ثمة حقائق جد مهمة طرحتها ندوة الأمن المائي.. من الخطر إلي التحدي والتي أدارتها ونشرت وقائعها جريدة الأهرام الغراء لعل أهم أو بالأحري أخطر هذه الحقائق هي: توقعت دراسة أجريت سنة2003 أن يصل حجم استهلاك مياه الشرب في مصر إلي سبعة مليارات متر مكعب في عام2017, بيد أن المفاجأة هي أن حجم الاستهلاك وصل الآن أي قبل الموعد المتوقع بسبع سنوات إلي تسعة مليارات وليس سبعة مليارات متر مكعب. في عام1959 حيث كانت الحصة المائية لمصر من نهر النيل17 مليار متر مكعب, وهي نفس حصتها الآن كانت المساحة الزراعية نحو5,6 مليون فدان وأصبحت الآن نحو9,2 مليون فدان. والأخطر أنه للمحافظة ولا نقول للتغلب علي الفجوة الغذائية الموجودة حاليا فلابد من زيادة الرقعة الزراعية بمقدار3,4 مليون فدان حتي عام2017, وهو ما يعني احتياجنا لكميات إضافية من المياه لزراعة هذه المساحة( ملحوظة: نحن نستورد الآن بما قيمته خمسة مليارات دولار من الأغذية سنويا). لابد من الاعتراف أننا في مأزق حقيقي بسبب الإمكانات المائية المتاحة والمحدودة( نصيب الفرد في مصر الآن750 مترا مكعبا من الماء في مقابل1500 متر مكعب كمتوسط عالمي في العام). وفي نفس الوقت فإن احتياجاتنا من المياه تتزايد نظرا لزيادة عدد السكان وزيادة معدلات التنمية. هناك زراعات مستنزفة للمياه( ثمانية آلاف متر مكعب من المياه/ فدان أرز,18 ألف متر مكعب من المياه/ فدان موز) وعلي الرغم من ذلك فقد زادت مساحة الأرز من70 ألف فدان في ثمانينيات القرن الماضي إلي2,2 مليون فدان الآن بسبب ربحية هذا المحصول, وذلك علي الرغم من فرض الغرامات المالية علي المخالفين. كذلك فإن هناك توسعا لافتا في زراعة الموز. من ناحية أخري فإن المزارع السمكية تعتبر من المصادر المستنزفة للمياه حيث يحتاج الفدان الواحد إلي خمسة عشر ألف متر مكعب مياه). ومن ثم فلابد من وضع استراتيجية رشيدة لإدارة المياه فليس من الحكمة قط ان نقوم بتصدير مياهنا المحدودة في صورة ارز او موز للخارج. لابد من تغيير طرق الري التقليدية بالغمر والمتبعة حاليا وتؤدي الي هدر كبير في المياه بحيث نستخدم تقنيات الري الحديثة كالرش والتنقيط, وفي مقدورنا تطويع السيول وتحويلها من نقمة كما حدث اخيرا في سيناء واسوان الي نعمة, فهناك دراسات علمية تؤكد امكانية الاستفادة من مياه السيول في شمال سيناء في زراعة خمسة ملايين فدان. لقد اصبح لزاما علينا تغيير ثقافة المجتمع من( ثقافة وفرة المياه) الي( ثقافة ندرة المياه), ومن ثم فإن انشاء حمامات السباحة وملاعب الجولف في التجمعات والمنتجعات السكنية الجديدة هو سفه يصل الي حد( الجريمة) أن يستهلك الفدان الواحد من ملاعب الجولف نحو17 ألف متر مكعب من المياه سنويا). وفي هذا السياق فلابد من انتهاج سياسات مائية جديدة كإعادة تدوير المياه المستخدمة في الصناعة للتبريد وغيره, وضرورة تركيب عدادات مياه بالوحدات السكنية علي منوال عدادات التيار الكهربي والغاز الطبيعي. إن مسئولية الحفاظ علي المياه هي مسئولية وطنية منوطة بالجميع, سواء من حيث ترشيد الاستخدام او تنقية المياه من الملوثات نتيجة للصرف الصحي ومخلفات المصانع, وما الي ذلك من ملوثات لا يئن منها نهر النيل فحسب بل ومخزون المياه الجوفية.. وهذه جريمة كبري بكل المقاييس. الأنكي أن جزيرة الوراق لا يوجد بها شبكة صرف صحي, ويقوم سكان هذه الجزيرة(70 ألف نسمة) بالصرف الصحي رأسا وجهارا نهارا في النيل نفسه! د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية