السماوات نفس السماوات.. لكن الناس مسكونة بالغياب!.. منذ متى لم نمسك بقلم وأوراق لنركض فى غابات البوح بالشوق والمشاعر؟.. منذ متى لم نبحر فى أمواج الكلمات لنكشف عن مكنونات صدورنا فى رسائل من حنين وغربة وعتب؟.. أنهار من الأحاسيس جففت منابعها تكنولوجيا العصر الجهنّمى الذى نعيش فيه. غرقت المراكب.. لم يعد ساعى البريد يحمل الرسائل.. ولم تعد الكروت البريدية لمصر البهيّة" هى ذاتها بألوانها البهية فى السابق. فى ماضى ليس ببعيد، كانت كلمات المصريين والأجانب تتفتح بأبجدياتها المختلفة على بطاقات المعايدة والكروت البريدية التى تصوّر ملامح الحياة فى المحروسة: شوارعها النظيفة وثياب الأثرياء.. مراكب نيلية وقت الغروب.. وفلاحون يفترشون الحقول.. كروت قديمة تفصح عن زمن جميل أتقن أهله الفن الأصيل. هائمون فى حب الوطن، صوّروا بالإلوان كل بقاعه العذبة. رسموا "بهيّة" بألف وجه، لتبقى أنفاسها العطرة الندية تعبق - دائما وأبدا- بين الورق المقوي. يأتى الغد ولازلنا ننفض الغبار عن الصور القديمة!.. ألا يستحق وطن نوافذه من ياسمين وقلوب نقيّة أن يحلم ببطاقات جديدة؟!.. لنصب الحرية.. ومقاهى الأدباء.. وجسور تحت مصابيحها يبدع الموسيقار والرسام. بطاقات لقمر حالم يضيء حقول الأخضر.. وفضاء أزرق لا يعكره صناعات ملوّثة.. وقناة عبور ترحب بالسفن الصديقة وتحذر العدو أن يصطدم بأحلامها.