سبق وأن عرضنا الجزء الأول من ورقة بحثية حول "تقييم القدرات النووية لإسرائيل"، والتى أعدها الدكتور طارق فهمى، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وعرضها فى سياق ندوة نظمها المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، وعنوانها "إنشاء منطقة خالية من السلاح". وعرضنا فى الجزء الأول من البحث، مراحل تطور قدرة اسرائيل فى إنتاج أسلحة نووية، وأهم مقومات تصنيع القنبلة الذرية، وكيف أنها ركزت على تكنولوجيا التصغير لإنتاج قنابل ذرية تكتيكية، وتطوير باقي أسلحة الدمار الشامل. كما ذكر التقرير الأمريكى الصادر سنة 2002، أن أخطر ما في البرنامج النووي الإسرائيلي هو إنتاج القنابل النيوترونية التكتيكية الصغيرة، واستراتيجية إسرائيل فى تطوير الأسلحة النووية، بالإضافة إلى "الضربة الثانية النووية". وأكدت الدراسة أن منظومة السلاح النووي الإسرائيلي ليست للردع فقط، بل وسيلة ضغط من أجل الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط وعلى امريكا وفى هذا الجزء نتناول الفرضيات التى وضعتها اسرائيل لاستخدام السلاح النووى، كما يتناول البحث عرض لأهم القواعد السياسية لإسرائيل النووية. كما يتناول البحث نقطة فى غاية الأهمية، وهى الأسس الأربعة للسياسية الإسرائيلية العسكرية. وتناول، فهمى، فى بحثه القدرات النووية الإسرائيلية الراهنة، ورصد أهم التطورات في مجال التسليح وتكنولوجيا الدفاع في إسرائيل، وفيما يلى نص البحث: تتمثل فرضيات استعمال السلاح النووي من قبل إسرائيل بالتالي: - الردالانتقامي على غزو بري واسع يهدد وجود هذا الكيان بالمطلق (من نوع حرب(1973وتنطوي هذه الفرضية على لجوء إسرائيل إلى الرد باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. - الردعلى الهجوم بأسلحة الدمارالشامل ضد المصالح الحيوية الإسرائيلية. - الردعلى هجوم إرهابي من قبيل أحداث11 سبتمبرالأمريكية معتمداًعلى فرضية تقول بامتلاك الحركات الإرهابية القدرات الكيمائية والبيولوجية وربما النووية. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية1991 اقترح الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب منع إنتاج وامتلاك اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم المعزول في الشرق الأوسط ، أي إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. في الواقع بدت مختلف الدول في الشرق الأوسط متفقة على فكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح غيرأنها اختلفت على شروط وظروف تنفيذيها، لقد انتظرت الدول العربية أن تقدم إسرائيل إشارةعلى موافقتها تفكيك مخزونها غيرأنها زعمت أن إنشاء مثل هذه المنطقة لايكون إلا بإتمام كامل لعملية السلام في الشرق الأوسط وضمان السلام الدائم في المنطقة. السياسة النووية الإسرائيلية تقومهذه السياسةعلى ركائزأربعة: أولاً: سوف يستخدم الإسرائيليون قنبلتهم الذرية كعامل رادع ولكنهم لن يستخدموها لتنفيذ ضربة وقائية. ثانياً: سوف يستخدمونها فعلاً لتوجيه ضربة انتقامية عند الضرورة. ثالثا:سوف تنكر إسرائيل رسمياً أنها قامت بصنع أسلحة ذرية ولكنها ستشيربصورة ضمنية إلى وجود مثل هذه الأسلحة لديها من خلال القنوات الرسمية وغيرالرسمية. رابعاً: ستسعى إسرائيل إلى منع أعدائها من الحصول على الأسلحة النووية حتى وإن تطلب ذلك القيام بعمل عسكري وهذا ما يفسره ضرب إسرائيل تدميرالمفاعل النووي العراقي" أوزراك" عام1981. وقدأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين إنه في حالت تعرض المدن الإسرائيلية لأي هجوم بصواريخ سكود فإن إسرائيل ستنفذ على الفورسياسة مدينة بمدينة، من هذه الواقعة أن الإسرائيليين سوف يعتمدون على قنبلتهم الذرية كعامل رادع آملين أن يؤدي مجرد وجوده إلى الحيلولة دون وقوع هجوم عليهم. إن العدد الأقصى للقنابل الذرية التي يمكن لإسرائيل أن تصنعها محدود بما يتوافر لديها من كمية البلوتونيوم239 و درجة نقاء تلك المادة. و تشير تقارير استراتيجية إلى أن إسرائيل استطاعت صنع قنابل من كلا النوعين قنابل البلوتونيوم وقنابل اليورانيوم، وربما صنعوا41 سلاحاً ذرياً. ولكن الافتراض المتفق عليه لعدد من العلماء إن إسرائيل تنتج سنوياً ما معدله1.2 قنبلة سنوياً. أسس سياسة إسرائيل العسكرية: بنت إسرائيل سياستها العسكرية في عقد التسعينات على أسس أربعة وهي:- - إمتلاك القدرة على الدفاع المتقدم، والردع عن طريق اتباع أسلوب المنع عن الدول العربية. - تطوير تكنولوجيا الإعتراض، وإمكانية تهديد وضرب العمق في دول المواجهة العربية، وتهديد القدرات النووية الكامنة في دول المواجهة العربية وبعض الدول الإسلامية