بعد الصلح مع أسرة المُسنة المتوفاة.. «أطباء قنا» تصدر بيانًا بشأن إنهاء أزمة طبيب الجراحة بقوص    سوء تفاهم انتهى بالتصالح، تفاصيل جديدة بشأن واقعة فيديو الإهمال الطبي بقنا    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    وزير الصحة يتلقى تقريرا عن متابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي للساحل الشمالي خلال الإجازات    البابا تواضروس يعطي نصائح لطلاب الثانوية العامة لاجتياز الامتحانات    أمين «التعاون الخليجي»: دول المجلس تبذل جهودًا لتعزيز السلامة البحرية والبيئية    الزراعة: ذبح 450 أضحية لمؤسسات المجتمع المدني في غرب النوبارية    لتجنب تراكم المديونيات .. ادفع فاتورة الكهرباء أونلاين بدءا من غد 10 يونيو    فوزي مخيمر يكتب: اختطاف سفينة الإنسانية    عضو بالحزب الجمهوري: كاليفورنيا تحولت إلى ولاية فاشلة تحت قيادة الديمقراطيين    أمين عام الناتو: سنبني تحالفًا أقوى وأكثر عدالة وفتكًا لمواجهة التهديدات المتصاعدة    خبير صيني يحذر من تداعيات استمرار التوترات التجارية والرسوم الجمركية المتبادلة بين بكين وواشنطن    زين وعادل ينضمان لفيزبريم المجرى.. والدرع يجدد عقده    بعد صراع مع السرطان.. وفاة أدهم صالح لاعب سموحة للتنس    768 ألف طالب «نظام جديد ».. و45 ألفًا بالنظام القديم    محمد البهنساوي يكتب: حج استثنائي فماذا بعد ؟    جنازة مهيبة لشهيد الشهامة.. وقريته سرادق عزاء مفتوح    العثور على 10 جثث لشباب هجرة غير شرعية غرب مطروح    مصرع موظف في حادث تصادم موتوسيكل وسيارة ملاكي بكفر الشيخ    إلهام شاهين تتألق وسط أجواء ساحرة في الساحل الشمالي | صور    الأربعاء، محمد رمضان يطرح أغنيته الجديدة "أنا أنت"    طارق الشناوي يكشف عن رأيه في «المشروع X».. ويهاجم ياسمين صبري لهذا السبب    استعراضات فرقة الطفل تخطف الأنظار على المسرح الروماني بدمياط الجديدة    بخطوات سهلة.. طريقة تحضير كباب الحلة    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الثلاثاء 10-6-2025    استطلاع رأي: 61؜ % من الإسرائيليين يدعمون صفقة مع حماس تنهي الحرب    إصابة 20 شخصا بحالة تسمم نتيجة تناول وجبة بأحد أفراح الدقهلية    مظهر شاهين عن إحياء أحمد سعد حفلًا غنائيًا: "مؤلم عودة البعض عن توبتهم"    بأنشطة في الأسمرات والخيالة.. قصور الثقافة تواصل برنامج فرحة العيد في المناطق الجديدة الآمنة    لابورتا يحدد بديل ليفاندوفسكي    «سرايا القدس» تعلن الاستيلاء على مسيّرة للاحتلال في شمال غزة    عاد للمرة السادسة.. كيفو يكمل قصته مع إنتر في كأس العالم للأندية    «التعاون الخليجي» يبحث مع «منظمة الدول الأمريكية» تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن المبادرة الرئاسية ل «العناية بصحة الأم والجنين»    حارس إسبانيول على أعتاب برشلونة.. وشتيجن في طريقه للخروج    هل الموز على الريق يرفع السكري؟    