ضربت منظمات حقوق الإنسان عرض الحائط بكل المباديء التى تزعم أنها تدافع عنها أمام أسوأ موجة عنف وشغب شهدتها فرنسا منذ عام 1968 والتى اندلعت فى عدد من الضواحى الفرنسية منذ شهر أكتوبر عام 2005 وأخذت تتجدد من عام إلى آخر دارت خلالها مواجهات عنيفة بين المهاجرين من أصول عربية وأفريقية وبين الشرطة الفرنسية. ورغم ما أسفرت عنه من سقوط مئات الجرحى واعتقال الآلاف وتدمير العديد من الممتلكات العامة وفرض حظر تجوال إلى جانب إعلان حالة الطواريء ، فإنه لم تصدر إدانة واحدة أو تصريح يشجب الممارسات التى تحدث فى البلاد. وكان حادث مصرع شابين من المهاجرين صعقاً بالكهرباء هربا من مطاردة رجال الشرطة فى حى كليشى سوبوا فى الضواحى الشرقية لمدينة باريس فى السابع والعشرين من شهر أكتوبر عام 2005 الشرارة التى أشعلت نار المظاهرات التى سرعان ما تحولت بعد ذلك إلى مواجهات عنيفة دارت بين قوات الأمن الفرنسية وشباب الضواحى من المهاجرين الذين يعانون من التهميش والإقصاء والبطالة وانسداد الأفق الاجتماعى آنذاك وامتدت أعمال الشغب هذه إلى ضواحى العاصمة باريس ومدن فرنسية أخرى. وعلى الرغم من تحول أنظار العالم إلى هذه الأحداث حينذاك ، فإن السلطات الفرنسية دفعت بنحو 3500 عنصر من قوات مكافحة الشغب إلى جانب الآلاف من أفراد الشرطة إلى أحياء العاصمة وعدة مدن رئيسية أخرى تدعمهم 7 طائرات هيليكوبتر متطورة لقمع أعمال العنف والمظاهرات التى فاقت قدرات الشرطة لمواجهتها وتعالت الدعوات حينذاك لمساعدة الجيش فى مكافحة أعمال الشغب والتخريب التى أسفرت خلال عشرين يوماً فقط عن اعتقال ما يقرب من 3 آلاف شخص وإحراق نحو 9 آلاف سيارة فى مدن باريس وتولوز ونانت وليل ورينيه وليون وأفينيون وكليرمون فيران, بالإضافة إلى تدمير العديد من الممتلكات العامة ومن بينها مدرستين فى ضاحية إيسونى الباريسية. وفى تحد واضح للمجتمع الدولي، أثار نيكولا ساركوزى وزير الداخلية الفرنسية فى ذلك الوقت جدلا واسع النطاق باستخدامه لغة شديدة اللهجة كانت بمثابة صب الزيت فى الناروذلك لوصفه مثيرى الشغب بأنهم حثالة وقوله إن العديد من الضواحى يحتاج إلى تنظيف صناعي، وعلى الرغم من ذلك لم تصدر أى منظمات حقوقية أى تصريحات تدين فيها تصريحات الرئيس الفرنسى أو تطالبه بحل الأزمة سلمياً دون استخدام العنف. ولم يتوقف مسلسل أحداث تمرد الضواحى الفرنسية عند هذا الحد، بل تجددت أعمال العنف فى فيلييه لوبيل شمال باريس فى نوفمبر عام 2007 إثر مقتل شابين فى اصطدام دراجتهما النارية بسيارة شرطة وتسببت فى ذلك الوقت فى إصابة العشرات من عناصر الشرطة الفرنسية ، ثم اندلعت أعمال عنف فى جرينوبل بوسط شرق العاصمة فى يوليو 2010 بعد وفاة شاب فى تراشق للنار مع الشرطة ، الأمر الذى أجبر الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى على إعلان تدابير أمنية مشددة ضد المشاغبين على حد قوله. وأخيراً وليس بآخر، هيمن الصمت على المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، بما فيها هيومان رايتس ووتش، عن الإدلاء بأى تصريح تشجب فيه طريقة السلطات الفرنسية فى قمع المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الشهر الماضى إلى جانب منعها حقا من حقوق المواطنين وهو حق التظاهر بحجة عدم الاحتكاك باليهود فى فرنسا، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع والهراوات لفض المظاهرات. ولم تخرج منظمة العفو الدولية سوى ببيان تدين فيه الحكومة الفرنسية بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين ، كما أعربت فيه عن مخاوفها من ضياع حق التظاهر فى فرنسا.