غابة التشريعات فى مصر أصبحت متخمة بالقوانين واللوائح، لدرجة يصعب على رجال القضاء والقانون فى مصر ملاحقتها والإلمام بها، حتى إن هناك العديد منها أصبح لا يلائم الوقت أو العصر الحالى، ومن ثم فقد القانون قيمته وهيبته وبات عبئا على العدالة الناجزة، ومعوقا لدولة سيادته، فبعض القوانيين تم تعديلها «وترقيعها» عدة مرات ففرغت من مضمونها ونزعت من سياقها، فلم تعد تردع مجرما ولا تواجه جريمة، ومن ثم كان لابد من تطهير غابة التشريعات من قوانين المناسبات والمواءمات، وتعديل بعض القوانين التى تتعارض مع الدستور، ووضع القوانين المكملة له والمترجمة لنصوصه. ولذلك يقول المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض،"لاشك أن القرار بقانون الصادر بتشكيل هيئة متخصصة للاصلاح التشريعي، برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء هو خطوة جديرة بالنظر، وتطمئن المصريين إلى أن اصلاحا تشريعيا سوف يحدث، ومن شأنه الترسيخ لدولة القانون وسيادته على كل المواطنين، بما يحقق فى النهاية العدالة الاجتماعية ومبادئ الكرامة الانسانية. قوانين من القرن الماضى لكن عملا كبيرا كهذا لن يستغرق فترة قصيرة، بل قد يطول لفترة من الزمن تقدر بسنوات، ويحتاج لتضافر جميع الجهود والخبرات القانونية المتمرسة فى هذا العمل، فى بلد يعانى تضخما تشريعيا يقدر بما يزيد على مائة ألف قانون ولائحة وقرار، تنظم شتى أنشطة المجتمع على مدار ما يزيد على مائة عام، ومازال بعض هذه القوانين نافذا وقائما حتى الآن، ومعمولا به طبقا للمادة 224 من الدستور القائم، التى أبقت على كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور نافذا إلى أن يتم تعديلها أوإلغاؤها، وفقا للقواعد والاجراءات المقررة فى الدستور، فضلا عن وضع نصوص الدستور الحالى محل التنفيذ بقوانين تعبر عما جاء به من قواعد وافق عليها الشعب المصرى بكل أطيافه ولاتتعارض مع بعضها البعض. إن القوانين الواجب صدورها تنفيذا لنصوص الدستور القائم تحتاج إلى جهد كبير لدراستها وصياغتها تمهيدا لاصدارها، كالقوانين التى تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المهنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا للمادة 11 من الدستور، التى تعمل بمقتضاها الدولة على ضمان تمثيل مناسب فى المجالس النيابية وحقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها، علما بأن جانبا من هذه القوانين اللازمة لتنفيذ ما جاء بأحكام المادة 11 من الدستور يعتبر قوانين عادية والآخر يدخل ضمن القوانين المكملة للدستور كقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية الأخرى، مما يستلزم وجود مجلس نواب ، وموافقة نسبة معينة من أعضاء هذا المجلس عليها لصدورها تصل إلى الثلثين كما جاء بنصوص الدستور الأخرى، كذلك القانون الذى تكفل بمقتضاه الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والامن الصحي، بما يحفظ الكرامة الانسانية ويحقق العدالة طبقا للمادة 78 من الدستور، كذلك القوانين التى تكفل للمواطن المصرى الغذاء الصحى والماء النظيف طبقا للمادة 79 من الدستور، بالاضافة إلى أن القوانين التى تقرر حقوق وحريات لصيقة بشخص المواطن يجب أن تكون منضبطة لاتقبل تعطيلا أوانتقاصا ولايجوز لهذه القوانين وهى تنظم ممارسة الحقوق والحريات أن تقيدها بما يمس جوهرها أو أصلها طبقا للمادة 92 من الدستور، بما يعنى أن القوانين التى تحدد جريمة أو تقرر لها عقوبة يجب أن تكون لها ضوابط لاتحتمل تأويلا أوتفسيرا بما ينال من حرية المواطنين وحقوقهم الطبيعية فى الأمن والسكينة، اضافة إلى ذلك النصوص الدستورية التى تنص على إنشاء مفوضية عليا لعدم التمييز وأخرى للعدالة الانتقالية حتى لاتتصادم القوانين الصادرة بإنشائها مع نصوص الدستور التى تقرر أن العقوبة شخصية ولاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون، ولاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة على نفاذ القانون، كذلك القانون الذى تستأنف فيه الأحكام الصادرة فى الجنايات طبقا لنص المادة 75 من الدستور، ولما يتم بحث مشاكل التقاضى الأخرى وقلة عدد القضاة الذين ينظرون هذه الاستئنافات. صناعة التشريع يشير المستشار مدحت سعد الدين الى أن مكمن الصعوبة فى هذا الجانب التشريعى هو الناحية الإجرائية التى تنعكس بالضرورة على الناحية الموضوعية فى إصدار هذه القوانين وهى أن هذه القوانين يتم اقتراحها أوتعديلها دستوريا وقانونيا من الحكومة ممثلة فى إدارة التشريع بوزارة العدل، وتمر بعد ذلك على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لبحثها واقتراح أى تعديلات عليها، ثم تطرح على مجلس النواب لدراستها واقرارها طبقا لنصوص الدستور، وبأغلبية معينة فى بعض القوانين كالقوانين المكملة للدستور وهو ما يستلزم عدم الاسراع فى إصدار أى تشريع يتم بحثه فى اللجنة المشكلة برئاسة رئيس الوزراء، إلا إذا استلزمته ضرورة التشريع وفى هذه الحالة يصدر من السيد رئيس الجمهورية فى الوقت الحالى بوصفه ممثل السلطة التشريعية فى غيبة مجلس النواب، على أن يعرض على مجلس النواب بعد انعقاده لاقراره. إن اقتصار اللجنة فى النهضة التشريعية التى تعقد الأمة العزم عليها على دراسة تلك القوانين حتى اكتمال المرحلة الأخيرة من خريطة الطريق بانتخاب أعضاء مجلس النواب هو مما يفضى فى النهاية إلى إخراج هذه التشريعات من خلال الطريق الطبيعى لها، وبعد الدراسة الكافية سواء من الحكومة أو إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لعرضها على مجلس النواب ووقتها يكون لكل حادث حديث يثرى العملية التشريعية ويشارك فيه كل ذى رأى سديد ويحقق ما نصبو إليه جميعا من تقدم ورفعة وازدهار لدولة القانون والعدالة المرجوة.