فى المنطقة العربية، التى عانت ومازالت تعانى من تدهور الموارد البيئية، واستمرار مؤشرات التلوث المرتفعة، والتنمية المنخفضة، ونقص التمويل اللازم لمشروعات مكافحة الفقر والتكنولوجيا المناسبة.. يعتبر الكثير من الخبراء مفهوم «الاقتصاد الأخضر» حلا مناسبا للخروج من هذه الأزمات، ويرون ضرورة زيادة الاتجاه إلى تطبيقه فى مناحى الحياة الرئيسية بالمنطقة العربية، وتضافر جهود الحكومات مع القطاع الخاص لإتاحة فرص الاستثمار فى مجالاته، ونشر الوعى بمفهومه بين أطراف عمليات التنمية.. كى يربح المستثمرون من البيئة، وتربح البيئة من الاستثمار. ولتحديد كيفية تحقيق هذا الربح لطرفى المعادلة: البيئة والمستثمرون؛ جاءت أهمية المؤتمر الثانى ل «المجلس العربى للاقتصاد الأخضر»، الذى اختتم قبل أيام بمدينة دبي، وعُقد تحت عنوان: «فرص الاستثمار فى مجالات الاقتصاد الأخضر»، وشارك فيه طيف من خبراء البيئة والتنمية والاقتصاد من ثمانى دول عربية، وبرعاية عدد من رجال الأعمال والشركات. وأكد المشاركون فى المؤتمر أن هناك فرصا عديدة أمام المستثمرين وقطاعات المال والأعمال العربية لتحقيق مفهوم الاقتصاد الأخضر عبر مجالات: الزراعة، والصناعة الخضراء، والإسكان الأخضر، والسياحة الخضراء، مطالبين بإصدار معايير واضحة لتطبيقات «الاقتصاد الأخضر»، وإصدار دليل أمام المستثمرين بالفرص المتاحة، وإنشاء غرفة عربية له. وشددوا على أهمية أن تخصص الدول العربية مساحات للمجمعات الصناعية المخصصة للمشروعات الخضراء، وبدء برنامج تدريبى لرجال الاستثمار لرفع قدراتهم فى هذا المجال، مع ضرورة الإصلاح التشريعي؛ لإنجاح مبادرات الاستثمار الأخضر، وغيرها من المقترحات والتوصيات والمطالب. الافتتاح.. والمفهوم افتتح المؤتمر كل من: الدكتور محمد النعيمي، الأمين العام المساعد لاتحاد غرف التجارة والصناعة فى الإمارات، وشريف البديوى قنصل عام مصر فى دبى والإمارات الشمالية، والدكتور بدر عثمان مال الله مدير عام المعهد العربى للتخطيط بالكويت، وحسين الفردان مدير مركز البيئة بمنظمة المدن العربية، والدكتور توفيق دبوسى الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية والصناعية بلبنان، ود. مجدى علام الأمين العام المساعد ل «المجلس العربى للاقتصاد الأخضر». كما شارك فيه كل من: اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر، والمستشارة تهانى الجبالي، والعميد عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك. وأسهم فى تنظيم المؤتمر كل من: اتحاد المستثمرين العرب، واتحاد خبراء البيئة العرب، والمجلس العربى للوحدة الاقتصادية. والبداية كانت من تحديد مفهوم «الاقتصاد الأخضر»، باعتباره أحد أكثر المصطلحات تداولا فى المحافل والمنتديات الاقتصادية والبيئية المتخصصة، سواء على المستوى الدولى أو المحلي، كما أنه أحد أكثر المفاهيم التى تشغل فكر خبراء التنمية والبيئة.. لاسيما فى البلدان التى تعانى من مشكلات حادة فى النمو الاقتصادى، وزيادة معدلات التدهور البيئى. ويشير المصطلح - ضمن معانيه الكثيرة - إلى حسن استخدام الموارد البيئية لدفع عجلة التنمية بشكل يضمن استدامة الموارد، كبديل للتنمية التقليدية التى تؤدى إلى تآكل الموارد، وسوء توزيع نتائجها.. ومن هنا تأتى أهمية المصطلح. وقد عرفه برنامج الأممالمتحدة للبيئة بأنه: «ذلك الذى ينشأ مع تحسن الوجود الإنسانى، والعدالة الاجتماعية، عن طريق تخفيض المخاطر البيئية»، وهو بذلك يستكمل مفهوم التنمية المستدامة