التي ترتبط بعلاقات تعاون إستراتيجي بدول المواجهة العربية. - قبول شن عمليات ردع محدودة أوعمليات خاصة إستراتيجية ضد إحدى دول المواجهة العربية مع قبول تحويلها الى المستوى فوق التقليدي إذا واجهت إسرائيل القتال على أكثر من جبهة في مسرح الحرب في وقت واحد. - تطوير الإنتاج الحربي الإسرائيلي كمصدر حيوي للقوة العسكرية والقدرة الإقتصادية معها. ويمكن لنا ان نرصد التطورات الهامة التالية في مجال التسليح وتكنولوجيا الدفاع في إسرائيل: - استمراربرنامج الصاروخ الإعتراضي حيتس (آرو) الذي دخل الخدمة في القوات المسلحة عام1996 والتركيز على خلل مشكلة الإتصالات الإلكترونية وبرامج الحاسب التي وضحت في تجربتي الصاروخ، والتعاون مع شركة رايثون (التي تنتج صواريخ باتريوت ) لتصنيع رادار أرضي للانذار المبكر لصالح برنامج (آرو) خلال عامي1992م،1993م. - إنتاج طائرة موجهة بدون طيار لاعتراض الصواريخ التعبوية الإستراتيجية من طرز سكود سكاي بيردS. SKYBIRD ،و تدميرها في المجال الجوي المحيط بالأرض قبل دخولها إليه مباشرة، بينما تعترض صواريخ باتريوت الصواريخ الباليستية المعادية وهي في طريقها للأرض نحو اهدافها. - استمرار برنامج إنتاج رؤوس نيوترونية عيار2.1 كيلو طن للصواريخ التكتيكية التعبوية من طراز(لانس). - إجراء بحوث القنبلة النووية الصغيرة) ميني نيوكس( ذات عيار أقل من1 طن والتي تعتمد في تأثيرها على النبضة الالكترومغناطيسية التي تشل أجهزة الرادار واللاسلكي في الساعات الأولى للإنفجار في منطقة يتجاوز نصف قطرها 3كم. - اطلاق القمر الصناعي(اوفيك بدرجاته( لأستطلاع وتصوير أهداف القيمة والقوة المضادة لدى مصر وسوريا مع إطالة عمره ليقترب من العامين. - تنويع مجالات التعاون في تكنولوجيا الدفاع شاملة التبادل التكنولوجي مع الصين في برامج الصواريخ الإعتراضية والصواريخ البحرية والرادارات الأرضية والمحمولة جواً، و مع الولاياتالمتحدة في برامج الصاروخ الإستراتيجي أريحا3 (ذيمدى1450كم( والصاروخ (آرو( والدبابة (ميركافا3( وتطويرالطائرات (ميج( 21 باستخدام الرادارات الحديثة، والحاسبات الإلكترونية للمقذوفات ثم مع جنوب أفريقيا لتطوير أسلحة الإشعاع المكثف (القنابل والرؤوس النيوترونية). القدرات النووية الإسرائيلية الراهنة: ركز تقرير مديرالوكالة الدوليةعام2012 الذي يطالب إسرائيل بالانضمام إلي معاهدة منع الانتشار النووي علي رسائل أرسلها المديرالعام للوكالة إلي حكومات كل الدول الأعضاء في الوكالة، طالبا وجهات نظرها حول الموضوع النووي الاسرائيلي، وجاءتا لردود من42 دولة فقط (من بين151دولة بالوكالة)، لكنها تشمل الولاياتالمتحدة حليفة إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي ( التي تضم دولتين نوويتين هما فرنسا وبريطانيا )والصين،ودول تخلت عن أسلحتها النووية مثل كازاخستان وكذلك جنوب أفريقيا التي كان لها تعاون نووي مع إسرائيل,إلي جانب دول مجاورة لإسرائيل مثل مصر و سوريا ولبنان، ودول معادية للبرنامج النووي الإسرائيلي مثل إيران. كما أشار التقرير إلي مشاورات مع ممثلي الدول الأعضاء بمنطقة الشرق الأوسط وكذلك دول أعضاء معنية سواء بشكل رسميأ وغير رسمي. وتطبق الوكالة اتفاق ضمانات بينها وبين إسرائيل والولاياتالمتحدة عام1975 وهو اتفاق له صلة باتفاق عام1955حول الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بين حكومتي إسرائيل والولاياتالمتحدة (أي أن الأخير قبل معاهدة حظر الانتشارعام 1968(واتفاق ضمانات 'محدودة' يتيح للوكالة تطبيقه علي مفاعل للأبحاث ومنشأة تخزين يورانيوم ومنشأة لتخزين الماء الثقيل. ويضيف أنه بالنسبة لإسرائيل، وخلاف الدول يجري تنفيذ اتفاقيات الضمانات الشاملة التابعة للوكالة معه تحظر الاستخدام النووي عسكريا ، فإن أنشطة الوكالة للتحقق و ما تبلغه إسرائيل للوكالة، يقتصر علي منشآت ومعدات ومواد محددة . وبالنسبة لعام 2009, فإن الوكالة توصلت إلي أن المنشآت والمواد النووية ومواد إسرائيلية أخرى جري تطبيق الضمانات'المحدودة'عليها ظلت تقوم بأنشطة سلمية. و يختتم "أمانو" تقريره بأنه في ضوء ماسبق فإن الوكالة ليست في وضع لتزويد مجلس المحافظين والمؤتمر العام للوكالة بقائمة بكل المنشآت النووية التي يمكن أن تخضع للضمانات المنضوية تحت اتفاق الضمانات الشاملة في حال توصل إسرائيل لمثل هذا الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويضيف أن الوكالة ليست في موضع يسمح لها بتقديم معلومات يمكن أن تكون لها صلة "بالقدرات النووية '' الإسرائيلية خلافا لما جاء بهذا التقرير والتقارير السنوية من المدير العام لمجلس المحافظين حول تنفيذ الضمانات المحدودة.