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يشهد احتفالات مبادرة «العيد أحلى»    حزب العدل: انتهينا من قائمة مرشحينا للفردي بانتخابات مجلس الشيوخ    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    آخر موعد لتقديم الأضحية.. وسبب تسمية أيام التشريق    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    من الشهر المقبل.. تفاصيل زيادة الأجور للموطفين في الحكومة    مواعيد عمل المتاحف والمواقع الأثرية في عيد الأضحى 2025    حقبة تشابي ألونسو.. ريال مدريد يبدأ استعداداته لكأس العالم للأندية 2025    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع وشون الشرقية    التحالف الوطنى بالقليوبية يوزع أكثر من 2000 طقم ملابس عيد على الأطفال والأسر    الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    ترامب يتعثر على درج الطائرة الرئاسية.. وروبيو يتبع خطاه    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف وسقوط المعنى
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 08 - 2014

بدا اتساع مدلول الثقافة جزءا من رحابتها، وتعقدها في آن، بوصفها مفهوما مركبا بالأساس، وإن بدت في أشد تجلياتها خلقا تبغي ما طرحه الشاعر والناقد توماس إليوت من أنها «هي ما تجعل الحياة جديرة بأن يحياها الإنسان»
وفي جدله العميق مع ماهية الثقافة وتحولاتها يشير المفكر والناقد الإنجليزي تيري إيجلتون في كتابه «فكرة الثقافة» إلى طغيان فكرة الثقافة وبروز أهميتها عندما تتاح شروط التحرر السياسي الذي يبغيه شعب ما، ومن ثم تبقى الثقافة فعلا جوهريا للأمم يتكئ على المساءلة والخيال النقدي الجديد.
وقد حملت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الثقافة بشأن التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة تساؤلات جوهرية حول وعي السلطة بطبيعة الدور الذي ينهض به المثقف، من حيث معناه، وماهيته في آن، فالكلام الذي جاء في معرض الحديث عن التشكيل الجديد/ القديم للمجلس الأعلى للثقافة يكشف وبوضوح عن محاولة دءوب من قبل الوزير لتثبيت اللحظة الثقافية وتأبيدها عند مرحلة ماضوية من عمر الثقافة المصرية الولود والمتجددة، حيث قال نصا: «وأن عضوية المجلس وفقا لتقاليده هي عضوية مدى الحياة لرموز العمل الثقافي في مصر تجدد لمدة عامين بموجب قرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء»، وبعيدا عن التناقض الكامن في التصريح المشار إليه، بين العضوية السرمدية التي وصفها الوزير بأنها «مدى الحياة»، وأنها تجدد كل عامين في الآن نفسه!، أما الأدهى فيتمثل في محاولة إقصاء العقل الطليعي الجديد في الثقافة المصرية وبما أفضى إلى تراجع الدور الثقافي المصري طيلة الأربعين عاما الماضية حيث بدت السياسات الثقافية تفتقر إلى ذلك الخيال الجديد، تراوح في مكانها، وأصبحت الثقافة الحقيقية لا تنتجها المؤسسة الثقافية الرسمية، بل ينهض عليها مثقفون من خارج الإطار، لديهم قدرة على إنتاج أفكار جديدة من جهة، والكشف عن الوجه الطليعي الجديد للثقافة المصرية وتقديم المشاريع الإبداعية المطمورة من جهة أخرى، وأصبحت الثقافة الرسمية ممثلة للعقل التقليدي المحافظ في مقابل العقل الطليعي الجديد الذي يمثله المثقفون غير الرسميين.
وربما تبدو المفارقة بارزة بين سلطة سياسية ناشئة تتطلع لبنيان جديد، وسلطة ثقافية عجوز ومترهلة، وبما يكشف عن حال من سوء الاختيار من جهة، وعبثيته من جهة ثانية، لنصبح في نهاية المطاف أمام إعادة إنتاج لنظام مبارك الثقافي بما حواه من طابع كرنفالي، وتكريس لصيغة التحالف بين الفساد والرجعية، والفرار من معركة الثقافة الحقة في تحرير الوعي المصري وتنويره، فضلا عن تثويره المبتغى بعد ثورتين مجيدتين.
