فى لبنان ثلاثة رؤساء حسب الدستور اللبنانى ،الأول منصب رئيس الجمهورية وهو من نصيب المسيحيين الموارنة دون غيرهم من مسيحيى لبنان ، والثانى منصب رئيس الوزراء وهو من نصيب المسلمين السنة، وهم من يسمونه وإن اختلف عليه الآخرون، والثالث منصب رئيس المجلس النيابى وهو من نصيب المسلمين الشيعة، وهم من يسمونه حتى وإن اختلف الآخرون. ومنذ خروج رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى من لبنان بعد إسقاط حكومته على أيدى وزراء حزب الله الذين استقالوا جماعيا من الحكومة،ومنصب رئيس الوزراء حائر بين من يقبل به الخصوم سواء مسيحيو 8آذار المتحالفون مع حزب الله – عون وفرنجية – أو حزب الله وحركة أمل الشيعية الممثلان للشيعة فى لبنان، ومنذ لحظة دخول رئيس الحكومة السابق سعد الحريرى بعد عودته من منفاه الاختيارى فجأة إلى السراى الحكومى مطلع أغسطس الماضى خلال معركة عرسال بين الجيش اللبنانى والنصرة وداعش، تبدل الكثير من الأمور على الصعيد السياسى اللبنانى، لا سيّما بالنسبة إلى موقع رئاسة الحكومة. ويرى المراقبون أن منصب رئيس الوزراء السنى فى لبنان خلال المرحلة المقبلة سيكون من نصيب واحد من ثلاثة أولهم وأوفرهم حظا رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى، وارث والده الشهيد رفيق الحريرى مالا وسياسة، مدعوما من السعودية راعية السنة فى لبنان، والشخص الثانى المرشح لرئاسة الوزراء هو وزير الداخلية الحالى نهاد المشنوق، والثالث هو وزير العدل الحالى اللواء أشرف ريفى القادم من مخابرات قوى الأمن الداخلى. والمشنوق وريفى من صقور تيار المستقبل السنى الذى يتزعمه الحريرى، وعضوان نشيطان وفاعلان جدا فى حكومة تمام سلام. ظهر رئيس الوزراء الأسبق وكأنه عاد لاسترجاع ما سلب منه على مدى أكثر من ثلاث سنوات مضت، بعد إسقاط حكومته من قبل قوى الثامن من آذار –حزب الله وعون-، خلال لقائه الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ومن الطبيعى أن يكون رئيس الحكومة تمام سلام أكبر المتضررين من ذلك، خصوصا أن الحريرى عاد مدعوما بمليار دولار من السعودية لتسليح الجيش اللبنانى . يقول خصوم الحريرى إنه عاد بناء على تعليمات سعودية شديدة الوضوح، وهى تريد القول من خلاله بأنّ أى تفاوض فى لبنان يكون عبر رجلها الأول فى لبنان، وهذا لا يعنى، أن المطلوب استقالة الحكومة الحالية، لا سيما أنها ترضى مختلف الفرقاء المحليين والدوليين، وهى ضرورية فى هذا الوقت، لكن المؤكد أن الحريرى عاد ليكون صاحب سلطة الأمر والنهى، سواء داخل تياره السياسى، الذى تنازعت فيه أكثر من شخصية قيادية، أو فى الحكومة، وبهذا المعنى سيتولى هو بنفسه أخذ القرار بما هو مناسب وما هو غير مناسب. وبخصوص نهاد المشنوق وأشرف ريفى، فقد كان الحديث عند تشكيل حكومة تمام سلام الحالية فى فبرايرالماضى يتركز حولهما،وكانت المنافسة شديدة بين ريفى والمشنوق اللذين كانا يتنافسان بكل شىء، بالإنجازات والإطلالات والمواقف، إلى أن اختار ريفى التخلى عن حلم رئاسة الحكومة والتفرغ لمحاولة تحقيق زعامة على مستوى طرابلس أولا، والشارع السنى ثانيًا، فذهب بمواقفه بعيدًا جدًا مقارعًا "حزب الله" ووجّه سهامه أحيانًا للجيش اللبنانى، فطالب بالإطاحة بالمحكمة العسكرية ومعاملة أهل السنة كما يُعامَل الشيعة، معتمدا لغة مذهبية حققت له شعبية فى الشارع السنى، ولكنها أطاحت بحظوظه بتولى رئاسة الحكومة