الثابت تاريخيًا.. أن الحضارة المصرية القديمة كانت ولا تزال الأكثر جذبًا بين كل الحضارات.. بالنسبة للمؤرخين والعلماء ورجال الآثار فى العالم. بعد الافتتاح التاريخى لأضخم صرح حضارى عالمى على المستويين الثقافى والأثرى فى العالم، تحت مرأى ومسمع الدنيا كلها وبحضور الرئيس السيسى وقادة وزعماء وملوك ورؤساء دول عديدة.. أصبح لدى العالم سجل كامل لأقدم وأروع حضارة إنسانية فى تاريخ البشرية.. وهى الحضارة المصرية القديمة التى كانت نورًا وهاجًا ومشعلًا مضيئًا للعالم كله منذ فجر التاريخ الإنسانى الضارب فى عمق الزمن. وفى ضوء ذلك علينا أن ندرك بكل الوعى والحكمة، أن الضرورة والواجب يحتمان علينا العمل الجاد والسعى الدائم بأن يتم التعامل مع المتحف المصرى الكبير الذى هو بالفعل هدية مصر الحضارة للعالم بوصفه جامعة لعلوم المصريات على شمولها فى كل نواحى العلوم والثقافة والتاريخ والآثار، والتراث والفنون والطب، وعلوم البناء والتشييد وعلم الفلك والطقس والزراعة والتخطيط.. وغيرها وغيرها. والمقصود من وراء ذلك أن يتحول المتحف المصرى الكبير إلى جامعة ومراكز للبحث فى كافة التخصصات المتصلة بالمصريين القدماء والحضارة المصرية التى كانت واقعًا وفعلًا منشأ الحضارة الإنسانية على هذا الكوكب. الحضارة المصرية ومن الطبيعى أن يفتح هذا الصرح الحضارى الضخم المتمثل فى المتحف المصرى الكبير الباب واسعًا لسيل هائل من الاهتمام بالحضارة المصرية القديمة، والبحث فى كل ما يتصل بها من معلومات قديمة وجديدة.. وفى ذلك فإن الثابت تاريخيًا أن الحضارة المصرية القديمة والفرعونية بالذات،..، كانت ولا تزال بالنسبة للمؤرخين ورجال الآثار والعلماء المتخصصين فى تاريخ الحضارات الإنسانية، أكثر إثارة وجذبًا من غيرها من الحضارات الإنسانية، وأيضًا كانت ولا تزال الأكثر غموضًا من كل الحضارات. ودائمًا كانت الحضارة الفرعونية محط أبحاث ودراسات الكثير من العلماء والمؤرخين، والجميع تقريبًا أو ذوو الخبرة والمعرفة المتعمقة منهم حاولوا دائمًا الربط بين الحضارة الفرعونية والحضارات القديمة والمنقرضة. وفى كل الأحوال وعلى مر الأزمنة كانت كل الروايات والمعلومات تؤكد وتجمع على تفوق الحضارة الفرعونية على كل الحضارات القديمة، علمًا ومعرفة وتشييدًا وعمرانًا، ذلك على المستوى المادى، أما على المستوى الروحى والمعنوى فقد فاقت الكل، فهى كانت محلًا للعبادات وموطنًا للتوحيد فى زمن لم تكن الشعوب والمجتمعات الأخرى قد وصلت إلى ذلك. أما على مستوى العلوم.. فى الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والتحنيط والعلاج وغيرها فقد وصلوا إلى آفاق كبيرة مازال الكثير منها مجهولًا وغير معلوم حتى الآن. والمؤكد على ألسنة كل الرواد والمؤرخين هو الإجماع الشامل على أن مصر فى تلك العهود كانت موطنًا للعلم ومنارة للتقدم فى كل المجالات، وأيضًا محطة لكل الراغبين والساعين للمعرفة والعلم والحكمة. وفى ذلك يقول الفيلسوف «أفلاطون» أن كهنة مصر تحدثوا فى كتبهم عن قارة «اطلانطس» التى غرقت، وقالوا إنها غرقت بعد زلزال مدمر وطوفان هائل غمر الأرض كلها وابتلع القارة التى أصبحت مفقودة، بعد أن كانت قائمة بين إفريقيا وأمريكا، ولكنها أصبحت الآن قابعة فى قاع المحيط الأطلسى. هدية مصر للعالم وفى هذا السياق أحسب أننا ندرك جميعًا أن هدية مصر للعالم المتمثلة فى المتحف المصرى الكبير، هو فى جوهره ومعناه ومقصده ليس مجرد معرض للقطع الأثرية المصرية النادرة والقديمة أو المغرقة فى القدم والعراقة،..