نصف مليون ناخبًا في السويس يختارون نوابهم.. غداً    النائب علي مهران: المشاركة بالانتخابات واجب وطني.. ودور الهيئة الوطنية أساس نزاهة العملية الديمقراطية    وزير الري الأسبق: إثيوبيا تحتفظ بكميات ضخمة من المياه.. وسد النهضة يهدد دولتي المصب    أزمة امتدت لأكثر من 10 سنوات.. حلول جذرية لطيِّ أزمة أرض الجمعيات بالإسماعيلية    ضبط 130 طن أغذية فاسدة.. وتحصين 131 ألف رأس ماشية بالقليوبية    وزارة النقل تناشد المواطنين دعم جهود التوعية بمخاطر رشق القطارات بالحجارة    إزاى تكسب 5000 جنيه دخل شهرى ثابت    أسعار الحديد في مصر تتراجع بشكل ملحوظ بسبب ركود سوق مواد البناء    محافظ أسوان: لجان حصر أماكن الإيجار القديم مستمرة.. وسيطبق القانون لصالح المواطن    أوربان يغيب عن القمة الطارئة للاتحاد الأوروبي في لواندا حول أوكرانيا    روسيا: دول غير صديقة قدمت عروضا للتعاون خلال قمة العشرين    إصابة قوية لدونجا في لقاء الزمالك وزيسكو    بقيادة رونالدو.. النصر يضرب الخليج برباعية ويبتعد بصدارة الدوري السعودي    خلال يومين.. مباحث الضرائب تكشف 520 قضية تهرب ضريبي    تموين القليوبية يضبط 354 عبوة من المستلزمات طبية منتهية الصلاحية بطوخ    نقابة الموسيقيين تقرر إيقاف المغني إسلام كابونجا 6 أشهر    أحمد شاكر عبد اللطيف: انزل وشارك فى الانتخابات واختر من يمثلك فى مجلس النواب    ثقافة الفيوم تنظم ورشة فنية لذوي الاحتياجات الخاصة    صندوق التنمية الحضرية يطرح محال ومقرات للحرفيين داخل درب اللبانة بالقاهرة    الإفتاء توضح حكم الشرع في الأخ الذي يحرم أخوته من الميراث    الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا وطرق الحصول على التطعيم في محافظات الجمهورية    كتب له عمر جديد.. إنقاذ حياة طفل ببنها مصاب بقطع خطير فى الرقبة    واشنطن تستعد ل «عمليات عسكرية» ضد فنزويلا    لليوم ال23.. «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر نوفمبر 2025    «إعدام الأسرى الفلسطينيين».. لماذا الآن؟    هل يجوز جمع الصلاة مع أخرى بسبب الدروس؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة دمنهور تحصد 12 ميدالية في بارالمبياد الجامعات المصرية بالإسكندرية تحت شعار "أنت الحياة"    هل كان السبت الممتاز..حقًا؟    محافظ بورسعيد: عمليات على مدار الساعة خلال يومي الانتخابات    شيرين عبد الوهاب: لن أعتزل أنا قوية    نائب رئيس حزب المؤتمر: مشاركة المواطنين في انتخابات النواب 2025 واجب وطني    ضبط سائق ميكروباص خالف الحمولة القانونية بعد تداول فيديو بالفيوم    عودة النصر للسيارات.. انطلاقة صناعية جديدة تقودها الربحية والتطوير الشامل    وزير الصحة يبحث جهود توطين تكنولوجيا الأجهزة الطبية وتطوير الخدمات التشخيصية    الصحة العالمية تكرم الزميلة أمل علام لفوزها بجائزة AMR Media    تأجيل محاكمة 17 متهما بخلية العجوزة    "تصميم وتشييد وتقييم الفاعلية البيولوجية لمشتقات جديدة من البنزايميدازول" رسالة دكتوراه بجامعة بنى سويف    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    تشكيل إنتر ميلان ضد ميلان المتوقع في قمة الدوري الإيطالي    لفصل بعضهم.. زامير يستدعي ضباطا كانوا على رأس عملهم ب7 أكتوبر    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    الإفتاء تكرم المفتين السابقين وأسر الراحلين في احتفالها بمرور 130 عامًا على إنشائها    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    انتخابات مجلس النواب 2025.. "القومي للمرأة" يعلن تخصيص غرفة عمليات لمتابعة العملية الانتخابية    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة.. والفرار من المعركة
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 09 - 2013

في معركة عادلة ونبيلة تخوض الأمة المصرية حربا بلا هوادة ضد عصابات الرجعية والإرهاب, والعنف الدموي, والتي تسعي إلي إعادتنا إلي عصر الكهوف, وإلي تمريغ أنف الدولة المصرية العريقة في وحل التبعية السياسية لقوي الاستعمار الجديد
تلك التي تدعم التطرف بوصفه سلاحها النافذ في تفكيك البنيان الاجتماعي المتماسك للدول الناهضة.