مستقبلا، وهذا الرأى مردود عليه بأن اختيار رئيس الوزراء السنى من حق السنة فقط وممثلهم تيار المستقبل، ومن حق الآخرين –الشيعة والمسيحيون والدروز-الاعتراض، ومن حق السنة التمسك بمرشحهم، وهو ماقد يقود إلى فراغ حكومى قد يطول مثل الشغر الرئاسى. أما صقر المستقبل وزير الداخلية نهاد المشنوق فهو وحيد على الساحة دون منافسين، بعدما نجح فى أن يكون صلة الوصل بين تيارالمستقبل وحزب الله، كما برع بإيجاد قناة للتواصل الأمنى معه أثبتت فعاليتها فى أكثر من محطة، خلال معركة عرسال وبعدها معركة طرابلس، وحوداث البقاع . ولم يرتكب المشنوق غير موقف واحد نارى ضد حزب الله فى ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن مدير فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلى، الذى أغتيل فى أكتوبر 2012، وهو مااعتبره البعض موقفا ضد المشنوق لدى حزب الله إذا رشح لرئاسة الحكومة التى لابد أن تحظى برضا وموافقة حزب الله، ولكن المواقف المشتركة بين المشنوق وحزب الله والتنسيق بينهما لمواجهة داعش والنصرة تغفر له ماحدث خلال ذكرى اغتيال الحسن. أما سجل وزير العدل أشرف ريفى فحافل لدى حزب الله، حيث إنه يخطئ ويعيد الكرّة، لدرجة انه اليوم ممتهن ارتكاب أخطاء استراتيجية تجعل علاقة ريفى بالحزب صفرا، فهو أحرق جميع أوراقه فبات تماما كرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة غير مرغوب به، بل إنه أصبح ضمن لائحة الأسماء التى يضع عليها الحزب "فيتو”. ومنذ سبتمبر الماضى ومع دعوة زعيم تيار المستقبل للحوار مع حزب الله لتخفيف الاحتقان السنى الشيعى، واختيار رئيس توافقى للجمهورية بعيدا عن مرشح 14آذار سمير جعجع، ومرشح 8آذار العماد ميشال عون ،ومع قبول حزب الله مبدأ الحوار والثناء على الحريرى بعد معركتى عرسال وطرابلس، تصبح فرصة ريفى فى رئاسة الحكومة معدومة مثل فرصة رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة ، الذى تفرغ للهجوم على حزب الله، ورفض مبادرة الحوار معه،كما أن ريفى تفرغ للزعامة المذهبية بطرابلس، والهجوم على حزب الله والمطالبة بإلغاء المحكمة العسكرية،ولذلك يصبح وزير الداخلية نهاد المشنوق إن لم يكن الحريرى، رجل السنة وتيار المستقبل لرئاسة الحكومة المقبلة، إذا نجح الحوار بين المستقبل وحزب الله، وتم اختيار رئيس توافقى للجمهورية من المسيحيين الموارنة بعيدا عن عون وجعجع، وبالتالى إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة، وحل مجلس النواب الذى مدد لنفسه مرتين حتى يونيو 2017، فهل يكون منصب رئيس الوزراء من نصيب صاحب الكاريزما السنية رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى، المدعوم سعوديا وفرنسيا وأمريكيا، أم يكتفى الحريرى بالزعامة السنية، وتوجيه الشارع السنى كيف يشاء، وبالتالى يذهب منصب رئيس الوزراء لصقر تيار المستقبل وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذى يبلى بلاء حسنا فى مقاومة الإرهاب وضبط الشارع السنى فى طرابلس وغيرها من المناطق ذات الأغلبية السنية،وكذلك التنسيق الأمنى والمخابراتى مع حزب الله، لنزع فتيل الفتنة السنية الشيعية، ومحاصرة الإرهابيين، وعدم إعطائهم الفرصة بالتعاون، مع الجيش اللبنانى للتقدم داخل لبنان؟ أسئلة تجيب عنها نتيجة الحوار بين المستقبل وحزب الله، ومايسفر عنه انتخاب رئيس الجمهورية وحلحلة الملفات العالقة بين السنة والشيعة .