حكاية هذا الأسبوع عن « العفريت الكهربا » ، هو الاسم الذى أطلقه العامة فى مصر على الترام بإعتباره كان أعجوبة فى بداية تشغيله ، ولهذا العفريت حكايات كثيرة وجميلة تحمل رائحة الذكريات والزمن الجميل ولكنى اخترت إحداها لما فيها من طرافة وصدق ومعان جميلة ، والوثيقة التى أعرضها هذا الأسبوع هى توصيف لحال مصر فى الماضى حيث كان الالتزام فى العمل والصدق والأمانة هو شعار العمال والموظفين وكان كل واحد يقوم بالمطلوب منه وفى نفس الوقت كانت الدولة تقوم بمراقبة أداء هؤلاء العمال والموظفين لوظائفهم لضمان حصول كل من المواطن والدولة على حقه . والوثيقة هى عبارة مجموعة من الأوراق الصفراء القديمة بعنوان « تقرير خصوصى » أول تقرير كتبه منصور جويدة المفتش بإدارة النقل المشترك بالرمل على خط فيكتوريا بتاريخ 16 أكتوبر 1943 يقول فيها « إنه أثناء إجرائى عملية التفتيش بالدرجة الأولى من القطار على سكة النازل من بين محطتى الأزاريطة والإسكندرية طلبت تذكرة إحدى السيدات فقدمت لى تذكرة فئة عشرة مليمات ولما سألتها عن السبب الذى يخول لها أخذ نصف تذكرة أجابت بأنها دفعت للكمسارى تذكرة كاملة وهو مبلغ عشرين مليماً ولما سألت الكمسارى لم ينكر وقال إنه صرف التذكرة الخطأ بطريق السهو بسبب زحام القطار مع العلم بأن ركاب القاطرة لم يتعدوا الثلاثون راكباً لذلك أخذت منه تذكرة أخرى بقية حق ( المصلحة ) ونبهت الكمسارى لخطئه وحررت هذا للعلم » . أما التقرير الثانى فمقدمه هو قوسة جندى بتاريخ 4 مايو 1949 يقول فيه « بينما كنت موجود بمحطة رأس التين وبوصول العربة المذكورة من الأنفوشى فى إتجاهها لمينا البصل وجدت الكمسارى واقفاً بدون عمل وتارك إحدى السيدات دون تذكرة وهى تدعى أنها ركبت من محطة الحجارى فدفعت ستة مليمات ثمن التذكرة ولإهماله حررت ذلك وعملت معه ملحوظة » . أما التقرير الثالث وهو الأكثر أهمية فمقدمه زكريا حنا يقول فيه « صعدت السيارة المذكورة من محطة عزبة سعد فوجدت عسكرى بوليس جالساً فى الدرجة الأولى فطلبت منه تذكرته فأجاب ( عند الكمسارى ) الذى قال ( أنا قلت له أقعد ) فسألته عن السبب فأجاب الكمسارى بقوله ( خد تذكرة وخلاص ) فسألت العسكرى عن محل ركوبه فأجاب الكمسارى نيابة عنه ( ركب من النزهة ) فما كان من المفتش الا أن أخذ تذكرة من الكمسارى فئة عشرة مليمات وأرفقها بالتقرير الذى رفعه للمصلحة باعتباره مستهترا فى عمله . من هذه الوثائق نتبين أن ترام الإسكندرية كان يوظف مفتشين للمرور على العربات والمحطات ومراقبة أداء الكمسارية ومعاقبة المهمل ورفع التقارير وتغريم المخطئ لضمان حصول الدولة على حقوقها دون الجور على حقوق المواطنين، بغض النظر عن شخصية الركاب وهو ما يبدو واضحاً فى الحوار الذى أجراه المفتش مع عسكرى البوليس انتهى بتغريم الكمسارى ليتحمل نتيجة خطئه وقيامه بمجاملة العسكرى