئيسى فى مواجهة حركة القومية العربية وحركات (الإحياء الإسلامى) وحراسة منابع النفط والغاز. وقد تآكلت المصداقية المفترضة لهذه النظرية خلال ربع القرن الأخير، بفعل اضطرار الولاياتالمتحدة إلى العمل على (تحييد إسرائيل) فى مفترقات الطرق التاريخية الكبرى بالمنطقة ، وخاصة أثناء (حرب الخليج الثانية) 1991 ، وعملية غزو العراق 2003 – فهل تآكلت بالفعل ، وإلى أى مدى ؟ وإلى أى حدّ هي ظاهرة مرشحة للاستمرار ؟ أما (النظرية) الثانية فتتعلق بالموقع المسيطر نسبيا للأقلية اليهودية، و كتلتها الرئيسية ذات الانتماء الصهيونى، داخل النظام السياسى الأمريكى . والنظرية الثالثة تنصرف إلى التشارك فى منظومة (القيم) الثقافية، النابعة من تماثل الخبرات التاريخية. ولهذه النظرية، من حيث المبدأ، مصداقية معينة، بالنظر إلى أن البلدين (إسرائيل والولاياتالمتحدة) قامتا على أنقاض البشر والحجر في الأوطان التي صار أهلوها يسمون بالسكان الأصليين. ويجعل أكثر الكتاب الغربيين أمثولة (الديموقراطية) الإسرائيلية المزعومة- فى مجتمع للاستعمار الاستيطاني ذي جوهر عنصرى ..!- كشاهد على الإرث الثقافى المشترك بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل . أما القضية الثانية التى نطرحها كقضية للبحث فهى تطورات "ميزان الردع الاستراتيجى" بين إسرائيل والعرب خلال السنوات الأخيرة . لقد تملصت إسرائيل دائما من الالتزام الدولى للانضمام إلى (اتفاقية منع الانتشار النووى)؛ وهي دولة نووية في واقع الحال، وإن كانت (دولة نووية غير معلنة) ، ضمن ما يمكن أن يسمى (النادى النووي) العالمي. وها هي إسرائيل قد استطاعت "تطهير" المنطقة العربية من القدرات النووية، وخاصة منذ تدمير المفاعل النووى العراقى عام 1978 ، واستفادت أيما استفادة من التوجه الأمريكى لتدمير القدرات النووية العراقية اللاحقة وصولا إلى غزو العراق نفسه عام 2003. وأما عن الأسلحة الكيماوية فقد تم استغلال أمريكا لمسار الحدث السورى بعد 2011 لفرض التخلص من المخزون الكيماوى لدى الدولة السورية ، كخطر استراتيجى محتمل على كل من إسرائيل والوجود الأمريكى على مقربة قريبة من سوريا. أما القدرات العلمية والبحثية فى كل من مصر والجزائر فلا نعلم شيئاعنها بصورة دقيقة . وكذلك الحال فيما يتعلق بأسلحة الردع الاستراتيجى الأخرى – "ما فوق التقليدية" – وخاصة منها تلك القائمة على التكنولوجيا الحيوية والجرثومية . فماذا يتبقى للعرب و مصر من قدرات (الردع الاستراتيجى) تجاه إسرائيل ؟ نشير هنا، بدايةً، إلى السوابق التاريخية الكبيرة لقدرات الردع الاستراتيجي على الجانب العربي، ممثلة خاصة في (القدرة الصاروخية) المصرية للدفاع الجوي أثناء حرب الاستنزاف 1967-1970، و حرب أكتوبر/تشرين 1973. و قد برزت فى السنوات الأخيرة قوى غير تقليدية فى تاريخ (الصراع العربى – الصهيونى) جربت وسائل مستحدثة فى ممارسة الصراع "غير المتكافىء" ضد إسرائيل ، ونقصد (حزب الله) بصفة أساسية، والذى خاض حرباً دفاعية كبيرة فى منطقة الجنوب اللبنانى عام 2006 فى مواجهة عدوان إسرائيلى واسع النطاق، مستخدماً –من بين أشياء أخرى- سلاح الصواريخ (أرض – أرض) وصواريخ (أرض– بحر) قصيرة المدى ومتوسطة المدي. ثم إننا نقصد بعض فصائل المقاومة الفلسطينية (من "الجهاد" و "القسّام" بصفة أساسية) التى طورت تكنولوجيا الصواريخ ، المجلوبة في أغلبها من إيرانوسوريا بصفة أساسية قبل2011. ولكن ماذا عن مستقبل أسلحة الردع الاستراتيجى عموماً فى ميزان الصراع العربى – الإسرائيلى؟ وما دور مصر فى ذلك ؟ بل وما مستقبل التوازن التسليحى بين مصر وإسرائيل بالذات، وخاصة فى ضوء احتمالات تقلص العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة على الصعيد العسكرى-مقابل تزود مصر بصواريخ الدفاع الجوي الروسية المضادة للطائرات من طراز (إس إس 30) وغيرها؟ يستمد هذا السؤال أهميته فى ضوء تطوير إسرائيل لتكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة، من خلال بعض الشركات الأمريكية العاملة فى مجال (صناعة شرائح السيليكون)، وفى ضوء تزود إسرائيل ببعض معدات التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الأكثر تطورا، وأقمار التجسس وجمع المعلومات والاستشعار من بعد، والقطع الحساسة من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار، والدفاعات الصاروخية، ومعدات استكشاف و تدمير الأنفاق-كل ذلك بقتضى "اتفاق التعاون الاستراتيجي" المبرم بين الطرفين الإسرائيلي والأمريكي عام 1983. وقضية رابعة ترد أخيراً، وإن لم تكن آخراً، تتعلق بمسارات ما يسمى بتسوية الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى : إن إسرائيل تحتفظ بين جنبيْها وفى طيات ملابسها، وربما فوق كفّيْها، بقنبلة شديدة الخطر هى (القنبلة الديموغرافية الفلسطينية) ونقصد كتلة الشعب الفلسطينى داخل الأراضى المحتلة وفى المنافى، البالغة زهاء إثنى عشر مليونا. و تفضل إسرائيل كخيار تاريخى، اتباع استراتيجية المماطلة أو التأجيل، أو "استراتيجية اللاستراتيجية"، إذا صح هذا التعبير، بالإضافة إلى ممارسات يائسة لمحاولة تغيير الميزان السكاني-الاسكاني بمواصلة أعمال الاستيطان- فماذا هى فاعلة بالقنبلة بين جنبيها فى الأمد القصير والمتوسط والطويل ؟ و يا له من مأزق تاريخى تنعدم فيه الرؤية اليقينية بالنسبة لإسرائيل ومستقبلها الغامض أو غير المؤكد ككيان سياسي، فماذا نرى بإزاء ذلك وماذا نحن فاعلون ؟ سؤال يضاف إلى أسئلة سبقت، نسوقها إلى قادة الرأى وصانعى السياسة ومتخذى القرارات فى مصر وفيما حولها عربيا وإسلاميا، لعلها تجد أجوبة شافية من الجميع. لمزيد من مقالات د.محمد عبد الشفيع عيسى