تلك الكلمات : «اسمعوا ما كان قبله ستدركون ما فعله» كتبها الاستاذ محمد عبد الوهاب تعليقا على دور سيد درويش فى تطور الموسيقى المصرية فماذا أضاف سيد درويش للموسيقى ؟ كنا قبله نحيا فى عصر فنى واصبحنا بعده بقدرة قادر فى عصر آخر! كيف تبدلت الأمور وإنقلبت الدنيا رأسا على عقب هكذا ؟ سارت الموسيقى فى الدنيا – فى كل الدنيا – منتقلة من مرحلة الألحان الأقل عددا (فى الاغنية أو العمل الفني) إلى مرحلة الالحان الأكثر عددا .. وظل التطور سائرا من الأقل ألحانا إلى الأكثر. كانت أغنية الإنسان البدائى مكونة من لحن واحد (يتكرر دائما) ثم أصبح لأغنية الفراعنة والممالك القديمة لحنين متعاقبان ثم ثلاثة. وبعد ذلك وعندما امتلك الانسان القدرة على جمع عدة ألحان (أى عدة شخصيات موسيقية) والتوفيق بينها فى عمل واحد أصبح يملك فنا موسيقيا روائيا ممتدا، وظهرت آنذاك الملاحم المغناة كالإلياذة والأوديسا. وفى منتصف الحقبة التالية، أى فى العصور الوسطي، وفى القرن التاسع ميلادى على وجه التحديد اهتدت فرنسا إلى طريقة «الاورجانوم» أى ضغط الألحان على نحو يمضى فيه عدد منها معا فى حزمة واحدة وفى زمن واحد أو ما يسمى بالتركيب الرأسى للالحان (وهو ما شاهدناه فى السيمفونية لاحقا) ثم توصلت ايطاليا فى عصر النهضة بالقرن الخامس عشر الى طريقة أخرى أكثر بساطة وهى «الحوار» أو «الديالوج» حيث يقاطع لحن لحنا آخر ويعود الأول لمقاطعة الثانى مجددا ومن ثم يظهر لحن ثالث مقاطع بدوره .. وتظل الالحان تقاطع بعضها بعضا وتسكت بعضها بعضا (تماما كما يحدث فى حوار البسطاء من مقاطعة دائمة). ونمت كل من الطريقة الفرنسية «التركيب الرأسى للالحان أو تزامن الالحان» والايطالية «حوار الالحان» حتى أصبحتا تتصدران مهام التطور الموسيقى العام، بل غدتا «شرط دخول إى موسيقى إلى الزمن المعاصر» وجرت السنين إلى أن أطل عصرنا الحديث ولم تجد الحضارة – أى حضارة – سبيلا أمامها للتطور سوى تكثيف الألحان الفرنسى «تركيب الألحان أعلى بعضها بعضا» أو الايطالى «الحوار». وقد اختار رجل بسيط – عامل بناء يدعى سيد درويش – الطريق الايطالى بإجراء الحوار .. واستبعد الطريق الفرنسى (تاركا غناء المطربين معا بالحان مختلفة فى نفس الوقت) إذ أدرك العامل العبقرى إن الخيار «الايطالي» يمكن قبوله من المصريين! وان حوار إيطاليا الغنائى حيث يقاطع المطربان بعضهم بعضا أقرب إلى أرواح ناسه ومعارفه البسطاء. وعندما لم تكن الاغنية الفردية الجارية فى مصر تسمح بذلك الحوار كان لابد من إنشاء المسرح الغنائى المصرى .. وعاء ملائما للحوار .. وهو ذات الوعاء الذى أنشأته إيطاليا قبل ذلك بثلاثة قرون من أجل نماء حوارها الغنائى وسمته «اوبرا» لقد أقام سيد درويش مسرحه الغنائى فى سنوات 1910 - 1920 فاتحا بذلك الطريق على مصراعيه صوب المعاصرة الموسيقية، وفى ذكرى رحيله فى 10 سبتمبر وبدلا من الاحتفاء بها .. وهو الرجل الذى أدرك أهم ضرورات التطور الموسيقى العام للانسان وعانى الأمرين لتحويل الحلم إلى واقع فى بلاد الشرق الأوسط لا تكف أيادى مجالس آتيليه القاهرة عن تعطيل وإعاقة نشاط الجمعية الوحيدة المعنية باحياء تراثه فى القاهرة! «جمعية إحياء موسيقى سيد درويش» بل تجرى محاولات طرد الجمعية من مقرها فى الغرفة الواحدة البسيطة من غرف الآتيليه بقطع التيار الكهربائى عنها تارة وإغلاق دورات المياه تارة اخرى وتارة ثالثة بتوجيه تهديد بالطرد وإلقاء الآلات الموسيقية خارجا ! ورغم ان جمعيته مقيمة بالمكان – مسجلة بوزارة التضامن – لأكثر من 40 عاما ! لم نسألكم « أين مسرحيات سيد درويش الغنائية ال 31» ؟ ولماذا لا تقدمها دار الاوبرا المصرية – طالما انها دار للمسرح الغنائى ؟ ولماذا تكاد هذه الدار تتخصص فى المسرح الغنائى الاجنبى وحده «الأوبرات» ؟ لم نسألكم «كيف فقدتم مسرحيات سيد درويش ولماذا تركتموها للنسيان! نسألكم أمرا واحدا : «أتركوا فرقته الوحيدة الباقية للعاصمة تتلقى معونتها المالية الحكومية المحدودة (بضع مئات الجنيهات سنويا ! ) وتسعى سعيا لإحياء الباقى من تراثه ! [email protected]