بين الحين والآخر نعانى انقطاع التيار ، وأزمة فى نقص السولار أو البنزين، وتساق أسباب كثيرة وراء تلك الأزمات من انهيار واحتراق فى محطات وأبراج الكهرباء ومن عدم كفاية الإنتاج المحلى للاستهلاك اليومى من المواد البترولية وحاجتنا للاستيراد بالعملة الصعبة ويطرح البعض على القيادة السياسية حلولا ليست باليسيرة على الدولة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، إلا أن هناك خبراء فى الطاقة لهم وجهة نظر مغايرة لهذه المشكلة، حيث يرون أنه لا توجد لدينا أزمة من الأساس فى نقص معدلات الإنتاج من الكهرباء والبترول بشرط استخدامها بالصورة الصحيحة، وأن تكون الأولوية للشعب المصري، وليس لرجال الأعمال أصحاب الصناعات الثقيلة والذين يحصلون على ما يقرب من 100 مليار جنيه سنويا دعما للطاقة التى يستخدمونها فى صناعاتهم المستنزفة للطاقة. الأسباب الحقيقية بداية .. يرى الدكتور سامر مخيمر، رئيس المفاعلات النووية الأسبق، أن الأسباب التى يرجعها بعض مسئولى الكهرباء ويصدرونها للقيادة السياسية ليست سوى محض اختلاق وتجميل وتبرير ، فالقول بأن تدمير بعض أبراج الكهرباء السبب الجوهرى والرئيسى فى الانقطاع المتكرر بالكهرباء بالشهور الأخيرة لا يعدو سوى تحميل لعنصر ثانوى أكثر من مدى تأثيره فى منظومة الكهرباء، فطبقا لتصريحات المسئولين بالكهرباء فإن ما تم تدميره أو تعطيله بالأبراج لم يتعد ثلاثين برجا والتى وصلت فى بعض المبالغات الإعلامية إلى 300 برج. وبفرض خروج هذا العدد من الأبراج من الخدمة، فليس له التأثير المريع على الشبكة وليس من شأنه أن يؤدى لانقطاع الكهرباء بالساعات، فوفقا لتصريحات وزير الكهرباء نفسه فإن عدد أبراج شبكة الكهرباء فى مصر يتجاوز ال140 ألف برج فهل من المنطقى أن يؤثر توقف 30 أو 300 برج فى ظل وجود ذلك العدد الضخم من الأبراج على مستوى الدولة، فتسويق مثل تلك الأسباب وغيرها من أسباب ليس إلا سذاجة مفرطة وشماعة لتعليق الأخطاء عليها، كما أن ترديد القول بأن تدهور القدرات الإنتاجية للمحطات لعيوب التصميم بها وعدم صيانتها واستخدام قطع غيار غير أصلية والتى أدت لانهيار واحتراق بعض المحطات مثل التبين الكريمات طلخه أبى قير وتصوير تلك الأشياء على أنها سبب أزمة الكهرباء فهذا أمر غير مطابق للواقع لأن كل هذه الأسباب لم تؤد إلا لانخفاض فى الطاقة المولده يوميا من 24 ألف ميجاوات إلى 18 ألف ميجاوات. ويؤكد الدكتور سامر مخيمر أنه، وفقا لأرقام الإنتاج، لا توجد مشكلة فى الكهرباء، وذلك بدليل معيار الإنتاج الفعلى والاستهلاك الحقيقى سواء المنزلى أو التجارى لل90 مليون مصرى والذى تتراوح نسبته مابين 40 و42% من هذا الإنتاج، بحيث لا يتعدى ال11ألف ميجاوات مما يتم إنتاجه من الكهرباء سواء كانت 24 أو 18 ألف ميجاوات . ويقول مخيمر: إن وجود مشكلة فى الكهرباء