، ولكنه صرح هائل وسجل جامع لمسيرة الحضارة المصرية القديمة، وما قدمته على مر التاريخ من هداية للإنسانية منذ فجر التاريخ. وبالقطع ليس هناك جديد فى القول بأننا لا ينقصنا فى مصر المتاحف الأثرية التقليدية، التى هى مجرد قاعات لعرض التحف وقطع الآثار النادرة والتوابيت والتماثيل وغيرها وغيرها من الكنوز الثمينة والنادرة،..، والعالم أيضًا لا تنقصه هذه المتاحف وتلك المعارض... ولكن ما ينقصه وينقصنا بالفعل هو ما أشرنا إليه سابقًا من ضرورة وجود صرح جامع ومتكامل ومتخصص فى علوم المصريات، بكل ما يتصل بعلوم وتاريخ وثقافة وفنون المصريين القدماء، وما وصلوا إليه من تقدم علمى واضح وملموس فى الكيمياء والطبيعة والطب والتحنيط والتشييد والبناء والفلك والزراعة وغيرها وغيرها. وما أعنيه من ذلك هو بكل الوضوح،..، أن نتعامل مع «المتحف المصرى الكبير» كجامعة متطورة وحديثة لعلوم المصريات تضم العديد من مراكز للبحث فى كافة الأنشطة والفاعليات المتصلة بالمصريين القدماء والحضارة المصرية القديمة، التى كانت واقعًا وفعلًا منشأة للحضارة الإنسانية على كوكب الأرض. وهذا يعنى بالفعل والواقع أن يتحول المتحف الكبير من صرح أثرى كبير وضخم إلى مشروع حضارى وثقافى هائل، يجعل من مصر مركزًا عالميًا للثقافة والتاريخ ومنارة للإطلاع على الحضارة المصرية القديمة بكل فروعها وتنوعها وتقدمها. الملياردير والأهرامات وطوال السنوات والقرون الماضية وعلى امتدادها للحاضر ثم المستقبل ستظل الحضارة المصرية القديمة وما تركته من معالم وآثار عصية على الاندثار أو الإهمال أو حتى التجاهل.. بل كانت وستظل محطًا لاهتمام الكل ومركزًا للبحث والدراسة.. وجاذبة للأخذ والرد والشد والجذب والأكثر إثارة للسؤال والجدل. ولعل فيما أثير ويثار حول «الأهرامات» و«أبو الهول» و«رمسيس الثانى» و«أحمس» و«تحتمس» و«حتشبسوت» و«نفرتيتى» و«أخناتون» ومن قبلهم وبعدهم «توت عنخ آمون» و«مينا» و«خفرع» و«منقرع» وغيرهم وغيرهم.. خير مثال على ذلك. وإذا ما أردنا مثالًا لافتًا حول سحر الحضارة المصرية القديمة وما تمثله من عوامل جذب وولع واهتمام بالنسبة للعالم وما يمكن أن يحدث فى ذلك من مفارقات أو أخطاء فعلينا أن نرجع إلى الوراء قليلًا.. بضع سنوات لا تتعدى الخمس كى نلقى نظرة على ما حدث من الملياردير الأمريكى الشهير «ايلون ماسك» بخصوص المصريين القدماء وعالمهم الغامض من وجهة نظره. ففى عام 2020 أدخل الملياردير الأمريكى الشهير «ايلون ماسك» نفسه فى إطار المهتمين بالأهرامات المصرية،..