بات تعديل قانون التظاهر ضرورة ملحة، حتمتها ليس ضروريات الواقع المعاش فحسب وانما أيضا توالى الانتقادات القانونية والحقوقية للقانون ومافيه من عوار قانونى وسياسي، فبعد التأكيدات التى عبر عنها مسئولو قومى الانسان بأن الحكومة على وشك تعديل القانون. أصدرت محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة حكما هو الأول من نوعه بالغاء قرار إحدى الهيئات القومية المستقلة بكفر الشيخ بنقل أحد الموظفين من وظيفته لأخرى بدرجة وظيفية أقل عقابا له على مشاركته فى احدى المظاهرات. واعتبرت ما قام به تعبيرا عن حقوقه المشروعة فى التظاهر السلمى دون تعطيل لمصالح المواطنين، وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها، انه بعد ثورتين متتاليتين لا يملك أحد مهما علا فى الدولة أن يفرض على الشخصية المصرية صمتا ولو بقوة القانون، وحينئذ يكون عدوان الدولة على حرية التعبير بما يعطلها أو يقلصها مولدا للفزع منها، ومثيرا لبطشها ومغريا بعصيانها بالإعراض عن تطبيقها فى حياة المواطنين وهو ما يباعد بين الدولة ومواطنيها، وان هى اقدمت على تقييد حرية المظاهرات السلمية والتعبير على هذا النحو كان ذلك منها اهدارا لسلطان العقل المصرى وتغييبا ليقظة الضمير الوطني.
وذكرت المحكمة فى حكمها ان الشعوب تتعاطف مع بعضها البعض سعيا للحرية، وان حرية التظاهر السلمى اضحت من حقوق الانسان العالمية باعتبارها احدى الوسائل المعبرة عن الارادة الجماعية للمواطنين، وللضغط على الحكومة لتفتح عينيها على مصالح مشروعة لم تكن تراها أو كانت تتجاهلها حتى تتوافق سياستها مع الاحاسيس العامة للجماهير، ومن ثم أصبحت حرية ابداء الرأى فى المظاهرات السلمية من الأدوات اللازمة فى العلم الدستورى الحديث لضمان اصلاح الحكم، وان الحكم الرشيد هو الذى يعمل على تدعيم أواصر تلك الحرية ويحرص على ممارسة المواطنين لها للتعرف على رغباتهم وسبل تحقيقها ليتسنى للمحكومين الاخبار والتعليق على تصرفات المسئولين مما يكفل سلامة تصرفات حكامهم فيكون لتلك الحرية دورها المؤثر فى رقابة الشعب على حكامه، وبغير ذلك لا يبدو للشعب من دور فى متابعة حكامه واجبارهم على سلك الطريق القويم.
وربط الحكم بين تلك الحرية فى التعبير ووجود ضوابط عدة أبرزها ألا يكون مخالفا للنظام العام وأداب المجتمع، والا يترتب عليه تعطيل الانتاج ومصالح المواطنين أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
وانضم لهذا التوجه الكثير من أساتذة القانون الدستوري، الذين دعوا لتعديل قانون التظاهر وإنهاء مشاكل المتظاهرين السلميين المحبوسين حاليا على ذمة القانون، وتعديل المادتين 8 و10 ليصبح التظاهر بالاخطار، وأن يتولى القضاء الفصل فى منع المظاهرة من عدمها حتى لا تكون الداخلية هى الخصم والحكم.
فمن جانبه، أوضح الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستورى أن شبهة عدم الدستورية اقرها حكم محكمة القضاء الإدارى لتمكين الطعن على قانون التظاهر أمام المحكمة الدستورية العليا، ومع ذلك فإن محكمة القضاء الإدارى هى التى قدرت وأقرت بجدية الطعون الدستورية على القانون، مؤكدا أن أهم هذه الطعون تتعلق بالمادتين 8 و 10 فالمادة 8 تنص على انه يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو مظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته مكان الاجتماع والاخطار قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بسبعة أيام على الأقل، على أن يتم تسليم الطلب باليد أو بموجب إنذار على يد محضر.
والمادة 10 نجد أنها تحديدا هى التى حولت الأمر من اخطار الى ما يشبه الإذن والتصريح، كما أنها تعطى لوزارة الداخلية حق الاعتراض على التظاهر إذا رأت أن هناك اخلالا بالأمن دون الرجوع الى القضاء، وهذا أمر مخالف لما نص عليه الدستور، حيث أن التظاهر حق مكفول لكل المصريين، مؤكدا أن أى تقييد لهذا الحق من جانب أجهزة الأمن، لابد أن يكون فى ظل الرقابة المسبقة للقضاء.
وأعرب فرحات عن موافقته على الطعن، وعلى التعديل، حيث أن القانون به نصوص غير دستورية، ولابد أن تجرى عليها تعديلات، وتكون متوافقة مع الدستور والمواثيق الدولية التى صادقت عليها مصر.
من جانبه، قال المستشار أحمد الخطيب رئيس بمحكمة استئناف القاهرة أن تعديل قانون التظاهر ضرورة قانونية، احتراما للواقع الدستورى الجديد الذى تعيشه مصر، حيث ان الدستور قد نص صراحة على أن تتم التظاهرات بالإخطار.
وأوضح أن نص القانون على ضرورة موافقة جهاز الشرطة، هو تعارض صارخ يضع ذلك القانون فى مرمى نيران عدم الدستورية، كما أنه يضع الشرطة على خط المواجهة مع مشكلات المجتمع العمالية ومطالبه الفئوية، والاحتجاجات السياسية، والطلابية. والاقتصادية، حيث تكون بديلا عن الدولة فى مواجهة هذه المشكلات، وفى موافقتها على إجراء التظاهرات من عدمه، موضحا أن هذا هو ما يستنزف طاقتها فى حفظ الأمن ومكافحة الجريمة.
من زاوية أخرى يجب عدم تقييد ذلك الحق بصورة مطلقة أو تحد من وجوده، وضرورة الاخطار، وليس موافقة الشرطة، من أجل تحقيق المعادلة الصعبة بين النظام والحفاظ على أمن المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى احترام حرية التعبير، ولفت نظر الحكومة الى مشكلات المجتمع.
وأضاف أن تعديل ذلك القانون أو الحكم بعدم دستوريته شرط موافقة جهاز الشرطة على القيام بالتظاهرات، ويترتب عليه بصورة مباشرة الافراج على كل المتظاهرين السلميين والمتهمين على ذمة قضايا التظاهر دون ترخيص وذلك لزوال التجريم عن ذلك السلوك، وباعتباره القانون الأصلح الذى يستفيد منه المتهم المحبوس، ويقتصر ذلك على التظاهر السلمي، دون أن يستفيد منه مرتكبو الجرائم الجنائية الأخرى كالتخريب والتدمير أو الاتلاف أو الاعتداء على رجال السلطة.
إلا أن الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى خالفهما فى الرأى بالقول بعدم قناعته السياسية والقانونية بهذا التعديل المقترح فى الوقت الحالي، معتبرا أن مجلس النواب المقبل هو صاحب الاختصاص التشريعى فى هذه المسألة المثيرة للجدل، بالاضافة الى أنه يجب النظر للقانون نظرة تشريعية واحدة وشاملة للقضاء على هذا الجدل، إذ يمكن للحكومة أن تعدل القانون بسبب الضغط الحادث عليها حاليا، ويأتى النواب ويعدلون أيضا القانون بالاضافة والحذف.