ومعاناة المواطنين من انقطاع التيار على فترات متقاربة ولمدد طويلة يعود لقرارات سياسية صدرت فى عهد مبارك، وللأسف مازال العمل مستمرا بها بمنظومة الكهرباء ، وتلك القرارات تمنح رجال الأعمال والمستثمرين فى أربعة أنواع من الصناعات المستنزفة بشدة للطاقة الحديد والصلب، الألومونيوم الاسمنت البتروكيماويا تحصة خمسين بالمائة من إجمالى موارد الطاقة فى مصر، سواء كانت موارد أولية من غاز وسولار ومازوت أو موارد نهائية متمثلة فى الكهرباء وبذلك حظى ما يقرب من خمسة عشر شخص من رجال الأعمال ب50% من موارد الطاقة بأسعار مدعومة بما يوازى 12ألف ميجاوات دون أى ادنى التزام عليهم ببيع منتجاتهم بأسعار مدعومة وهذا هو السبب الرئيسى والجوهرى وراء أزمة الطاقة ، ومع تدهور انتاج الكهرباء خلال السنوات الأربعة الماضية من 24 ألف ميجاوات إلى 18 ألف ميجاوات تم تحميل العجز والذى يقدر ب 6 آلاف ميجاوات وخصمه من حصة الشعب المصرى دون المساس بحصة رجال الأعمال. ويرى مخيمر أن الحل لازمة الكهرباء والطاقة بصفة عامة أن تعطى الأولوية للشعب وليس لرجال الأعمال ، خاصة من أصحاب الصناعات الأربعة، فوحدة الطاقة مليون طن مكافئ حرارى كانت تمنح لسنوات قريبة لرجال الإعمال ب6 دولارات، بينما كان سعرها العالمى 16 دولارا بما يعنى أن رجال الأعمال كان يتم دعمهم ب10 دولارات يوميا عن كل وحدة طاقة وللأسف تمت زيادة الدعم لهذه الصناعات إلى 13 دولارا ، لان سعر وحدة الطاقة بعد الزيادة الأخيرة وصل إلى 7 دولارات بينما أصبح سعرها العالمى 20 دولارا.
احتياجات الشعب ويرى مخيمر أن القرار المنطقى الذى نتوقعه من القيادة الحالية والتى نعلم مدى انحيازها للشعب هو الالتزام بأولوية توفير احتياجات الشعب المصرى من الطاقة الموجودة والكافية فعليا لاحتياجاته وما يتبقى منها يتم بيعه لأصحاب الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة بشكل مخطط لفترة زمنية محددة يتم فيها تحريك الأسعار وصولا للسعر العالمى لوحدة الطاقة، ويتولى رجال الأعمال بعد تلك الفترة بأنفسهم أمر توفير موارد الطاقة الأولية والنهائية لصناعاتهم الكثيفة بمعرفتهم وبالأسعار العالمية، ويقول مخيمر: إن اتخاذ مثل ذلك القرار سيمثل الحل العادل والواقعى والذى لا يحتاج إلى طاقات أو إضافات جديدة وهو حل غير مكلف للشعب والدولة كالحلول التى تطرح وليس لها تأثير جوهرى على حجم الاستهلاك فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى استثمارات كبيرة ومدد زمنية طويلة لتحقيق منظومة الاستبدال باللمبات الموفرة على مستوى الجمهورية والتى قدرها مسئولو الكهرباء من خمس إلى عشر سنوات وتحتاج من 40 إلى 50 مليون لمبة موفرة، وهو أمر يحتاج لاستثمارات بالمليارات ولشفافية عالية فى التعاقد لتوريد مثل تلك اللمبات، منعا لعدم مطابقة المواصفات.