، وهو فى الحقيقة لم يكن أول من يهتم بالأهرامات أو المصريات بصفة عامة، كما أنه بالقطع لن يكون آخرهم فهناك مئات الملايين من البشر فى كل الدنيا يهتمون بالأهرامات وكل ما يتصل بالمصريين القدماء. وماسك بالقطع لم ولن يكون هو أو غيره من الأجانب أول ولا آخر من يرون أن الأهرامات معجزة خارقة، وأنها سر غامض وفعل محير وعجيبة من عجائب الدنيا.. لكنه لم يتوقف عند ذلك، بل حاول إيجاد تفسير لسر الأهرامات ولكنه فى محاولته تلك لم يتعب نفسه بالبحث والتقصى العلمى فى تاريخ المصريين القدماء، ولم يلجأ إلى علماء المصريات للعلم.. بل أخذ الطريق السهل والخاطئ الذى سار فيه البعض ممن لا يعلمون بل يدعون المعرفة والعلم.. فانزلق إلى القول بأن الأهرامات بما تمثله من إعجاز غير مسبوق ليست من فعل البشر لأنها من وجهة نظره فوق مستوى الأداء والفعل البشرى.. بل هى نتاج عمل كائنات فضائية أكثر علمًا وتقدمًا من البشر.. ولم يكتف الملياردير ماسك بذلك.. بل أضاف أنه يعتقد بأن الملك الفرعون «رمسيس الثانى» لم يكن أيضًا مصريًا بل هو كائن فضائى. الهرم الأكبر وعلى الرغم من أن تخريفات الملياردير ليست جديدة، فقد سبق إليها البعض ممن لا يعلمون ولا يعرفون الكثير عن تاريخ المصريين القدماء،..، إلا أن ما قاله أثار الكثير من الجدل فى حينها وهذا طبيعى.. فقد فتح هذا الجدل الباب للحديث عن الحضارة المصرية القديمة وعن الأهرامات بالذات، وما يحيط بها من أسرار ومعلومات بعضها محقق والآخر غير محقق وغير دقيق. والثابت تاريخيًا أن الحضارة المصرية القديمة، والفرعونية بالذات كانت ولا تزال بالنسبة للمؤرخين ورجال الآثار والعلماء فى تاريخ الحضارات، أكثر إثارة وجذبًا من غيرها من الحضارات الإنسانية وأكثرها غموضًا وإثارة وعمقًا فى تاريخ الزمن الإنسانى من كل الحضارات المعروفة. أما بخصوص الأهرامات والهرم الأكبر بالذات فإن هناك العديد من الاجتهادات حول تاريخ بنائه، وكلها تدخل فى إطار ما تجود به قريحة أصحاب هذه الاجتهادات،..، فهناك من يؤكد أن الهرم الأكبر قد أقيم وتم بناؤه قبل طوفان سيدنا نوح بثلاثة قرون كاملة، وأن الكهنة فى مصر القديمة قد تنبهوا قبل وقوع الطوفان فأسرعوا بوضع كل أسرارهم وحكمتهم وعلمهم داخل الهرم. وفى ذلك يقول المؤرخ الإغريقى «هيرودوت» إن الكهنة فى مصر القديمة قد ذكروا له.. أن الهرم الأكبر يحتوى على سر الكون كله، ويقول إن هذا السر جاء من الزمن البعيد وسيستمر ويبقى حتى نهاية الزمان. ورغم الشطط الواضح فى رؤية الملياردير الأمريكى ايلون ماسك عن «الأهرامات» و«رمسيس الثانى».. وتورطه فى القول بأن كائنات فضائية هى التى أقامت الأهرامات،..، إلا أن هذه المقولات دفعت بالعالم المصرى والدولى الكبير «زاهى حواس» عالم الآثار إلى تفنيد هذه الادعاءات بالحقائق وبالدلائل العلمية والتاريخية الثابتة، وخاصة فى إشارته الواضحة إلى مقابر ومدافن العمال المصريين الذين قاموا ببناء الأهرامات، وبرنامج العمل الخاص بهم. كما كان الدكتور حواس على قدر كبير من الحكمة والذكاء وهو يعلن فى حينها عام «2020» أن جذور عائلة «رمسيس الثانى» تثبت أنه من الشرقية وليس من كوكب آخر كما ادعى «ماسك».