على حساب الدولة .. فأين هؤلاء المفتشون الآن .. ما أحوجنا اليهم فى كل مرافق الدولة . بقى أن أقول أن قصة إنشاء الترام ترجع الى نهاية عهد محمد سعيد باشا فى 16 أغسطس 1860 حين منحت الحكومة المصرية التاجر الإنجليزي السير ادوارد سان جون فيرمان امتيازا لإنشاء خط سكك حديدية يصل ما بين الإسكندرية والرمل ، وفي سبتمبر 1862 وضعت أول قضبان حديدية في منطقة مسلة كليوباترا (محطة الرمل حاليا)، ليشرع في مد الخط الحديدي، ليفتتح في 8 يناير 1863، حيث تم نقل الجماهير في ذلك اليوم بواسطة قطار واحد من محطة الإسكندرية إلى محطة بولكلي، عن طريق مسجد سيدي جابر، وكان القطار يتكون من عربة واحدة درجة أولى، وعربتين درجة ثانية، وعربة واحدة درجة ثالثة، حيث كان يجره أربعة خيول ، وفى عهد الخديو إسماعيل تم استخدام القاطرة البخارية في 22 أغسطس 1863 ، ثم أعقب ذلك إنشاء شركة «سكك حديد الإسكندرية والرمل» برأس مال قدره 110 آلاف جنيه إنجليزي، واستكمل مد الخط الحديدي من محطة سبورتنج إلى محطة مصطفى باشا، وفي عام 1897 بدأت الشركة في ازدواج الخط ما بين محطة الرمل، ومحطة بولكلي، ليصبح هذا الخط هو الأساس، الذي تطور بعد ذلك ليصبح خط ترام الرمل الحالي. وفي شهر يونيو 1898، شهد خط الترام تطوراً كبيراً، حين قررت الشركة استبدال القاطرات التي تعمل بالبخار بأخرى تعمل بالكهرباء، إلا أن ذلك لم يتم سوى عام 1904، أما المنطقة التي تمتد من محطة ترام السراي وحتى محطة المحمدية، أو فيكتوريا والتى كانت خاصة بالخديوي عباس حلمي الثاني فقد أصبحت متاحة للجماهير عام 1909. أما ترام المدينة (الترام الأصفر) فقد أنشئت شركة بلجيكية لتشغيله عام 1897، باسم شركة «ترامواي الإسكندرية»، حيث استخدمت الترام الكهربائى، وقد أقيم الاحتفال بتسيير العربات الأولى في 11 سبتمبر 1897 بحضور الخديو عباس حلمي الثاني. وكانت المحطة الرئيسية في مينا البصل أمام مبنى بورصة القطن . وحول حفل افتتاح الترامواي، يقول أحمد شفيق باشا في مذكراته : «في 11 سبتمبر 1897 احتفل بافتتاح أول خط للترام بالإسكندرية، فاجتمع جمهور عظيم من الناس في شارع المنشية الصغرى مبدأ الخط الكهربائي، وأوقفت خمس عربات كهربائية لحمل المدعوين، وأعدت عربة مزينة بالأزهار لركوب الخديوي، وفي الساعة الخامسة حضر سموه فنزل وحيا مستقبليه، وكان قد سبق سموه الغازي أحمد باشا مختار وكبار رجال المعية وحضرات النظار، بعد ذلك ركب الخديو العربة المعدة له وسارت، وتلتها بقية العربات تقل المدعوين، إلى أن وصلنا إلى المكس، وبعد ذلك عدنا بها إلى المخزن العام بكرموز، حيث افتتح الخديو المأدبة التي أقيمت هناك، وبعد ذلك عاد مع حاشيته إلى المنتزه» وبقى أن أقول أنه حتى قيام ثورة 1952 كان سائقو الترام من الإيطاليين، وكان محصلو التذاكر (الكمساري) من المالطيين ... والله على مصر زمان.