فى دراسة لمنظمة البيئة الألمانية قام بها الدكتور يورج رخنبيرج - الخبير الأعلى بشأن المياه، مستشار جهاز البيئة الاتحادى التابع للحكومة الألمانية - نشرت مؤخراً عن استهلاك المياه فى ألمانيا وانعكاس ذلك على معدل الاستهلاك السنوى للفرد، والذى يظهر أن الاستهلاك الفعلى المبنى على مؤشرات حقيقية لم تكن تدخل فى الحساب من قبل قد فاق كل توقع، إذ إن الدراسات السابقة كانت تظهر فقط الاستهلاك المباشر للفرد الألمانى من المياه فى حدود 4.3 متر مكعب فى السنة، باعتبار أن استهلاكه لأغراض الشرب والاستحمام والطهى لم تكن تتعدى 1300 لتر فى العام مبقية استهلاكه الإجمالى فى حدود 3 أمتار مكعبة أى ثلاثة آلاف لتر للاستهلاكات الأخرى المنظورة. الجديد الذى أورده هذا الخبير يخلص إلى أن استهلاك الفرد الألمانى من المياه يبلغ 500 متر مكعب فى العام وليس كالسابق حسابه خلال السنوات السابقة والذى كان حده الأعلى 4.3 متر مكعب، أى أن الدراسة رفعت القيمة لأكثر من 120 ضعفاً وهو أمر غير مألوف فى علم الحساب أو التقاليد البحثية لتجاوزه كل التوقعات بهذه النسبة الصادمة للرأى العام وشؤون البيئة وعلوم الموارد الطبيعية، وهى أمور تقع جميعها داخل وجدان وسلوك الشعب الألمانى على اختلاف مستويات الدخل والثقافة. سارعت الصحف بالاتصال بخبير البيئة، مصدر هذه الدراسة، لتسأله عن التفاصيل التى استجدت فى دراسته ولم تكن مألوفة فى الدراسات السابقة عليها، وفاجأنا هذا الخبير كما فاجأ العالم المثقف بحسابات كانت ساقطة من قبل، أهم تلك الحسابات أن المحتوى المائى الذى يدخل جسم الإنسان أو استهلاكه فى أوجه أخرى لا ينحصر فى مياه الشرب ومشتقاته التى يتناولها الإنسان بالطريق المباشر. والذى لا يتعدى 1400 لتر فى العام، وقال مفجراً قنبلته الحسابية إن كيلو الأرز الذى يتناوله الإنسان يحتاج مكوناً من المياه فى زراعته حتى ينضج ويصبح صالحاً للأكل تبلغ قيمته 5 آلاف لتر من المياه. أما كيلو اللحم البتلو فيحتاج لأكثر من 10 آلاف لتر من المياه، وهو استهلاك العجل خلال دورة حياته التى تنتهى بإنتاج كيلو اللحم، كما أورد أن المكون المائى لإنتاج بنطلون جينز يصل إلى 5 آلاف لتر قبل أن يصبح جاهزاً للاستعمال. أما كيلو البن فقد بلغ رصيده من المياه رقماً غير متوقع إذ بلغت قيمته 20 ألف لتر، أما النبيذ المستخرج من العنب فقد بلغ رقماً كبيراً أيضا يفوق غيره من المشروبات حيث تبلغ قيمته ألف ضعف من المياه للسعة اللترية للنبيذ. امتدت تلك القائمة الطويلة لتشمل جميع مدخلات جسم الإنسان من الموارد الغذائية كما تضمنت استهلاك المياه فى منتجات الألومنيوم والأسمنت والحديد والكيماويات ورصف وتعبيد الطرق وغيره لتخرج لنا بهذا الرقم لاستهلاك الفرد الألمانى من عنصر المياه والذى بلغ 500 متر مكعب، أى 50 ألف لتر كل عام، كما لم تهمل الدراسة التعرض للفاقد والمهدر من المياه داخل ألمانيا، وقارنت ذلك ببعض الدول المجاورة. فأشارت إلى أن ألمانيا يهدر منها حوالى 14% من موارد المياه الإجمالية نتيجة للتبخر والانسكاب والغسيل غير المرشد للسيارات وأوعية الطعام وغسيل الملابس غير الموفر للمياه. وأوردت الدراسة أن بريطانيا تأتى فى المرحلة التالية لألمانيا فى نسبة إهدار المياه والتى قدرتها ب 19%، أما فرنسا فقد بلغت نسبة إهدار المياه فيها 26%، وأتت إيطاليا برقم 28% من نسبة إهدارها لمواردها من المياه.هذه الدراسة الصادمة للرأى العام الألمانى والأوروبى قد ولدت حلقات من النقاشات بدأ صخبها وينتظر له أن يستمر لسنوات حتى يأتى بأنماط أفضل للحياة على القارة الأوروبية ليوفر فيها الإنسان ظروفا أفضل لسبل بقائه على كوكب الأرض والتى ترتبط بالحفاظ على البيئة والتوفير فى استهلاكه غير المسؤول لمصادر المياه. وما أحوجنا فى مصر للحفاظ على ماء النيل، مصدر الحياة الرئيسى لشعب مصر، ولنبدأ بالحفاظ عليه من التلوث، مروراً بتوفير مياه الشرب النقية والمأمونة لكل المصريين بجميع الربوع، لننتهى بالدخول فى قضية الاستعمال المرشد للمياه، وهى القضية التى تحياها أوروبا حالياً بالعمق الذى فجرته هذه الدراسة. دكتور مهندس / نادر رياض www.naderriad.com