إن المثقف الذي يجب أن يكون أعلى تمثيلات الحقيقة ذ بتوصيف إدوارد سعيد- يسقط معنى وجوده الآن، حين يؤمم الحاضر، ويصادر المستقبل لمصلحة إنتاج الماضي، فتغتال الثقافة بدم بارد، والمحصلة النهائية لا شيء سوى جملة من التصريحات التي لم تغادر حلوق متحدثيها إلى الواقع الحياتي للمصريين، ومن ثم لا تستعاد الثقافة بوصفها أداة لإنتاج المعنى والقيمة والنظر الجديد للعالم والأشياء.
وبدلا من أن تسعى الثقافة الرسمية إلى محاولة تشكيل العقل العام، وتجديد أدواته، تصر على العيش في الماضي، والانقطاع عن متن اللحظة الراهنة، يدعم ذلك أن القائمين على الثقافة أبناء لعهود قديمة، وتصورات ماضوية عن العالم، لكن المدهش حقا أن ذلك يحدث في مصر الآن!، وبعد كل الدماء التي سالت، والشهداء الذين سقطوا، والثورة التي تحاول النخب المزيفة تغييب معناها وتقزيمه. يبدو أن إدراك تعقد اللحظة الراهنة وتشابكها بات عصيا على وزارة الثقافة، فلا هي حملت تعبيرا عن نفس جديد في الثقافة المصرية، ولا هي خاضت معركة الأمة المصرية ضد قوى التخلف والرجعية، واكتفت بالبيانات وحدها دون فعل ثقافي على الأرض، وكان لا بد من تقديم تصور واضح المعالم بعيدا عن الرطان الفارغ للدور الذي يمكن للثقافة أن تلعبه في مقاومة الأفكار المتشددة، ومجابهتها، والانتصار للفكرة التقدمية المحضة دون توازنات سخيفة، ولا حسابات سلطوية ضيقة.
أما المنتج الثقافي ذاته فقد ظل بعيدا عن واقع الناس، لأن الوزارة تعتقد أنها حكر على مجموعة من المثقفين، وليست وزارة لتثقيف الشعب المصري، وهو المنطلق الذي يجب أن يبدأ منه أي تصور جديد عن راهن الثقافة الرسمية.
تغيب المشاريع الثقافية حين تغيب الرؤية ، وتشوش، وترتبك، بفعل المصالح والحسابات الرخيصة، وانتهازية البعض، والمحصلة النهائية ساعتها خروج من الزمن، وانحطاط تاريخي، وتراجع للقوة الناعمة ، والتي باتت الدولة المصرية في حاجة ماسة إليها الآن في ظل تعقد الملفات الخارجية وتشعبها في آن.
يبدو استحضار الماضي عنوانا على إخفاق شديد في التماس مع الراهن، وصوغ سياساته الثقافية، وبما يعني غيابا للمشروع الثقافي المصري المعبر عن توجه حضاري يليق بأمة ترنو صوب عالم أكثر جمالا وعدلا وإنسانية، ومن ثم لا تجد أثرا للمؤسسة الرسمية في القضايا المفصلية للثقافة من قبيل حرية الرأي والتعبير، وحرية الإبداع، فيسجن الكتاب بسبب نصوصهم الإبداعية، ولا تحرك المؤسسة ساكنا لذلك!
إن التعويل على المؤسسة الثقافية الرسمية في إنتاج ثقافة طليعية ومختلفة، يعد ضربا من الخيال، ومن ثم فعلي المثقف المصري المؤمن بناسه، والمدرك قيمة الثقافة مبنى ومعنى، أن يستعيد قيمة المثقف العضوي المنحاز إلى واقعه، والمعبر عنه، خاصة أن الثقافة المصرية في امتداداتها الحقيقية تظل خصبة، وولودا، ومسكونة دوما برهانات التغيير، لكنه تغيير بمنطق المثقفين لا الموظفين، وفي مجرى الكتابة وواقعها، الذي لا يعرفه سماسرة الثقافة وتجارها الجدد.



لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.