تصدير الغاز ويقول الدكتور إبراهيم زهران، خبير الطاقة الدولي، إننا للأسف مازلنا حتى هذه اللحظة نصدر الغاز الطبيعى للأردن ولدول أخري، والمفارقة الكبرى أن سعر وحدة الغاز نصدرها للأردن بدولار وربع دولار، بينما نستورده ب18 دولارا والشعب المصري، يدفع الفارق، مع إننا لسنا فى حاجة إلى استيراد الغاز إذا ما توقفنا عن تصدير الغاز المصرى ولن تكون لدينا مشكلة به، خاصة إذا ما اتخذت قرارات بعد منح مصانع الصناعات المستهلكة للطاقة الغاز المدعم، بينما يصدرون منتجاتهم بالأسعار العالمية دون أى عائد للدولة أو المواطن البسيط ، وعلى سبيل المثال أحد مصانع اليوريا يحصل على وحدة الغاز ب 75 سنتا ويكلف طن اليوريا 27,5 دولار ويصدره ب650 دولارا فمع كل هذه المكاسب التى يحققها كان من الأولى أن يعطى الشعب المصرى حقه ، فالغاز الطبيعى سعره فى حوض البحر المتوسط 18 دولارا للوحدة ومن يريد استيراد الغاز أمامه تلك الأسعار ومن يرغب فى الحصول على الغاز المصرى لصناعات التصدير ، فليشتريها بالسعر العالمى وبهذا نرفع العبء والضغط على المواطن البسيط ونحقق العدالة الاجتماعية . وعن باقى المنتجات البترولية يقول زهران أننا نستورد البوتاجاز والبنزين والسولار، وبالنسبة للبوتاجاز يمكننا تخفيض معدل الاستيراد للنصف عن طريق وقف إنتاج بعض المصانع لغاز البروبان لصالح بعض المستثمرين فى وتحويل عملها لإنتاج البوتاجاز مراعاة للمصلحة العامة للشعب، أما البنزين فإننا نستهلك 5ملايين طن ننتج منها 4ملايين أى إننا نستورد مليون طن من البنزين، ولدينا مادة النفتة والتى نصدر منها 2مليون طن وهى لا تحتاج سوى عملية بسيطة لتحويلها لبنزين من شأنه أن يكفى الاستهلاك المحلى ويتوفر منها ما يمكنا تصديره . وعن السولار يقول زهران إننا نستورد منه 7ملايين طن ولخفض حجم الاستيراد منه على الحكومة اتخاذ خطوات وبرامج متنوعة للحد من استهلاك السولار ومنها تحويل استهلاك المصانع للغاز بدلا من السولار ، ورفع كفاءة النقل النهرى ليصل إلى 5% من إجمالى النقل وهذا من شأنه أن يوفر 2 مليون طن سولار سنويا ، بالإضافة إلى ضرورة كهربة السكة الحديد.
الدعم لمستحقيه أما الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية بجامعة بورسعيد فيقول: إن بعض رجال الأعمال فى الفترة من 2005 حتى 2010 كانوا يرفعون اسعار منتجاتهم من حديد وخلافه بصور مجحفة وعندما كنا نسألهم عن تفسير لتلك الزيادة فى الأسعار كان مبررهم أن تلك الأسعار توازى الأسعار العالمية ولا توجد مغالاة فيها، والأجدى على الدولة مادام هؤلاء المستثمرين يبيعون وفق الأسعار العالمية يجب أن يحصلوا على مدخلات منتجاتهم بالأسعار العالمية أيضا وتوجيه الدعم لمستحقيه ورفع العبء عن كاهل البسطاء، لأن دعم أمثال هؤلاء معناه السيطرة على مقدرات الدولة . كما يطالب زهران الحكومة، إعمالا بمبدأ العدالة الاجتماعية و تحقيقا لأهم المبادئ فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو بأن تلغى الدعم تماما عن الصناعات التى تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية، ويتم الإبقاء على الدعم بالنسبة للطبقات الوسطى والكادحة مع ترشيد توزيعه، ويجب أن يكون المعيار الذى يضبط تلك المسألة أن من يبيع بالسعر العالمى يجب ان يحصل على مفردات إنتاجه دون دعم لها، وأن تحكم تلك الصناعات قوى العرض والطلب بالسوق العالمية، فالدولة واجبها يقتصر على دعم المواطن البسيط وان كان هناك دعم يجب أن يقدم لإحدى الصناعات فيستلزم أن يكون من الصناعات الوطنية والتى يتم بيع منتجاتها بأسعار اقتصادية.