التى تقوم على ثلاثة محاور هى: البيئة، والمجتمع، ومحاربة الفقر. فرص واعدة للاستثمار فى كلمته، أكد الدكتور مجدى علام الأمين العام المساعد للمجلس العربى للاقتصاد الأخضر أن هناك فرصا عديدة أمام المستثمرين وقطاعات المال والأعمال العربية لتحقيق مفهوم الاقتصاد الأخضر عبر ستة مجالات هى: الزراعة والصناعة الخضراء، وهى الأقل تلوثا وإصدارا للكربون واقتصادا فى الوقود، والإسكان الأخضر الذى يحقق وفرا فى استخدامات الطاقة والسياحة الخضراء التى تحافظ على الموارد الطبيعية، وإعادة تدوير المخلفات، والنقل المستدام. وقال: نحن نحاول إقناع الدول العربية بهذا المفهوم حتى لا تصطدم التنمية بالبيئة، بل يجب أن تدمج فكرة البيئة فى الاستثمار، كما نحاول اقناع المستثمرين بفكرة أن الاستثمار الأخضر يحقق الربح لمختلف الأطراف، قطاع الأعمال والبيئة معا. وألقى د. معتصم راشد كلمة محمد فريد خميس رئيس المجلس، وأشار من خلالها إلى أن عدم الاستقرار السياسى فى المنطقة العربية أدى إلى تزايد الركود والبطالة والعديد من مشكلات التنمية، داعيا إلى إصدار معايير واضحة لتطبيقات الاقتصاد الأخضر، وإصدار دليل أمام المستثمرين بالفرص المتاحة، وإنشاء غرفة عربية للاقتصاد الأخضر، كما أشار إلى أهمية أن تخصص الدول العربية مساحات للمجمعات الصناعية المخصصة للمشروعات الخضراء، وبدء يرنامج تدريبى قومى لرجال الاستثمار لتعريفهم ورفع قدراتهم بهذا المجال. نجاح إماراتى وأكد الدكتور محمد النعيمى نجاح دولة الإمارات العربية فى الأخذ بأسباب التنمية الخضراء فى بعض المجالات، وأن التوجه نحو الاقتصاد الأخضر جزء مهم فى الفكر الاقتصادى للدولة، وأن الإمارات أصبحت مركزا لإعادة تصدير المنتجات الخضراء، والتكنولوجيا اللازمة لها. وقدم العميد عاطف يعقوب تعريفا للاستهلاك المستدام، موضحا أن قدرة الدول على توفير الموارد المتجددة وغير المتجددة ينذر بفناء الشعوب فى حالة فشلها فى ذلك، نتيجة زيادة الاستهلاك غير الرشيد للموارد المحدودة بطبيعتها، لذا ينبغى نشر مفهوم وسلوكيات الاستهلاك المستدام بين المواطنين، وهى مسئولية تقع على عاتق القطاع الحكومى وقطاع الأعمال والأفراد لتوفير الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وذلك يتطلب فهم أنماط الاستهلاك، وتبنى الدولة لاستراتيجية توعية تستهدف تغيير النمط الاستهلاكى للمواطن. واستعرض العميد محمد عبد الله - مدير المجلس العربى للاقتصاد الأخضر - التحديات التى تواجه بلاده (لبنان) فى مجال التنمية والجهود الحثيثة التى تبذلها لمواجهة هذه التحديات، مما أدى إلى انجاح العديد من المبادرات الاقتصادية الخضراء، مشيرا إلى أن لبنان أجرى مراجعة للقوانين البيئية وخطة شاملة لترتيب الأراضى، كما أصدر قانون البناء الأخضر وقانون الطاقة المستدامة الذى سمح للأفراد والمؤسسات الخوض فى مشروعات توليد الطاقة الشمسية. الإصلاح التشريعى مطلوب وطالبت المستشارة تهانى الجبالى بإدماج البيئة فى القوانين والتشريعات كافة، وبمواجهة الجرائم التى ترتكب فى حق البيئة بحزم، قائلة إنه لا يصح أن نعتبر الجريمة البيئية مازالت رفاهية! بينما طالب اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر بالإصلاح التشريعى لإنجاح مبادرات الاستثمار الأخضر، ومشاركة التنفيذيين فى جلسات الإصلاح التشريعي، والقضاء على الروتين والجمود الذى يواجهه التنفيذيون عند تنفيذ المشروعات لاصطدامهم بلوائح إدارية وبيروقراطية تعوق التنمية، وتؤجل ثمارها.