فى لقائه رجال الأزهر الشريف طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى رجال الدين بإحداث ثورة دينية على الجاحدين والمتشددين وإعادة الوجه المضيء للشريعة الإسلامية السمحة بعد أن امتلأت مصر بأناس يتحدثون باسم الدين - وهو منهم براء - فظهرت جماعات تدعو للعنف وأخرى تتهم الناس بالتكفير وثالثة تحرض على العنف.. والإسلام الحنيف لا يعرف هذه الدعوات كما ينبذ التشدد ويحث على العمل والعلم فيقول: «اطلبوا العلم ولو فى الصين» باعتبار أن الصين فى العالم القديم كانت أبعد نقطة جغرافية بالنسبة لشبة الجزيرة العربية. والحق أن هذه الدعوة الدينية تنطلق من فهم خاص للإصلاح والمصلحين الذين كاد ينساهم التاريخ.. فالإمام محمد عبده الذى رحل عن دنيانا عام 1905 كان يرى أن الدين قد تاجر به بعض من يدعون أن لهم به صلة، وكان يحث على الفضيلة، ويرى أن الدين الإسلامى فى حاجة إلى إصلاح بعدما لحقت به عناصر تشددية ليست منه فى قليل أو كثير، والحق إن قبل الرئيس السيسى الذى يدعو اليوم إلى تنوير الأزهر فإن تلاميذ الإمام محمد عبده ومنهم طه حسين وعباس العقاد قد كتبوا فصولا فى دراساتهم تدعو لإصلاح الأزهر الشريف.. بل ان طه حسين كاد يُصنف على أنه عدو الأزهر.. من كثرة دعواه الى إصلاحه.. وعباس العقاد الذى لم يدرس فيه إلا أنه كان يرى خطورته باعتبار أن الشعب المصرى هو فى الاصل شعب متدين كما كان يرى أنه لا صلاح فى المجتمع المصرى إلا بإصلاح الأزهر. والحق أنه قد مرّ زمان على الأزهر (الجامع والجامعة) لم يشعر به أحد بعد أن كان مشايخه يتقدمون الصفوف فى الدعوات إلى التحرر من الاستعمار واطلاق العقل من اساره وتطوير الأزهر الشريف ليكون الحصن الحصين للإسلام الصحيح بعد تنقيته من الشوائب التى لحقت به ودعوته الصادقة للإصلاح فى المسلمين لا فى الإسلام. وعندما يأتى الرئيس السيسى ليدعو مجددا هذه الدعوة الإصلاحية فهو إنما يعيد إلى الأذهان هؤلاء الكبار الذين تتلمذوا على أيدى الإمام محمد عبده أو من تأثروا به.. وهى لعمرى دعوة لم يسبقه إليها أى رئيس دولة فى العالم الإسلامي. وبلغة الرياضة فإن الكرة الآن فى جانب الأزهر والأزهريين بعدما ثبت أن الرئاسات السابقة كانت تستهدف إما تدجينه أو القضاء عليه.. والحق أن هذا الشيء قد حدث بالفعل سواء فى عصر المخلوع أو المعزول. ولا شك أن شيخ الأزهر الحالي.. وهو رجل مُستنير ومنفتح على الفكر العالمي، وسوف يسترشد بهذه الدعوة وهو قادر على أن يعيد الأزهر الشريف لمكانته القيادية والإصلاحية التى كانت له منذ أسسه الفاطميون قديما. ولا يبتعد عن هذه الدعوة ثورة أخرى نادى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقائه المثقفين وكأنه - وهو يدعو لهذه الثورة بطرح السؤال الذى ملّ بعض المثقفين من ترديده وهو التالي: لماذا لم يظهر لنا طه حسين جديد.. ولماذا افتقدنا عباس العقاد.. ثم توفيق الحكيم! وقبل هؤلاء وبعدهم لماذا لم تشهد الساحة الثقافية المصرية مولدا كمولد أمير الشعراء أحمد شوقى أو حافظ إبراهيم. أما السؤال الأكبر فهو : بعد رحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ.. لماذا لم يظهر لنا نجيب محفوظ جديد؟ بالطبع الرجل يقدر جميع المحاولات الأدبية والثقافية التى يمتلئ بها القطر المصري.. لكنه يود صادقا أن تمتليء الساحة الثقافية بعشرات بل مئات من هذه العقول. ولأنه يؤمن أن مصر غدا ستكون أفضل من الحاضر.. فدعوته بالثورة الثقافية أمام عدد من المثقفين إنما يؤكد أنه مؤمن بالثقافة والمثقفين.. ثم انه يرى أن شعب مصر قد قام بثورتين: ثورة 25 يناير وثورة 30 يوليو.. وقد كشفت - أو هكذا ينبغى أن يكون - الثورة كافة مجالات الحياة لأنها قائمة وباقية فكان لابد أن تظهر فى كتابات المثقفين وفى تأملاتهم، وأشعارهم وامنياتهم لما ينبغى أن يحدث.. مثلا إذا غابت عنا دقائق الثورة الفرنسية وجدناها فى كتابات فولتير ودبدرو ومونتسكسيو وآخرين. لقد كان الرئيس السيسى صادقا فى كل كلمة قالها لبعض من مثقفى الأمة المصرية.. بقى أن يترجم هؤلاء هذه الدعوة التنويرية، فمصر تنتظر من كل ابنائها سواء فى الأزهر الشريف أو الثقافة التى تعرضت للمسخ سنين عددا أن تحمل مشعل الإصلاح والتنوير مرة أخرى وأن تتقدم الصفوف نحو غد أكثر اشراقا واستقرارا. هذه الدعوات التى اطلقها الرئيس السيسى على مرأى ومسمع من الجميع يجب ألا تذهب ادراج الرياح.. فنحن نعيش ثورة، ثم اننا نعيش فى مصر الجديدة التى بناها شهداء الثورتين معا.. ناهيك عن ان الريادة المصرية قد عادت والمكانة العربية والاقليمية والدولية قد استأنسنا بها بعد طول غياب.. اما مفتاح هذا كله فهو العمل الدءوب والمثابرة والأمل فى أن مصر غدا ستكون أفضل من حاضرنا. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي