السيسي يتابع أنشطة صندوق تكريم الشهداء وأسرهم.. الرئيس يصدق على مبادرة "مصر معاكم" لرعاية القصر.. ويوجه بمنح إعفاءات وتخفيضات في الجامعات والمعاهد    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    الهلال والأخدود.. ماذا ننتظر في مواجهة كأس خادم الحرمين الشريفين بعد قليل؟    مكتبة الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصري الكبير مع جمهور الثغر    مصر والسعودية تبحثان تسهيل حركة السلع والخدمات ودعم الربط بين الموانئ    زاهى حواس: مكاسب اقتصادية وسياحية كبيرة لمصر مع افتتاح المتحف المصري الكبير    تعمير تعلن عن شراكة استراتيجية مع The GrEEK Campus بمشروع URBAN BUSINESS LANE    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    الرئيس اللبنانى: مكافحة الإرهاب تقتضى معرفة أسبابه وجذوره وكل ما يتعلق به    الجيش اللبناني يزيل ساترا ترابيا أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوبي البلاد    «عطية» يشدد على الانضباط المدرسي ويتابع سير الاختبارات الشهرية في أكتوبر وزايد    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: طولان محق ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    وزارة الداخلية تعلن بدء إجراء قرعة الحج بمديريات الأمن    «النقل» تعلن مواعيد عمل مترو الأنفاق والقطار الكهربائي بالتوقيت الشتوي    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    آية سماحة تنضم لمسلسل أحمد داود «بابا وماما جيران» في رمضان 2026    أكلات ومشروبات ممنوع دمجها مع القهوة    كيف تؤثر مرحلة انقطاع الطمث على الصحة العقلية للمرأة؟    محافظ الفيوم يتفقد سير العمل بالمركز التكنولوجي بطامية    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    زيلينسكي: أوكرانيا مستعدة لخوض الحرب ضد روسيا لمدة تصل لثلاث سنوات    لتجنب احتقان الأنف والحرارة.. أطعمة ومشروبات منزلية تقاوم البرد والإنفلونزا    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    شوبير يكشف حقيقة العرض الليبي لضم أشرف داري من الأهلي    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    سكرتير محافظة أسوان يستعرض استكمال أعمال الموجة ال27 لإزالة التعديات    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    حسم موقف آدم كايد من مباراة الزمالك والبنك الأهلي    افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. مصر تبهر العالم في أضخم حدث ثقافي بالقرن الحادي والعشرين    من قلب الأقصر.. «مدينة الشمس» تستعد لاحتفال أسطوري بافتتاح المتحف المصري الكبير| فيديو    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    صانع محتوى يدّعى تعرضه للسرقة لزيادة المشاهدات.. والأمن يكشف الحقيقة    محافظ أسيوط يستقبل الرحلة الجوية المنتظمة بين القاهرة وأسيوط دعما لمنظومة النقل والتنمية بالصعيد    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    جراجات مجانية لأعضاء النادي في انتخابات الأهلي    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    دراسة: زيارة المعارض الفنية تُحسن الصحة النفسية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيسنجر يتكلم عن النظام العالمى
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 01 - 2015

كنت متشوقا لقراءة كتاب هنرى كيسنجر الجديد (النظام العالمي) لأكثر من سبب. المؤلف رجل مهم جدا. بل هو أحد رجال قلائل يمكن القول بأنهم اسهموا فى تشكيل النظام العالمى الحالي. والنظام العالمى الحالى يبدو أكثر غموضا مما كان فى أى وقت منذ الحرب العالمية الثانية، بل وربما منذ فترة أطول بكثير كما أن هناك نذرا بظهور عداوات جديدة، وعودة الحياة إلى عداوات قديمة، قد تهدد بحروب عالمية، قد تكون عالمية وقد لا تكون.