ولأنها مصر ذات التراكمات الحضارية المختلفة, والتنويعات الثقافية المتعددة, كانت مصر بناسها وجماهير شعبها ومؤسساتها الوطنية جميعها في الميعاد, وبدت الدولة المصرية قادرة علي مجابهة جحافل التتر الجدد, والقادمين من براري الماضي التعيس, وبدا الشعب أكثر تلاحما مع جيشه الباسل, غير أن ثمة عوارا في المشهد الراهن, يمكن تلمسه في ذلك الأداء الباهت لوزارة الثقافة والتي كانت المتخلف الوحيد عن المعركة, مع أن مواجهة التطرف تبدأ بالأساس من هناك, فأنماط التفكير الرجعية الماضوية تحتاج نزوعا طليعيا تقدميا لمواجهتها, وتفنيد حججها الساذجة, وصوغ طريق أكثرمواعدة لأفق مصري جديد, يؤمن بالتنوع, وثقافة الاختلاف, ويمجد قيم التقدم والحداثة والاستنارة والإبداع بوصفها قيما أصيلة في تقدم الأمم والشعوب. يجب أن نكرس وباختصار- لثقافة السؤال, والتفكير الخلاق, وكل أطر المجاوزة والتخطي, ومغادرة مناطق الجبن العقلي, والسكونية, والثبات.
لقد غابت الثقافة الرسمية منذ البداية وللأسف الشديد- عن مشهد الثورة الباكر في الخامس والعشرين من يناير2011, هذا الغياب الذي يتعمق خطره الآن بعد ثورة الثلاثين من يونيو2013, ففي اللحظة التي نواجه فيها أفكارا ماضوية تعيسة, تنتمي إلي قرون بائدة, وتصورات خارج اللحظة والتاريخ, تصنع الثقافة في زيها الرسمي البليد رطانا فارغا إما عبر نخب هزيلة متحالفة مع الموقف الأمريكي الاستعماري, أو نخب رجعية بالأساس, تقتات علي كل الموائد, وكلاهما مثقفو الاستعمار, ومثقفو الرجعية لا يدركون معني الأوطان ولا يعرفون قيمتها. وفي هذا السياق الآسن يغيب الصوت الثقافي الرسمي تماما, مثلما غاب من قبل مرارا وتكرارا, فلم نر مثلا- قوافل ثقافية تخرج إلي القري والنجوع والكفور المصرية, لتروي عطش الظامئين إلي ثقافة مختلفة, ومتجددة, ترفع- وباختصار- حال العتامة التي خلفتها التيارات المتأسلمة برجعيتها وتخلفها المزري, لم نر في الحقيقة الإمكانات الضخمة لوزارة الثقافة توضع في خندق الدولة المدنية الوطنية الجديدة بنت ثورتي يناير, ويونيو, فالسياسات الثقافية لم تزل كما هي, والوجوه الرسمية شاخت في مواقعها بوصفها تملك حضورا سرمديا عابرا للأزمنة!! فوزير الثقافة نفسه عمل مع كل الأنظمة التي تعاقبت علي حكم مصر, حيث عمل مع مبارك, ومع المجلس العسكري, ومع نظام الإخوان الأكثر رجعية وتخلفا في مفارقة بالغة الدلالة والأسي!, وهكذا الحال مع معاونيه ورؤساء هيئاته المختلفة.
