بعد عام واحد من توليه زعامة الصين، شرع «حكيم الصين» دينج شياوبنج فى عام 1979 فى برنامج إصلاحى يعود اليه الفضل الرئيسى فى الانجازات الاقتصادية والصناعية التى حققتها وتحققها الصين حاليا، بعد ان كانت البلاد على شفى »ثورة جياع« نتيجة السياسات الفاشلة لسلفه ماوتسى تونج على مدى ال 27 عاما التى حكم فيها البلاد، وعندما تولى دينج كان 80% من الصينيين يعملون بالزراعة ويسكنون بيوتا من الطين وأسقفها من القش وكان متوسط دخل العامل سنويا لايزيد عن 16 دولاراً! ولم يكن معظم القادة الصينيين وغالبية الشعب قد رأى مدينة حديثة وليس لدى معظمهم الخبرة اللازمة لإقامة دولة حديثة، ولكن »حكيم الصين« تطلع إلى خارج الحدود لتعلم دروس التطور والتقدم، فزار تايلاند وماليزيا وسنغافورة وهى الدول التى كانت قد بدأت تقدما إقتصاديا وصناعيا واضحا آنذاك. وعندما زار دينج سنغافورة على وجه التحديد قال انها النموذج الذى لابد للصين أن تحتذى به، وكانت زيارته لسنغافورة نقطة تحول فى تاريخ الصين وحياة الصينيين. وأرسل دينج مئات الوفود من المحافظين ورؤساء البلديات والحزب الشيوعى إلى سنغافورة ليشاهدوا ويتعلموا كيف يمكن للصين أن تصبح متقدمة مثل سنغافورة. وبدأ دينج باصلاحات تدريجية فى البنية الأساسية من طرق وموانئ واتصالات ومجارى وكهرباء وطاقة، ولم يبدأ مشاريع كبرى تحتاج المليارات مثل قناة السويس أو توشكى وهو فى حاجة إلى بنية أساسية قوية جاذبة للمستثمرين المحليين والاقليميين والدوليين. وبدأ بالاصلاح الزراعى بما أن الصين «كانت» دولة زراعية وأصلح أحوال ملايين الفلاحين الذين عاشوا سنوات من الجوع والفقر. تم وضع برنامجا ل «مناطق اقتصادية خاصة » فى مواقع محدودة لاتطبيق فيها القوانين البيروقراطية ولا الضرائب الباهظة التى طردت المستثمرين، وأقامت الصين العديد من مناجم الفحم لسد حاجتها المتزايدة من الكهرباء، وبذلت جهودا جبارة لزيادة انتاجها من البترول والغاز وشيدت شبكة كهرباء حديثة ضاعفت إنتاجها أربع مرات خلال أقل من عشر سنوات ليكفى الكم الهائل من المصانع التى تم تشييدها، وتحولت الأرض الزراعية إلى مصانع، وأصبح الفلاح الصينى عاملا ماهرا يحصل على دخل سنوى لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار ! لمزيد من مقالات منصور أبو العزم