ولكن المؤلف ليس فقط رجل سياسة مهما، بل اشتغل استاذا فى جامعة هارفارد لمدة تزيد على عشرين عاما، مدرس تاريخ العلاقات الدولية والتاريخ السياسي، وذلك قبل أن يعهد إليه الرئيس الأمريكى نيكسون فى 1969 برئاسة مجلس الأمن القومي، ثم عينه بعد ذلك بسنوات قليلة وزيرا للخارجية، وهو أول مرة يحتل فيا شخص واحد هذين المنصبين فى الوقت نفسه. وها هو كتاب يؤلفه هذا الرجل المهم، ويحمل عنوانا هو بالضبط الموضوع الذى نريد فهمه فكيف لا نتشوق إلى قراراته؟
ولكنى لا أتردد، بعد الانتهاء من قراءته، فى القول بأن خيبة أملى فيه عظيمة، عندما فكرت فى أسباب خيبة الأمل هذه قلت لنفسى إننى يجب ألا أستغرب ذلك، بل الغريب هو ما علقته على الكتاب من آمال، نعم المؤلف واسع المعرفة، وعظيم الخبرة وبالغ الذكاء، ولكن هل يمكن أن ننسى خطورة ما شغله من مناصب، فى دولة كانت، على الأقل فى وقت شغله هذه المناصب، أقوى وأهم دولة فى العالم؟ إن بعض القرارات التى اتخذتها هذه الدولة، وقت احتلاله هذه المناصب، كانت على درجة عالية من مجافاة قواعد الانسانية والأخلاق، ومن القسوة فى معاملة الشعوب الأصغر والأضعف، مما لايمكن ألا يكون وزير الخارجية ورئيس مجلس الأمن القومى واحدا من المسئولين الأساسيين عنه. فهل نتوقع منه، عندما يجلس لكتابة كتاب قرب نهاية عمره، أن يعترف ويعلن خطأه ويعبر عن أسفه وندمه؟
ثم إنه على أى حال، رغم تركه هذه المناصب، فلايزال رجلا مرموقا يحظى باحترام عام من السياسيين الأمريكيين، الحاليين والسابقين، ومازال يؤخذ رأيه باهتمام، فهل نتوقع أن يوجه الرجل الاتهام لسياسة بلده، على أى نحو قاطع وصريح، على أساس أخلاقى أو إنسانى لمجرد أنه لم يعد يحتل منصبا مهما فى الادارة الأمريكية؟ لا أظن أن ذلك واقعي، فأقصى مايمكن لرجل مثله أن يعترف به هو خطأ أو تقصير بسيط هنا أو هناك. أو تأخر أو استعجال فى اتخاذ قرار كان يجب اتخاذه بسرعة أكبر أو بعد ترو أطول، ولكن حتى هذا لا أكاد أجده فى الكتاب كله. فالولايات المتحدة، كدولة وحكومة تحكمها (طبقا لهذا الكتاب) اعتبارات الأخلاق مثلما تحكمها المصالح (بل إنه يعبر عن المصالح بكلمة الأمن security، على أساس أن المصالح ليست نبيلة دائما ولكننا جميعا نريد لأنفسنا الأمن والأمان). ومبادئها الأخلاقية والانسانية هى دائما (هكذا يزعم كيسنجر) عامل أساسى فى تشكيل سياستها.
إنى أجد صعوبة بالغة فى قبول ذلك، لافيما يتعلق بالولايات المتحد ولا بغيرها، بل من الطبيعى أن يكون قبوله أصعب عندما تكون الدولة المعنية هى أقوى دولة فى العالم منذ منتصف القرن العشرين. فالقوة فى حد ذاتها دافع للخروج على قواعد الأخلاق (هكذا أظن)، ولا ادعاء عكس الحقيقة، كما أن العالم يبدو لى وكأنه يزداد بعدا عن التزام مبادئ الأخلاق، مع اشتداد قوة المصالح الاقتصادية وغلبتها على ما عداها، مثلما يبدو أنه حدث فى العالم منذ منتصف القرن العشرين.