لماذا لا تذهب الفرق المسرحية التابعة لوزارة الثقافة لعمل عروض في الأقاليم المصرية المختلفة, معتمدة علي نصوص درامية حقيقية, تشكل حالة من الوعي الممكن لدي الجماهير؟ ما الخطة التي تعتمدها الوزارة في نشر الوعي الثقافي والمعرفي, وتقديم الوجه الطليعي الجديد للثقافة المصرية من أدباء وفنانين تشكيليين وموسيقيين وغيرهم؟ لماذا لا نستفيد من عروض مسرح الشارع مثلا؟ الثورة بنت التغيير الجذري هكذا الحقيقة, أما الدوران في المكان فمصيره الفشل والإخفاق, الثورة تحتاج قدرا أكبرمن الجسارة والوعي بماهية اللحظة ومهامها الجسام, لا الارتماء في أحضان المقاعد الوثيرة انتظارا للقفز مع من يربح! الثورة يجب أن تصبح خيار الثقافة الوحيد والحقيقي لصوغ عالم أكثر عدلا وجمالا وإنسانية, تستعاد فيه قيمة المثقف العضوي بوصفه حارسا للضمير الجمعي لأمته, عبر انغماسه في واقعه, وانحيازه إلي ناسه وجماهير شعبه, أما ذلك المثقف التقني الانتهازي الذي يؤمن بسيده ولا يؤمن بثقافته, فمصيره إلي الهاوية مع حلفائه من الرجعيين, ولا عجب في أن نجد مثقفين يرطنون كثيرا عن الحداثة, ويديرون مجلات فصلية, وكانوا خدما للوزير الإخواني السابق ولم يجدوا أدني حرج في التعاطي معه!
أما المفارقة الحقة فتتمثل في أنه وبعد سنوات من الوهم الذي باعه عدد من مثقفي نظام مبارك القمعي حول فكرة التنوير, نكتشف نحن وبعد أكثر من عشرين عاما علي حقبة التسعينيات المؤلمة أن بؤر الإرهاب والتطرف والذهنيات الماضوية تنتشر في مصرنا العزيزة, وكأن ما كان من أمر التنويرمدفوع الأجر أشبه ب الكامو فلاش في لغة التصوير, فلو كان وباختصار هناك تنوير حقيقي لما وقعنا في براثن الإرهاب والتطرف, ولما وصل مرسي العياط بجماعته الرجعية إلي حكم البلاد يوما ما, وفي غفلة من الزمن. نريد تنويرا حقيقيا لا زائفا, ابن الخيال الجديد, والنخب الطليعية, والنظر المختلف للعالم والأشياء. لا تنوير الكهنة, والمزيفين أبناء كل الأنظمة, وكل السياقات!
إن صمت الثقافة الرسمية الآن عن مجابهة الإرهاب فكريا, أشبه بمن يهرب من المعركة, ومن يفر من الميدان, الصمت هنا خيانة, وجريمة, مثلما كان الصمت واليأس خيانة كبري إبان حكم المتطرفين الذين لفظتهم ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة. لن تنفض مصر عن كاهلها غبار الرجعية بحق إلا إذا كانت لديها وزارة ثقافة حقيقية خارجة من رحم الثورة, ومؤمنة بناسها, وجماهيرشعبها, تتجه صوب تثقيف المصريين, لا الوصاية عليهم, وتسعي نحو خلق مناخ من الاستنارة الحقيقية, يكرس لكل المقولات الكبري في حياتنا, وبما يحفظ للأمة المصرية هويتها وخصوصيتها الحضارية من جهة, ويصلها بالمنجز الحداثي الغربي من جهة ثانية. ويبقي المعيار الرئيسي ممثلا في مدي قدرة المؤسسة الثقافية علي تنفيذ أجندة وطنية تقدمية للثقافة, تؤمن بالخيال الجديد, والتنوع الخلاق, وتدرك مسئوليتها تجاه ناسها وأمتها المصرية والعربية.
وبعد.. ستخط الثورة طريقها رغما عن أنف الانتهازيين والمدلسين, وستظل معركة المثقفين الحقيقيين رأس الرمح في مواجهة العصابات الرجعية وحلفائها من الفاسدين, الذين يغتالون أنبل ما في هذا الوطن, يغتالون ثقافته الوطنية, ويغتالون مبدعيه, ويقتلون كفاءاته.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.