كان كيسنجر وزيرا للخارجية ورئيسا لمجلس الأمن القومى الأمريكى وقت حدوث انقلاب بينوشيه فى شيلي، الذى لعبت فيه المخابرات الأمريكية دورا أساسيا، وراح ضحيته الرئيس التشيلى اليندى ونظامه الديمقراطى وآلاف من الأبرياء. كان كيسنجر يحتل هذين المنصبين أيضا عندما أرسلت الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة لتمكين الجيش الاسرائيلى من الوصول إلى غرب القناة ومحاصرة الجيش المصرى الثالث فى سيناء. قام كيسنجر، طبعا. بأعمال أخرى طيبة، كتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. وتدعيم سياسة الوفاق بينها وبين الاتحاد السوفيتي، ولكننا هنا لسنا فى مقام الحكم عليه كسياسي، بل فى مقام تقييم كتاب المفترض أن يحاسب كاتبه على درجة الصدق والكذب.
فى الجزء الأكبر من الكتاب يقدم كيسنجر استعراضا تاريخيا ممتعا لتطور ما يمكن تسميته «النظام العالمي»، فى ظل سيطرة مركز بعدم طرق مراكزه أو امبرطورية بعد أخري: روما، والصين، والخلافة الاسلامية، وأوروبا العصر الحديث، والولايات المتحدة، هذا الاستعراض يحتوى على ملاحظات شائعة كثيرة، ومبتكرة، ويمكن أن تعوض القارئ عما يفتقده من ربط التاريخ الشيق بالحاضر المعقد و بالمستقبل المجهول.
وخلال هذا الاستعراض التاريخى يرسم المؤلف أيضا صورا بالغة القوة والجاذبية لبعض الأمم والثقافات التى يتناولها (لا عجب إن كان العنوان الفرعى للكتاب: تأملات فى شحضية الأمم وتطور التاريخ») من هذه الأمثلة الممتعة وصفة للشخصية الروسية وما فيها من صلابة وقوة الشكيمة، فيصف كيف هزم الروس نابليون، عن طريق قيامهم باحراق ما لا يقل عن أربعة أخماس عاصمتهم، موسكو، حتى لا يجد الجيش الفرنسى مايأديه أو يقتات به فعجز الجيش عن التقدم داخل روسيا أكثر من ذلك وعاد مدحورا، ويقتطف كيسنجر ما علق به نابليون على هذا العمل البالغ الشجاعة والذى وضع حدا لأحلامه الامبراطورية: «ياله من شعب.. يالها من رباطة جأش وقوة عزيمة.. هؤلاء البرابرة!».
يصف كيسنجر أيضا وصفا شائعا طبيعة النظرة التى ينظر بها الصينيون إلى أنفسهم وإلى العالم، وكيف أن الصين فى نظرهم هى نفسها «العالم كله» ولكنه للأسف لايحاول التنبؤ بما يمكن ان تثمر عنه هذه النظرة إذا قدر للصين أن تقود العالم أو تشترك فى قيادته، مثل هذا التنبؤ ليس مهمة سهلة بالطبع، ولكن المرء كان يتوقع أو يأمل إذا تجرأ كاتب على القيام بهذه المهمة، أن يكون هذا الكاتب هو هنرى كيسنجر، فإذا وصل القارئ إلى النهاية وقرأ فصلا بعنوان (إلى أين نحن ذاهبون؟) لا يجد أيضا ما يشفى غليله. هناك ملاحظة شيقة عن سمة من سمات الحالة الراهنة للنظام العالمي، ربما كانت مسئولة عن كثير مما يمر به العالم الآن من متاعب وهى أن «العولمة الاقتصادية»، لا يقترن بها «عولمة سياسية»، إذ بينما تسقط الحدود الفاصلة بين اقتصاد أمة وأخري، لاتزال الحدود السياسية، القائمة على القومية والسيادة الوطنية، قوية وحاسمة. ولكن هذه الملاحظة لا تأخذنا بعيدا فى محاولة تصور ما يمكن أن يحدث للنظام العالمى فى المستقبل.
هنرى كيسنجر بلغ الواحد والتسعين من عمره، وقد يكون لهذا علاقة بما أشكو منه، ولكن للقارئ عذره إذا ظن أنه فى حالة رجل مثل كيسنجر، قد يكون من الممكن التغلب على ما تفرضه الشيخوخة من قيود.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.